ثقافة

نوفيلا «إلا أنت» للفلسطينية وفاء العزة: الانتفاضة والنكبة

 
عايدة وعزيز، فتاة وشاب، يعيشان مشاعر عاطفية بسيطة. يعتقل عزيز في بداية الانتفاضة الثانية، فيقضي في المعتقل 13 عاما. لم يمض وقت قصير حتى تجاوزت عايدة تلك المشاعر الرومانسية، لتدخل عالم الزواج، وما فيه من علاقات واقعية تختبر فيها عوالم أخرى تتعلق بالحياة الزوجية. في هذه السنوات يقضي عزيز محكوميته، يتعرف فيها على مجتمع المعتقل، وبخاصة المعتقل أبو الليل، الذي تجمعه به حوارات متنوعة، منها ما هو واقعي وما هو فكري. يجد عزيز فرصة لاختبار الرسم، فيرسم بخامة القهوة، في ظل عدم وجود الألوان. حينما يفرج عن عزيز يبدأ حياة جديدة، متقبلا التحولات الجديدة التي وجدها بعد عام 2013، حيث يكون قد تشافى من السجن، ومن تذكر عايدة، حيث يلتقي جمانة ويرتبط بها، في الوقت الذي يتم الإفراج فيه عن أبو الليل بسبب مرضه بسبب إضرابه الطويل عن الطعام داخل المعتقل، «ظللت في السجن تربي الأمل. وها انت تموت بين يديّ ويبقى الأمل» صفحة 127.

تبدأ فصول النوفيلا من خلال سرديات لكل من عايدة ومريم وعزيز وجمانة، أخذت شكل الرسالة، مستخدمة عدة ضمائر منها المخاطب، خاصة من قبل مريم ولعايدة، لبعضهما بعضا. تبث عايدة عمتها مريم ما تعيشه من مشاعر، في حين تسرد مريم لعايدة ابنة أخيها جليل ما كان من أحداث عام 1948، وتعرّض العائلة للجوء، وكيف أصبحت العمة معيلة للأسرة، فنجد أنفسنا متنقلين بين زمنين، زمن النكبة، وما بعده، وبشكل خاص زمن ولادة عايدة في الانتفاضة الأولى، وكيف صارت شابة في الانتفاضة الثانية.

هذا هو زمن الرواية، الحاضر، والمستدعى من ذاكرة العمة مريم، بينما ارتبط المكان بما هو الآن، في حين أطل المكان الفلسطيني قبل اللجوء.

أما مكان عزيز على مدار ثلثي الرواية فهو المعتقل، لذلك نرى المعتقل كمختبر له، في التثقيف والحوارات الفكرية، وصولا لتجريب الرسم بخامة القهوة التي تتبقى في الفناجين، كونها المادة التي تتيسر له، فيبدع عدة لوحات.

في مجتمع المعتقل ثمة حديث عن الحياة والحب والوطن. من ذلك الحديث عن العلاقات الأسرية، كما كان بينه وبين أبي الليل؛ الذي يبدو كأنه يتأمل بحياته قبل المعتقل، وكيف كان يمكن أن يفعل لو عاد الزمن إلى الوراء ولم يعتقل: «لو عاد بي الزمن وكنت على حريتي، لاستغللت كل دقيقة من حياتي، لكنت أبا صالحا وزوجا حنونا، لزرعت حديقتي وأغدقت عليهم من كل شيء» صفحة 65.

أما المرأة، فكانت ضمن حوار مع رفيقه في المعتقل ليث، كما في قول ليث صفحة 75: «أفضل ما تحصل عليه في هذه الحياة امرأة جميلة وطباخة ماهرة وحارة في الفراش. دعك من المثاليات، ماذا يطلب الرجل بعد ذلك؟ أصلا قليلا ما ترى عائلة ناجحة».

كان التعريف بجمانة صديقة عايدة في الربع الأول من القصة، من باب أنها كانت واقعية: «سوف أختار دراستي والزواج..» صفحة 28.

يتعرف عزيز الفنان الأسير المحرر على جمانة الرسامة، ويرتبطان ببعضهما، ويحدثها عن محبوبته الأولى التي تعلق بها خلال اعتقاله. ولكننا نقرأ هنا حوارا بين عزيز وجمانة في صفحة 116، عن التعلق، حيث يفسّر عزيز نوعين من العلاقة مع النساء ممثلين بعايدة وجمانة، حين يتحدث عن تعلقه بحبيبته الأولى عايدة، تسأله جمانة: وأنا ألم تتعلق بي؟ فيجيبها عزيز: إلا أنت (اسم القصة)، مضيفا «أنت علاقة ناضجة..»؛ فهل هو التفسير الرومانسي للمرحلة السابقة تجاه الحب الرومانسي؟ وهل هو التفسير الواقعي لمرحلة الاتجاه نحو الزواج كمؤسسة؟

من هذا المنطلق، تعرف جمانة عزيز على عايدة صديقتها، التي لا تعرف حسب سياق القصة أن عايدة هي المقصودة من حديث عزيز عن الحب الرومانسي السابق: «عرفتني إليه وكأننا لم نعرف بعضنا» صفحة 122.

مآل مريم هو الزواج المتأخر والانتقال إلى بلد عربي، وعدم الإنجاب، ما دفعها لترك زوجها طواعية كي تتزوج وتنجب، وتقرر مريم العودة إلى الوطن، حيث زمن الانتفاضة الثانية.

أما أبو الليل فإنه بعد الإضراب يستشهد، بعد أن يكون قد بثّ الأمل في المعتقل وكذلك عند الرحيل: «ظللت في السجن تربي الأمل. وها أنت تموت بين يدي ويبقى الأمل» صفحة 127.

وهكذا تكون النهاية ببداية عزيز وجمانة حياة جديدة، يدفعهما الأمل بالغد، واقعا جديدا.

فنيا: زمنان: الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000، وأحداث نكبة فلسطين والحياة قبل عام 1948، بناظم المصير الوطني والمستقبل، تجلى تقاطع الزمنين من خلال شكل فني حيوي كان رافعة من روافع نوفيلا «إلا أنت»، حيث تم استخدام اليوميات، من خلال سرد الشخصيات عن حياتها، وسرد الشخصيات عن بعضها بعضا، في خطاب يصل حدّ شكل الرسالة والحوار خاصة بين عزيز وأبي الليل انسجاما مع وجودهما في الفضاء الاعتقالي الضيّق الذي قاما معا بتوسعته من خلال الفكر..

لغة الكاتبة كانت لغة سردية ملائمة، بعيدا عن الثقل الجمالي والبلاغي، متيحة المجال لرومانسية حالمة فكرية. كشفت النوفيلا قدرات الكاتبة التعبيرية، منها التعبير عن الحب قي صفحة 59، كشف «..بين ألم الوقعة الأولى، ومتعة تستل من بين الألم..».

من حيث البنية، كان هناك مجال للاعتناء بفصول الرواية، من خلال تتبع الأحداث زمنيا؛ فلم نجد ما يعبر ويدل على التحولات بعد قضاء عزيز محكوميته على مدار 13 عاما، فمنذ صفحة 79، وقت تحرر عزيز من الأسر، لم نجد تجلي الزمن. وفقط كانت هذه العبارة المهمة على لسان مها أخت عزيز التي أرتنا تغير الزمن صفحة 81: «مرت السنون الكثيرة ولم نلتق في هذه الغرفة التي حملت أسرارنا، لكنني أموت ضحكا عندما أخذت تسأل عن كل فتاة، هل أقبلها؟» بمعنى إن كانت الفتاة من بنات اخوته وأخواته ويجوز له تقبيلها.

من حيث تنامي العلاقة بين عزيز وجمانة، لاحظنا سرعة العاطفة، كان من المبكر حسب العلاقة بينهما أن تخبر جمانة عزيزا: «سأكون صريحة معك، إن المشاعر تتمادى، ونحن من نسمح لها بالتمادي، وإذا ما تمادت لا نستطيع كبحها. وهي وهم إذا استقر في القلب يصبح حقيقية» صفحة 95.

ثمة أمر ربما وقعت فيه الكاتبة، فالمفروض أن جمانة تعرف حبيب عايدة، خاصة انه المناضل المعتقل لـ 13 عاما. نستغرب أنها لم تتعرف عليه، وليس هذا فقط، بل إنها وقعت بحبه. كما في صفحة 99.

«إلا أنت» إذن نوفيلا، ويبدو أن الكاتبة كانت على وعي بعملها الأدبي، فلم تشر إلى ذلك لا في صفحة الغلاف الأول ولا في صفحة العنوان، فلا أعرف علام ارتكز الكاتب الروائي نافذ الرفاعي حين كتب على الغلاف الأخير أن هذا العمل الأدبي رواية.

تعدّ الرواية من روايات الانتفاضة الثانية، حيث تنتمي الكاتبة للفئة الشابة التي كتبت عن تلك الفترة، حيث تشكل مجالا لبحث رؤية الشباب تجاه هذا الحدث، من حيث روايته ورؤيته في الوقت نفسه.

صدرت نوفيلا «إلا أنت» عن دار الرعاة بالتعاون مع دار جسور عام 2023، ووقعت في 127 صفحة من القطع الصغير، وهي الرواية الثانية للكاتبة. صدرت روايتها الأولى بعنوان «مملكة الله في السماء» في أواخر عام 2019.