أفكار وآراء

سرقة المؤتمرين في مؤتمر لمكافحة السرقة!

تدفع بعض الحكومات ضريبة مضاعفة لجشع النظام الاقتصادي بها وإهمال الأمنين الاجتماعي والفكري، وهو بعض ما يحدث حاليا في بريطانيا مع تفشي حالات السرقة المرتبطة بالاعتداءات على الضحايا وصولا للقتل في حال المقاومة، ومع كل ادعاءات الحكومة الجديدة الحالية بأنها ورثت تركة من الاعتلال الأمني واكتظاظ السجون، وهي ادعاءات ليست وهمية إذا ما وضعنا في الاعتبار إحصائيات معدلات الجريمة ومعاناة الشرطة مع اكتظاظ السجون، لذلك لم تجد الحكومة الحالية مناصا من اقتراح بعض القرارات لحل المشكلة (خصوصا بعد أعمال العنف الأخيرة التي وضعت الشرطة في مواجهة واقعية مباشرة مع حقيقة أن لا مكان في السجون البريطانية للمجرمين) وكان من بين القرارات التي نفذت مع بداية الأسبوع الماضي إطلاق أولي لسراح عدد من المجرمين (1700 سجين) سعيا لإتاحة أكبر عدد ممكن من السجون لاستيعاب حاجة المحاكم والقضايا المستقبلية ضمن خطة تتابعية، ورغم أن هذا القرار كان مقيدا بشروط كضرورة إكمال السجين 40% من مدة محكوميته، إضافة إلى ضرورة ألا يكون ضمن مرتكبي جرائم العنف أو الاعتداءات الجنسية، إلا أن القرار واجه انتقادات كبيرة سواء من الأحزاب المعارضة لسياسة حزب العمال أو من البريطانيين عموما تحسبا لخطورة إطلاق سراح هؤلاء المجرمين مما قد يزيد مساحة الجريمة في المجتمع.

تعهدت الجهات الأمنية بمتابعة كل من أطلق سراحه ضمانا لعدم تكرار الجرائم، لكن ذلك لم يوقف سيل الانتقادات خصوصا بعد رصد حالة لأحدهم ارتكب جريمة اعتداء على امرأة في اليوم الأول لإطلاق سراحه، أو لقاء بعض المساجين الذين أطلق سراحهم حيث عبروا عن استيائهم من القرار إذ كانوا بمأمن في السجن، ويرون بأن الحكومة قامت بهذه الخطوة لمصالحها الخاصة لا سعيا لمنحهم فرصا أفضل في الحياة! ويسير الأمر تصاعديا ليبلغ ذروته مع مفارقة تعرض الوزيرة المسؤولة عن مكافحة الجريمة في بريطانيا، ديانا جونسون، لسرقة حقيبتها أثناء إلقائها خطابًا في مؤتمر جمعية مفتشي الشرطة السنوي الذي عقد يوم الثلاثاء الماضي مع ضباط الشرطة من الرتب العليا والمتوسطة، تزامنت السرقة مع خطاب الوزيرة الذي وجهت فيه اللوم إلى حزب المحافظين بسبب تفشي السلوك المعادي للمجتمع، وسرقة الأفراد والمتاجر، وإلى جانب سرقة حقيبة الوزيرة، سُرقت بعض ممتلكات بعض أعضاء موظفي وزارة الداخلية من ذات الموقع مكان المؤتمر ليصبح الأمر مثارا للسخرية واللوم معا.

وفقًا لمكتب الإحصاءات الوطنية، فإن عدد عمليات سرقة المقتنيات، كالحقائب والهواتف الجوالة، التي قام بها أفراد، ارتفع 40% في السنة الماضية منذ شهر مارس، كل هذه المعطيات أدت إلى انخفاض الدعم الشعبي للشرطة إلى أدنى مستوياته، إذ أظهر استطلاع أجرته شركة «يوغوف»، في وقت سابق من هذا العام، أن أكثر من نصف المواطنين لا يثقون بقدرة الشرطة على حل الجرائم، وأن أكثر من ثلثهم لا يؤمنون بقدرتها على حفظ الأمن والأمان، وكانت ديانا جونسون قد أعلنت في كلمتها خططا لتعزيز وتدريب قوات الشرطة، وهي (بلا شك) ضرورة ملحة أكدتها حادثة السرقة التي تعرضت لها شخصيا خلال مؤتمر لمكافحة السرقة!

ختاما: لا يمكن بلوغ المجتمعات والحكومات استقرارها المجتمعي وأمانها الاقتصادي دون أمن يثق به الأفراد (سواء كانوا مواطنين، مقيمين، أو زائرين) ويعززه القضاء حزما وسرعة في التنفيذ، كما لا ينبغي الاستهانة بأمن الأفراد في المجتمعات، لا بد من تعزيز الأمن باحترام القوانين واجبة التنفيذ، ورعاية حقوق الأفراد في كل مستوياتها مع عدم تهميش سلب المتعلقات المادية في واقع مليء بالتحديات مع سوء الأوضاع المالية وشح الفرص مما يجعل المال معادلا للروح أحيانا كثيرة؛ سواء للسارق الساعي لأجل المال أو الضحية المُستنزَف للحصول عليه وتملكه، كما لا ينبغي للحكومات التنصل عن مسؤولياتها الأمنية بإلقاء الضحايا في ملعب المجرمين حيث لا أمان يرتجى ولا عقاب يخشى.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية