رأي عُمان

إسرائيل خطر حقيقي على الإنسانية

 
هذه ليست حربا، إنها تصفية أحقاد تاريخية تريد منها إسرائيل إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإرهابه، وإرهاب المنطقة بأن هذا هو مصير من يتجرأ ويطالب بحقه أو بإنسانيته أو بكرامته أو بأبسط حقوقه كإنسان. وتقدم إسرائيل على هذا الفعل في لحظة تعرف فيها يقينا أن العالم العربي يعيش في لحظة ضعف وهوان وتشرذم لا مثيل لها عبر تاريخه، وأن الدول الكبرى القادرة على إيقافها متورطة عبر التاريخ القريب بالجرائم نفسها سواء كان ذلك في العراق أو في سوريا أو في اليمن أو في ليبيا وقبل ذلك في أماكن أخرى في العالم مثل فيتنام والصومال وعموم القارة الإفريقية.. ناهيك أنه موافق، في الخفاء إن لم يكن في العلن، على إبادة الشعب الفلسطيني وعلى انتهاك حقوق العرب/ المسلمين في كل مكان معتبرين ذلك مصلحة حاسمة تاريخية للغرب في مواجهة الإسلام.

هذه ليست حربا تشنها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» كما تدعي إسرائيل ويدعي رعاتها من الغرب «الديمقراطي الليبرالي» على شعب محاصر منذ عقد ونصف قبل أن تبدأ هذه الديمقراطية الكبرى في استراتيجية تجويعه منذ 10 أشهر في لحظة تمعن فيه بإبادته.. إنها عملية إبادة متكاملة الأركان وإلا لا توجد حرب في العالم هدفها إبادة المدنيين وقتل الأطفال وإعدامهم بدم بارد حتى وهم في أكثر لحظاتهم صفاء وتجليا وارتفاعا عن الأحقاد حينما يكونون في صلاة مباشرة مع خالقهم. هذه سياسة إجرامية وعقلية منظمات إرهابية متوحشة ليس ضمن أهدافها بناء صورة ذهنية مشرقة عنها في لحظة يُنظر لها في الكثير من بقاع العالم أنها ترتكب «أعمال إبادة» و«جرائم حرب»، أو في لحظة ما زال فيها البعض متشككا في أنها تفعل ذلك أو لا تفعله. كل هذا لا يعنيها فهي تتحرك بناء على هدف «جرمي» أو «عصابي» تريد تحقيقه، أمّا العالم ومبادئه وقيمه وقوانينه فليذهبوا جميعا إلى الجحيم فهي ليست معنية إلا بما يحركها من مشاعر إجرامية.

لا يريد نتنياهو الحوار فهو لم يعترف به في يوم من الأيام، ولا يبحث، في الحقيقة، عن هدنة أو وقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى فهذه هوامش جانبية بالنظر إلى ما يقوم به ويخطط له هو ومجموعته الإجرامية.

المجزرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في مخيم المواصي بخان يونس أمس لا ترتكبها «دولة» مهما كانت متطرفة ومهما وصفت بالإرهاب، هي عمل أصيل من أعمال المجرمين والمتوحشين عبر التاريخ، هي بالضبط مطابقة لما فعله تنظيم «داعش» الإرهابي خلال العقد الماضي إذا أردنا تقريب الصورة بشيء قريب العهد.. وهي مطابقة لأفعال النازيين الذين ما زالت إسرائيل تدعي المظلومية مما ارتكبوه بحق اليهود من جرائم، لكن الذي لا يراه الكيان «الصهيوني» هو أنه يرتكب أبشع من تلك الجرائم التي ارتكبها النازيون عبر التاريخ بل وأبشع من كل الجرائم التي ارتكبها أعتى المجرمين سواء كان على المستوى الإجرام الفردي أم إجرام الجماعات والتنظيمات.

إن إسرائيل لم تعد اليوم خطرا على الفلسطينيين وحدهم إنها خطر جسيم على الجميع بما في ذلك حلفاؤها الغربيون الذين تشوهت صورهم في أذهان الجميع من خلال دعمهم لكيان مارق ومجرم ما زال يمعن ويستمتع بارتكاب أبشع الجرائم أمام مرأى ومنظر العالم الذي يقف أحراره في ذهول كبير من هذه الجرأة على الإنسانية وعلى قوانين المجتمع الدولي.

وإذا كان العالم يعتقد أنه وصل إلى مرحلة من التحضر والتمدن اختفت معها هذه الجرائم البشعة ضد الإنسانية فإن الكيان الإسرائيلي يثبت عكس ذلك، ويؤكد للعالم وللإنسانية أن الشر باق في هذه الأرض ويمكن رؤية حقيقته الأصلية في صورة ما يفعله الكيان الإسرائيلي. كما يثبت أن هذه المنطقة لن تهنأ باستقرار أو بسلام أو بوئام ما دامت يد الكيان الصهيوني مطلقة دون قيد أو رادع حقيقي.

أمّا إنسانية العالم فعليها أن تختبر حقيقتها في صورة ما يحدث في قطاع غزة، لنعرف مدى قربنا أو بعدنا من هذه «الإنسانية» التي ننادي بها ونتحدث عنها في كل لحظة وحين.