أفكار وآراء

كامالا هاريس تكشف عن أجندتها الاقتصادية

ترجمة ـ قاسم مكي

يوم الجمعة قبل الماضية ألقت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس أول خطاب كبير لها عن سياستها الاقتصادية بوصفها المرشحة الرئاسية للحزب الديموقراطي. كان بالطبع خطابا مختلفا جدا عن خطاب دونالد ترامب الاقتصادي ومؤتمراته الصحفية «الاقتصادية» التي عقدها في الأسابيع الأخيرة.

فالمرشحة الديموقراطية رسمت في الواقع الخطوط العريضة لمقترحاتها بدلا عن الانحراف بالحديث إلى قضايا من شاكلة من الذي لديه أكبر حشود من الناس (في مهرجاناته الانتخابية) وكيف تقتل توربينات الرياح الطيور.

كما لا يبدو أنها قالت أي شيء يمكن إثبات مجانبته الصواب خلافا لترامب الذي كان يكذب أو يشوّه الحقائق حوالي مرتين كل دقيقة أثناء مناسبة في منتجعه «مارا لاجو» بولاية فلوريدا.

لكن ماذا عن محتوى خطابها؟

يزعم المتشككون المعهودون أن هاريس كشفت عن نفسها كيسارية متطرفة. بل حتى بعض المعلقين الاقتصاديين المعتدلين اشتطُّوا بالقول إنها أساسا تدعو إلى فرض ضوابط على الأسعار. وهذا غريب لأنها لم تقل أي شيء مثل ذلك.

إجمالا، تبنت هاريس موقفا يميل باعتدال إلى يسار الوسط ولا يختلف كثيرا عن أجندة بايدن الأصلية التي يلخصها شعار «إعادة البناء بشكل أفضل» وأمكنه تطبيقها جزئيا فقط لأن السيناتور الديموقراطي المحافظ جو مانشين كان يمتلك حق نقضٍ فعلي في مجلس شيوخٍ تتوزع فيه المقاعد مناصفة بين الديموقراطيين والجمهوريين.

لذلك دعونا نستعرض المحتوى استنادا إلى ورقة حقائق نشرتها حملة هاريس الانتخابية وحوت تفاصيل أكثر مما اشتمل عليه خطابها نفسه.

أهم اقتراح وهو الأفضل في اعتقادي كان استعادة برنامج موسع للائتمان الضريبي للأطفال طبقته إدارة بايدن عام 2021 لكن سريانه انتهى في عام 2022 لأن الديموقراطيين لم تكن لديهم أغلبية كافية في الكونجرس لتمديده. هذا الائتمان قلل بقدر كبير فقرَ الأطفال عندما كان ساريا وستعززه هاريس بائتمان أكبر للأسرة التي لديها طفل في السنة الأولى من عمره.

دعونا نبدأ بالقول أن مبررات التشدد في محاربة فقر الأطفال وجيهة جدا ليس فقط لأسباب أخلاقية (ففي بلد غني لماذا يعاني الأطفال المولودون لأسر متدنية الدخل من الحرمان!) ولكن أيضا لأسباب اقتصادية. ففي المتوسط الأمريكيون الذين ينشأون في الفقر عندما يكبرون تكون صحتهم أسوأ ودخولهم أقل مقارنة بأندادهم الآخرين. وهذا ما يجعل محاربة فقر الأطفال استثمارا في مستقبل البلد. (دعونا نشير إلى أننا كان يمكننا في الولايات المتحدة توسيع برنامج الائتمان الضريبي للأطفال قبل أسابيع قليلة على الرغم من أن ذلك لن يكون بالقدر الذي تريده هاريس. لكن الجمهورين في مجلس الشيوخ منعوا إجازة مشروع القانون.)

أنا أقل حماسا لمقترحات هاريس حول الإسكان والذي يجمع بين تقديم حوافز ضريبية لشركات بناء المساكن ومساعدات «دفع مقدم» لمن يشترون مساكن لأول مرة.

هذه السياسات ليست سيئة في حد ذاتها. لكن المشكلة الأوسع نطاقا لتوافر السكن في الولايات المتحدة هي سياسات تخصيص استخدامات الأراضي والنظم الإجرائية التي تحول دون بناء وحدات سكنية جديدة. ولسوء الحظ هذه الحواجز أمام تشييد المساكن توجد أساسا على المستوى المحلي والولائي ولا تخضع لأية سياسة فدرالية مقبولة سياسيا.

بالمناسبة هنالك جانب واحد قليلا ما لوحظ في مشروع مؤسسة هيرتدج فاونديشن 2025 (الذي يهدف إلى تمكين ترامب من تطبيق أهداف سياسته في اليوم الأول من توليه الحكم - المترجم.) هذا المشروع بالرغم من شجبه للروتين والإجراءات البيروقراطية إلا أن خطته التي يسميها «التفويض للقيادة» تدعم تماما فكرة «لا تبنوا في فناء منزلي الخلفي» فالسلطات المحلية وليست الحكومة الفيدرالية هي التي يجب أن تكون لها الكلمة الأخيرة في قوانين وأنظمة تخصيص الأراضي للأغراض السكنية.

ووفقا له أيضا، الحكومة المحافظة يجب أن تعارض أية جهود لإضعاف تخطيط الأراضي المخصصة لبناء منازل العائلات المنفردة (وليس بناء الوحدات السكنية المتعددة أو البنايات المكتظة بقاطنيها). وهكذا تسمح مثل هذه الحكومة بحفر آبار النفط ولكن ليس بناء المساكن الميسورة التكلفة!!

أخيرا، نتطرق إلى الأسعار. لقد ذُهِلْت من تأكيد معلقين سذّج عديدين وهؤلاء ليسوا فقط من اليمين على أن هاريس تدعو إلى فرض قيود على الأسعار، جاعلين منها «المجيء الثاني» لريتشارد نيكسون إن لم تكن نيكولاس مادورو «التالي.»

ما نادت به هاريس في الواقع تشريع يحظر التلاعب بأسعار المواد الغذائية. من الواضح أن تلك إيماءة سياسية شعبوية وطريقة لتقديم شيء إلى الناخبين المنزعجين من ارتفاع أسعار الغذاء. لكن فقط لأن شيئا ما مرغوب لدى الناس لا يعني أنه فكرة رديئة.

ليست لدينا خطة مفصلة لهاريس حول مواجهة التلاعب بالأسعار. لكن من المستبعد أن تكون خطتها أكثر تشددا من مشروع القانون الذي تقدمت به هذا العام عضوة مجلس الشيوخ اليزابيث وارين. ومشروع ذلك القانون مدهش في تسامحه. فهو ليس مختلفا عن قوانين محاربة التلاعب بالأسعار السارية أصلا في عدة ولايات. مثلا ولاية تكساس (نعم تكساس) تمنع عدة شركات من «فرض أسعار فاحشة أو تتجاوز الحد» لأشياء تشمل المواد الغذائية والوقود أثناء الكوارث.

لماذا لدينا قوانين ضد التلاعب بالأسعار. لدينا هذه القوانين أساسا لأن الناخبين يكرهونه عندما تستغل الشركات نقص الإمداد لفرض أسعار مرتفعة جدا. لكن أيضا لأن الشركات في غياب حدود فعالة للأسعار تسعى أحيانا لجعل النقص أسوأ. ولا يزال البعض منا يتذكر أزمة الطاقة في كاليفورنيا حوالي عام 2001 تقريبا عندما قلل منتجو الكهرباء الإمداد لرفع أسعارها.

من المعقول فرض قيود قانونية على التلاعب بالأسعار دون القبول بوجهة النظر الشائعة ولكن الخاطئة بالتأكيد تقريبا والتي ترى أن جشع الشركات كان المحرك الرئيسي للتضخم الذي حدث مؤخرا.

وعلى من يقارنون كامالا هاريس بريتشارد نيكسون الذي فرض ضوابط على الأسعار في عام 1971 ألا ينسوا أن نيكسون ضغط أيضا على البنك الاحتياطي الفيدرالي لإنعاش الاقتصاد قبل انتخابات عام 1972 في حين عبرت هاريس بوضوح عن احترامها لاستقلال البنك.

إذن ما الذي عرفناه عن اقتصاد هاريس (كامالا ايكونوميكس)؟ إنها، كما هو متوقع، تتموضع قليلا إلى يسار الوسط. ولأولئك الذين يصرون على اعتبارها شيوعية نقول: عفوا. هي ليست كذلك.

بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008.

الترجمة عن نيويورك تايمز