رأي عُمان

ثمن الدم الفلسطيني

رأي عمان

 
أكملت حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عشرة أشهر كاملة، أكثر من 300 يوم، كانت فيها آلة القتل الصهيونية تدور على مدار الساعة.. لم تستثنِ أحدا على الإطلاق: كبارا وصغارا، نساء وأطفالا، كل شيء كان يدب على الأرض طالته يد الغدر الهمجية.. حتى الأطفال الخدج، في ما يمكن أن يسمى ببقايا المستشفيات، اغتالتهم يد الصهيونية حتى لا يثأروا في يوم من الأيام لأبائهم الذين اغتالهم الاحتلال أو لأرضهم التي دمرها.

وبعد كل هذه الأيام من الحرب ماذا حقق الاحتلال من مكاسب استراتيجية أو أهداف كان قد أعلن عنها في بداية الحرب؟ في الحقيقة ليس أكثر من إصرار الفلسطينيين على التحرر من الاحتلال ومن عودة القضية الفلسطينية لتكون في صدارة القضايا التي تشغل اهتمام العالم، ليس العالم العربي فقط، ولكن العالم الغربي الذي أعادت جماهيره ونخبه الطلابية، على الأقل، استيعاب حجم الكذب والخداع في السردية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية، الأمر الذي ساهم في بناء وعي جديد بحق الشعب الفلسطيني في وطنه، وفي نيل حريته، وفي نيل كامل إنسانيته. أمّا المحتل الإسرائيلي فقد كشف زيف الإنسانية التي يدعيها والديمقراطية التي كان يخدع العالم بها. كشفت الدماء الفلسطينية الزكية حقيقته أمام نفسه وأمام العالم.

بلغت حصيلة الشهداء منذ بداية الحرب وحتى هذا اليوم أكثر من 40 ألف شهيد، لكن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، فهذه الأرقام هي حصيلة الجثث التي تصل إلى المؤسسات الصحية، فيما لا زالت هناك آلاف الجثث تحت الركام، ومثل متحلل في الشوارع أو في حوزة العدو كما كشفت الأحداث مؤخرا.. لا يمكن التعامل مع هؤلاء الشهداء بوصفهم أرقاما تزداد كل يوم، إنهم أسمى من ذلك بكثير، كل واحد فيهم له قصته وله كيانه، حتى الأطفال الخدع الذين اغتالهم العدو في الحاضنات الطبية لهم قصص وإن لم يخرجوا ليروا شمس فلسطين. وقصص هؤلاء ومن سبقهم في طريق النضال الفلسطيني ودماؤهم الطاهرة الزكية تتكامل لتكتب السردية الفلسطينية عبر أكثر من سبعة عقود من الزمن، السردية التي تؤثث تبني الوطن الفلسطيني وتعلم الأجيال القادمة معنى النضال من أجل الحرية ومن أجل الأوطان، ومعنى الثبات.

ومثل تلك الدماء لا يمكن أن تكون قد ذهبت دون ثمن، وتلك الجثث المتحللة والمشوهة لا ينقصها الكرامة فقد سقطت من أجل الحفاظ على الكرامة واستعادتها.. إن الثمن الذي ذهبت من أجله تلك الدماء والأرواح هو الوطن/ فلسطين التي سترتفع راية حريتها ذات يوم خفاقة مستقلة استقلالا ليس أعظم منه استقلال ولا أطهر.

أما العدو المحتل فسيبقى في خزي تاريخه الدموي على مستوى الكيان إن بقي له كيان أم على مستوى الأفراد الذين ستطاردهم دماء الفلسطينيين طوال المستقبل الذي يؤثثونه بجماجم الأطفال والنساء ويسقونه بدماء الأبرياء.

أما حلفاء إسرائيل أيا كانت جغرافيتهم أو توجهاتهم الأيديولوجية فإن الحقيقة ستحاصرهم ذات يوم 'وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون'.