أفكار وآراء

الحرب السودانية ..حراك الخارج وعجز الداخل !

ثمة حراك عربي إقليمي هذه الأيام حول الوضع في السودان، بدا من الواضح أنه بمثابة مؤشر على تحولات محتملة لنهاية الحرب هناك، بعد مضي عام وثلاثة أشهر من اندلاعها في أبريل من العام الماضي.

ومنذ اكتمال الهيكل التأسيسي لتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) إثر انعقاد مؤتمرها العام في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مايو الماضي، تحركت أوساط إقليمية وعربية، بعد ذلك، في محاولات نحو وقف الحرب السودانية، ما عكس مؤشرات قوية على إدراك قوى إقليمية ودولية لخطر انهيار الدولة في السودان وتداعيات ذلك الانهيار على المنطقة العربية والإفريقية.

مؤتمر القوى المدنية والسياسية السودانية الذي احتضنته القاهرة بين يومي 6 و 7 من هذا الشهر بدعوة من وزارة الخارجية المصرية؛ كان بداية لذلك الحراك، حيث نجح المؤتمر في جمع فرقاء سياسيين مختلفين ودفع بهم نحو اتخاذ موقف واحد ضد الحرب في ظل تداعيات الأوضاع الخطيرة التي نجمت عن الحرب مسجلة أرقامًا غير مسبوقة عالميًا في معدلات النزوح والكوارث التي لحقت بالشعب السوداني.

وفي حراك مكمّل لما بدأ في القاهرة، كانت هناك زيارة مهمة لنائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي إلى السودان، هذا الأسبوع، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان للتباحث حول العودة إلى استئناف مفاوضات منبر جدة (المنبر الذي رعى أول مفاوضات بين الجيش والدعم السريع برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في 12 مايو 2023) فيما كانت الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمس الأول الثلاثاء، إلى بورتسودان للقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، من أكبر المؤشرات على أن الحراك الإقليمي والعربي نحو إنهاء الحرب أصبح احتمالًا واردًا بقوة في الأيام المقبلة.

هناك لقاءات أخرى بين قوى وفرقاء سياسيين سودانيين - عسكريين ومدنيين - تجري في عواصم مختلفة من أديس أبابا إلى جنيف لتصب في الهدف ذاته: الأمر الذي يؤكد على تجاوب دولي وإقليمي كبير لمسألة وقف الحرب السودانية.

ليس خافيًا اليوم على كل متابع لمجريات الحرب السودانية، أن هذه المبادرات الإقليمية والدولية لوقف الحرب تؤكد حقيقة لابد من الإقرار بها؛ وهي أن طبيعة هذه الحرب الجارية في السودان تتصل على نحو عضوي بديناميات إقليمية وخارجية، بعد أن تبين للجميع أن خسائرها الفادحة على الشعب السوداني - عبر أرقام غير مسبوقة لأعداد النازحين داخل السودان (حوالي 12 مليونًا) - أصبحت مؤشرات مزعجة للمجتمع الإقليمي والدولي وتنذر بكوارث غير محتملة في منطقة جيوسياسية متى ما انهارت فيها الدولة فإن ثمة شرورا قابلة للامتداد ستنجم في كافة الدول المحيطة بالسودان.

وما سيبدو واضحًا، كذلك، في زحمة هذا الحراك، أن طبيعة الأزمة السودانية إذ تضطلع بإدراك مؤشرات القلق فيها قوى إقليمية ودولية، فإنها تكشف، من ناحية أخرى، عن هشاشة القوى السياسية السودانية التي عجزت عن تحقيق حد أدنى من الاستجابة لواجب الوطن، أي منع الدولة السودانية من الانهيار.

فإذا عرفنا، مثلا، أن القاهرة قد جمعت فرقاء سياسيين سودانيين يستحيل اجتماعهم في الخرطوم على حل قضايا الوطن المصيرية - كقضية الحرب - فإن ذلك يدل بوضوح إلى أي مدى بلغ انسداد مأزق النخب السياسية والعسكرية في السودان.

هذا سيعني، كذلك، أنه حتى في حال توقف الحرب بسبب فاعليات إقليمية ودولية، فإن مأزق النخب السياسية السودانية وعجزها عن تدبير اجتماع سياسي سيبقى على حاله من عدم القدرة على الاستفادة من درس الحرب، وهو أمر نخشى معه القول: إن الاختلاف بين تلك النخب ليس فقط حول طبيعة الصراع السياسي، بل هو اختلاف على صورة الوطن ورمزيته؛ لأن عدم استفادة النخب السودانية من درس الحرب اليوم هو بذاته الوجه الآخر لمؤشر استمرار الحرب الأهلية السودانية التي اندلعت في عام 1955 (قبل استقلال السودان في عام 1956م) وظلت مستمرة حتى عام 2017 .

ولهذا يمكننا القول إن أسباب اندلاع الحرب الأهلية الأولى في السودان عام 1955 (حرب الجنوب الذي انفصل عن السودان في عام 2011) هي ذاتها الأسباب التي أوصلت الحرب أخيرا إلى المركز السياسي في الخرطوم من تلك الهوامش التي ظل المركز يصدر الحرب إليها لأكثر من 60 عامًا !