إلى أين تتجه الحرب في أوكرانيا؟
الأربعاء / 21 / ربيع الأول / 1446 هـ - 21:14 - الأربعاء 25 سبتمبر 2024 21:14
الآن وقد دخلت الحرب الروسية-الأوكرانية عامها الثالث، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان أي شكل من أشكال السلام أو النصر ممكنا.
يتوقف كثير من الأمر بطبيعة الحال على كيفـية تعريف هذه المصطلحات. عند بوتن، يتلخص الهدف المعلن صراحة فـي القضاء على أوكرانيا كدولة قومية مستقلة وإخضاعها للسيطرة الروسية. ولكن، بعد مرور عامين ونصف العام وتعبئة مقادير هائلة من الموارد العسكرية والقوى العاملة، تسيطر روسيا على حوالي 18% فقط من أراضي أوكرانيا، وأغلب هذه المساحة انـتُـزِعَـت بالفعل فـي عام 2014. قياسا على أهداف حرب بوتن، كانت الحرب فشلا ذريعا. ولكن هل من الممكن أن تتبدل هذه الحال؟ لكي يكون النصر الروسي فـي حكم الممكن ولو من بعيد، يجب أن يُـنهي الغرب جميع أشكال الدعم -المالي والعسكري- لأوكرانيا، ويجب أن يفقد الشعب الأوكراني إرادة المقاومة. وفـي غياب أي من هذين الاحتمالين -أو ربما كليهما- يبدو هدف حرب بوتن غير قابل للتحقيق. فلا توجد أي علامات تشير إلى فقدان الإرادة من جانب الأوكرانيين. فـي حين يقول أقلية من المستجيبين فـي استطلاعات الرأي إنهم قد يقبلون بعض التنازلات الإقليمية كثمن لإنهاء الحرب، فإن هذه الخسائر ستكون أقل كثيرا من أي شيء من شأنه أن يزيل أوكرانيا من الخريطة. كانت المليارات العديدة من الدولارات التي تدفقت إلى أوكرانيا من أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى حاسمة، وينطوي الأمر بالفعل على تساؤلات حول ما إذا كان مثل هذا الدعم ليستمر إذا استعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب البيت الأبيض فـي نوفمبر. ولكن يجب أن نتذكر أن حتى المبالغ الأكبر القادمة من الاتحاد الأوروبي تمثل ما يزيد قليلا عن 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو، فـي المتوسط. وفـي غياب أي علامة تدل على ضعف إرادة الأوروبيين السياسية، فربما يكون من الممكن زيادة هذا الدعم إذا لزم الأمر. علاوة على ذلك، يشهد إنتاج أوروبا من الذخيرة توسعا ملموسا، مع توقعات بأن يصل الإنتاج إلى مليوني طلقة مدفعية العام المقبل. من ناحية أخرى، يبدو أن روسيا تناضل محاوِلة زيادة الإنتاج، وأصبحت تعتمد بشكل متزايد على الذخيرة من كوريا الشمالية.
وهذا جزء من نمط أكبر. فقد فشلت القوات المسلحة الروسية على نحو مستمر فـي تنفـيذ أي عمليات هجومية واسعة النطاق ناجحة منذ الأسابيع الأولى من الحرب. وعلى الرغم من محاولاتها المتواصلة بكل تأكيد -حيث ركزت على خاركيف هذا الصيف- فقد فشلت مرارًا وتكرارًا. ولم يتحقق القسم الأكبر من التقدم الروسي إلا بسحق المدن الأصغر.
لا شك أن الجيش الأوكراني واجه تحديات. فقد نجح فـي دفع روسيا إلى الوراء حول خيرسون وخاركيف فـي عام 2022، لكن هجومه المضاد الذي كان مرتقبا بشدة فـي صيف عام 2023 فشل فشلا ذريعا. ومع ذلك، أظهر الهجوم المفاجئ على منطقة كورسك الروسية الشهر الماضي قدرات جديدة ومبهرة، فضلًا عن تذكير العالم بعزيمة القوات الأوكرانية الخالصة وقدرتها على التكيف. ولكن فـي ظل الأوضاع الحالية، يبدو أن الجيش الأوكراني ليست لديه فرصة كبيرة لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا. ربما يتمكن من تكرار النجاح الذي أحرزه فـي عملية كورسك فـي مكان ما على طول خطوط المواجهة الأمامية، وهو ما قد يترتب عليه آثار سياسية مهمة؛ لكن تحقيق نتائج مستدامة أبعد من ذلك سيكون أمرا بالغ الصعوبة. ما دام بوتن وبطانته يتصورون أنهم قادرون على سحق إرادة الأوكرانيين وداعميهم الغربيين، فسوف يستمرون فـي الحرب. ولكن عندما يتبين لهم أن هذا لن يحدث، وأن روسيا تسلك مسار الانحدار السريع على نحو متزايد، فسوف تتغير الأمور. ورغم أن هذا ربما لن يحدث هذا العام، فهو ليس من المستبعد فـي عام 2025. وربما نستطيع حينئذ أن نتصور ترتيبا مؤقتا من نوع أو آخر ينهي القتال، ولو من دون تحقيق «النصر» لأي من الجانبين. بيد أن السلام الدائم يشكّل احتمالا أشد صعوبة. ولا أعتقد أنه سيكون فـي حكم الممكن ما لم يتحقق شرطان. أولا: لا بد أن يخسر بوتن السلطة. فهو يتحكم فـي الكرملين والمجتمع الروسي بقبضة من حديد، وهو متشبث بهوسه الإمبراطوري إلى الحد الذي يمنعه من قبول أي سلام حقيقي. ثانيا: يجب أن يكون مستقبل أوكرانيا مضمونا بقوة من خلال العضوية فـي الاتحاد الأوروبي وترتيبات أمنية غربية جديرة بالثقة. حينئذ، وحينئذ فقط، قد يصبح السلام ممكنا. ومثل هذه النتيجة ستكون انتصارًا ليس فقط لأوكرانيا، بل وأيضًا لروسيا. فبعد أن تتحرر من المشروعات الإمبريالية المدمرة للذات، قد تبدأ أخيرًا العمل على التحول إلى دولة قومية طبيعية مزدهرة فـي القرن الحادي والعشرين.
كارل بيلت دبلوماسي دولي عمل وزيرًا للخارجية فـي السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيسًا للوزراء من عام 1991 إلى عام 1994.
خدمة بروجيكت سنديكيت