أعمدة

ملاحظات بشأن فعاليات عودة الماضي

كلام فنون

يا زمن قاسي روف بي ..

لا تبكيني بلا سبب

الورد والياسي مر بي ..

هو نظر عيني والهدب

هذه شلة الرزحة الجميلة والمشهورة -وهي على ما اعتقد رزحة قصافي- أعجبَت العديد من الناس فغنوها في عُمان وخارجها دون أن يعرف أحد صاحبها، وأضاف المطربون عليها أبياتا شعرية جديدة وغنوها بصيغ إيقاعية مختلفة. يوجد الكثير من هذه القصافيات الجميلة التي ستعجب جمهور مرتادي فعاليات عودة الماضي، وسيكون عرض الرزحة شيقًا أيضًا عندما يتخلله العازي الشهير وارتجالات شعرية تنافسية بين شعراء لهم جمهورهم الواسع وبمصاحبة مؤدين متمكنين للرزحة الكبيرة. ومن المعلوم كذلك أن المبارزات الشعرية التنافسية أهم مرحلة أداء فني في عدد من فنون الغناء التقليدي في ظفار كالزامل (الهبوت) والدانادون ولا قيمة فنية لها دون هذا المحفّز الفني الأساسي وهو بمثابة الروح الذي يبث فيها الحياة. ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي تتجدد فيه ألحان الرزحة ويبدع المبدعون الجديد منها، ظلت الزوامل الظفارية جامدة يتوارث الناس عددًا قليلًا من ألحانها القديمة دون اهتمام بابتكار ألحان جديدة، وهذا ربما يعود لضعف التنافسية الفنية وتراجع دورها.

كل الاحترام والتقدير للجهات المنظمة والمشرفة وجميع الموسيقيين والموسيقيات المشاركين والمشاركات في فعاليات «عودة الماضي» في هذا العام موسم خريف ظفار السياحي 2024، وقد كانت بشكل عام فعالية مميزة لاقت استقبالًا حسنًا من الجمهور، وعليه يتطلع الكاتب إلى أن تكون ملاحظاته الواردة في هذا المقال معززة لهذا التميز الفني والتنظيمي ومفيدة لتطوير هذه الفعالية الجميلة التي من شأنها -مع بعض التعديلات والتحسينات- أن تكون مهرجانًا موسيقيًا تقليديًا عُمانيًا رفيع المستوى، يبرز ليس التراث الغنائي العُماني فحسب بل وكذلك الأغنية العُمانية التقليدية.

ملاحظتي الأولى على المكان المخصص للموسيقيين العازفين؛ وأملي ألا يكون ذلك هو التصور النهائي وأنه سيتم تحسينه بحيث يمكّن الموسيقيين من الأداء في جميع الظروف المناخية ولا يتعرضون وآلاتهم للمطر أو هجير الشمس، فالآلات الموسيقية الجلدية والخشبية والإلكترونية حساسة لجوء المكان كالرطوبة والمطر وتتأثر سلبًا به. وعليه أرى أهمية بل وضرورة تصميم أو إعادة تصميم المكان تصميمًا فنيًا كصرح فني يراعي تقلبات الأجواء ويجمع بين المتعة الفنية، وجمال المكان الذي يحتفظ بالجمهور أطول مدة ممكنة. وبشكل عام الفنون جميلة وهذه غايتها ورسالتها، فلا يناسبها إلا المكان الجميل.

والملاحظة الثانية، أتطلّع إلى أن يعمل المنظمون بشكل جدي على موضوع الجودة الفنية للمؤدين كما هو الحال مع المكان والتجهيزات اللوجستية، بحيث تستقطب فعاليات عودة الماضي أفضل المؤدين من الفنّانين والشعراء المتمكنين من جميع محافظات سلطنة عمان، وأدعو ألا تُستسهل هذه الفنون الغنائية التقليدية، لا من قبل المنظمين ولا من الممارسين أنفسهم، وقد شاهدت الكثير من الفوضى وضعف الكفاءة الفنية للمؤدين، بحيث وصل الغناء في بعض الحالات إلى ما يشبه الصراخ، فلا لحن جيد ولا أداء حسن.

الموسيقى التقليدية روح هذا البلد وتراثها العريق، والمجيدون فيها كثر، واستغلال هذه الفعاليات لإظهار القوة الناعمة للموسيقى التقليدية لحنًا وغناءً وشعرًا وأداء أمر مهم وضروري في هذا الموسم السياحي المميز وكل المواسم. من هنا أتطلع إلى أن تستقطب هذه الفعالية الطاقات الفنية العُمانية العالية المستوى التي يعتبر حضورها كفيلًا بتجويدها كعلامة ثقافية وتراثية في الموسم السياحي من جهة وتحقيق الإشباع الفني والجمالي للزوار من جهة أخرى. ويبدأ التجويد الفني وبلوغ الأثر الجمالي باختيار المشاركين بعناية وعمل الدعاية الإعلامية للبارزين منهم على الأقل كالمطرب عمر جبران آخر عمالقة الأغنية الحضرية التقليدية والذي أرجو ألا تمر حفلاته دون تسليط الضوء عليها وترويجها بشكل واسع كنجم في هذا المجال. وبطبيعة الحال هناك أسماء أخرى بارزة من جميع المحافظات تقريبًا، وفي ظفار يوجد عدد من الأسماء المهمة في مجال الأغنية العودية التقليدية مثل (لا الحصر): مسلم العريمي، ومسلم كيهود، وهيثم المعشني وغيرهم الذين يشتغلون على صناعة أغنية عودية جديدة بطابعها التقليدي العُماني الأصيل، وأغانيهم امتدادا للماضي أو عودة فنية له.