رأي عُمان

التقنيات الحديثة وتعزيز الاقتصاد

رأي عمان

 
تنطلق رؤية عمان 2024 في أحد أهم مساراتها من استراتيجية تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط باعتباره المصدر الأول والأخير للدخل الوطني. وقطعت سلطنة عمان أشواطا جيدة نحو تحقيق هذه الاستراتيجية، وهذا الأمر يتطلب بحثا مستمر خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي ما زالت تؤثر على اقتصاد العالم. ومع بروز التقنيات الحديثة بوصفها عنصرا محوريا في تحسين الكفاءة الاقتصادية، تظهر أمامنا بعض الفرص الواعدة التي يمكن استغلالها لبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا.

وإذا كانت الأزمات التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين بدءا من أزمة الرهون العقارية في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وإلى أزمة جائحة كورونا قد أظهرت هشاشة العديد من القطاعات الاقتصادية في العالم وتأثرها بسياقات العولمة، فإنها في الوقت نفسه أتاحت للجميع بما في ذلك سلطنة عمان فرصة ثمينة لإعادة النظر في استراتيجياتنا الاقتصادية وتبني تقنيات حديثة تعزز مناعتها وتضمن استدامتها.

تلعب التكنولوجيا والابتكار دورًا حاسمًا في تعزيز الاقتصاد، وتقنيات مثل تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وإنترنت الأشياء تحولت سريعا من مجرد أدوات لتحسين الكفاءة، إلى عوامل أساسية لتحويل الاقتصاد وجعله أكثر قدرة على التكيف مع التحديات المستقبلية. على سبيل المثال، يمكن للتقنيات الزراعية الذكية أن تحسن من إنتاجية القطاع الزراعي في سلطنة عُمان وتجعله أكثر استدامة. يمكن للزراعة الدقيقة التي تعتمد على استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي تحسين استخدام الموارد وتقليل الفاقد، مما يؤدي إلى تحقيق إنتاجية أعلى بتكلفة أقل وبدون الإضرار بالبيئة تقريبا.

ربما يبدو هذا الأمر غير واضح للكثر من المشتغلين بالزراعة على اعتبار الزراعة ما زالت في سلطنة عمان زراعة تقليدية جدا وتحافظ على الأساليب القديمة ولم ينظر لها في الكثير من الأماكن باعتبارها يمكن أن تكون مصدر دخل حقيقي ليس للفرد فقط وإنما للدولة. وهنا تتجلى الأدوار المنوطة بالمؤسسات الحكومية وكذلك القطاع الخاص في دعم التحولات التكنولوجية التي يمكن أن تصنع الفارق الكبير في الكثير من المجالات الاقتصادية.

تحتاج سلطنة عمان إلى تعزيز السياسات المشجعة على الابتكار وكذلك إلى دعم الاستثمار في التقنيات الحديثة والاستثمار بها باعتبارها أداة متقدمة وقادرة على صناعة الفرق.. كما نحتاج إلى مزيد من تعزيز الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص من أجل تحقيق أهداف الاقتصاد المستدامة، والقطاع الخاص يمكن أن يسهم في نقل التكنولوجيا وتوطينها، وكذلك في تدريب القوى العاملة وتأهيلها للتعامل مع هذه التقنيات المتقدمة.. ولكن لا بد أن تكون هذه الخطوة بناء على استراتيجية حكومية واضحة المعالم.

ويمكن للكثير من التجارب العالمية في استخدام التقنيات الحديثة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية أن توفر الكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، استفادت دولة مثل سنغافورة من التكنولوجيا لتحسين كفاءة قطاعاتها الاقتصادية، وحققت نجاحات ملموسة في هذا المجال وهي تجربة تستحق الدراسة والمتابعة، وسلطنة عُمان لديها الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية التي تؤهلها لتحقيق نجاحات مماثلة خاصة وأن لديها قوى بشرية مؤهلة على أعلى المستويات ما زالت في قائمة الباحثين عن عمل.

نحتاج في سلطنة عمان أن نعي جيدا أن الاستثمار في التقنيات الحديثة أصبح ضرورة لتحقيق اقتصاد مستدام ومزدهر، وعلينا أن ندعم هذا التحول ونشجع الابتكار ونستفيد من التجارب الناجحة لبناء مستقبل اقتصادي قوي. لا نريد أن نتحدث كثيرا عن ثورة الذكاء الاصطناعي وننسى كيف نستفيد منه في تحقيق تحولات كبرى في حياتنا.. فنحن في أمّس الحاجة إلى أن نتحدث بالذكاء الاصطناعي وبانجازاته في حياتنا لا أن نبقى نتحدث عنه إلى اللحظة التي نكتشف فيها أنه تجاوزنا بمراحل كثيرة جدا لا نستطيع اللحاق بها.