كل العواصف خرجت من بئر بيتنا الصَّغير
الاحد / 20 / صفر / 1446 هـ - 20:07 - الاحد 25 أغسطس 2024 20:07
(1)
لا يغادرني الأموات. لا أستشير الأشجار والطُّرقات. لا أكفُّ عن التَّعُلِّق بالجثث. لا أهجر الهالكين. لا أغدر بالتَّابوت والكهف والعنكبوت. لا أحكي بلسان الطَّير. لا أعتقد بالغفران أو التّذكار في اللغة. لا أجمع العسل. لا أتعمَّد الذِّكريات (ولا النِّسيان). كنت أستبعد الجفاف في مزرعتَي الوالد. لا أجمع الياسمين مع خالاتي. كنتُ بهلوانا شقيَّا، وصغيرا، وفاشلا. أستحضر في هذه الليلة الألوان والفجائع المُضاعَفَة. لا أبغي هذه الليلة. لا أبغي صباح الأمس.
لا أنا فيما أكتب. كنتُ أنا (ولا يكفي).
(2)
لا تقل شيئا عن الحب كي لا تفسد أكثر. لا تتذكر من الحب رِضابه ولا دموعه (لا تتذكر أيّ شيء مما قاله أحدكما عن الآخر قبل حوالي أربعين سنة). إيَّاك أن تجعل مالك الحزين يقف عند أطراف البحيرة. لا تأذن للرِّياح بالالتئام في الشَّراشف. لا تنسَ الرِّسالة المكتوبة على منديلٍ أبيضَ يتضوَّع. لا تتنكَّر لأغاني محمد عبده في الشَّريط المُهَرَّب.
لا تكن أكثر من رَقَبَةٍ واحدة فقط عند النَّحر.
(3)
على النَّجمة الصَّغيرة التي استوطنت هذا الكُثَيِّب، وتلك الصَّخرة عند المصب، وارتفاعات الجبال: لن أكتب.
لا تكتب.
(4)
كلُّ الرِّياح ذهابٌ، وكلُّ الوِجهات مآب (ولا فائدة في القناعة، أو في التولُّع بالرِّياح).
(5)
كل ما يقوله عنك الآخرون صحيح. كل ما تقوله عن الآخرين صحيح أيضا. لكن إلى متى؟
(6)
لا أسلك طريقا ليست له بداية، والنِّهايات ليست من شأني (في التُّحفة السينمائيَّة الخالدة «لغز كاسبَر هاوزر» لِفِرنَر هِرتزوغ تقول الشخصيَّة التي يحمل العنوان اسمها: أستطيع فقط أن أقول بداية القصص، لكني لا أستطيع أن أصل إلى نهاياتها).
(7)
أقتفيكِ على حافَّة الكأس، كأنك المِلح والليمون في خمرة «تكيلا» المكسيكيَّة.
(8)
كلُّ ما تفعل وتقول زائدٌ عن الحاجة (في ليلةٍ زائدةٍ عن الحاجة أيضا).
(9)
يموت الذين لا يغضبون. الذين يغضبون يُسَبِّبون كل شيء آخر، ثم يقاسون الموت (بِدَورِهم).
(10)
على حافَّة الطاولة ثمَّة سنجاب يحتسي فنجان القهوة معنا، في أحد مقاهي الجامعة في أوستن، تكْسَسْ، في أمريكا.
على حافَّة الطَّاولة هناك فنجانان. أحتسي معكِ القهوة في نيوزيلندا هذه المرَّة. إذا ما سقط أحد ذينك الفنجانين من حافَّة الطَّاولة على ثوبكِ فمن الممكن أن نتحدث عن برنامجنا في اليوم التالي.
إذا ما أكمل السِّنجاب احتساء القهوة فإننا سنكون جميعا في الأبديَّة.
(11)
على غير عادته، استيقظ الملك مبكِّرًا. ولاحقًا قالت الصَّحافة إن ذلك كان في يوم موته.
(12)
كيف أقاضيك يا هذا في حضور كل الشُّهود، وغيابك؟
(13)
ليس فتح الأبواب القديمة ضرب من الكياسة والزِّيارة (بالضَّرورة).
(14)
يصير الموت بين السَّبَّابة والسِّفينة، ويغدو الشِّراع موجة أخرى.
(15)
أبعثُ الجِراح إلى الياسمين وأُرسل التَّضوُّع إلى اليباب (ولا أحاول تكليف النسيان).
(16)
تعالي نُجفِّف أصابعنا من الماء، ونجُفِّف الطَّريق من الذِّكريات، كيلا نؤمن بالكيمياء (من جديد).
(17)
الأرض ميقات لمن لا يستطيع الخلود إلى الفراش من دون وجود سلاحه الأبيض أو مسدَّسه المزوَّد بكاتم للصَّوت إلى جانبه (لن يزعج أي أحد في الميقات، والمقت، والقيامة).
لكن، ما من داعٍ لوجود السلاح الشخصي إلى جانبك في كل ليلة؛ فغيره قد يتكفل بأمر القاتل والقتيل.
(18)
اختلفوا كثيرا أمام الجثَّة (مع أنهم لم يفعلوا شيئًا يُذكَر سوى أنهم قتلوه).
(19)
غُرابٌ هائل، مثل «غراب» إدغر ألن بو، يحطُّ علينا أيتها الأريكة، والشَّراب، والأصدقاء الذين هنا، والذكريات، والضَّباب الذي هناك.
تعالوا، أيها الصِّحاب، نُكرم وفادة هذا الغُراب.
(20)
أنا العار. أنت السِّر. كلانا يتهيأ لحفلة تنكُّريَّة راقصة. كلانا لا يجيد الموسيقى ولا يُحسِن الرَّقص. كلانا سيتذكَّر.
(21)
ستموت أيها الرَّضيع (هذا الكلام لا يعنيك أيتها المُرْضِعَة).
(22)
لم يطلب الطَّاغية من أحد أن يقبِّل رأسه، وكتفيه، ويديه، وقدميه. ما حدث، بشهادة الشُّهود الثّقات، هو انهم أُحبَّوا الطَّاغية وأغرموا به من تلقاء أنفسهم.
صاروا الآن يلومون الطَّاغية بعد أن ذهب لأنهم أُغرموا به من تلقاء أنفسهم، وقبَّلوا رأسه، وكتفيه، ويديه، وقدميه من دون أن يطلب منهم ذلك.
أصبحوا الطَّاغية الجديد.
(23)
لا أستطيع، في هذه الليلة، غير ما تستطيعين (يستطيع القمر العبور على الأرض بِخَفَرٍ وحزن في هذه الليلة أيضا).
(24)
أيها المهرِّج العظيم: هلُّمَ أقبِل، فقد رحل الجميع.
(25)
تعزف الألحان كل الخمور، وتعزف الخمرة نغما واحدا فحسب (ثم لا تتوارى، ولا يغيب ذلك اللحن اليتيم).
(26)
أعطيني كفَّك مرَّة أخرى وأخيرة، ودعينا نمشي بصمت نحو البحر (تأكدتُ في هذه الليلة أن ذلك لم يحدث في المرَّة الأخيرة).
(27)
لو كان للأرض أُمٌّ، إذن لكنتُ الآن في مكان أفضل بكثير.
(28)
يئدون النَّار في السِّلال، ويأخذون مجز الصُّغرى إلى الرَّهينة وآخر صلاة استسقاء.
(29)
يتصبَّب العرق من حنجرتي (كي تكوني مرَّة أخرى).
(30)
لا خراب يمكن أن يصيب الأندلس بعد هذه الصلاة.
(31)
في تذكُّركِ، أخرج من الشُّقوق إلى الهسهسة.
(32)
هو وحده خيرُ من يتعذَّب: لا تختصره الفاقة، لا تبوح به القافية، لا يُكَثِّفه الويل، لا تُمَدِّدهُ أعضاؤه، ولا يستطيل به أسلافه، لا تفتديه أمُّه، لا أحد يحضر له القميص ولا النَّهر، لا تختزله الكثافة ولا عواصف الغبار؛ هو الذي من أبناء السَّاحل، والغرق، والخرافات.
(33)
لا يبادر بإطلاق النَّار، ولا يعرف أنه آخر شخص في العالم.
(34)
كل العواصف خرجت من بئر بيتنا الصَّغير.
لا يغادرني الأموات. لا أستشير الأشجار والطُّرقات. لا أكفُّ عن التَّعُلِّق بالجثث. لا أهجر الهالكين. لا أغدر بالتَّابوت والكهف والعنكبوت. لا أحكي بلسان الطَّير. لا أعتقد بالغفران أو التّذكار في اللغة. لا أجمع العسل. لا أتعمَّد الذِّكريات (ولا النِّسيان). كنت أستبعد الجفاف في مزرعتَي الوالد. لا أجمع الياسمين مع خالاتي. كنتُ بهلوانا شقيَّا، وصغيرا، وفاشلا. أستحضر في هذه الليلة الألوان والفجائع المُضاعَفَة. لا أبغي هذه الليلة. لا أبغي صباح الأمس.
لا أنا فيما أكتب. كنتُ أنا (ولا يكفي).
(2)
لا تقل شيئا عن الحب كي لا تفسد أكثر. لا تتذكر من الحب رِضابه ولا دموعه (لا تتذكر أيّ شيء مما قاله أحدكما عن الآخر قبل حوالي أربعين سنة). إيَّاك أن تجعل مالك الحزين يقف عند أطراف البحيرة. لا تأذن للرِّياح بالالتئام في الشَّراشف. لا تنسَ الرِّسالة المكتوبة على منديلٍ أبيضَ يتضوَّع. لا تتنكَّر لأغاني محمد عبده في الشَّريط المُهَرَّب.
لا تكن أكثر من رَقَبَةٍ واحدة فقط عند النَّحر.
(3)
على النَّجمة الصَّغيرة التي استوطنت هذا الكُثَيِّب، وتلك الصَّخرة عند المصب، وارتفاعات الجبال: لن أكتب.
لا تكتب.
(4)
كلُّ الرِّياح ذهابٌ، وكلُّ الوِجهات مآب (ولا فائدة في القناعة، أو في التولُّع بالرِّياح).
(5)
كل ما يقوله عنك الآخرون صحيح. كل ما تقوله عن الآخرين صحيح أيضا. لكن إلى متى؟
(6)
لا أسلك طريقا ليست له بداية، والنِّهايات ليست من شأني (في التُّحفة السينمائيَّة الخالدة «لغز كاسبَر هاوزر» لِفِرنَر هِرتزوغ تقول الشخصيَّة التي يحمل العنوان اسمها: أستطيع فقط أن أقول بداية القصص، لكني لا أستطيع أن أصل إلى نهاياتها).
(7)
أقتفيكِ على حافَّة الكأس، كأنك المِلح والليمون في خمرة «تكيلا» المكسيكيَّة.
(8)
كلُّ ما تفعل وتقول زائدٌ عن الحاجة (في ليلةٍ زائدةٍ عن الحاجة أيضا).
(9)
يموت الذين لا يغضبون. الذين يغضبون يُسَبِّبون كل شيء آخر، ثم يقاسون الموت (بِدَورِهم).
(10)
على حافَّة الطاولة ثمَّة سنجاب يحتسي فنجان القهوة معنا، في أحد مقاهي الجامعة في أوستن، تكْسَسْ، في أمريكا.
على حافَّة الطَّاولة هناك فنجانان. أحتسي معكِ القهوة في نيوزيلندا هذه المرَّة. إذا ما سقط أحد ذينك الفنجانين من حافَّة الطَّاولة على ثوبكِ فمن الممكن أن نتحدث عن برنامجنا في اليوم التالي.
إذا ما أكمل السِّنجاب احتساء القهوة فإننا سنكون جميعا في الأبديَّة.
(11)
على غير عادته، استيقظ الملك مبكِّرًا. ولاحقًا قالت الصَّحافة إن ذلك كان في يوم موته.
(12)
كيف أقاضيك يا هذا في حضور كل الشُّهود، وغيابك؟
(13)
ليس فتح الأبواب القديمة ضرب من الكياسة والزِّيارة (بالضَّرورة).
(14)
يصير الموت بين السَّبَّابة والسِّفينة، ويغدو الشِّراع موجة أخرى.
(15)
أبعثُ الجِراح إلى الياسمين وأُرسل التَّضوُّع إلى اليباب (ولا أحاول تكليف النسيان).
(16)
تعالي نُجفِّف أصابعنا من الماء، ونجُفِّف الطَّريق من الذِّكريات، كيلا نؤمن بالكيمياء (من جديد).
(17)
الأرض ميقات لمن لا يستطيع الخلود إلى الفراش من دون وجود سلاحه الأبيض أو مسدَّسه المزوَّد بكاتم للصَّوت إلى جانبه (لن يزعج أي أحد في الميقات، والمقت، والقيامة).
لكن، ما من داعٍ لوجود السلاح الشخصي إلى جانبك في كل ليلة؛ فغيره قد يتكفل بأمر القاتل والقتيل.
(18)
اختلفوا كثيرا أمام الجثَّة (مع أنهم لم يفعلوا شيئًا يُذكَر سوى أنهم قتلوه).
(19)
غُرابٌ هائل، مثل «غراب» إدغر ألن بو، يحطُّ علينا أيتها الأريكة، والشَّراب، والأصدقاء الذين هنا، والذكريات، والضَّباب الذي هناك.
تعالوا، أيها الصِّحاب، نُكرم وفادة هذا الغُراب.
(20)
أنا العار. أنت السِّر. كلانا يتهيأ لحفلة تنكُّريَّة راقصة. كلانا لا يجيد الموسيقى ولا يُحسِن الرَّقص. كلانا سيتذكَّر.
(21)
ستموت أيها الرَّضيع (هذا الكلام لا يعنيك أيتها المُرْضِعَة).
(22)
لم يطلب الطَّاغية من أحد أن يقبِّل رأسه، وكتفيه، ويديه، وقدميه. ما حدث، بشهادة الشُّهود الثّقات، هو انهم أُحبَّوا الطَّاغية وأغرموا به من تلقاء أنفسهم.
صاروا الآن يلومون الطَّاغية بعد أن ذهب لأنهم أُغرموا به من تلقاء أنفسهم، وقبَّلوا رأسه، وكتفيه، ويديه، وقدميه من دون أن يطلب منهم ذلك.
أصبحوا الطَّاغية الجديد.
(23)
لا أستطيع، في هذه الليلة، غير ما تستطيعين (يستطيع القمر العبور على الأرض بِخَفَرٍ وحزن في هذه الليلة أيضا).
(24)
أيها المهرِّج العظيم: هلُّمَ أقبِل، فقد رحل الجميع.
(25)
تعزف الألحان كل الخمور، وتعزف الخمرة نغما واحدا فحسب (ثم لا تتوارى، ولا يغيب ذلك اللحن اليتيم).
(26)
أعطيني كفَّك مرَّة أخرى وأخيرة، ودعينا نمشي بصمت نحو البحر (تأكدتُ في هذه الليلة أن ذلك لم يحدث في المرَّة الأخيرة).
(27)
لو كان للأرض أُمٌّ، إذن لكنتُ الآن في مكان أفضل بكثير.
(28)
يئدون النَّار في السِّلال، ويأخذون مجز الصُّغرى إلى الرَّهينة وآخر صلاة استسقاء.
(29)
يتصبَّب العرق من حنجرتي (كي تكوني مرَّة أخرى).
(30)
لا خراب يمكن أن يصيب الأندلس بعد هذه الصلاة.
(31)
في تذكُّركِ، أخرج من الشُّقوق إلى الهسهسة.
(32)
هو وحده خيرُ من يتعذَّب: لا تختصره الفاقة، لا تبوح به القافية، لا يُكَثِّفه الويل، لا تُمَدِّدهُ أعضاؤه، ولا يستطيل به أسلافه، لا تفتديه أمُّه، لا أحد يحضر له القميص ولا النَّهر، لا تختزله الكثافة ولا عواصف الغبار؛ هو الذي من أبناء السَّاحل، والغرق، والخرافات.
(33)
لا يبادر بإطلاق النَّار، ولا يعرف أنه آخر شخص في العالم.
(34)
كل العواصف خرجت من بئر بيتنا الصَّغير.