حرب المعلومات واختراق الخصوصية
الاحد / 27 / صفر / 1446 هـ - 20:35 - الاحد 1 سبتمبر 2024 20:35
لن ينجو أحدنا من مأزق انتهاك الخصوصية مهما كبر معرفيًا وتقنيًا ليتحول من مجرد مستهلك للمعلومة إلى شريك بها، أو مؤسسًا لمخازنها أو وسيطًا لنقلها لكن اليقين حتمًا أن الخيار الثاني يمنحك قوة المعرفة وامتلاك المعلومة وفرض الرأي.
المعرفة قوة لا شك، كما أن المعلومة أداة جبّارة لتحريك القوة وتوجيهها أيًا كان مسارها، وهي في عصرنا الذي نعيشه أكثر أهمية وأشد إلحاحًا، حتى أن بعض الحروب المقنّعة بين الأفراد والحكومات قد تنطلق من صراع الحصول على المعلومة، ولا مناص من الاعتراف بأن العالم بأكمله واقع تحت وطأة حرب المعلومات في عالم مفتوح على مصادر مختلفة ومخازن معلوماتية متنوعة مختلفة الأهداف، منها ما هو تجاري هدفه المنفعة المادية عبر اختراق نظام الأفراد والجماعات والمؤسسات لأغراض تسويقية يجدها مسوغًا لامتلاكه المعلومة وانتهاكه الخصوصية، ومنها ما هو اجتماعي قد يتخذ مبررات أخرى تحليلية إحصائية، ومنها ما هو أمني يتجاوز خصوصية الفرد لضمان خصوصية المؤسسات ثم يتجاوز خصوصية المؤسسة لضمان خصوصية الدولة، وقد يتجاوز خصوصية الدولة لضمان خصوصية المحرّك السياسي الأقوى وفقا للنظام العالمي ومواقع القوى والنفوذ.
ومع كل تلك التقاطعات وتلك المصالح بإسقاطاتها المختلفة لم يعد مستغربا أن تصبح المسارات التعليمية والوظيفية المعاصرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمجال المعلومات، نشأتها وتخزينها وتحليلها وتوجيهها وأمنها، ولم يعد الثراء مستغربا على الأذكياء الذين أدركوا قيمة المعلومة فاستثمروا في مجالاتها بإنشاء شركات أو تطبيقات أو وسائط تقنية كلها تعمل على مبدأ امتلاك المعلومات ثم تطويعها بإتاحتها أو منعها حسب مكامن القوة والضعف، وكل مفاخر الواقع المعاصر من ذكاء اصطناعي وأمن معلوماتي وثورة صناعية تتكئ في تفاصيلها على المعرفة المعلوماتية وسبل توجيهها وتفعيلها.
صار من المألوف غير المستهجن قراءة أخبار مثل استيلاء مراهق -يستلقي بأريحية على أريكة منزلية- على ميزانية أكبر البنوك دون سلاح أو شريك أو حتى جهد، لكنه يمتلك القدرة على اختراق نظام المعلومات الخاص بالبنك وإعادة توجيه عملياته، تماما كألفة تجنيد مجموعات رقمية وتسليحها بالمعلومة(صحيحة كانت أو مغلوطة) بغية الوصول لأهداف مقصودة سواء كانت اقتصادية اجتماعية، أو عسكرية سياسية، أو حتى إيديولوجية مغرضة.
ونحن (البشر) لا نملك من أمرنا شيئا، والملكية هنا ليس المقصود منها ملكية الحق في الصمت أو التفاعل سلبيا أو إيجابيا مع أرتال المعلومات اليومية الهائلة، لكنه الحق في الاحتفاظ بالخصوصية وملكية المعلومة الشخصية على أقل تقدير، ومن أسفٍ أن أغلبنا مأخوذ بهذا العالم المعلوماتي الهائل وقدرته على الحركة المتسارعة التي تفضي للشهرة في وقت قياسي، وإمكانية تحقق الثراء مع الشهرة (مهما كان مضمونها) حتمية، دون العناية بجريمة انتهاك الخصوصية واستنزاف طاقة الإنسان الروحية في تحويله لآلة تسويق للسلع الاستهلاكية وجمع المال.
نتابع منصات التواصل الاجتماعي المحركة للكثير من القضايا الدولية سياسيا واجتماعيا وحتى فكريا، حين يتعلق الأمر بالإنسانية متمثلة في حقوق الإنسان وقدرة هذه التطبيقات على تعزيزها أو حتى انتهاكها، إضافة إلى قدرتها على تعطيل الفكر وتجميد ردود الفعل عبر لعبة الإلهاء المشهورة سياسيا بتخليق وتصنيع وترويج صراعات تافهة بغية إشغال المجاميع عن قضايا محورية اعتمادا على فكرة «العقل الأجوف سريع التأثر سهل التطويع» ومع صراعات القوى العظمى للتحكم بموارد العالم وبإنسانه صار أمر الاستعانة بملوك قطاع المعلومات وتقنياتها أمرا حتميا، ومع هذه الحتمية وصراعات مُلّاك تطبيقات التواصل الاجتماعي ومّلاك المعلومات وخصوصية الأفراد التي لم تعد موجودة نقرأ عن اعتقال ملياردير التكنولوجيا بافيل دوروف مبتكر تطبيق «تيليجرام» للمراسلة الشهير عالميًا، بتهم تتعلق باستخدام التطبيق في غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات والإباحية، ويتساءل العالم هل الاعتقال لهذه التهم فعلا أم لمنعه تسليم بيانات التطبيق لبعض الحكومات؟ نتابع مارك زوكربيرج مالك شركة (ميتا) الذي يكشف عن تعرض شركته لضغوط متزايدة من إدارة الرئيس الحالي بايدن لفرض رقابة على المحتوى، ومن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يهدده حتى قبل فوزه بمراقبته بعناية!، نقرأ أمر تعليق عمل منصة إكس (تويتر سابقا) من قبل قاضي المحكمة العليا البرازيلية، المنصة التي يملكها الملياردير إيلون ماسك بعد أن رفض تعيين ممثل قانوني في البلاد وعلّق على تعليقها قائلا: «النظام القمعي خائف».
ختاما: لم يعد خيار العزلة بمعناها الحقيقي متاحا وفقا للواقع ومعطياته، كما أن سقف المشترك العام ارتفع كثيرا، ومساحات الخصوصية تضاءلت، لن ينجو أحدنا من مأزق انتهاك الخصوصية مهما كبر معرفيا وتقنيا ليتحول من مجرد مستهلك للمعلومة إلى شريك بها، أو مؤسسا لمخازنها أو وسيطا لنقلها لكن اليقين حتما أن الخيار الثاني يمنحك قوة المعرفة وامتلاك المعلومة وفرض الرأي.
المعرفة قوة لا شك، كما أن المعلومة أداة جبّارة لتحريك القوة وتوجيهها أيًا كان مسارها، وهي في عصرنا الذي نعيشه أكثر أهمية وأشد إلحاحًا، حتى أن بعض الحروب المقنّعة بين الأفراد والحكومات قد تنطلق من صراع الحصول على المعلومة، ولا مناص من الاعتراف بأن العالم بأكمله واقع تحت وطأة حرب المعلومات في عالم مفتوح على مصادر مختلفة ومخازن معلوماتية متنوعة مختلفة الأهداف، منها ما هو تجاري هدفه المنفعة المادية عبر اختراق نظام الأفراد والجماعات والمؤسسات لأغراض تسويقية يجدها مسوغًا لامتلاكه المعلومة وانتهاكه الخصوصية، ومنها ما هو اجتماعي قد يتخذ مبررات أخرى تحليلية إحصائية، ومنها ما هو أمني يتجاوز خصوصية الفرد لضمان خصوصية المؤسسات ثم يتجاوز خصوصية المؤسسة لضمان خصوصية الدولة، وقد يتجاوز خصوصية الدولة لضمان خصوصية المحرّك السياسي الأقوى وفقا للنظام العالمي ومواقع القوى والنفوذ.
ومع كل تلك التقاطعات وتلك المصالح بإسقاطاتها المختلفة لم يعد مستغربا أن تصبح المسارات التعليمية والوظيفية المعاصرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمجال المعلومات، نشأتها وتخزينها وتحليلها وتوجيهها وأمنها، ولم يعد الثراء مستغربا على الأذكياء الذين أدركوا قيمة المعلومة فاستثمروا في مجالاتها بإنشاء شركات أو تطبيقات أو وسائط تقنية كلها تعمل على مبدأ امتلاك المعلومات ثم تطويعها بإتاحتها أو منعها حسب مكامن القوة والضعف، وكل مفاخر الواقع المعاصر من ذكاء اصطناعي وأمن معلوماتي وثورة صناعية تتكئ في تفاصيلها على المعرفة المعلوماتية وسبل توجيهها وتفعيلها.
صار من المألوف غير المستهجن قراءة أخبار مثل استيلاء مراهق -يستلقي بأريحية على أريكة منزلية- على ميزانية أكبر البنوك دون سلاح أو شريك أو حتى جهد، لكنه يمتلك القدرة على اختراق نظام المعلومات الخاص بالبنك وإعادة توجيه عملياته، تماما كألفة تجنيد مجموعات رقمية وتسليحها بالمعلومة(صحيحة كانت أو مغلوطة) بغية الوصول لأهداف مقصودة سواء كانت اقتصادية اجتماعية، أو عسكرية سياسية، أو حتى إيديولوجية مغرضة.
ونحن (البشر) لا نملك من أمرنا شيئا، والملكية هنا ليس المقصود منها ملكية الحق في الصمت أو التفاعل سلبيا أو إيجابيا مع أرتال المعلومات اليومية الهائلة، لكنه الحق في الاحتفاظ بالخصوصية وملكية المعلومة الشخصية على أقل تقدير، ومن أسفٍ أن أغلبنا مأخوذ بهذا العالم المعلوماتي الهائل وقدرته على الحركة المتسارعة التي تفضي للشهرة في وقت قياسي، وإمكانية تحقق الثراء مع الشهرة (مهما كان مضمونها) حتمية، دون العناية بجريمة انتهاك الخصوصية واستنزاف طاقة الإنسان الروحية في تحويله لآلة تسويق للسلع الاستهلاكية وجمع المال.
نتابع منصات التواصل الاجتماعي المحركة للكثير من القضايا الدولية سياسيا واجتماعيا وحتى فكريا، حين يتعلق الأمر بالإنسانية متمثلة في حقوق الإنسان وقدرة هذه التطبيقات على تعزيزها أو حتى انتهاكها، إضافة إلى قدرتها على تعطيل الفكر وتجميد ردود الفعل عبر لعبة الإلهاء المشهورة سياسيا بتخليق وتصنيع وترويج صراعات تافهة بغية إشغال المجاميع عن قضايا محورية اعتمادا على فكرة «العقل الأجوف سريع التأثر سهل التطويع» ومع صراعات القوى العظمى للتحكم بموارد العالم وبإنسانه صار أمر الاستعانة بملوك قطاع المعلومات وتقنياتها أمرا حتميا، ومع هذه الحتمية وصراعات مُلّاك تطبيقات التواصل الاجتماعي ومّلاك المعلومات وخصوصية الأفراد التي لم تعد موجودة نقرأ عن اعتقال ملياردير التكنولوجيا بافيل دوروف مبتكر تطبيق «تيليجرام» للمراسلة الشهير عالميًا، بتهم تتعلق باستخدام التطبيق في غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات والإباحية، ويتساءل العالم هل الاعتقال لهذه التهم فعلا أم لمنعه تسليم بيانات التطبيق لبعض الحكومات؟ نتابع مارك زوكربيرج مالك شركة (ميتا) الذي يكشف عن تعرض شركته لضغوط متزايدة من إدارة الرئيس الحالي بايدن لفرض رقابة على المحتوى، ومن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يهدده حتى قبل فوزه بمراقبته بعناية!، نقرأ أمر تعليق عمل منصة إكس (تويتر سابقا) من قبل قاضي المحكمة العليا البرازيلية، المنصة التي يملكها الملياردير إيلون ماسك بعد أن رفض تعيين ممثل قانوني في البلاد وعلّق على تعليقها قائلا: «النظام القمعي خائف».
ختاما: لم يعد خيار العزلة بمعناها الحقيقي متاحا وفقا للواقع ومعطياته، كما أن سقف المشترك العام ارتفع كثيرا، ومساحات الخصوصية تضاءلت، لن ينجو أحدنا من مأزق انتهاك الخصوصية مهما كبر معرفيا وتقنيا ليتحول من مجرد مستهلك للمعلومة إلى شريك بها، أو مؤسسا لمخازنها أو وسيطا لنقلها لكن اليقين حتما أن الخيار الثاني يمنحك قوة المعرفة وامتلاك المعلومة وفرض الرأي.