رأي عُمان

إسرائيل تزعزع أمن المنطقة

 
من الخطأ أن يتصوّر رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي أن الجرائم والمذابح التي ارتكبها في قطاع غزة وفي الضفة الغربية خلال أحد عشر شهرا لن يكون لها ارتداد على أمن «إسرائيل» لا بوصفها دولة احتلال تلقى مقاومة من الفلسطينيين فقط ولكنّ باعتبارها ردًا طبيعيًا على الأفعال التي ارتكبت في قطاع غزة واستفزت مشاعر الجميع لا في سياقها الديني ولكن في سياقها الإنساني، وليس في دول الجوار الذين نعتهم بالمجرمين حينما قال: «محاطون بمجرمين يريدون قتلنا جميعًا» ولكنّ الفطرة الطبيعية ترفض بالمطلق كل أنواع الجرائم التي تحدث كل يوم في قطاع غزة التي نتج عنها أكثر من 41 ألف شهيد، جلهم من الأطفال والنساء، ومئات الآلاف من الجرحى والمشردين؛ لذلك لا يمكن قراءة عملية إطلاق النار في معبر اللنبي بوصفها عملًا استثنائيًا لا تبنى عليه تصورات لمواجهات جديدة، فمثل هذه العملية باتت متوقعة ضد «الإسرائيليين» في كل مكان، في دول الجوار أو في أوروبا أو في أمريكا.. وقد تتجاوز الاعتداءات العسكريين إلى المدنيين.. وهذا أمر حذر منه الجميع منذ بداية الحرب على قطاع غزة ومنذ أن نقلت وكالات الأنباء والفضائيات صور الآباء الفلسطينيين وهم يجمعون ما تبقى من أشلاء أطفالهم في أكياس بلاستيكية!.

لقد كتب الإسرائيليون أنفسهم، وكتب مؤيدوهم، أن نتانياهو وحكومته المتطرفة يقودون «إسرائيل» إلى الجحيم؛ فلا هدف له إلا إطالة الحرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية له وللمتطرفين اليمينيين في حكومته المتشددة. وإذا كان المنصفون من الإسرائيليين ومن الغربيين يرون أن إسرائيل تعيش في مأزق حقيقي يصل إلى حد المأزق الوجودي فإن ردات الفعل من شأنها أن تقوض الأمن وتفرض إجراءات أمنية صعبة على الجميع وتعقد المأزق الجوهري الذي تعيشه دولة الاحتلال والذي يعجل وصولها إلى النتيجة الحتمية لها.

ندوب الحرب كبيرة وبذورها تنبت أحقادًا في كل مكان، والصورة الذهنية العالمية عن دولة الاحتلال أعيد رسم تفاصيلها من جديد في الوجدان العالمي ويتجلى ذلك في الملايين الذين يخرجون في مظاهرات تندد بالحرب: في أمريكا وفي لندن وفي مدريد وفي أوسلو.. إلخ، والدليل الآخر أن السردية الفلسطينية التي لم تكن تلقى من يسمعها أصبحت اليوم هي المحرك الأساسي للوعي الجماهيري في الكثير من دول العالم.

إن وقف الحرب الفوري وإعلاء قيم السلام في منطقة الشرق الأوسط وإعطاء الشعب الفلسطيني لحقوقه الأساسية وفي مقدمتها دولته المستقلة التي عاصمتها القدس الشرقية من شأنه أن يخفف الاحتقان الفلسطيني والعربي والإنساني ضد إسرائيل، ودمجها مع الشعوب المجاورة لها، وهي شعوب تحمل كل قيم الإنسانية وقيم الحضارة، ولا يمكن وصف دفاعها عن نفسها وعن أرضها بالأفعال الإجرامية.. إنما الإجرام ما تفعله إسرائيل من أكثر من 76 سنة مضت.