كيف ساعدت القهوة قوات الاتحاد على النصر في الحرب الأهلية الأمريكية؟
الأربعاء / 21 / ربيع الأول / 1446 هـ - 11:17 - الأربعاء 25 سبتمبر 2024 11:17
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
بعد عشرة أشهر من الحرب الأهلية الأمريكية، كان الاتحاد يعاني من نقص في واحدة من الإمدادات الحيوية المهمة، والتي هدد غيابها بتقويض القوة القتالية لجيش الشمال: تلك هي القهوة. كان هذا المصدر الحيوي للطاقة والروح المعنوية يعدّ حيويًّا مثل البارود؛ إذ أمر جنرال الاتحاد بنيامين بتلر جنوده بحمل القهوة معهم دائمًا، قائلًا: إن ذلك يضمن النجاح: «إذا شرب رجالك قهوتهم في الصباح الباكر، فيمكنك الحفاظ على موقفك القوي».
ولكن بحلول عام 1862، انخفضت واردات القهوة بنسبة 40 بالمائة منذ بداية الحرب. على الرغم من زراعة القهوة في جميع أنحاء العالم من جاوة إلى إثيوبيا إلى هايتي، فإن البرازيل كانت المورّد الرئيس للولايات المتحدة. أدى حصار الاتحاد للموانئ الجنوبية، بما في ذلك نيو أورليانز، إلى تباطؤ واردات القهوة من البرازيل بشكل كبير، ولم يتمكن تجار الاتحاد والمقاولون العسكريون من إعادة توجيه سوى جزء من تلك القهوة البرازيلية نحو الشمال؛ وحتى مع محاولة مدن الموانئ التابعة للاتحاد تعويض النقص، استوردت الولايات المتحدة من البرازيل من حيث القيمة أقل بنسبة 50% في عام 1863 مما كانت عليه في عام 1860. وفي الوقت نفسه، تضاعف الطلب أربع مرات منذ بدء القتال، مدفوعًا بالالتزام بتزويد كل جندي من جنود الاتحاد بـ36 رطلاً من القهوة سنويًّا. أصبح العثور على مصدر جديد للقهوة مسألة حياة أو موت.
ومن حسن حظ الاتحاد أن ستيفن ألين بنسون، رئيس جمهورية ليبيريا الناشئة نسبيًّا في ذلك الوقت، كانت لديه خطة. في فبراير 1862، أرسل رسالة إلى الأمريكيين في الشمال مفادها: «في ليبيريا هناك حوالي 500 ألف شجرة بُنّ مزروعة. هناك الآن كمية من البن تُصدَّر من ليبيريا أكثر من أي فترة سابقة». ولد بنسون في ماريلاند لأبوين أمريكيين أسودين متحررين، وهاجر مع عائلته إلى مستعمرة غرب إفريقيا عندما كان عمره 6 سنوات. وبحلول اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 1861، كان أحد أكبر مزارعي البُـنّ في ليبيريا، حيث أعرب عن أمله في أن توفر هذه الدولة الجديدة، التي فرّ إليها عدة آلاف من الأمريكيين السود هربًا من العداء العنصري الأمريكي، وقودًا أساسيًّا في معركة الاتحاد ضد العبودية. كانت السفينة التي غادرت ميناء مونروفيا في أغسطس 1862 تحمل 6000 رطل من القهوة الأفريقية الممتازة. وكانت هذه أول شحنة كبيرة إلى الاتحاد، وسوف تكون حيوية في انتصار الشمال.
حلّت القهوة محل الشاي باعتبارها المشروب المفضل في الولايات المتحدة في فترة الثورة الأمريكية. منذ اللحظة التي ألقى فيها الوطنيون صناديق الشاي في ميناء بوسطن في ديسمبر 1773، أصبح شرب القهوة، ومقاطعة الشاي، علامة أكيدة على الولاء لقضية الاستقلال. وسرعان ما أصبحت البلاد مهووسة، فبحلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كان استهلاك القهوة يفوق استهلاك الشاي بنسبة خمسة إلى واحد. في عام 1832، استبدل أندرو جاكسون حصص الجيش من الكحول بالقهوة، على أمل تنشيط القوات وتقليل حالات العصيان في حالة سكر. وبحلول عام 1860، كانت الولايات المتحدة تستورد ستة أرطال من القهوة سنويًّا لكل رجل وامرأة وطفل في البلاد، وعند اندلاع الحرب الأهلية، كان الأمريكيون يشربون ضعف كمية القهوة التي كانوا يشربونها قبل 30 عامًا.
لكن الحرب شكّلت معضلة لشاربي القهوة في الاتحاد، فقد أدى الطلب المفاجئ على المزيد من القهوة باعتبارها مصدرا أساسيّا للجيش، إلى جانب حصار الموانئ الجنوبية، أدى إلى وقوع أزمة. إن ما استطاع الاتحاد استيراده لم يكن كافيًا لإمداد جيشه بالإمدادات، ناهيك عن تزويد المدنيين الشماليين بالكافيين بالطريقة التي اعتادوا عليها.
ومع ذلك، كان هناك حل بديل يلوح في الأفق، فقد بدأ تحالف مبكر بين دعاة إلغاء عقوبة الإعدام في الشمال والشعب الليبيري في جلب كميات صغيرة من القهوة الليبيرية إلى الشمال قبل الحرب. في عام 1848 وقبل رئاسة بنسون، شَكّلَ شراكة مع التاجر والناشط من جماعة الكويكرز جورج دبليو تايلور، الذي كان يملك «مستودع العمل الحر» في فيلادلفيا، ويبيع حصريًّا السلع والأغذية والملابس المصنوعة من دون استعمال عمالة مستعبدة. {كلمة الحر في سياق هذا المقال تعني عكس العبد}. قام بنسون بشحن ما يقرب من 1500 رطل من القهوة إلى تايلور في العام الأول، واستمرت شراكتهم بشكل مثمر طوال العقد التالي، إذ قاموا بتزويد شاربي القهوة، الذين كانوا يبحثون عن بدائل تجاريّة لا تتضمن وجود العبودية.
وكما يقاطع بعض المستهلكين اليوم العلامات التجارية التي تضرّهم، ويشترون السلع التجارية ويصوتون لمرشحيهم بناء على توجهاتهم السياسيّة، استخدم بعض دعاة إلغاء عقوبة الإعدام التجارة لمحاربة العبودية. كانت حركة الإنتاج الحر الأمريكية تفضل القهوة الليبيرية؛ لأنها كانت تُزرع من دون الاستعانة بعمالة عبيد. دافع الكويكرز وغيرهم من المؤيدين عن هذه القهوة، إذ كانوا يعتقدون أن الناس يجب أن يشتروا القهوة المزروعة بطريقة أخلاقية، حتى لو كانت تكلف أكثر قليلًا؛ لدعم حريّة العمال ومعارضة العبودية.
في ذلك الوقت، لم تكن الولايات المتحدة قد اعترفت رسميًّا بجمهورية ليبيريا، ولم تكن هناك معاهدات تجارية رسمية بين البلدين. وقد وقفت الولايات الجنوبية في طريق الاعتراف بليبيريا منذ استقلالها في عام 1847، بحجة أنه سيكون من غير المناسب للولايات المتحدة أن تستضيف ممثلًا دبلوماسيًّا أسود في واشنطن. لكن هذا الانفصال أوجد فرصة، وعلى الفور، بدأ بنسون في الضغط على حكومة الولايات المتحدة لتوسيع «معاهدات الصداقة والتجارة» التي من شأنها أن تسمح للمزارعين الليبيريين بجلب القهوة على قدم المساواة مع البلدان الأخرى المنتجة لِلْبُــن.
بحلول بداية عام 1862، لم يكن (بنسون) وحيدًا في اقتناعه بأن مزارعي ليبيريا يمكنهم دعم المجهود الحربي للاتحاد. ومن حسن حظ جنرالات الاتحاد أن الرئيس أبراهام لينكولن اعترف رسميًّا بالجمهورية في ذلك العام، ورفع التعريفة الجمركية على واردات البُن إلى 4 سنتات للرطل كجهد لتمويل الحرب. وقد أدى ذلك إلى إيجاد فرصة لاستيراد القهوة الليبيرية الأكثر تكلفة، ولكنها أيضًا أكثر أخلاقية، والتي لا تختلف الآن كثيرًا في السعر عن أنواع القهوة الأكثر جودة مثل تلك الموجودة في جاوة. قام متجر (منتجات تايلورز فيلادلفيا الحُرّة) بتوسيع شبكته في ليبيريا، إذ جلب قهوة جديدة إلى السوق من المزارعين الليبيريين مثل أوتيلو ريتشاردز وتوماس مور.
كما أرسل الاتحاد مستشارين إلى ليبيريا، بما في ذلك إدوارد موريس، وهو تاجر من فيلادلفيا، الذي زار ليبيريا في عام 1862 لإلقاء محاضرات مجانية للمزارعين حول أفضل الممارسات لزراعة القهوة، ولسؤال المزارعين عن الدعم الذي يحتاجون إليه لزيادة حجم اقتصاد القهوة الجديد هذا. لقد كان نجاحه واضحا. أحد المستوطنين الليبيريين، وهو ويليام سي. بيرك، الذي أعتِق للهجرة إلى ليبيريا من قبل الجنرال الكونفدرالي روبرت إي. لي، كتب إلى جهات الاتصال الأمريكية أنه بعد زيارة موريس، «تم مؤخرا تحويل انتباه كل مزارع [ليبيري] تقريبًا نحو زراعة القهوة لتصديرها» للسوق الأمريكية.
نشرت الصحف من ولاية ماين إلى أوهايو إلى كاليفورنيا تقارير مشجعة عن إمدادات القهوة الليبيرية. وفي الوقت نفسه، على الأرض، كانت قدرة الاتحاد على شراء وتوزيع البن من ليبيريا، إلى جانب مصادر أخرى، تساعد في رفع معنويات الجيش. في ديسمبر عام 1862، كتب أحد الجنود أن «ما يبقينـي على قيد الحياة هو القهوة». وكان الشمال يكتسب تفوقًا قويًّا على الكونفدرالية، حيث كان المستوردون، الذين أحبطهم الحصار المستمر الذي يفرضه الاتحاد، لا يحققون نجاحًا كبيرًا. في الواقع، بحلول عام 1863، أصبحت القهوة نادرة بشكل مثير للسخرية في جميع أنحاء الكونفدرالية. لاحظ جندي من ولاية فيرمونت، كان يسير عبر لويزيانا أنّ «أغنى المزارعين لم يتناول الشاي أو القهوة لأكثر من عام، وعندما يتم إحضار أي قهوة منخفضة الجودة إلى هناك، تباع مقابل 8 دولارات للرطل». في المقابل، يُظهر إيصال صادر عن متجر (منتجات تايلورز فيلادلفيا الحُرّة) في فيلادلفيا عام 1863 أنه كان يتقاضى 40 سنتًا فقط للرطل الواحد مقابل حبوب البُـن الليبيرية الممتازة، والتـي وصفها أحد التخصصين في القهوة بأنها ذات جودة «متفوقة» في مقابل القهوة غير الليبيرية؛ أشاد أحد عملاء فيلادلفيا منذ فترة طويلة بـ «قوة القهوة الليبيرية ونكهتها ورائحتها».
كان على الجنود الكونفدراليين، الذين كانوا يتجمعون فوق نيران معسكراتهم في ضوء الفجر، الاكتفاء ببدائل القهوة غير المستساغة التي تخمّر من رواسب البلوط والبطاطا الحلوة وغيرها من المكونات المشكوك فيها. وبحسب ما ورد كان من الصعب الحفاظ على الانضباط العسكري في الجيش الكونفدرالي، حيث أشار أحد جنود الاتحاد إلى أنهم «لا يحصلون على الشاي أو القهوة ولكن الكثير من الويسكي». كتب أحد الجنود الكونفدراليين اليائسين رسالة مكتوبة على عجل وغير مؤرخة إلى قوات الاتحاد عبر الخط في فريدريكسبيرغ بولاية فيرجينيا: «أُرسل لكم بعض التبغ وأتوقع إرسال بعض القهوة في المقابل. مع تحياتي لكم. أنا المتمرد». كان نقص القهوة يؤدي إلى تآكل معنويات الكونفدرالية بسرعة.
تصرف جيش الاتحاد بشكل حاسم للضغط للحصول على الكافيين. في نهاية أغسطس 1864، أعربت صحيفة أَلِجزاندريا غازيت في فيرجينيا عن أسفها لأن قوات الاتحاد في حصار شيرمان لأتلانتا «دمرت 500 كيس من قهوة ريو الأصلية» المخصصة للاستهلاك الكونفدرالي، التي كانت قيمتها حوالي 55 ألف جنيه إجمالًا. في هذه المرحلة من الحرب، كانت إمدادات الاتحاد من القهوة، بما في ذلك تلك القادمة من ليبيريا، مضمونة جدًا لدرجة أن الجنود الشماليين كانوا قادرين على تدمير المخزون الكونفدرالي بدلًا من مصادرته أو استهلاكه بأنفسهم. وأشار مقال في الصفحة الأولى من الجريدة الرسمية إلى أن سفينة وصلت مؤخرًا إلى نيويورك تحمل «40 ألف رطل من قهوة ليبيريا-موكا». كانت مساهمة بنسون الفردية الصغيرة في عام 1864، والتي بلغت حوالي 220 رطلًا من القهوة التي بيعت من خلال مستودع تايلور للمنتجات الحرة في العام نفسه، كافية لتزويد ستة جنود في السنة الأخيرة من الحرب.
خلال استسلام الكونفدرالية في أبوماتوكس في أبريل 1865، أشار جندي من ميشيجان (ويليام سميث) إلى أن الجنود الكونفدراليين الحاضرين كانوا يَلْعَقون شفاههم على أمل «التلذذ الشديد بفنجان من القهوة اليانكية». إنّ نهاية الحرب ووفاة بنسون المحزنة في عام 1865، والذي أشارت إحدى صحف ولاية أوهايو إلى وفاته باعتبارها «خسارة كبيرة»، لم تؤثر على صادرات البن الليبيري إلى الولايات المتحدة، واستمر تصدير القهوة من الجمهورية بعد الحرب، حتى أنه كان متاحًا بشكل كبير خارج متاجر المنتجات الحرة.
من جهة أخرى، اعتبر المزارعون الليبيريون أن شراكتهم التجارية مع الاتحاد كانت ناجحة. لقد أوجدت الحرب سوقًا جديدًا دائمًا لقهوتهم، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى التعاون مع حركة الإنتاج الحر للسلع. مع تزايد عدد الأشخاص الذين جربوا القهوة الليبيرية، أصبحوا يميلون إلى أن يصبحوا مخلصين لها ومدمنين عليها. وكما سجل أحد أساتذة الكيمياء في جامعة ييل في ذلك الوقت، «كانت جودتها أفضل بكثير من معظم أنواع القهوة الشائعة الاستخدام في هذا البلد، لدرجة أنني طلبت عينة على الفور». قهوة ليبيريكا، كما أُطلق عليها رسميًّا في عام 1876، لم تكن لذيذة فحسب، بل كانت أيضًا مقاومة للأمراض التي أصابت أصنافًا أخرى من القهوة، وقد أكسبت ليبيريا الكثير من الشركاء التجاريين الجدد. وبحلول عام 1885، وصلت صادراتها السنوية إلى دول بما في ذلك بريطانيا وألمانيا إلى مستوى مرتفع بلغ 800 ألف جنيه، ثم بعد سبع سنوات فقط، وصل المبلغ إلى 1.8 مليون جنيه.
وفي المقابل، تغيّرت سوق القهوة الأمريكية إلى الأبد بسبب الحرب. في الواقع، يقول جون جرينسبان، أمين التاريخ السياسي بمؤسسة سميثسونيان، إن شرب القهوة ثلاث مرات يوميًّا كان سببًا في إدمان الجنود الأمريكيين، حيث اكتسب المجندون عادات طوال حياتهم في زمن السلم أثناء معسكرهم في شيلوه أو بطرسبرج. وبحلول عام 1885، كانت الولايات المتحدة تستورد 11 رطلاً من القهوة للشخص الواحد سنويًّا، وهو ما يقرب من ضعف مستويات ما قبل الحرب. بعض التقارير الإخبارية من هذه الفترة، ربما قد كتبها أصحابها بعد تناول كوب ثالث أو رابع من المشروب الليبيري، وصفت القهوة أحيانًا بأنها علاج عالمي، حتى أنها رُوّجَ لها أنها مُـطـَهِّرٌ ضد الجراثيم ضمن فوائدها المزعومة.
وفي عام 1880 بعد انتهاء عصر إعادة الإعمار، ومع تحويل العديد من الإصلاحيين اهتمامهم من العدالة العرقية إلى الاعتدال، أعربت صحيفة فيلادلفيا تايمز عن أملها في أن «تفوز محلات القهوة بالنصر على قصور الجن». وبمساعدة نبات البن الليبيري الغزير، لم يكن هناك شيء بعيد المنال.
أحاديث جانبيّة عن القهوةالطيور المهووسة والماعز النشيطة وغيرها من الحكايات المنعشة وراء ولادة إدماننا على القهوة.
الماعز:وفقًا للأسطورة، لاحظ راعٍ إثيوبي من القرن التاسع يُدعى (كالدي) أن ماعزه تتصرف بنشاط مفرط بعد تناول التوت من شجرة غريبة. قطف الراعي بعضًا منها لنفسه. وعند تناولها، حدث له تأثير نشاط مماثل. أخبر كالدي باكتشافه المثير بعض الرهبان المجاورين، الذين ألقوا التوت في النار معبرين عن غضبهم منه، مما أدى إلى تحميص بذور ذلك التوت عن طريق الخطأ. استخرجت البذور العطرة من الفحم، وسحقت، ونقعت في الماء، لتكوين أول كوب من القهوة.
أُجرة البحر:كان الإثيوبيون يتغذون من شجيرات القهوة بطرق مختلفة، منها تخمير أوراقها وثمارها في الشاي، وطحن البذور وخلطها مع الدهون الحيوانية، أو ببساطة مضغها. يقول البعض إن المستعبدين من شمال شرق إفريقيا، الذين أُسِروا وأُجْبروا على عبور البحر الأحمر خلال فترة تجارة الرقيق التي استمرت 1300 عام والتي بدأت في القرن السابع، ربما حملوا مثل هذه الوجبات الخفيفة المستدامة على السفن، ونقلوا المحصول عن طريق الخطأ إلى منطقة أخرى يقالُ إنها مكان ولادة القهوة، وهي اليمن.
طيور الصباح:وفي رواية أخرى، رأى متصوف مغربي من القرن الثالث عشر يُدعى الشيخ الشاذلي سربًا من الطيور الضخمة تحلّق فوق رأسه، وتمضغ ثمارًا غير مألوفة الشكل أثناء طيرانها. بعد مضغ بعض الثمار التي أسقطتها الطيور، شعر الشاذلي بنشاط غريب، واتخذ ذلك عادة له.
الطاقة لعدة أيام:
ينسب الفضل في اكتشاف القهوة اليمنية إلى أحد تلاميذ الشاذلي يسمى عمر، وهو كاهن كان يعالج الناس. نُفِي مرةً من بلدة المخا بسبب تجاوزات أخلاقية. وبعد أن تقطعت به السبل في التلال، وكان على وشك المجاعة، قطف عمر بعض التوت الأحمر من إحدى الشجيرات. وعندما وجد بذور الفاكهة النيئة مـُرّةً غير صالحة للأكل، طهاها على النار، مما أدى إلى تصلبها إلى درجة لا يمكن أكلها. ولتصحيح ما ارتكبه من خطأ، قام بغلي البذور المحمصة، وهو يراقب الماء يتحول إلى اللون البني وتفوح رائحته الزكية. شرب عمر السائل الداكن، ويقال إنه بقي لأيام يشعر بطاقة مستمرة.
برونوين إيفريل محاضرة في التاريخ وزميلة كلية جونفيل وكايوس في جامعة كامبريدج. ومؤخرًا، قامت بتأليف كتاب «لم يصنعه العبيد: الرأسمالية الأخلاقية في عصر الإلغاء».
عن مجلة سميثسونيان
بعد عشرة أشهر من الحرب الأهلية الأمريكية، كان الاتحاد يعاني من نقص في واحدة من الإمدادات الحيوية المهمة، والتي هدد غيابها بتقويض القوة القتالية لجيش الشمال: تلك هي القهوة. كان هذا المصدر الحيوي للطاقة والروح المعنوية يعدّ حيويًّا مثل البارود؛ إذ أمر جنرال الاتحاد بنيامين بتلر جنوده بحمل القهوة معهم دائمًا، قائلًا: إن ذلك يضمن النجاح: «إذا شرب رجالك قهوتهم في الصباح الباكر، فيمكنك الحفاظ على موقفك القوي».
ولكن بحلول عام 1862، انخفضت واردات القهوة بنسبة 40 بالمائة منذ بداية الحرب. على الرغم من زراعة القهوة في جميع أنحاء العالم من جاوة إلى إثيوبيا إلى هايتي، فإن البرازيل كانت المورّد الرئيس للولايات المتحدة. أدى حصار الاتحاد للموانئ الجنوبية، بما في ذلك نيو أورليانز، إلى تباطؤ واردات القهوة من البرازيل بشكل كبير، ولم يتمكن تجار الاتحاد والمقاولون العسكريون من إعادة توجيه سوى جزء من تلك القهوة البرازيلية نحو الشمال؛ وحتى مع محاولة مدن الموانئ التابعة للاتحاد تعويض النقص، استوردت الولايات المتحدة من البرازيل من حيث القيمة أقل بنسبة 50% في عام 1863 مما كانت عليه في عام 1860. وفي الوقت نفسه، تضاعف الطلب أربع مرات منذ بدء القتال، مدفوعًا بالالتزام بتزويد كل جندي من جنود الاتحاد بـ36 رطلاً من القهوة سنويًّا. أصبح العثور على مصدر جديد للقهوة مسألة حياة أو موت.
ومن حسن حظ الاتحاد أن ستيفن ألين بنسون، رئيس جمهورية ليبيريا الناشئة نسبيًّا في ذلك الوقت، كانت لديه خطة. في فبراير 1862، أرسل رسالة إلى الأمريكيين في الشمال مفادها: «في ليبيريا هناك حوالي 500 ألف شجرة بُنّ مزروعة. هناك الآن كمية من البن تُصدَّر من ليبيريا أكثر من أي فترة سابقة». ولد بنسون في ماريلاند لأبوين أمريكيين أسودين متحررين، وهاجر مع عائلته إلى مستعمرة غرب إفريقيا عندما كان عمره 6 سنوات. وبحلول اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 1861، كان أحد أكبر مزارعي البُـنّ في ليبيريا، حيث أعرب عن أمله في أن توفر هذه الدولة الجديدة، التي فرّ إليها عدة آلاف من الأمريكيين السود هربًا من العداء العنصري الأمريكي، وقودًا أساسيًّا في معركة الاتحاد ضد العبودية. كانت السفينة التي غادرت ميناء مونروفيا في أغسطس 1862 تحمل 6000 رطل من القهوة الأفريقية الممتازة. وكانت هذه أول شحنة كبيرة إلى الاتحاد، وسوف تكون حيوية في انتصار الشمال.
حلّت القهوة محل الشاي باعتبارها المشروب المفضل في الولايات المتحدة في فترة الثورة الأمريكية. منذ اللحظة التي ألقى فيها الوطنيون صناديق الشاي في ميناء بوسطن في ديسمبر 1773، أصبح شرب القهوة، ومقاطعة الشاي، علامة أكيدة على الولاء لقضية الاستقلال. وسرعان ما أصبحت البلاد مهووسة، فبحلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كان استهلاك القهوة يفوق استهلاك الشاي بنسبة خمسة إلى واحد. في عام 1832، استبدل أندرو جاكسون حصص الجيش من الكحول بالقهوة، على أمل تنشيط القوات وتقليل حالات العصيان في حالة سكر. وبحلول عام 1860، كانت الولايات المتحدة تستورد ستة أرطال من القهوة سنويًّا لكل رجل وامرأة وطفل في البلاد، وعند اندلاع الحرب الأهلية، كان الأمريكيون يشربون ضعف كمية القهوة التي كانوا يشربونها قبل 30 عامًا.
لكن الحرب شكّلت معضلة لشاربي القهوة في الاتحاد، فقد أدى الطلب المفاجئ على المزيد من القهوة باعتبارها مصدرا أساسيّا للجيش، إلى جانب حصار الموانئ الجنوبية، أدى إلى وقوع أزمة. إن ما استطاع الاتحاد استيراده لم يكن كافيًا لإمداد جيشه بالإمدادات، ناهيك عن تزويد المدنيين الشماليين بالكافيين بالطريقة التي اعتادوا عليها.
ومع ذلك، كان هناك حل بديل يلوح في الأفق، فقد بدأ تحالف مبكر بين دعاة إلغاء عقوبة الإعدام في الشمال والشعب الليبيري في جلب كميات صغيرة من القهوة الليبيرية إلى الشمال قبل الحرب. في عام 1848 وقبل رئاسة بنسون، شَكّلَ شراكة مع التاجر والناشط من جماعة الكويكرز جورج دبليو تايلور، الذي كان يملك «مستودع العمل الحر» في فيلادلفيا، ويبيع حصريًّا السلع والأغذية والملابس المصنوعة من دون استعمال عمالة مستعبدة. {كلمة الحر في سياق هذا المقال تعني عكس العبد}. قام بنسون بشحن ما يقرب من 1500 رطل من القهوة إلى تايلور في العام الأول، واستمرت شراكتهم بشكل مثمر طوال العقد التالي، إذ قاموا بتزويد شاربي القهوة، الذين كانوا يبحثون عن بدائل تجاريّة لا تتضمن وجود العبودية.
وكما يقاطع بعض المستهلكين اليوم العلامات التجارية التي تضرّهم، ويشترون السلع التجارية ويصوتون لمرشحيهم بناء على توجهاتهم السياسيّة، استخدم بعض دعاة إلغاء عقوبة الإعدام التجارة لمحاربة العبودية. كانت حركة الإنتاج الحر الأمريكية تفضل القهوة الليبيرية؛ لأنها كانت تُزرع من دون الاستعانة بعمالة عبيد. دافع الكويكرز وغيرهم من المؤيدين عن هذه القهوة، إذ كانوا يعتقدون أن الناس يجب أن يشتروا القهوة المزروعة بطريقة أخلاقية، حتى لو كانت تكلف أكثر قليلًا؛ لدعم حريّة العمال ومعارضة العبودية.
في ذلك الوقت، لم تكن الولايات المتحدة قد اعترفت رسميًّا بجمهورية ليبيريا، ولم تكن هناك معاهدات تجارية رسمية بين البلدين. وقد وقفت الولايات الجنوبية في طريق الاعتراف بليبيريا منذ استقلالها في عام 1847، بحجة أنه سيكون من غير المناسب للولايات المتحدة أن تستضيف ممثلًا دبلوماسيًّا أسود في واشنطن. لكن هذا الانفصال أوجد فرصة، وعلى الفور، بدأ بنسون في الضغط على حكومة الولايات المتحدة لتوسيع «معاهدات الصداقة والتجارة» التي من شأنها أن تسمح للمزارعين الليبيريين بجلب القهوة على قدم المساواة مع البلدان الأخرى المنتجة لِلْبُــن.
بحلول بداية عام 1862، لم يكن (بنسون) وحيدًا في اقتناعه بأن مزارعي ليبيريا يمكنهم دعم المجهود الحربي للاتحاد. ومن حسن حظ جنرالات الاتحاد أن الرئيس أبراهام لينكولن اعترف رسميًّا بالجمهورية في ذلك العام، ورفع التعريفة الجمركية على واردات البُن إلى 4 سنتات للرطل كجهد لتمويل الحرب. وقد أدى ذلك إلى إيجاد فرصة لاستيراد القهوة الليبيرية الأكثر تكلفة، ولكنها أيضًا أكثر أخلاقية، والتي لا تختلف الآن كثيرًا في السعر عن أنواع القهوة الأكثر جودة مثل تلك الموجودة في جاوة. قام متجر (منتجات تايلورز فيلادلفيا الحُرّة) بتوسيع شبكته في ليبيريا، إذ جلب قهوة جديدة إلى السوق من المزارعين الليبيريين مثل أوتيلو ريتشاردز وتوماس مور.
كما أرسل الاتحاد مستشارين إلى ليبيريا، بما في ذلك إدوارد موريس، وهو تاجر من فيلادلفيا، الذي زار ليبيريا في عام 1862 لإلقاء محاضرات مجانية للمزارعين حول أفضل الممارسات لزراعة القهوة، ولسؤال المزارعين عن الدعم الذي يحتاجون إليه لزيادة حجم اقتصاد القهوة الجديد هذا. لقد كان نجاحه واضحا. أحد المستوطنين الليبيريين، وهو ويليام سي. بيرك، الذي أعتِق للهجرة إلى ليبيريا من قبل الجنرال الكونفدرالي روبرت إي. لي، كتب إلى جهات الاتصال الأمريكية أنه بعد زيارة موريس، «تم مؤخرا تحويل انتباه كل مزارع [ليبيري] تقريبًا نحو زراعة القهوة لتصديرها» للسوق الأمريكية.
نشرت الصحف من ولاية ماين إلى أوهايو إلى كاليفورنيا تقارير مشجعة عن إمدادات القهوة الليبيرية. وفي الوقت نفسه، على الأرض، كانت قدرة الاتحاد على شراء وتوزيع البن من ليبيريا، إلى جانب مصادر أخرى، تساعد في رفع معنويات الجيش. في ديسمبر عام 1862، كتب أحد الجنود أن «ما يبقينـي على قيد الحياة هو القهوة». وكان الشمال يكتسب تفوقًا قويًّا على الكونفدرالية، حيث كان المستوردون، الذين أحبطهم الحصار المستمر الذي يفرضه الاتحاد، لا يحققون نجاحًا كبيرًا. في الواقع، بحلول عام 1863، أصبحت القهوة نادرة بشكل مثير للسخرية في جميع أنحاء الكونفدرالية. لاحظ جندي من ولاية فيرمونت، كان يسير عبر لويزيانا أنّ «أغنى المزارعين لم يتناول الشاي أو القهوة لأكثر من عام، وعندما يتم إحضار أي قهوة منخفضة الجودة إلى هناك، تباع مقابل 8 دولارات للرطل». في المقابل، يُظهر إيصال صادر عن متجر (منتجات تايلورز فيلادلفيا الحُرّة) في فيلادلفيا عام 1863 أنه كان يتقاضى 40 سنتًا فقط للرطل الواحد مقابل حبوب البُـن الليبيرية الممتازة، والتـي وصفها أحد التخصصين في القهوة بأنها ذات جودة «متفوقة» في مقابل القهوة غير الليبيرية؛ أشاد أحد عملاء فيلادلفيا منذ فترة طويلة بـ «قوة القهوة الليبيرية ونكهتها ورائحتها».
كان على الجنود الكونفدراليين، الذين كانوا يتجمعون فوق نيران معسكراتهم في ضوء الفجر، الاكتفاء ببدائل القهوة غير المستساغة التي تخمّر من رواسب البلوط والبطاطا الحلوة وغيرها من المكونات المشكوك فيها. وبحسب ما ورد كان من الصعب الحفاظ على الانضباط العسكري في الجيش الكونفدرالي، حيث أشار أحد جنود الاتحاد إلى أنهم «لا يحصلون على الشاي أو القهوة ولكن الكثير من الويسكي». كتب أحد الجنود الكونفدراليين اليائسين رسالة مكتوبة على عجل وغير مؤرخة إلى قوات الاتحاد عبر الخط في فريدريكسبيرغ بولاية فيرجينيا: «أُرسل لكم بعض التبغ وأتوقع إرسال بعض القهوة في المقابل. مع تحياتي لكم. أنا المتمرد». كان نقص القهوة يؤدي إلى تآكل معنويات الكونفدرالية بسرعة.
تصرف جيش الاتحاد بشكل حاسم للضغط للحصول على الكافيين. في نهاية أغسطس 1864، أعربت صحيفة أَلِجزاندريا غازيت في فيرجينيا عن أسفها لأن قوات الاتحاد في حصار شيرمان لأتلانتا «دمرت 500 كيس من قهوة ريو الأصلية» المخصصة للاستهلاك الكونفدرالي، التي كانت قيمتها حوالي 55 ألف جنيه إجمالًا. في هذه المرحلة من الحرب، كانت إمدادات الاتحاد من القهوة، بما في ذلك تلك القادمة من ليبيريا، مضمونة جدًا لدرجة أن الجنود الشماليين كانوا قادرين على تدمير المخزون الكونفدرالي بدلًا من مصادرته أو استهلاكه بأنفسهم. وأشار مقال في الصفحة الأولى من الجريدة الرسمية إلى أن سفينة وصلت مؤخرًا إلى نيويورك تحمل «40 ألف رطل من قهوة ليبيريا-موكا». كانت مساهمة بنسون الفردية الصغيرة في عام 1864، والتي بلغت حوالي 220 رطلًا من القهوة التي بيعت من خلال مستودع تايلور للمنتجات الحرة في العام نفسه، كافية لتزويد ستة جنود في السنة الأخيرة من الحرب.
خلال استسلام الكونفدرالية في أبوماتوكس في أبريل 1865، أشار جندي من ميشيجان (ويليام سميث) إلى أن الجنود الكونفدراليين الحاضرين كانوا يَلْعَقون شفاههم على أمل «التلذذ الشديد بفنجان من القهوة اليانكية». إنّ نهاية الحرب ووفاة بنسون المحزنة في عام 1865، والذي أشارت إحدى صحف ولاية أوهايو إلى وفاته باعتبارها «خسارة كبيرة»، لم تؤثر على صادرات البن الليبيري إلى الولايات المتحدة، واستمر تصدير القهوة من الجمهورية بعد الحرب، حتى أنه كان متاحًا بشكل كبير خارج متاجر المنتجات الحرة.
من جهة أخرى، اعتبر المزارعون الليبيريون أن شراكتهم التجارية مع الاتحاد كانت ناجحة. لقد أوجدت الحرب سوقًا جديدًا دائمًا لقهوتهم، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى التعاون مع حركة الإنتاج الحر للسلع. مع تزايد عدد الأشخاص الذين جربوا القهوة الليبيرية، أصبحوا يميلون إلى أن يصبحوا مخلصين لها ومدمنين عليها. وكما سجل أحد أساتذة الكيمياء في جامعة ييل في ذلك الوقت، «كانت جودتها أفضل بكثير من معظم أنواع القهوة الشائعة الاستخدام في هذا البلد، لدرجة أنني طلبت عينة على الفور». قهوة ليبيريكا، كما أُطلق عليها رسميًّا في عام 1876، لم تكن لذيذة فحسب، بل كانت أيضًا مقاومة للأمراض التي أصابت أصنافًا أخرى من القهوة، وقد أكسبت ليبيريا الكثير من الشركاء التجاريين الجدد. وبحلول عام 1885، وصلت صادراتها السنوية إلى دول بما في ذلك بريطانيا وألمانيا إلى مستوى مرتفع بلغ 800 ألف جنيه، ثم بعد سبع سنوات فقط، وصل المبلغ إلى 1.8 مليون جنيه.
وفي المقابل، تغيّرت سوق القهوة الأمريكية إلى الأبد بسبب الحرب. في الواقع، يقول جون جرينسبان، أمين التاريخ السياسي بمؤسسة سميثسونيان، إن شرب القهوة ثلاث مرات يوميًّا كان سببًا في إدمان الجنود الأمريكيين، حيث اكتسب المجندون عادات طوال حياتهم في زمن السلم أثناء معسكرهم في شيلوه أو بطرسبرج. وبحلول عام 1885، كانت الولايات المتحدة تستورد 11 رطلاً من القهوة للشخص الواحد سنويًّا، وهو ما يقرب من ضعف مستويات ما قبل الحرب. بعض التقارير الإخبارية من هذه الفترة، ربما قد كتبها أصحابها بعد تناول كوب ثالث أو رابع من المشروب الليبيري، وصفت القهوة أحيانًا بأنها علاج عالمي، حتى أنها رُوّجَ لها أنها مُـطـَهِّرٌ ضد الجراثيم ضمن فوائدها المزعومة.
وفي عام 1880 بعد انتهاء عصر إعادة الإعمار، ومع تحويل العديد من الإصلاحيين اهتمامهم من العدالة العرقية إلى الاعتدال، أعربت صحيفة فيلادلفيا تايمز عن أملها في أن «تفوز محلات القهوة بالنصر على قصور الجن». وبمساعدة نبات البن الليبيري الغزير، لم يكن هناك شيء بعيد المنال.
أحاديث جانبيّة عن القهوةالطيور المهووسة والماعز النشيطة وغيرها من الحكايات المنعشة وراء ولادة إدماننا على القهوة.
الماعز:وفقًا للأسطورة، لاحظ راعٍ إثيوبي من القرن التاسع يُدعى (كالدي) أن ماعزه تتصرف بنشاط مفرط بعد تناول التوت من شجرة غريبة. قطف الراعي بعضًا منها لنفسه. وعند تناولها، حدث له تأثير نشاط مماثل. أخبر كالدي باكتشافه المثير بعض الرهبان المجاورين، الذين ألقوا التوت في النار معبرين عن غضبهم منه، مما أدى إلى تحميص بذور ذلك التوت عن طريق الخطأ. استخرجت البذور العطرة من الفحم، وسحقت، ونقعت في الماء، لتكوين أول كوب من القهوة.
أُجرة البحر:كان الإثيوبيون يتغذون من شجيرات القهوة بطرق مختلفة، منها تخمير أوراقها وثمارها في الشاي، وطحن البذور وخلطها مع الدهون الحيوانية، أو ببساطة مضغها. يقول البعض إن المستعبدين من شمال شرق إفريقيا، الذين أُسِروا وأُجْبروا على عبور البحر الأحمر خلال فترة تجارة الرقيق التي استمرت 1300 عام والتي بدأت في القرن السابع، ربما حملوا مثل هذه الوجبات الخفيفة المستدامة على السفن، ونقلوا المحصول عن طريق الخطأ إلى منطقة أخرى يقالُ إنها مكان ولادة القهوة، وهي اليمن.
طيور الصباح:وفي رواية أخرى، رأى متصوف مغربي من القرن الثالث عشر يُدعى الشيخ الشاذلي سربًا من الطيور الضخمة تحلّق فوق رأسه، وتمضغ ثمارًا غير مألوفة الشكل أثناء طيرانها. بعد مضغ بعض الثمار التي أسقطتها الطيور، شعر الشاذلي بنشاط غريب، واتخذ ذلك عادة له.
الطاقة لعدة أيام:
ينسب الفضل في اكتشاف القهوة اليمنية إلى أحد تلاميذ الشاذلي يسمى عمر، وهو كاهن كان يعالج الناس. نُفِي مرةً من بلدة المخا بسبب تجاوزات أخلاقية. وبعد أن تقطعت به السبل في التلال، وكان على وشك المجاعة، قطف عمر بعض التوت الأحمر من إحدى الشجيرات. وعندما وجد بذور الفاكهة النيئة مـُرّةً غير صالحة للأكل، طهاها على النار، مما أدى إلى تصلبها إلى درجة لا يمكن أكلها. ولتصحيح ما ارتكبه من خطأ، قام بغلي البذور المحمصة، وهو يراقب الماء يتحول إلى اللون البني وتفوح رائحته الزكية. شرب عمر السائل الداكن، ويقال إنه بقي لأيام يشعر بطاقة مستمرة.
برونوين إيفريل محاضرة في التاريخ وزميلة كلية جونفيل وكايوس في جامعة كامبريدج. ومؤخرًا، قامت بتأليف كتاب «لم يصنعه العبيد: الرأسمالية الأخلاقية في عصر الإلغاء».
عن مجلة سميثسونيان