أفكار وآراء

صراع غزة يدخل «أرضا مجهولة»

سيرجي شميمان

ترجمة - أحمد شافعي

قال وزير الدفاع لويد أوستن الأمريكي يوم الأربعاء الماضي «إنني لا أعتقد أن الحرب محتومة»، وذلك بعد مصرع اثنين من كبار القادة في حزب الله وحماس في هجمتين محددتين في إحدى ضواحي بيروت بلبنان، وفي طهران. وقد أصاب في ما قال، فالحرب لا تكون محتومة أبدًا إلى أن تنشب. ولكننا بغتة أصبحنا أمام احتمال صراعٍ شاملٍ ذي نطاق لا يمكن التنبؤ به بين إسرائيل وأعدائها المدعومين من إيران ويرجَّح كثيرًا أن تنجر إليه الولايات المتحدة.

اعترفت إسرائيل بالهجمة الأولى التي أدت إلى مصرع فؤاد شكر القائد العسكري رفيع المستوى في حزب الله يوم الثلاثاء، لكنها لم تقل شيئا عن الهجمة الثانية، أي اغتيال زعيم حماس السياسي الكبير إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية الذي لقي مصرعه بفعل عبوة ناسفة زرعت في دار ضيافة إيرانية قبل أسابيع، وقد اتهمت إيران وحماس إسرائيل بارتكاب ذلك الاغتيال.

وعلى الفور دوّت صيحات الحرب عالية. فحتى في عداوات الشرق الأوسط المربكة المتغيرة، ثمة خطوط حمراء مسكوت عنها، ووقوع عمليتي اغتيال في قلب عاصمتين استفزاز يستوجب الثأر. بالنسبة لإيران يمثل اغتيال قائد كبير لحماس في أثناء حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مذلة دعت القائد الأعلى آية الله خامنئي إلى أن يعلن بأن «واجبنا» هو الانتقام. فضلًا عن أن هنية كان من كبار مفاوضي حماس في محادثات وقف إطلاق النار، مما أثار أسئلة عما لو أن هذه المفاوضات سوف تتوقف طويلا.

ومع ذلك، مضى أوستن الذي كان في زيارة إلى الفلبين إلى القول بأنه لم يزل مجال قائم للدبلوماسية. واعترف هو ووزير الخارجية أنطوني بلينكن -الذي كان أيضا في رحلة في آسيا- بأنهما لم يتلقيا إشعارا مسبقا بالهجوم على هنية، وهي شهادة مؤلمة بحدود النفوذ الأمريكي على الصراع الذي أنفقت فيه الولايات المتحدة قدرا هائلا من رأسمالها الفعلي والدبلوماسي على مدى عقود.

وبرغم أن الإدارة نصحت بضبط النفس، اعترف أوستن بأن الولايات المتحدة -في حال نشوب حرب- سوف تفعل ما فعلته دائما: «مؤكدًا أننا سوف نساعد في الدفاع عن إسرائيل».

و«هذه أرض مجهولة» على حد تعبير ديفيد هوروفيتز، المحرر المؤسس لصحيفة تايمز أوف إسرائيل. فالحرب التي بدأت قبل عشرة أشهر إثر هجمة حماس تبدو مرجحة الاستمرار، لكن مسارها أبعد ما يكون عن الوضوح.

في الرؤية التفاؤلية، لا يرغب أي من الأطراف في قيام حرب شاملة. لا إسرائيل التي تقاتل بالفعل في غزة، ولا حزب الله الذي يخوض وطنه لبنان ضائقة اقتصادية لعينة، ولا إيران التي يؤثر رئيسها الجديد حديث التنصيب أن يترك لـ«محور المقاومة» -أي القوات الوكيلة في حماس وحزب الله والحوثيين في اليمن- القيام بالقتال الحقيقي، ولا حماس التي تحتاج إلى وقف لإطلاق النار لوقف الضربات الإسرائيلية المتواصلة، ولا الولايات المتحدة قطعا فهي منقسمة انقساما عميقا بشأن حرب غزة وتشهد حمى سباق رئاسي مصيري.

في الماضي كانت المواجهات الثنائية بين إسرائيل وأعدائها تنتهي غالبا بعد تبادل ضربات يعتقد أنها حققت المستوى الضروري من الثأر. في أبريل، بعد أن قصفت إسرائيل المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق بسوريا وأدت إلى مقتل قادة عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى، أطلقت إيران سيلًا من المسيّرات والصواريخ على إسرائيل، اعترضتها إسرائيل كلها تقريبا بمعاونة من الولايات المتحدة وفرنسا والأردن. ثم أعلنت إيران أن الهجمة الانتقامية «يمكن أن تعد منتهية» في إشارة إلى عدم استعدادها للتصعيد.

وفقًا لهذا السيناريو التفاؤلي، قد يؤدي اغتيال هنية إلى تحسين فرص وقف إطلاق النار. ويعني أن بوسع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -الذي أصر على أن إسرائيل سوف تواصل القتال في غزة إلى أن تلحق بحماس هزيمة تامة- أن يعلن النصر وينعم بمفخرة كبيرة للمخابرات والجيش الإسرائيليين، ويمضي إلى وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن الباقين البالغ عددهم مائة وإحدى عشرة رهينة قامت حماس بأسرهم في السابع من أكتوبر ومات منهم حسبما يفترض تسعة وثلاثون بحسب رواية مسؤولين إسرائيليين.

ولكن بالإمكان تقديم طرح مقنع بالقدر نفسه لوشوك اندلاع الحرب. فطالما أراد جنرالات إسرائيليون القيام بضربة حاسمة لحزب الله الذي تراكمت لديه ترسانة هائلة من الصواريخ والمقذوفات ومنها صواريخ دقيقة التوجيه تتجاوز أي قدرات سبق لحماس امتلاكها. وهذه الترسانة قادرة على بلوغ عمق إسرائيل، وتهديد مناطقها كثيفة السكان وبنيتها الأساسية المهمة.

في أعقاب هجمات حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، بدأ حزب الله حملة قصف متقطع في الشمال، مرغمًا إسرائيل على الرد باستمرار بإجلاء قرابة ستين ألفًا من مواطنيها من بيوتهم قرب الحدود الشمالية. ووفقًا لهوروفيتز، أطلق حزب الله أكثر من ستة آلاف وخمسمائة من المسيّرات ومئات الصواريخ، مما أسفر عن مقتل خمسة وعشرين مدنيًا وثمانية عشر جنديا. وكان اغتيال شكر للثأر بعد مقتل اثني عشر شابا في هجمة صاروخية على مرتفعات الجولان علامة على أن إسرائيل مستعدة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة في الجبهة الشمالية.

في زيارة لتلك المنطقة الشهر الماضي، حذر رئيس الأركان الإسرائيلي الفريق هيتزي هالفي قائلا «إننا نقترب من نقطة سوف يتحتم فيها اتخاذ قرار، والجيش الإسرائيلي مستعد وجاهز تمامًا لهذا القرار». وفي يوم الأربعاء، أعلن نتنياهو في بيان متلفز أن «أياما عصيبة قادمة».

لكن في حال وصول محادثات وقف إطلاق النار في غزة إلى طريق مسدود -وقد دأبت كل من إسرائيل وحماس على وضع عراقيل جديدة في طريقها- فسيكون خيار نتنياهو هو ما بين استمرار الاضطراب والتهديد في الشمال أو الصدام الحاسم مع حزب الله، ومع إيران ووكلائها إذا لزم الأمر. وفي هذه الحالة سوف تدفع إسرائيل ثمنا باهظا، ولكن لبنان وإيران سيدفعان أكثر. لقد أشار نتنياهو مرارا في زيارته الأخيرة إلى واشنطن إلى أن حرب غزة في الحقيقة هي حرب ضد إيران ووكلائها، وتكلم عن الاستمرار إلى أن يتحقق النصر الكامل.

ولكن ما معنى «النصر الكامل» وما المخاطر التي يعتزم القبول بها لتحقيقه، هذا ما ليس واضحا. إنما الواضح في هذا المفصل المجهول هو أنه لا الحرب الشاملة محتومة، ولا السلام الوشيك محتوم، وما من شيء ملموس عدا الترقب الحذر.