هل كان السموأل إسرائيليا؟!
الأربعاء / 17 / محرم / 1446 هـ - 21:03 - الأربعاء 24 يوليو 2024 21:03
في عصر ما، كان هنالك رجل يدعى السموأل بن عادياء وكان عربيا يهوديا استقر بشمال الجزيرة العربية، وله فيها حصن مشهور تواتر ذكره في الأشعار والأخبار، وهو الأبلق الفرد الذي ورد ذكره في قصيدة للسموأل ذاته:
هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي سارَ ذِكرُهُ
يَعِزُّ عَلى مَن رامَهُ وَيَطولُ
وقد اشتهر السموأل بخصال أهّلته وجعلت امرأ القيس الذي كان معاصرا له، يستنجد ويستجير به. فكما هو معلوم، فقد كان امرؤ القيس ملكا ابن ملك، ولذلك لُقِّبَ بالملك الضِّلِّيل -من الضلال- وذلك لاشتهاره باللهو والشراب قبل أن يتغير حاله وينقلب رأسا على عقب بعد مقتل والده حُجر بن الحارث على يد قبيلته، فقال قولته الشهيرة «اليوم خمر، وغدا أمر». سعى امرؤ القيس إلى النيل من قاتلي أبيه، فأوردهم حتوفهم؛ وحين أراد أن يبالغ في القتل والانتقام، انتبذه قومه وبقيت معه قلة قليلة لا تكفي للقتال والدفاع في الوقت ذاته. لأجل هذه الظروف، قرر امرؤ القيس السفر إلى ملك الروم، طالبا منه العون بالجنود والعدة والعتاد، وهي الرحلة التي قال فيها بيتيه ذائعي الصيت:
بَكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه
وأيقنَ أنا لاحقانِ بقيصرا
فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا
نحاوِلُ مُلْكا أوْ نُموت فَنُعْذَرَا
ولكن، ما علاقة السموأل بهذا كله؟ لأجل الأخبار المعروفة عن السموأل، واشتهاره بالخصال المحمودة من شجاعة وكرم وحفظ الأمانة، والحكمة، والرياسة، والمَنَعة والقوة، لأجل هذا كله؛ كان السموأل الرجل الأجدر بحماية مال وأهل الملك الساعي إلى الانتقام، امرؤ القيس، وهو ما كان فعلا. فأودع امرؤ القيس ماله وعياله عند السموأل، ومضى شاقا طريقه إلى ملك الروم.
علمت العرب بما حدث بين السموأل وامرئ القيس، فجاءت ثلة منهم؛ وهم الذين أرادوا الانتقام من الملك الضِّلِّيل ونيل الثأر منه، فانتهزوها فرصة أن يكون الملك غائبا، ظنا منهم أنهم يخيفون السموأل فيسلمهم أمانة امرئ القيس، وهو ما رفضه السموأل. تحيّن المنتقمون الفرصة، وفي يوم بدا أن الأفق قريبٌ من التهام قرص الشمس، والسماء محمرَّة تؤذن بالظلام؛ انقضَّ جماعة من هؤلاء المنتقمين على ابن للسموأل خرج في بعض شؤونه، فقيدوه وأسروه.
جاء المنتقمون إلى السموأل، وأبرزوا له ابنه؛ والسموأل يراقب المشهد الذي يجعل المرء يشعر بأمعائه تضطرب لشدة التوتر وصعوبة الموقف. قالوا للسموأل، أعطنا الأمانة التي وضعها امرؤ القيس عندك وسيكون ابنك حرا طليقا في الحال، فرفض السموأل هذا الابتزاز الرخيص، وهو ما جعل المتربصين يعطون الأب التحذير الأخير؛ إن لم تسلمنا ما يخص امرأ القيس، سنقطع رقبة ابنك! فرفض السموأل رفضا قاطعا، في موقف لا يحسد عليه ولن يُلام لو كان قد رضي بنجاة ابنه لقاء تأدية ما لديه مما يخص امرأ القيس، فمن يضحي بابنه لأجل الأمانة؟! قليل ما هم.
خلَّد هذه الملحمة التي أشبه ما تكون بالخيال، شاعر عظيمٌ من شعراء المعلقات العشر المعدودين في القمة، وهو الأعشى. في قصيدة عذبة تفيض رقة وبلاغة، فكأن المرء يشاهد مقطعا سينمائيا وهو يستمع إليها بصورها الحية وحركتها الدائمة، والتي منها:
كُنْ كالسموأل إذ طاف الهمام بهِ
في جحفلٍ كسواد الليل جرَّارِ
بالأبلق الفرد من تيماء منزله
حصن حصين وجار غير غدارِ
إذ سامَهُ خطّتَيْ خسفٍ فقال له:
مهما تَقلْه فإني سامعٌ حارِ
فقال: ثكلٌ وغدرٌ أنت بينهما
فاخترْ وما فيهما حظٌّ لمختارِ
فشك غير طويل ثم قال له:
اقتل أسيرك إني مانع جاري
بعد أكثر من أربعة عشر قرنا، لم يعد اليهودي العربي عربيا! بل صار يهوديا فحسب. ثم لم يعد اليهودي يهوديا بديانته المعروفة، فقد نجحت الدعاية السياسية في فرض واقع جديد، جعل الدين آيديولوجية سياسية بحتة؛ فصار اليهودي مرادفا للصهيوني، وهو واقع يثير السخرية والحسرة في آن. «نجحت عدة أيديولوجيات علمانية شاملة بالتغلغل في اليهودية والاستيلاء عليها من الداخل، فاليهودية التجديدية مُركَّب من عدة مفاهيم علمانية تلبست ثوبا يهوديا. لكن أهم الأيديولوجيات العلمانية هي الصهيونية التي نجحت في الاستيلاء على اليهودية تماما وقامت بعلمنتها من الداخل، لدرجة أن الحركات الدينية الأرثوذكسية التي قامت في الأساس لمحاربة الصهيونية انتهى بها الأمر إلى أن تبنت الصهيونية. والسبب الأساسي في نجاح الصهيونية بتحقيق أهدافها تصاعُد معدلات الحلولية داخل اليهودية. وتدور الرؤية الحلولية الكمونية حول ثلاثة عناصر: الإله والإنسان والطبيعة. وفي إطار الحلولية اليهودية، يتحول الإنسان إلى الشعب اليهودي، وتتحول الطبيعة إلى أرض الميعاد. أما الإله فيحلُّ فيهما معا. ولا تختلف هذه الرؤية الحلولية الكمونية عن الصهيونية إلا في بعض التفاصيل. قد نتج عن حلول الإله في الشعب والأرض أن أصبح الشعب مقدَّسا وأصبحت الأرض مقدَّسة. والفريقان العلماني والديني في تسمية مصدر القداسة ولكنهما لا يختلفان قط في أن القداسة تسري في الشعب والأرض». من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمفكر المصري الراحل، د. عبدالوهاب المسيري.
قد يبدو الأمر يسيرا ونحن ننظر إلى الكلمات فحسب، فمن ذا الذي يقول بأن استعمال كلمات معينة، في سياق معين، يمكن أن يؤدي إلى كارثة! قد تبدو فكرة مثيرة للسخرية، وسخيفة. لكن الحقيقة تثبت أن الكلمات هي التي تُضفي الشرعية على الأفعال، وأن الكلمات يمكن أن تقتل أو تُستعمل أداة للقتل. فأن يستعمل الاحتلال لفظة «رهائن»، يشير إلى أن كل المحتجزين أناس أبرياء تم اختطافهم بلا أدنى سبب، أما استعمال كلمة «أسرى» -وهي اللفظة الدقيقة في هذا السياق- فهو ما يجعل الفعل مشروعا لأجل السياق العملي فضلا عن سياقها اللغوي. كما أن ربط المقاومة والإسلام بالإرهاب، يضفي الشرعية على الإبادة؛ فتتحول المسألة من «مقاومة» إلى «حركة إرهابية» إلى «المجتمع الذي خرجت منه هذه الحركة»، لتصبح النتيجة المنطقية -لهذا الاستدلال الفاسد مع سبق الإصرار والقصد- كل من في الضفة المقابلة إرهابيون يُباح قتلهم وإبادتهم!. ثم إن هذه القداسة المضفاة على المحتل، تجعل الناس تطالب بوقف إطلاق النار لإطلاق سراح الأسرى -أسرى الاحتلال بالطبع- لا لأجل وقف شلال الدماء.
كيف صار السموأل إسرائيليا إذن؟ إن النص المقتبس من موسوعة المسيري، يوضح لنا كيف عميت الصهيونية بمنهجية عالية في تمييع مصطلح اليهودي، ففضلا عن كون اليهودية ديانة لا عرقا؛ فقد جعلتها مرادفة للصهيونية، ثم مرادفة لـ»إسرائيل». ومن الأمور المثيرة للضحك بالفعل، أن تجد صهيونيا ملحدا!، فالمواطنة المعلنة تكون لليهود حسب إعلان الاحتلال وتعريفه لنفسه بكونه «وطنا لليهود»، والملحد لا دين له، فكيف يكون المرء يهوديا وملحدا في آن؟! وكما أن المصطلح له أثره في اضطهاد الآخر، كذلك له أثره في تفكيك الداخل، وهو ما يتجلى للمتابع للشأن الداخلي لكيان الاحتلال. لم يكن السموأل يهوديا قبل كونه عربيا، ولم يكن اليهودي المتدين صهيونيا، كما لم يكن أي حر صهيونيا. وهو ما يدركه اليهود الحقيقيون الذين يسكنون أمريكا وغيرها من الدول المتقدمة، وكما قال أحد اليهود في مقطع مصور على اليوتيوب «كوني يهوديا، لا يعني أن إسرائيلي؛ فاليهودية دين، وإسرائيل كيان سياسي». يمثل السموأل وقصته المعاني الخالدة والمشرقة للتاريخ الإنساني، فبدلا من أن يضحي بأطفال الآخرين لأجل بقائه في السلطة، اختار التضحية بابنه وفاء وأداء للأمانة، وهي أخلاق لن يفهمها من اعتاد سرقة البيت الذي يسكن فيه، والماء الذي يشربه، والفراش الذي ينام فيه، ومهما طال الزمان، تظل أبيات السموأل مرفرفة فوق كل مقاوم حر شريف:
وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّة
إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا
وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي سارَ ذِكرُهُ
يَعِزُّ عَلى مَن رامَهُ وَيَطولُ
وقد اشتهر السموأل بخصال أهّلته وجعلت امرأ القيس الذي كان معاصرا له، يستنجد ويستجير به. فكما هو معلوم، فقد كان امرؤ القيس ملكا ابن ملك، ولذلك لُقِّبَ بالملك الضِّلِّيل -من الضلال- وذلك لاشتهاره باللهو والشراب قبل أن يتغير حاله وينقلب رأسا على عقب بعد مقتل والده حُجر بن الحارث على يد قبيلته، فقال قولته الشهيرة «اليوم خمر، وغدا أمر». سعى امرؤ القيس إلى النيل من قاتلي أبيه، فأوردهم حتوفهم؛ وحين أراد أن يبالغ في القتل والانتقام، انتبذه قومه وبقيت معه قلة قليلة لا تكفي للقتال والدفاع في الوقت ذاته. لأجل هذه الظروف، قرر امرؤ القيس السفر إلى ملك الروم، طالبا منه العون بالجنود والعدة والعتاد، وهي الرحلة التي قال فيها بيتيه ذائعي الصيت:
بَكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه
وأيقنَ أنا لاحقانِ بقيصرا
فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا
نحاوِلُ مُلْكا أوْ نُموت فَنُعْذَرَا
ولكن، ما علاقة السموأل بهذا كله؟ لأجل الأخبار المعروفة عن السموأل، واشتهاره بالخصال المحمودة من شجاعة وكرم وحفظ الأمانة، والحكمة، والرياسة، والمَنَعة والقوة، لأجل هذا كله؛ كان السموأل الرجل الأجدر بحماية مال وأهل الملك الساعي إلى الانتقام، امرؤ القيس، وهو ما كان فعلا. فأودع امرؤ القيس ماله وعياله عند السموأل، ومضى شاقا طريقه إلى ملك الروم.
علمت العرب بما حدث بين السموأل وامرئ القيس، فجاءت ثلة منهم؛ وهم الذين أرادوا الانتقام من الملك الضِّلِّيل ونيل الثأر منه، فانتهزوها فرصة أن يكون الملك غائبا، ظنا منهم أنهم يخيفون السموأل فيسلمهم أمانة امرئ القيس، وهو ما رفضه السموأل. تحيّن المنتقمون الفرصة، وفي يوم بدا أن الأفق قريبٌ من التهام قرص الشمس، والسماء محمرَّة تؤذن بالظلام؛ انقضَّ جماعة من هؤلاء المنتقمين على ابن للسموأل خرج في بعض شؤونه، فقيدوه وأسروه.
جاء المنتقمون إلى السموأل، وأبرزوا له ابنه؛ والسموأل يراقب المشهد الذي يجعل المرء يشعر بأمعائه تضطرب لشدة التوتر وصعوبة الموقف. قالوا للسموأل، أعطنا الأمانة التي وضعها امرؤ القيس عندك وسيكون ابنك حرا طليقا في الحال، فرفض السموأل هذا الابتزاز الرخيص، وهو ما جعل المتربصين يعطون الأب التحذير الأخير؛ إن لم تسلمنا ما يخص امرأ القيس، سنقطع رقبة ابنك! فرفض السموأل رفضا قاطعا، في موقف لا يحسد عليه ولن يُلام لو كان قد رضي بنجاة ابنه لقاء تأدية ما لديه مما يخص امرأ القيس، فمن يضحي بابنه لأجل الأمانة؟! قليل ما هم.
خلَّد هذه الملحمة التي أشبه ما تكون بالخيال، شاعر عظيمٌ من شعراء المعلقات العشر المعدودين في القمة، وهو الأعشى. في قصيدة عذبة تفيض رقة وبلاغة، فكأن المرء يشاهد مقطعا سينمائيا وهو يستمع إليها بصورها الحية وحركتها الدائمة، والتي منها:
كُنْ كالسموأل إذ طاف الهمام بهِ
في جحفلٍ كسواد الليل جرَّارِ
بالأبلق الفرد من تيماء منزله
حصن حصين وجار غير غدارِ
إذ سامَهُ خطّتَيْ خسفٍ فقال له:
مهما تَقلْه فإني سامعٌ حارِ
فقال: ثكلٌ وغدرٌ أنت بينهما
فاخترْ وما فيهما حظٌّ لمختارِ
فشك غير طويل ثم قال له:
اقتل أسيرك إني مانع جاري
بعد أكثر من أربعة عشر قرنا، لم يعد اليهودي العربي عربيا! بل صار يهوديا فحسب. ثم لم يعد اليهودي يهوديا بديانته المعروفة، فقد نجحت الدعاية السياسية في فرض واقع جديد، جعل الدين آيديولوجية سياسية بحتة؛ فصار اليهودي مرادفا للصهيوني، وهو واقع يثير السخرية والحسرة في آن. «نجحت عدة أيديولوجيات علمانية شاملة بالتغلغل في اليهودية والاستيلاء عليها من الداخل، فاليهودية التجديدية مُركَّب من عدة مفاهيم علمانية تلبست ثوبا يهوديا. لكن أهم الأيديولوجيات العلمانية هي الصهيونية التي نجحت في الاستيلاء على اليهودية تماما وقامت بعلمنتها من الداخل، لدرجة أن الحركات الدينية الأرثوذكسية التي قامت في الأساس لمحاربة الصهيونية انتهى بها الأمر إلى أن تبنت الصهيونية. والسبب الأساسي في نجاح الصهيونية بتحقيق أهدافها تصاعُد معدلات الحلولية داخل اليهودية. وتدور الرؤية الحلولية الكمونية حول ثلاثة عناصر: الإله والإنسان والطبيعة. وفي إطار الحلولية اليهودية، يتحول الإنسان إلى الشعب اليهودي، وتتحول الطبيعة إلى أرض الميعاد. أما الإله فيحلُّ فيهما معا. ولا تختلف هذه الرؤية الحلولية الكمونية عن الصهيونية إلا في بعض التفاصيل. قد نتج عن حلول الإله في الشعب والأرض أن أصبح الشعب مقدَّسا وأصبحت الأرض مقدَّسة. والفريقان العلماني والديني في تسمية مصدر القداسة ولكنهما لا يختلفان قط في أن القداسة تسري في الشعب والأرض». من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمفكر المصري الراحل، د. عبدالوهاب المسيري.
قد يبدو الأمر يسيرا ونحن ننظر إلى الكلمات فحسب، فمن ذا الذي يقول بأن استعمال كلمات معينة، في سياق معين، يمكن أن يؤدي إلى كارثة! قد تبدو فكرة مثيرة للسخرية، وسخيفة. لكن الحقيقة تثبت أن الكلمات هي التي تُضفي الشرعية على الأفعال، وأن الكلمات يمكن أن تقتل أو تُستعمل أداة للقتل. فأن يستعمل الاحتلال لفظة «رهائن»، يشير إلى أن كل المحتجزين أناس أبرياء تم اختطافهم بلا أدنى سبب، أما استعمال كلمة «أسرى» -وهي اللفظة الدقيقة في هذا السياق- فهو ما يجعل الفعل مشروعا لأجل السياق العملي فضلا عن سياقها اللغوي. كما أن ربط المقاومة والإسلام بالإرهاب، يضفي الشرعية على الإبادة؛ فتتحول المسألة من «مقاومة» إلى «حركة إرهابية» إلى «المجتمع الذي خرجت منه هذه الحركة»، لتصبح النتيجة المنطقية -لهذا الاستدلال الفاسد مع سبق الإصرار والقصد- كل من في الضفة المقابلة إرهابيون يُباح قتلهم وإبادتهم!. ثم إن هذه القداسة المضفاة على المحتل، تجعل الناس تطالب بوقف إطلاق النار لإطلاق سراح الأسرى -أسرى الاحتلال بالطبع- لا لأجل وقف شلال الدماء.
كيف صار السموأل إسرائيليا إذن؟ إن النص المقتبس من موسوعة المسيري، يوضح لنا كيف عميت الصهيونية بمنهجية عالية في تمييع مصطلح اليهودي، ففضلا عن كون اليهودية ديانة لا عرقا؛ فقد جعلتها مرادفة للصهيونية، ثم مرادفة لـ»إسرائيل». ومن الأمور المثيرة للضحك بالفعل، أن تجد صهيونيا ملحدا!، فالمواطنة المعلنة تكون لليهود حسب إعلان الاحتلال وتعريفه لنفسه بكونه «وطنا لليهود»، والملحد لا دين له، فكيف يكون المرء يهوديا وملحدا في آن؟! وكما أن المصطلح له أثره في اضطهاد الآخر، كذلك له أثره في تفكيك الداخل، وهو ما يتجلى للمتابع للشأن الداخلي لكيان الاحتلال. لم يكن السموأل يهوديا قبل كونه عربيا، ولم يكن اليهودي المتدين صهيونيا، كما لم يكن أي حر صهيونيا. وهو ما يدركه اليهود الحقيقيون الذين يسكنون أمريكا وغيرها من الدول المتقدمة، وكما قال أحد اليهود في مقطع مصور على اليوتيوب «كوني يهوديا، لا يعني أن إسرائيلي؛ فاليهودية دين، وإسرائيل كيان سياسي». يمثل السموأل وقصته المعاني الخالدة والمشرقة للتاريخ الإنساني، فبدلا من أن يضحي بأطفال الآخرين لأجل بقائه في السلطة، اختار التضحية بابنه وفاء وأداء للأمانة، وهي أخلاق لن يفهمها من اعتاد سرقة البيت الذي يسكن فيه، والماء الذي يشربه، والفراش الذي ينام فيه، ومهما طال الزمان، تظل أبيات السموأل مرفرفة فوق كل مقاوم حر شريف:
وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّة
إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا
وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ