أفكار وآراء

الدخل السلبي والحرية المالية

هل سمعتم يوما عن الدخل السلبي أو الدخل غير المكتسب وكيفية الحصول عليه؟ وما علاقته بالحرية المالية التي ينشدها الكثيرون؟ الدخل السلبي أو الدخل غير المكتسب هو أحد أنواع الدخول التي يحصل عليها الفرد باستمرار، ولا يتطلب العمل بنشاط للحصول عليه، وهو معزز للأمان المالي ويساعد على تحقيق الحرية المالية. ويمكن تبسيط مفهوم الدخل السلبي بأنه تغيير العقلية والمنظور تجاه المال من حيث الوقت والجهد المبذول، وغالبا يتم تحصيله من الاستثمارات في الأسهم والسندات أو القيام بأنشطة تجارية توفّر دخلا ثابتا دون بذل جهد أو قت للحصول عليه، ويختلف عن الدخل الإيجابي أو المكتسب أن الأخير يتطلب بذل جهد مستمر للحصول عليه، ويرى مؤيدو الدخل السلبي أنه فرصة للتفرغ أكثر للحياة الاجتماعية والأسرية ومتابعة اهتماماتك، وتحقيق أهدافك الشخصية؛ كونها لا تلزم الشخص بدوام كامل أو الذهاب إلى مقر العمل يوميا، وأن الحرية المالية الناتجة عن الدخل السلبي لها دور في تخفيف القلق والتفكير باستمرار في تلبية المتطلبات الاجتماعية اليومية مثل سداد الالتزامات المالية الشهرية، وكذلك تساعد الحرية المالية على تحقيق الرغبات التي يحدها غالبا عدم توفر الوقت والموارد اللازمة؛ فالحرية المالية ليست حلما بل هدفا قابلا للتحقيق ويسعى إليه الجميع.

إن تحقيق الدخل السلبي ليس صعبا ولا يمثّل تحديا؛ لسهولة الحصول عليه وتوفّر الفرص لبدء تحصيله، فمثلا يمكن الاستفادة من المهارات والقدرات التي يمتلكها الفرد وتنميتها لتكون انطلاقة للبحث عن فرص لتوليد الدخل السلبي عبر استكشاف المجالات التي تجيدها وتستمتع بها؛ بهدف إطلاق مشروع تجاري يساعد على تحقيق الدخل السلبي، أيضا يمكن الاستفادة من الأصول مثل العقارات يمكن تحويلها إلى مصادر دخل سلبي عبر تأجيرها أو تطويرها، وكذلك الإنترنت وبناء علاقات في بيئة العمل تمثلان فرصة لتحقيق الدخل السلبي عبر ممارسة التجارة الإلكترونية أو الاستثمار في العمليات عبر الإنترنت لتحقيق مزيد من الدخل شريطة الاستمرار في التعلم والتطوير؛ خشية الوقوع في ممارسات خاطئة أو غير قانونية أو التعرض للخداع والاحتيال.

إن الدخل السلبي لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها ويتطلب صبرا والعمل بجد واجتهاد للوصول إليه واستدامته، وينبغي أن يكون حذرا في التعامل مع الأنشطة المرتبطة به؛ فمثلا الاعتماد على دخل شهري ثابت من نشاط تجاري دون بذل جهد ربما يؤدي إلى الوقوع في التجارة المستترة بهدف تحقيق الدخل السلبي، ورغم أن هذا النوع من الدخل غير مجهد، إلا أن تحصيله له ينبغي أن يكون وفق خطط مدروسة ودقيقة؛ لضمان استدامته وقانونيته إضافة إلى عدم تأثره بالعوامل المحيطة به، والأهم من ذلك ألا يكون سببا للتكاسل والاتكالية عن ممارسة الأعمال الأخرى التي تتطلب جهدا ووقتا لممارستها، ورغم أن الدخل السلبي سهل التحصيل إلا أن المستفيد منه ربما يبذل جهدا للتخطيط له وتصحيح مساراته بين فترة وأخرى، إضافة إلى تقييم مستوى الدخل المتحصل عليه والتأكد من قانونيته. ويعد التسويق بالعمولة وتوزيع أرباح الأسهم هما الوسيلتان السائدتان في المجتمعات لتوليد الدخل السلبي؛ لاحتمالية نموّه إلى مصدر دخل كبير ويمنح الحرية المالية والاستقلال، حيث يقوم الممارس لهذا النوع من التسويق غالبا بالاستفادة من شبكة الإنترنت للترويج عن منتجات شركات مختلفة عبر استهداف جمهور معيّن بهدف الحصول على عمولة عن كل عملية بيع أو خدمة يروّج لها، أما أرباح الأسهم تمثّل بوابة للبدء في الحصول على الدخل السلبي؛ لسهولة إجراء عملية الاكتتاب وسرعة الحصول على ربح سنوي فقط كل ما على الفرد أن يوفّر مبلغا من المال وبدء عملية الاستثمار في الأسهم، ورغم سهولة الحصول على الدخل السلبي واستدامته مقارنة بالدخل الإيجابي الذي يتوقف بانتهاء مدة العمل، إلا أن التخطيط السليم وفهم المخاطر المحتملة جيدا للدخل السلبي تعد من الأمور المهمة مع ضرورة أن يكون للأفراد قدرة على تحمّل المخاطر المحتملة وتحديد الاستثمارات التي تتناسب مع أهدافهم المالية ومدى كفاءة الفرد على الإدارة المالية للدخل السلبي.

إن الاستقرار المالي هدف يسعى إليه الفرد والمجتمع ويعد الدخل السلبي والدخل الإيجابي جزأين متكاملين ومتسقين لتحقيقه الذي يحفّز الحرية المالية، والدخل السلبي كمفهوم ومنهجية للحصول على دخل آخر يدفع الفرد للتغيير ويحفّز على تحقيق النجاح والازدهار المالي، واختبار مدى الصمود والقوة الشخصية ووضع الأولويات المالية التي يبنى عليها الخطط المستقبلية، ومع انتشار الدخل السلبي على نطاق واسع بين أفراد المجتمع، واختلاف طرق تحصيله، بات من الضروري وضع الحلول والمعالجات للتحديات الناتجة عنه وتحويلها إلى فرص تساعد على إيجاد أساس مالي قوي مستدام يعزز من الاستقرار المالي مستقبلا.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي