رأي عُمان

الهيدروجين الأخضر.. شرارة الكهرباء التي تصنع المستقبل

رأي عمان

 
تسير سلطنة عُمان بخطوات جادة نحو التحول الكبير من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة الخضراء النظيفة التي يمكن أن تصنع فارقا في حماية كوكبنا الصغير إضافة إلى أنها متجهة لتكون أحد أهم مصادر الطاقة في العالم خلال العقد القادم. وتضع سلطنة عمان مشاريع الهيدروجين الأخضر في واجهة استراتيجيتها لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد الكلي على النفط. وتملك سلطنة عمان كل المقومات الطبيعية التي تحتاجها لتكون في مقدمة الدول المنتجة لطاقة الهيدروجين الأخضر. وعمدت خلال السنوات الأخيرة إلى بناء منظومة قوانين لدعم مشاريع الاستثمار في هذه الطاقة.

وأمس انطلق مختبر جاهزية المنظومة الوطنية لقطاع الهيدروجين الأخضر للخروج بأفكار ومشاريع لمعالجة التحديات التي يمكن أن تواجه هذه الاستراتيجية إضافة إلى دراسة الجاهزية والتنافسية العالمية في هذا القطاع الناشئ.

لكن المختبر يهدف أيضا إلى وضع خطة استراتيجية تجمع القطاعات ذات الصلة من أجل ضمان حراك متسق بين جميع هذه القطاعات خدمة للأهداف العليا. وإذا كان الهدف الأول للعالم من التحول نحو الطاقة النظيفة يتمركز حول مكافحة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم فإن عملية التحول هذه يمكن أن تكون أحد أهم مصادر الدخل في العالم خاصة في دولة مثل سلطنة عُمان.

ويبدو التزام سلطنة عمان بالهيدروجين الأخضر واضحا في خططها الطموحة لتطوير مشاريع ضخمة، مثل مشروع هايبورت الدقم، الذي يهدف إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق عالمي وتنافسي، لكن هذه المشاريع العملاقة لا تتعلق بإنتاج الهيدروجين فحسب؛ بل إنها تمثل خطوة مهمة نحو تنويع مزيج الطاقة في البلاد، والحد من بصمتها الكربونية، وتأمين مستقبل اقتصادي مستدام بعد النفط الذي يشهد الكثير من التقلبات منذ عقد من الزمن.

وتملك سلطنة عمان سمات جغرافية تجعلها قادرة على المراهنة على التفوق في مشاريع طاقة الهيدروجين الأخضر وفي مقدمة تلك السمات الإشعاع الشمسي الكبير في جميع مناطق عُمان الذي يجعلها منطقة مثالية لإنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال التحليل الكهربائي الذي يعمل بمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما يوفر الموقع الساحلي لمشاريع الهيدروجين الأخضر سهولة وقربا من سلاسل التوريد العالمية.

ويشكل التعاون مع شركات الطاقة الدولية ومؤسسات البحث مفتاحًا لجلب التكنولوجيا والخبرة والاستثمار اللازمين. وتعتبر هذه الشراكات مهمة في التغلب على التحديات الفنية والمالية المرتبطة بتوسيع نطاق إنتاج الهيدروجين الأخضر. والاتفاقية الأخيرة مع مجموعة DEME البلجيكية وشركة الطاقة الألمانية Hydrogen Rise هي دليل على التزام عُمان للاندماج في سلاسل التوريد العالمية.

وما زالت التوقعات العالمية مرتفعة جدا حول مكانة الهيدروجين الأخضر سواء لدوره في إزالة الكربون من الصناعات مثل الصلب والأسمنت والمواد الكيميائية، أو في توفير بديل مستدام للوقود الأحفوري في النقل. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن الطلب العالمي على الهيدروجين قد يتضاعف ستة أضعاف بحلول عام 2050، مما يجعله صناعة بقيمة تريليون دولار. إن دخول سلطنة عمان المبكر والاستراتيجي إلى هذه السوق يضعها في طليعة هذه التحولات العالمية في مجال الطاقة.

ولكن مع هذه الرؤية المشرقة لموضوع الهيدروجين الأخضر إلا أن التحديات التي يواجهها هذا القطاع سواء من حيث تكلفة إنتاجه المرتفعة أو حاجته لتطوير البنية الأساسية العالمية للتعامل معه من حيث النقل والتخزين أو من حيث التحليل الكهربائي لإنتاجه تضعنا أمام مسؤولية دعم مراكز أبحاث علمية لتجاوز هذه التحديات وفتح آفاق مستقبلية لهذا القطاع.. وأهمية هذا الأمر لا تقل عن أهمية أي أبحاث علمية في أي قطاع آخر من القطاعات الحيوية في العالم. وكما استطاعت سلطنة عمان خلال العقود الماضية من تطوير بحوث علمية دقيقة ساهمت في تقليل تكلفة إنتاج النفط فإنها ستكون قادرة على تجاوز التحديات التي تواجه هذا القطاع الواعد الجديد.