الراحل عبد العزيز الرواس.. شهادة تاريخية
السبت / 19 / صفر / 1446 هـ - 21:01 - السبت 24 أغسطس 2024 21:01
رحل عن عالمنا خلال الأيام الماضية معالي الوزير والصديق عبدالعزيز الرواس وزير الإعلام الأسبق والمستشار الثقافي السابق للسلطان قابوس - طيّب الله ثراه -، وعلى المستوى الشخصي عندما وصلني خبر رحيل الصديق عبدالعزيز الرواس تملكني شعور بالحزن على فقد رجل عرفته عن قرب ووقفت على ما قدمه لوطنه وتفانيه في خدمته ليس في المجال الإعلامي فقط وإنما في المجال الثقافي وربما في مجالات أخرى حينما كان يسند له جلالة السلطان قابوس مهام سياسية وخصوصا في الصراع العراقي الإيراني خلال الحرب التي دارت رحاها بين البلدين في نهاية القرن الماضي، كان الوزير الرواس حاضرا في كل الملفات بعد أن تبوأت عمان مكانتها في المنطقة وفي العالم وخصوصا وأن المرحوم كان موضع ثقة جلالة السلطان الراحل بعد أن رآه جديرا بكل ما أسند إليه من مهام. رحم الله الوزير والإنسان الصديق الوطني عبدالعزيز بن محمد الرواس وما أكتبه في هذا المقال ليس مجرد انطباع شخصي وإنما هي معلومات شاهدتها عن قرب وأدركت حجم إخلاصه وتفانيه في خدمة وطنه.
اعتقد أن قضيتين كبيرتين كانتا في مقدمة العوامل التي أحدثت نهضة كبيرة في عمان المعاصرة أولهما: الجامعة التي كانت مشروع جلالة السلطان الأهم وها هي عمان الآن تجني ثمار إنجازاتها في الإنسان تعليما وتثقيفا وفكرا بعد أن تبوأت الكوادر العمانية إدارة كل برامج التنمية في كل مناحي الحياة لذا كان جلالة السلطان الراحل على وعي كامل بأن الجامعة هي القاطرة التي ستنقل عمان إلى مكانة تعيد لها أمجادها التليدة وصدقت نبوءة جلالته، فقد نجحت التجربة وجنى العمانيون ثمارها ليس في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية فقط وإنما في مجال الثقافة والفن والأنشطة العلمية واللافت للنظر أيضا تبؤ المرأة مكانتها على قدم المساواة مع الرجل وعاش العمانيون جميعا على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم متساوون في الحقوق والواجبات بعدها راحت الجامعات تنتشر في كثير من الولايات لدرجة أن التعليم قد أصبح العنوان الأهم في كل برامج التنمية، ومما يلحظ بدقة شديدة حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على مواصلة المسيرة بكل ثقة واقتدار متسلحا بخبرة كبيرة وبإجماع شعبي من كل الشعب العماني.
ثانيهما: العناية بالإعلام كإحدى الوسائل المهمة التي استطاعت رغم ندرة الكوادر العمانية المدربة في هذا المجال وقتئذ خلال هذه الحقبة وكانت مهمة صعبة لأن الإعلام يعد أحد مخرجات التعليم ورغم شدة التحديات إلا أنه راح ينمو بتؤدة وثقة، وقد عاصرت صحيفتين اثنتين على ما أتذكر صحيفة عمان والوطن وكانت المحاذير كثيرة لأن برامج التنمية الشاملة لم تكن قد انطلقت بعد نظرا لتداعيات الحرب في ظفار والتي أنهاها السلطان بمبادرة كريمة عام ١٩٧٥ في خطاب شهير وجهه إلى أبناء وطنه بعد أن أنهكتهم الحروب وكان خطاب جلالة السلطان له فعل السحر على مشاعر العمانيين الذين التفوا من حوله وناشد العمانيين المقيمين في الخارج العودة إلى وطنهم الأم ليشاركوا في التنمية وكانت ملحمة فريدة في بناء وطن كانت موارده محدودة إلا أن إرادة الوطن والقائد كانت فوق كل التحديات، أعتقد أن الكثير من شباب عمان من الجيل الذي لم يعاصر هذه التجربة لم يقف على هذه التحديات وليس من بين برامج الدراسة في المدارس والجامعات من يصارح الشباب بالحالة التي كانت عليها عمان قبل عامي ١٩٧٠-١٩٧٥ لأن هذا الجيل من الشباب قد جنى ثمار نضالات متواصلة لم يعاصر صعوبتها ومشقتها.
أولى جلالة السلطان المرحوم عناية خاصة بالإعلام بهدف الانفتاح على العالم وإشراك أبناء وطنه في كل ما يحدث على الأرض العمانية وكان المشهد صعبا وشاقا وكان عبدالعزيز الرواس -عليه رحمة الله- من الشخصيات التي اعتمد عليها جلالة السلطان وهو واحد من جيل كان من بينهم عبدالعزيز الرواس ويوسف العلوي ويحيى المنذري وغيرهم كثيرون وأعتقد أن مهمة الإعلام كانت هي الأصعب في هذا المشهد حينما كان يتابعه العمانيون في كل الولايات من خلال الإذاعة والتلفزيون والصحافة وكانت هي الوسائل المتاحة لمعرفة ما يحدث في بلدهم وفي البلدان الأخرى المجاورة التي حباها الله قدرا هائلا من الثروات النفطية وكانت المقارنة ظالمة إلا أن العمانيين قد اعتمدوا على قدراتهم وراحت وسائل الإعلام تزداد قوة وتعبيرا وتقدم رسالة إلى العالم تعريفا بالعصر الجديد الذي كان أعظم ما يملكه هو التفاف الشعب حول قائده وشاء القدر أن يكون المرحوم عبدالعزيز الرواس على رأس المشهد الإعلامي ولم يكن الرجل خبيرا في هذا المجال ولكنه كان مثقفا وشغوفا بمعرفة ما يجري في المنطقة وفي العالم وقد استوعب مهمته الكبيرة بكل اقتدار، حيث خاطب الإعلام الناس في الداخل بكل برامج التنمية من برامج درامية محلية وخارجية. ولا أنسى أبدا حينما استضاف التليفزيون العماني في برنامج استغرق ساعة كاملة شابا لم أكن قد تعرفت عليه من قبل (سيف الرحبي) وقد أدار الحوار معه أحد الإعلاميين لا أتذكر اسمه للأسف ربما كان ذلك في عام ١٩٨٧ أو ١٩٨٨ وقد انبهرت كثيرا بحديث هذا الشاب الذي كان يقيم خارج الوطن ورحت أتساءل بيني وبين نفسي لماذا لا يعود هذا الشاب للمشاركة في تنمية وطنه؟ بعدها عرفت أن المرحوم عبدالعزيز الرواس تبناه وشجعه وقد كلفه بإصدار مجلة ثقافية مهمة (نزوى) وكانت هي الإصدار الثقافي الأول في سلطنة عمان وقد نجحت هذه التجربة وواصلت نجاحاتها إلى الآن.
راح عبدالعزيز الرواس يعمل في كل اتجاه وقد أعد مؤتمرا دوليا عن عمان في التاريخ دعي إليه جمع كبير من المؤرخين والمثقفين العرب والأجانب وكان لي شرف المشاركة في هذا المنتدى الكبير ببحث كان موضوعه (العلاقة بين عمان الساحل والداخل خلال عصر اليعاربة) وقد فوجئت مساء اليوم الأخير من المؤتمر بطلب لم أكن أتوقعه من الوزير المرحوم حينما طلب مني أن أدير هذه الحلقات في صباح اليوم التالي وقد صارحته بأن هذه مهمة لا يملكها إلا من لديهم خبرة في هذا المجال لكنه أقنعني بأنها موضوعات تاريخية وأكاديمية «وأنا أطلب منك أن تقدمها بنفسك»، وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي وجدت نفسي في مبنى التلفزيون وبدأت أدير الحوارات مع شخصيات عربية من كبار المؤرخين والمثقفين من مصر والعراق والشام والمغرب العربي واستمرت اللقاءات من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساءا وكان عملا مرهقا للغاية بثت بعدها الحلقات عدة مرات على التلفزيون العماني وقد تبين لي نظرا لعدم خبرتي بأن نفس الملابس التي كنت أرتديها في كل الحلقات هي ذات الملابس.
نظرا لأهمية البحوث التي قدمت إلى المؤتمر فقد رأى عبدالعزيز الرواس أن يعيد تحريرها في مجلد واحد على شكل كتاب يتناول كل المحطات المهمة في تاريخ عمان وقد حدثني الصديق عبدالله الرحبي مدير مكتب الوزير وقتئذ وكنت قد عدت إلى القاهرة بالفكرة التي طرحها الوزير وأرسل لي على وجه السرعة كل البحوث التي قدمها المؤرخون وكان خميس المسافر ملحقا إعلاميا في القاهرة وقد بعث لي بمجمل البحوث وكنا في بداية شهر رمضان وقد اجتهدت في أن أعيد ترتيب الموضوعات لكي تكمل بعضها بعضا وإعادة تحرير المحتوي وهي مهمة لم تكن يسيرة وخلال شهرين من العمل المتواصل كنت قد انتهيت من إعادة تحرير الكتاب ووضعه في إطار منهجي ولم يمض أكثر من شهر إلا وكنت قد تلقيت النسخة المطبوعة من هذا الكتاب (عمان في التاريخ) بعدها اقترح الوزير أن يصدر موجزا لهذا الكتاب تحت عنوان(موجز تاريخ عمان) وقد نشر باللغتين العربية والإنجليزية.
أعترف أن لدي ذكريات جميعها ثقافية وفنية مع المرحوم عبدالعزيز الرواس الذي قاد وزارة الإعلام في عمان في فترة عصيبة حيث ندرة الكفاءات العمانية ورغبة السلطان الراحل في السباق مع الزمن وتقديم عمان بالصورة التي تتناسب وتاريخها العريق وقد تعلمنا في المنهج التاريخي أن كل الإنجازات والإخفاقات يجب أن تدرس في سياقها الزمني وهو ما لم يلتفت إليه الكثيرون لكن من الإنصاف القول بأن هذا الرجل قد أدى مهمته بكل اقتدار وكانت عمان هي قضيته الأهم وشيوع التعريف بها فنيا وثقافيا وسياسيا.
أعتقد أن الحياة الثقافية العمانية في الوقت المعاصر بإعلامها وبرامجها الفنية وكوادرها المؤهلة تدين بفكر السلطان الراحل ومن خلفه فريق من المخلصين كان من بينهم عبدالعزيز الرواس فقد كان حريصا على أن يستفيد من الكوادر العمانية بعد أن راحت الجامعة تخرج أجيالا متعاقبة ما بين عام وآخر وكان واثقا من مقدرة عمان على أن تلاحق الجديد في كل مكان من العالم وبعد مرور كل هذه السنوات يتساءل الناس في العالم: كيف تبوأت عمان هذه المكانة التي حظيت باحترام العالم وأصبحت إحدى الدول الرائدة في مجال التنمية إنها قصة طويلة لا يمكن اختصارها في هذا المقال ومن حظ العمانيين أن يمض على نفس الطريق جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم الذي كان شريكا في كل النجاحات التي حققتها عمان في هذه السنوات القصيرة.
رحم الله الوزير والصديق عبدالعزيز الرواس الذي أخلص لوطنه وعاصر تجربة عمان بكل نجاحاتها تقبله الله بفيض رحمته بقدر ما قدم لوطنه وعزائي لكل الشعب العماني وكل محبيه وأصدقائه ليس في عمان فقط إنما في كثير من دول العالم.
اعتقد أن قضيتين كبيرتين كانتا في مقدمة العوامل التي أحدثت نهضة كبيرة في عمان المعاصرة أولهما: الجامعة التي كانت مشروع جلالة السلطان الأهم وها هي عمان الآن تجني ثمار إنجازاتها في الإنسان تعليما وتثقيفا وفكرا بعد أن تبوأت الكوادر العمانية إدارة كل برامج التنمية في كل مناحي الحياة لذا كان جلالة السلطان الراحل على وعي كامل بأن الجامعة هي القاطرة التي ستنقل عمان إلى مكانة تعيد لها أمجادها التليدة وصدقت نبوءة جلالته، فقد نجحت التجربة وجنى العمانيون ثمارها ليس في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية فقط وإنما في مجال الثقافة والفن والأنشطة العلمية واللافت للنظر أيضا تبؤ المرأة مكانتها على قدم المساواة مع الرجل وعاش العمانيون جميعا على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم متساوون في الحقوق والواجبات بعدها راحت الجامعات تنتشر في كثير من الولايات لدرجة أن التعليم قد أصبح العنوان الأهم في كل برامج التنمية، ومما يلحظ بدقة شديدة حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على مواصلة المسيرة بكل ثقة واقتدار متسلحا بخبرة كبيرة وبإجماع شعبي من كل الشعب العماني.
ثانيهما: العناية بالإعلام كإحدى الوسائل المهمة التي استطاعت رغم ندرة الكوادر العمانية المدربة في هذا المجال وقتئذ خلال هذه الحقبة وكانت مهمة صعبة لأن الإعلام يعد أحد مخرجات التعليم ورغم شدة التحديات إلا أنه راح ينمو بتؤدة وثقة، وقد عاصرت صحيفتين اثنتين على ما أتذكر صحيفة عمان والوطن وكانت المحاذير كثيرة لأن برامج التنمية الشاملة لم تكن قد انطلقت بعد نظرا لتداعيات الحرب في ظفار والتي أنهاها السلطان بمبادرة كريمة عام ١٩٧٥ في خطاب شهير وجهه إلى أبناء وطنه بعد أن أنهكتهم الحروب وكان خطاب جلالة السلطان له فعل السحر على مشاعر العمانيين الذين التفوا من حوله وناشد العمانيين المقيمين في الخارج العودة إلى وطنهم الأم ليشاركوا في التنمية وكانت ملحمة فريدة في بناء وطن كانت موارده محدودة إلا أن إرادة الوطن والقائد كانت فوق كل التحديات، أعتقد أن الكثير من شباب عمان من الجيل الذي لم يعاصر هذه التجربة لم يقف على هذه التحديات وليس من بين برامج الدراسة في المدارس والجامعات من يصارح الشباب بالحالة التي كانت عليها عمان قبل عامي ١٩٧٠-١٩٧٥ لأن هذا الجيل من الشباب قد جنى ثمار نضالات متواصلة لم يعاصر صعوبتها ومشقتها.
أولى جلالة السلطان المرحوم عناية خاصة بالإعلام بهدف الانفتاح على العالم وإشراك أبناء وطنه في كل ما يحدث على الأرض العمانية وكان المشهد صعبا وشاقا وكان عبدالعزيز الرواس -عليه رحمة الله- من الشخصيات التي اعتمد عليها جلالة السلطان وهو واحد من جيل كان من بينهم عبدالعزيز الرواس ويوسف العلوي ويحيى المنذري وغيرهم كثيرون وأعتقد أن مهمة الإعلام كانت هي الأصعب في هذا المشهد حينما كان يتابعه العمانيون في كل الولايات من خلال الإذاعة والتلفزيون والصحافة وكانت هي الوسائل المتاحة لمعرفة ما يحدث في بلدهم وفي البلدان الأخرى المجاورة التي حباها الله قدرا هائلا من الثروات النفطية وكانت المقارنة ظالمة إلا أن العمانيين قد اعتمدوا على قدراتهم وراحت وسائل الإعلام تزداد قوة وتعبيرا وتقدم رسالة إلى العالم تعريفا بالعصر الجديد الذي كان أعظم ما يملكه هو التفاف الشعب حول قائده وشاء القدر أن يكون المرحوم عبدالعزيز الرواس على رأس المشهد الإعلامي ولم يكن الرجل خبيرا في هذا المجال ولكنه كان مثقفا وشغوفا بمعرفة ما يجري في المنطقة وفي العالم وقد استوعب مهمته الكبيرة بكل اقتدار، حيث خاطب الإعلام الناس في الداخل بكل برامج التنمية من برامج درامية محلية وخارجية. ولا أنسى أبدا حينما استضاف التليفزيون العماني في برنامج استغرق ساعة كاملة شابا لم أكن قد تعرفت عليه من قبل (سيف الرحبي) وقد أدار الحوار معه أحد الإعلاميين لا أتذكر اسمه للأسف ربما كان ذلك في عام ١٩٨٧ أو ١٩٨٨ وقد انبهرت كثيرا بحديث هذا الشاب الذي كان يقيم خارج الوطن ورحت أتساءل بيني وبين نفسي لماذا لا يعود هذا الشاب للمشاركة في تنمية وطنه؟ بعدها عرفت أن المرحوم عبدالعزيز الرواس تبناه وشجعه وقد كلفه بإصدار مجلة ثقافية مهمة (نزوى) وكانت هي الإصدار الثقافي الأول في سلطنة عمان وقد نجحت هذه التجربة وواصلت نجاحاتها إلى الآن.
راح عبدالعزيز الرواس يعمل في كل اتجاه وقد أعد مؤتمرا دوليا عن عمان في التاريخ دعي إليه جمع كبير من المؤرخين والمثقفين العرب والأجانب وكان لي شرف المشاركة في هذا المنتدى الكبير ببحث كان موضوعه (العلاقة بين عمان الساحل والداخل خلال عصر اليعاربة) وقد فوجئت مساء اليوم الأخير من المؤتمر بطلب لم أكن أتوقعه من الوزير المرحوم حينما طلب مني أن أدير هذه الحلقات في صباح اليوم التالي وقد صارحته بأن هذه مهمة لا يملكها إلا من لديهم خبرة في هذا المجال لكنه أقنعني بأنها موضوعات تاريخية وأكاديمية «وأنا أطلب منك أن تقدمها بنفسك»، وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي وجدت نفسي في مبنى التلفزيون وبدأت أدير الحوارات مع شخصيات عربية من كبار المؤرخين والمثقفين من مصر والعراق والشام والمغرب العربي واستمرت اللقاءات من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساءا وكان عملا مرهقا للغاية بثت بعدها الحلقات عدة مرات على التلفزيون العماني وقد تبين لي نظرا لعدم خبرتي بأن نفس الملابس التي كنت أرتديها في كل الحلقات هي ذات الملابس.
نظرا لأهمية البحوث التي قدمت إلى المؤتمر فقد رأى عبدالعزيز الرواس أن يعيد تحريرها في مجلد واحد على شكل كتاب يتناول كل المحطات المهمة في تاريخ عمان وقد حدثني الصديق عبدالله الرحبي مدير مكتب الوزير وقتئذ وكنت قد عدت إلى القاهرة بالفكرة التي طرحها الوزير وأرسل لي على وجه السرعة كل البحوث التي قدمها المؤرخون وكان خميس المسافر ملحقا إعلاميا في القاهرة وقد بعث لي بمجمل البحوث وكنا في بداية شهر رمضان وقد اجتهدت في أن أعيد ترتيب الموضوعات لكي تكمل بعضها بعضا وإعادة تحرير المحتوي وهي مهمة لم تكن يسيرة وخلال شهرين من العمل المتواصل كنت قد انتهيت من إعادة تحرير الكتاب ووضعه في إطار منهجي ولم يمض أكثر من شهر إلا وكنت قد تلقيت النسخة المطبوعة من هذا الكتاب (عمان في التاريخ) بعدها اقترح الوزير أن يصدر موجزا لهذا الكتاب تحت عنوان(موجز تاريخ عمان) وقد نشر باللغتين العربية والإنجليزية.
أعترف أن لدي ذكريات جميعها ثقافية وفنية مع المرحوم عبدالعزيز الرواس الذي قاد وزارة الإعلام في عمان في فترة عصيبة حيث ندرة الكفاءات العمانية ورغبة السلطان الراحل في السباق مع الزمن وتقديم عمان بالصورة التي تتناسب وتاريخها العريق وقد تعلمنا في المنهج التاريخي أن كل الإنجازات والإخفاقات يجب أن تدرس في سياقها الزمني وهو ما لم يلتفت إليه الكثيرون لكن من الإنصاف القول بأن هذا الرجل قد أدى مهمته بكل اقتدار وكانت عمان هي قضيته الأهم وشيوع التعريف بها فنيا وثقافيا وسياسيا.
أعتقد أن الحياة الثقافية العمانية في الوقت المعاصر بإعلامها وبرامجها الفنية وكوادرها المؤهلة تدين بفكر السلطان الراحل ومن خلفه فريق من المخلصين كان من بينهم عبدالعزيز الرواس فقد كان حريصا على أن يستفيد من الكوادر العمانية بعد أن راحت الجامعة تخرج أجيالا متعاقبة ما بين عام وآخر وكان واثقا من مقدرة عمان على أن تلاحق الجديد في كل مكان من العالم وبعد مرور كل هذه السنوات يتساءل الناس في العالم: كيف تبوأت عمان هذه المكانة التي حظيت باحترام العالم وأصبحت إحدى الدول الرائدة في مجال التنمية إنها قصة طويلة لا يمكن اختصارها في هذا المقال ومن حظ العمانيين أن يمض على نفس الطريق جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم الذي كان شريكا في كل النجاحات التي حققتها عمان في هذه السنوات القصيرة.
رحم الله الوزير والصديق عبدالعزيز الرواس الذي أخلص لوطنه وعاصر تجربة عمان بكل نجاحاتها تقبله الله بفيض رحمته بقدر ما قدم لوطنه وعزائي لكل الشعب العماني وكل محبيه وأصدقائه ليس في عمان فقط إنما في كثير من دول العالم.