الخوف.. نزعة لشعور فطري
الاحد / 18 / ربيع الأول / 1446 هـ - 22:05 - الاحد 22 سبتمبر 2024 22:05
نعيش بين مفترق طريقين – خوف ورجاء - أدركنا ذلك أو لم ندرك، وهما متزامنان فـي ذات لحظة المعايشة؛ حيث لا مفاضلة بينهما؛ يحدث ذلك لأننا لا ندرك مآلات الأعمال التي نقوم بها، فما يكون فـي تقديرنا صواب؛ قد يكون خطأ، وما يكون فـي تقديرنا خطأ؛ قد يكون صوابا، فنحن لا نزال نعيش مأزق الضعف، وعدم الإدراك المطلق، ولأن الأمر هكذا، فإن كل ما نقوم به من ممارسات (صحيحة/ خاطئة) هي تندرج تحت هذا الفهم، فكما أننا نجهد أنفسنا لتكون كل ممارساتنا صحيحة، نقع فـي المقابل فـي ممارسات خاطئة، ولأنها خاطئة، فسرعان ما ننفـيها عن أنفسنا، لأن هناك خوف العقاب على الخطأ، هناك خوف من المساءلة، هناك خوف من نتائج سلبية محسوبة على من ارتكب السلوك الخطأ لا نريد أن نتحملها حتى لا نراكم من أخطائنا، والعقاب المشار إليه؛ ليس فقط ما نتوقعه من القريب منا أو البعيد، بل هناك خوف أكبر متعلق بعلاقتنا مع خالقنا الذي بسط لنا دروب الصواب، ومساراته التي لا تعد ولا تحصى، وخاتمتها التوبة والعودة من الذنب سريعا، ولأن كل العلاقات محفوفة بالمخاطر، فمعنى ذلك أنها مغلفة بالخوف؛ هذا الخوف الذي ينتج عنه الفشل، وعدم التوفـيق، والخسارات بأنواعها، وعتاب الآخرين، وعدم رضاهم، صور كثيرة من القطيعة، عدم الاطمئنان، الإشارة إلينا بكثير من مظان السوء، عدم الرضى، صور نمطية كثيرة يلبسنا بها الآخر طوال حيواتنا، تأتي نتائج كل ذلك الكثير من الارتباك فـي العلاقة مع الآخر، مع اطمئناننا بعلاقاتنا مع الله، حيث نعي حقيقتها معه، أكثر من الآخر، ولكن لأن الآخر غير مطلع على الغيب، فـيعتمد على تقييمه الخاص، وهو تقييم قاصر، ومتواضع، وإن بذل فـيه كل الجهد. والمفارقة هنا أن قصور الآخر فـي تقييمنا يدفع بنا لأن نخاف أكثر؛ شيء غريب جدا! وهل من الضرورة أن نخاف؟ هل من الواجب أن تكون كل اشتغالاتنا فـي الحياة صائبة؟ كيف نوفق بين قدراتنا الذهنية «المعنوية» والعضلية «المادية» للتقليل من نسبة الخطأ حتى لا نقع فـي مأزق الخوف؟ هل نلجأ إلى الآخر من حولنا لتصويب أخطائنا؟ ومن هو هذا الآخر لنعطيه صلاحية تقويم أفعالنا واشتغالاتنا؟ أليس هو الآخر يتقاسم معنا ضعفنا؛ وقلة حيلتنا؟ أليس هو بشر بالمطلق؟ أليست الحكمة تقول: «كل من ترجو به دفع البلاء؛ سوف يأتيك البلاء من قبله»؟ وذلك لضعفه وقلة حيلته، فعدم قدرته على تصويب أخطائه، كافـية لأن تعيد إلينا توازننا، فلا نسلم الأمر بالمطلق، وعدم تسليم الأمر، معناه البقاء على حالة من التوازن الشعوري الجميل، فلا قلق؛ ولا خوف؛ ولا ارتباك، بل أفق متسع يتيح لنا فرصة التفكير، وتصويب الأخطاء، بما يؤول إلى تلاشي الخوف شيئا فشيء، فكلما استطاع الفرد التحكم بمعززاته الفطرية؛ كلما استطاع الوصول إلى حالة التوازن المطلوبة لتصويب الممارسات التي يقوم بها، ولذلك ينجح كبار السن أكثر من غيرهم فـي تصويب الأفعال، لتميزهم بالتأني وعدم الشطط والاندفاع، بخلاف الأقل عمرا وتجربة حياة.
هناك من ينظر إلى الخوف من ناحية إيجابية، فهو المنظم لتصويب الأخطاء، فكلما توجست من عمل سوف يؤدي بك إلى مهلكة أو أقلها قصور فـي الأداء؛ كان ذلك صمام أمان لك فـي عدم الوقوع فـي مأزق الخطأ المؤدي إلى مضاعفة الخوف، فما بين الخطأ والصواب فاصل دقيق، قد يبعدك مسافات واسعة عن الوقوع فـي الخوف، أو قد يوقعك فـيما لا تود فعله، يقال: «رحم الله امرءا نفعه ظنه» والظن – فـي ظاهره؛ خوف - فهو واحد من مصدات النجاة التي يرجو كل منا أن يصل إليها كخاتمة لعمل ما، نعم؛ قد ينظر إلى تجربة الحياة بكثير من الأهمية فـي تقليل الوقوع فـي الأخطاء المؤدية إلى الخوف، أو الارتباك، ولننظر إلى تصرف طفل ما يرى شيئا ما لأول مرة فـي حياته، كيف يتلبسه الخوف، فلا يقدم إليه هكذا بصورة مباشرة، بل بحذر شديد حتى يتأكد من أنه لن يكون منه ضرر ما، ومتى تأكد؛ عندها فقط يتحرر من محنة الخوف، فـيقبل إليه مطمئنا، وفـي ذلك أمثلة كثيرة، وقد لا حظت حتى بعض الحيوانات عندها هذا الحس من الاقتراب من الأشياء؛ قبل ملامستها أو التعامل معها.
لم يخطئ من يعتقد أن الخوف مفتاح الأبواب المغلفة، كحال مثال الطفل، فقبل الشروع فـي أي عمل تريد، لا بد أن ينتابك الخوف، حتى تتيقن من أنك لن تضار بخطر ما، ولنا أن نعي حكمة الكفـيف الذي يتلمس بعصاه مظان الخوف ومواقعه؛ حتى يؤمن طريقه نحو المسارات الصحيحة، فعدم مجازفته؛ هو شعور بالخوف من الوقوع فـي مأزق ما، وليس من الحكمة إطلاقا أن ينجر أحدنا نحو أمر ما دون أن تساوره الظنون بأن هناك أمرا ما قد يحدث، وإن لم يحدث فذلك هو المرتجى، لأنه أيضا؛ ترجيح كفة الاطمئنان بصورة مطلقة دون استدعاء الخوف؛ هو نوع من المجازفة والتهور، وهذان أمران لا يقبل إليها عاقل، أو صاحب خبرة فـي الحياة، ولذلك قيل فـي مثل التشبيه: «إذا علق ثوبك بشجرة بها شوك فـي أغصانها، فتمهل فـي تحرير ثوبك جزءا جزءا؛ وإلا تمزق بين أغصان تلك الشجرة الشائكة» ومعنى هذا أن الحذر هو نوع من الخوف، والتوجس، وعدم الاطمئنان، ومع ذلك فنتائجه مذهلة، يقول الشاعر: «لا تترك الحزم فـي شيء تحاذره؛ فإن سلمت فما فـي الحزم من بأس» فالحزم بهذا المعنى هو نوع من قطع الطريق أمام جميع طرق الخوف والتوجس، وعدم الاطمئنان، بالإضافة إلى أن هناك ثمة علاقة متباينة بين الإفراط فـي الخوف، والإفراط فـي التفاؤل؛ مع أن الإفراط فـيهما تكون نتائجهما على طرفـي نقيض؛ حيث يقود الإفراط فـي الخوف إلى «منجاة» بينما يقود الإفراط فـي التفاؤل إلى «مهلكة» مع التأكيد على عدم التفريط فـي كليهما مهما كانت المواقف والظروف، فلا بد لأي إنسان أن يكون كلا الأمرين فـي ذاكرته الحاضرة، يستدعيهما فـي كل صغيرة وكبيرة، وهذه من معززات الحكمة.
وعلى العموم؛ فكل ما يقال عن الخوف؛ تبقى حقيقة أن ثمة خوفا قادما؛ فالتوقع: أن ثمة مساحة للرؤية أكثر وضوحا، فتوقع الخوف ليس كله شر، بل مزيد من المعرفة بما يحيط بك، ومزيد من الاطمئنان، بأنك عرفت ما يدور خلف الستائر الداكنة، بدون استشعار للخوف، فلن تتضح لك الكثير من الرؤى، فنظرية الخوف تذهب إلى استجلاء حقيقة غير مرئية، ومتى اتضحت الصورة ذهب الخوف إلى غير رجعة، فقد استبدلت الحالة بكثير من الوضوح، ولعلنا نتخذ مثال الطفل أعلاه أنموذجا لنظرية الخوف، ومعادلتها بالإفراط فـي التفاؤل، ويقينا؛ جميعنا يدرك أنه لا يوجد فـي الكون كائن حي لا يستشعر الخوف، فحتى المخلوقات غير العاقلة، تتحفز ترقبا من خطر قادم، لتواجه الخطر، وهي بكامل استعدادها الغريزي، إذن هي واقعة فـي مستنقع الخوف، فالخوف حالة فطرية، جبلت عليها كل الكائنات الحية، ومن لا يخاف من العقلاء، فهو يجازف بالوقوع فـي التهلكة، وهذا ليس من صفتهم، ربما قد ينظر البعض إلى أن الهدف من الخوف – مع أنه شعور فطري - هو توقع المصيبة؛ إذن ووفق هذا التقييم، فإن المصيبة هي الخوف، ومعنى ذلك أيضا؛ أنه متى عرفت مآلات مصيبة ما، كان ذلك مرتكزا مهما للتخفـيف من وطأة الخوف، والتعامل معه بكثير من السيطرة، وعدم إعطائه الفرصة لتقويض مجموعة المسكنات النفسية التي تحافظ على توازن شعور عند كل فرد منا، فـيعيش هادئ البال، مرتاح الضمير.
هناك من ينظر إلى الخوف من ناحية إيجابية، فهو المنظم لتصويب الأخطاء، فكلما توجست من عمل سوف يؤدي بك إلى مهلكة أو أقلها قصور فـي الأداء؛ كان ذلك صمام أمان لك فـي عدم الوقوع فـي مأزق الخطأ المؤدي إلى مضاعفة الخوف، فما بين الخطأ والصواب فاصل دقيق، قد يبعدك مسافات واسعة عن الوقوع فـي الخوف، أو قد يوقعك فـيما لا تود فعله، يقال: «رحم الله امرءا نفعه ظنه» والظن – فـي ظاهره؛ خوف - فهو واحد من مصدات النجاة التي يرجو كل منا أن يصل إليها كخاتمة لعمل ما، نعم؛ قد ينظر إلى تجربة الحياة بكثير من الأهمية فـي تقليل الوقوع فـي الأخطاء المؤدية إلى الخوف، أو الارتباك، ولننظر إلى تصرف طفل ما يرى شيئا ما لأول مرة فـي حياته، كيف يتلبسه الخوف، فلا يقدم إليه هكذا بصورة مباشرة، بل بحذر شديد حتى يتأكد من أنه لن يكون منه ضرر ما، ومتى تأكد؛ عندها فقط يتحرر من محنة الخوف، فـيقبل إليه مطمئنا، وفـي ذلك أمثلة كثيرة، وقد لا حظت حتى بعض الحيوانات عندها هذا الحس من الاقتراب من الأشياء؛ قبل ملامستها أو التعامل معها.
لم يخطئ من يعتقد أن الخوف مفتاح الأبواب المغلفة، كحال مثال الطفل، فقبل الشروع فـي أي عمل تريد، لا بد أن ينتابك الخوف، حتى تتيقن من أنك لن تضار بخطر ما، ولنا أن نعي حكمة الكفـيف الذي يتلمس بعصاه مظان الخوف ومواقعه؛ حتى يؤمن طريقه نحو المسارات الصحيحة، فعدم مجازفته؛ هو شعور بالخوف من الوقوع فـي مأزق ما، وليس من الحكمة إطلاقا أن ينجر أحدنا نحو أمر ما دون أن تساوره الظنون بأن هناك أمرا ما قد يحدث، وإن لم يحدث فذلك هو المرتجى، لأنه أيضا؛ ترجيح كفة الاطمئنان بصورة مطلقة دون استدعاء الخوف؛ هو نوع من المجازفة والتهور، وهذان أمران لا يقبل إليها عاقل، أو صاحب خبرة فـي الحياة، ولذلك قيل فـي مثل التشبيه: «إذا علق ثوبك بشجرة بها شوك فـي أغصانها، فتمهل فـي تحرير ثوبك جزءا جزءا؛ وإلا تمزق بين أغصان تلك الشجرة الشائكة» ومعنى هذا أن الحذر هو نوع من الخوف، والتوجس، وعدم الاطمئنان، ومع ذلك فنتائجه مذهلة، يقول الشاعر: «لا تترك الحزم فـي شيء تحاذره؛ فإن سلمت فما فـي الحزم من بأس» فالحزم بهذا المعنى هو نوع من قطع الطريق أمام جميع طرق الخوف والتوجس، وعدم الاطمئنان، بالإضافة إلى أن هناك ثمة علاقة متباينة بين الإفراط فـي الخوف، والإفراط فـي التفاؤل؛ مع أن الإفراط فـيهما تكون نتائجهما على طرفـي نقيض؛ حيث يقود الإفراط فـي الخوف إلى «منجاة» بينما يقود الإفراط فـي التفاؤل إلى «مهلكة» مع التأكيد على عدم التفريط فـي كليهما مهما كانت المواقف والظروف، فلا بد لأي إنسان أن يكون كلا الأمرين فـي ذاكرته الحاضرة، يستدعيهما فـي كل صغيرة وكبيرة، وهذه من معززات الحكمة.
وعلى العموم؛ فكل ما يقال عن الخوف؛ تبقى حقيقة أن ثمة خوفا قادما؛ فالتوقع: أن ثمة مساحة للرؤية أكثر وضوحا، فتوقع الخوف ليس كله شر، بل مزيد من المعرفة بما يحيط بك، ومزيد من الاطمئنان، بأنك عرفت ما يدور خلف الستائر الداكنة، بدون استشعار للخوف، فلن تتضح لك الكثير من الرؤى، فنظرية الخوف تذهب إلى استجلاء حقيقة غير مرئية، ومتى اتضحت الصورة ذهب الخوف إلى غير رجعة، فقد استبدلت الحالة بكثير من الوضوح، ولعلنا نتخذ مثال الطفل أعلاه أنموذجا لنظرية الخوف، ومعادلتها بالإفراط فـي التفاؤل، ويقينا؛ جميعنا يدرك أنه لا يوجد فـي الكون كائن حي لا يستشعر الخوف، فحتى المخلوقات غير العاقلة، تتحفز ترقبا من خطر قادم، لتواجه الخطر، وهي بكامل استعدادها الغريزي، إذن هي واقعة فـي مستنقع الخوف، فالخوف حالة فطرية، جبلت عليها كل الكائنات الحية، ومن لا يخاف من العقلاء، فهو يجازف بالوقوع فـي التهلكة، وهذا ليس من صفتهم، ربما قد ينظر البعض إلى أن الهدف من الخوف – مع أنه شعور فطري - هو توقع المصيبة؛ إذن ووفق هذا التقييم، فإن المصيبة هي الخوف، ومعنى ذلك أيضا؛ أنه متى عرفت مآلات مصيبة ما، كان ذلك مرتكزا مهما للتخفـيف من وطأة الخوف، والتعامل معه بكثير من السيطرة، وعدم إعطائه الفرصة لتقويض مجموعة المسكنات النفسية التي تحافظ على توازن شعور عند كل فرد منا، فـيعيش هادئ البال، مرتاح الضمير.