أفكار وآراء

حزب الله واسرائيل.. معركة سقوط السرديات!



بعد أن بدا واضحًا اليوم، عبر جملة من المعطيات والمؤشرات التي دلت على أرجحية الحرب في المنطقة (رغم عدم رغبة كل من إيران والقوى الدولية والإقليمية) إلا أن التصعيد الإسرائيلي الخطير في لبنان خلال الأيام الماضية، وإن بدا أنه قوي ويتخطى العديد من الخطوط الحمراء التي حددها حسن نصر الله من قبل، سيكون تهديدًا ناقصًا حتى الآن رغم خطورته. بمعنى أن ما يحسبه بعض المحللين السياسيين نقطة ضعف لإسرائيل في مهمة إتمام حربها في الشمال، أي الاجتياح البري لجنوب لبنان سيكون هو عقدة الحرب التي لابد منها لإتمام مهمة حرب الشمال من وجهة نظر إسرائيل؛ أي عودة مستوطني الشمال عودة نهائية مع ضمان أمنهم الاستراتيجي، وهي مهمة ستتكشف عن الكثير من المفاجآت من حيث إنها لن تكون حربًا تشبه الحرب السابقة، لا حرب عام 2000 التي أدت إلى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ولا حرب تموز 2006م.

أمام هذا الخيار الخطير لكل من إسرائيل وحزب الله، تقف جميع القوى الدولية والإقليمية غير الراغبة في الحرب موقف المتفرج منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية للجميع في المنطقة بأنها ستقف إلى جانب إسرائيل حال تدخل إيران في الحرب، لكن الأخيرة بحسب تسريبات موقع (أكسيوس) الصحفي الأمريكي لا تبدو متحمسةً للحرب إلى جانب حزب الله، رغم أن موقع (أكسيوس) سرب خبرًا مفاده أن حزب الله طلب من إيران التدخل في الحرب إلا أن الأخيرة تحفظت على طلبه.

وبإزاء موقف براجماتي كهذا من إيران حيال حزب الله - بالرغم من الضربات التحويلية الخطيرة التي أصابت الحزب في مقتل - ستصبح مفاجآت الحرب في المنطقة أكثر دراميةً فضلًا عن أن توقيت هذه الحرب كان واضحًا أنه التوقيت المثالي لإطلاقها بالنظر إلى سياق جملة من القضايا التي لا تجعل القوى الدولية والإقليمية في وراد التدخل لإنهاء الحرب؛ ما دامت حربًا بين حزب الله وإسرائيل، ما لم تتدخل إيران فيها.

فمن ناحية، تبدو الانتخابات الأمريكية هي الشغل الشاغل الذي لن تفيق منه الولايات المتحدة الأمريكية إلا بحلول الثاني من نوفمبر المقبل، وهذا يعني أن هناك مدة أكثر من شهر لإطلاق يد إسرائيل في ضرب حزب الله الذي بدا أنه قد ترك وحيدًا.

ومن ناحية ثانية، تنشغل أوروبا بحدث الحرب الأوكرانية على نحو لا يجعلها قادرة على احتواء حرب الشرق الأوسط سوى بتلك الرحلات المكوكية التحذيرية لدبلوماسييها إلى بيروت، قبل وبعد الحرب.

لهذا يمكن القول إن الشرق الأوسط أمام فصل درامي جديد وشديد الخطورة جراء هذه الحرب التي تحدث اليوم بين إسرائيل وحزب الله.

وإذا بات مستحيلًا فصل سياق حروب إسرائيل في جنوب لبنان منذ عام 1978عن المآلات الممكنة النهايات لهذه الحرب الأخيرة بحسب وجهة نظر إسرائيل (التي تستهدف إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني) لتظن بعد ذلك أن أمن مستوطنات الشمال بات ممكنًا، فإن ذلك لا يبدو رهانًا منطقيًا يمكنه أن ينهي الحرب بين الطرفين.

عليه، سيبدو واضحًا أن هذه المعركة بين حزب الله (في ظل الظروف القاسية التي يمر بها الحزب، والشروط المثالية المؤاتية لإسرائيل حيال وضع الحزب اليوم) أنها ستكون لا محالة معركة كسر عظم بين الطرفين.

هذا يعني أننا بإزاء حرب مختلفة، وإن كان تاريخها يعكس نمطًا مزمنًا من الصراع الذي لا يمكن أن ينتهي بين الطرفين من دون تدخل دولي وإقليمي نافذ.

لقد كشفت عملية طوفان الأقصى وتداعياتها المحلية والإقليمية عن اهتزاز متعدد الوجهة والمكان لبعض السرديات، تأتي على رأسها سردية ما سمي بمحور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة وما يتصل به كمفهوم وحدة الساحات.

كما كشفت العملية عن خلل خطير في بنية تعاطي النظام الأمني الإسرائيلي مع التهديدات النوعية لأمن إسرائيل؛ كالتي أقدمت عليه حماس عبر هذه العملية، وهو نمط لا يمكن للعالم ولا للقانون الدولي قبوله، كما رأينا في تحرك محكمة الجنايات الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت، بناءً عن الشكوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا وانضمت إليها دول أخرى.

وإذ بات واضحًا أنه ليس بإمكان محور المقاومة خوض حرب استراتيجية طويلة المدى مع إسرائيل، فإن الطريق بات مفتوحًا لنتانياهو لاستكمال خلاصه الفردي في الوصول بهذه الحرب إلى نهايات خطيرة، لا محالة.