أعمدة

وطنُ السَّلام

قُدّر لهذا الوطن العزيز أن يُصاب في أمنه واستقراره الأسبوع الماضي، مما سلط عليه أضواء العالم وانشغال القاصي والداني به، كنتيجة طبيعية لتلك المكانة التي شغلها في قلوب محبيه، لأنه وطنٌ ليس ككل الأوطان، ولأنه واحة السلام والأمان، ومقصد الفرقاء الذين ما أن حلوا به إلا وتقاربت رغباتهم في أمن واستقرار ديارهم، وبه خرج القابعون في حنادس الظلام كرهائن تساوم عليهم البلدان مع مختطفيهم، ومنه أُسعدت عائلات من أقطاب الدنيا التقت بأبنائها وكتبت لهم حياة أخرى وأقوام نجو من تسلط دول الطغاة عليهم وحفظ أرواحهم. هذا الوطن الذي أقنع العالم أن الحوار والتقارب مع الجميع خير وسيلة وأنجعها من اللجوء إلى العنف والدمار والقتل والتشريد التي على مر التاريخ لم تقدم حلا يسعد كل الشعوب. وطن اختار أن تكون أرضه منذ آلاف السنين منهجا للحلم والعفو واحترام الإنسان أينما كان هذا الإنسان، وفي نصف القرن الماضي تألق ملامسا العلياء في سموه ورقيه. اليوم يقف أمام مرحلة جديدة من مسيرة واجب المحافظة عليها، بسبب ذلك الفعل الشائن الذي سبب ندبا مؤلما يتبرأ منه أهل عُمان كلهم، لأنه ليس من طباعهم ولا أخلاقياتهم ولا مبادئهم ولا إيمانهم لأنهم يؤمنون أن الوطن للجميع. صدم الفاعلون أمة تعيش على مبادئ السلام والتآخي والتسامح لأنها تؤمن إيمانا قطعيا أن هذه البقعة الجغرافية أغلى ما نملك فترسخت فيهم عقيدة أهمية الوطن ومكانته في نفوسهم رغم أن منبتهم ليس كذلك، لكن الأمر يجب ألا يمر كحادث عابر فقط، بل علينا أن نكون كلنا حراسا في بيوتنا ومجتمعنا حتى لا نسمح البتة للأفكار الضالة أن تنمو بيننا، وأن نتنبه أن من يريد الإخلال بأمنه وإثارة الفتنة فيه، فإن مصيرة الوأد قبل أن تعشش هذه الأفكار والبدع في عقول من حوله. المسؤولية علينا أكبر من ذي قبل وأعظم من فهمنا لها، فقد بنيت عُمان على المحبة والسلام، لأن تكرارها وارد وحتى لا نتيح المجال لذلك التكرار فإن الجميع عليهم تلك المسؤولية في حماية الوطن وقيادته ومؤسسات حكومته. الوعي الذي يجب أن نتبناه هو توجيه التربية الصحيحة ومراقبتها في المنزل والمدرسة والجامعة وتكريس الخطاب المعتدل والنهج القويم الذي تعودنا عليه وغرسناه في أبنائنا خلال سنوات بناء عُمان منذ سبعينيات القرن الماضي، والتأكيد عليه في عهد النهضة المتجددة. الأمن لا يقتصر دوره على الأجهزة الأمنية والعسكرية، بل كلنا شركاء فيه وكلنا حراسه وعينه الساهرة على مكتسباته وستؤكد الأيام أن عُمان قادرة على تجاوز العثرات العابرة التي لا تزيدها إلاّ صلابة وقوة وقدرة على التحمل، فقد ضحى أبناؤها في حروب التاريخ التي مرت عليها من القريب والبعيد وقدر لأهلها وسلاطينها أن يمروا بسلام من كل تلك المحن التي زادتها شموخا ومكانة.