الإدارة الأمريكية والعقوبات على نفط روسيا.. والخوف من التضخم
ترجمة: قاسم مكي
الأربعاء / 3 / محرم / 1446 هـ - 21:31 - الأربعاء 10 يوليو 2024 21:31
يصر الرئيس بايدن على أن الولايات المتحدة تقف بوضوح ودون لبس إلى جانب أوكرانيا. فقد قال خلال قمة مجموعة السبع في إيطاليا الشهر الماضي وهو يقف بجانب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي «نعم. مرة أخرى. ومرة أخرى. ومرة أخرى».
لكن فيما يخص تشديد العقوبات على الشبكة الخفية لتجار نفط روسيا والذين يزودون الكرملين بكميات وفيرة من الأموال النقدية تبدو إدارة بايدن حقًا حذرة جدًا. فالبيت الأبيض تقاعس عن تنفيذ توصية قوية من وزارة المالية في الشهر الماضي، حسبما ذكر لي المسؤولون، بفرض عقوباتٍ على ما أسماه المحققون «الأسطول الخفي» للناقلات التي تنتهك العقوبات.
ما الذي يفسر حذر الإدارة الأمريكية ؟ الإجابة تنطوي على القضية الأكثر حساسية في سنة الحملة الانتخابية الحالية. إنها التضخم. فمسؤولو البيت الأبيض يخشون من أن تطلق العقوباتُ ضد التجارة الخفية لنفط روسيا ضغوطاتٍ تضخمية في سوق النفط وترفع أسعار البنزين في محطات الوقود.
يشرح ذلك داليب سينغ نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاقتصادية في حديث له بمعهد بروكنجز مؤخرًا بقوله: «منذ البداية ظل هذا أحد أصعب التحديات التي وجب علينا مواجهتها. ففي سوق عالمية يضيق فيها الفارق بين العرض والطلب يمكن أن تقود القيود على كمية النفط الى زياداتٍ في الأسعار.. تدفع بالتضخم العالمي إلى أعلى».
يعتقد مسؤولو وزارة الخزانة أن البيت الأبيض يبالغ في الحذر. فهم يحاجُّون بأن العقوبات الأمريكية التي فرضت في فبراير على 14 ناقلة نفط تملكها شركة النقل البحري الروسية الكبيرة «سوفكومفلوت» لم تنشأ عنها ضغوطات تضخمية. لقد اضطرت روسيا إلى عرض تخفيضات حادة على سعر نفطها الخاضع لسقف سعري في الأسواق الغربية. لكن سعر برنت وهو المعيار العالمي لم يرتفع.
وعند إعلانه عقوبات فبراير، قال والي ادييميو نائب وزيرة الخزانة: «سقف السعر المفروض على النفط الروسي لا يزال يخدم هدفيه وهما الحد من أرباح الكرملين وفي ذات الوقت تعزيز استقرار أسواق الطاقة». واستطرد موضحًا أن الإدارة الأمريكية «بتوجيهها ضربة هائلة لعمليات تصدير النفط الخفية تعاقب روسيا بطريقة مسؤولة لتقليل المخاطر».
والآن، يقول لي المسؤولون، تريد وزارة الخزانة معاقبة المزيد من ناقلات شركة سوفكومفلوت الإضافية التي يبلغ عددها 80 ناقلةً تقريبًا.
كما تدرس الوزارة أيضًا ما يمكن أن يكون هدفًا أكثر أهمية وهو شبكة يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنها تتكون من حوالي 100 سفينة تتولى نقل نفط تنتجه الشركة الروسية العملاقة «روسنفت» والتي يرأسها أيغور سيتشين أحد أقرب مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين.
هذه الشبكة التي تسمى أحيانًا «أسطول روسنفت الخفي» يديرها ثلاثة أذريون يعملون بشكل وثيق مع الشركة النفطية، وفقًا لشخص له صلة بالتحقيق الذي تجريه الوزارة. وأكد مسؤولون بوزارة الخزانة والبيت الأبيض طلبوا عدم ذكر أسمائهم؛ لكي يتحدثوا عن مسائل حساسة أن فريقا مشتركا من المحققين يتحرى عن الشبكة ويدرس العقوبات الممكنة.
شركة روسنفت لاعب كبير. وزعم أحد المحققين أنها مسؤولة عن حوالي 40% من صادرات روسيا النفطية وأن الشبكة الخفية تنقل حوالي نصفها. لكنّ المسؤولين نفوا اتخاذ إجراء بدون موافقة البيت الأبيض.
هذه العمليات التجارية الخفية وصفت بواسطة صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير نشرته في شهر فبراير تحت عنوان «حلقة تجارة النفط السرية التي تمول حرب روسيا». وزعم التقرير أن التنفيذيين الأذريين عملوا في السابق مع شركة اسمها «كورال انيرجي».
وأصدرت الشركة بيانًا بعد نشر تقرير وول ستريت جورنال ذكرت فيه أنها أغلقت مكتبها في موسكو ولم تعد لها صلة بموظفيها المقيمين في موسكو بعد غزو روسيا الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022. بل حتى قبل إعلان الولايات المتحدة عن السقوفات السعرية على نفط روسيا في ديسمبر 2022 توقفت الشركة «تمامًا عن التجارة في النفط الروسي وأنهت كل عقوداتها مع جهات امدادها الروسية»، حسب البيان.
وقادت بريطانيا حملتها الخاصة بها للحد من مبيعات النفط الروسية. ففي أوائل الشهر الماضي أعلنت أنها ستفرض عقوبات على ثلاث ناقلات نفط خام وناقلة واحدة لمنتجات النفط. وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك: «بوتين يجب أن يخسر. والحد من قدرته على تمويل صراع طويل الأمد أمر بالغ الأهمية تمامًا».
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لا يزال مترددًا في الضغط على سوق النفط التي يضيق فيها الفارق بين العرض والطلب إلا أن إدارة بايدن اتخذت خطوات متشددة أخرى لدعم أوكرانيا بداية بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 61 بليون دولار كسبها بايدن في أبريل بعد شهور من تلكؤ النواب الجمهوريين بالكونجرس في إجازتها.
كما فرضت الإدارة الأمريكية أيضًا عقوبات مصرفية جديدة في الشهر الماضي منعت بموجبها أي بنوك عالمية تمول المجهود الحربي لروسيا من التعامل مع البنوك الأمريكية. كذلك فرضت قيود تصدير جديدة للحد من المشتريات الروسية لأية تقنية أمريكية.
ويدرك مسؤولو البيت الأبيض أن صادرات النفط الروسية التي يبلغ إجماليها 8 ملايين برميل في اليوم حاسمة في أهميتها لتمويل آلة حرب الكرملين. لكن يخشى هؤلاء المسؤولون من أن أي اضطراب حاد في الإمدادات قد يرفع الأسعار مع هشاشة التوازن الحالي في سوق النفط العالمية حيث يساوي العرض تقريبا الإمداداتِ التي تبلغ حوالي 100 مليون برميل في اليوم. كما يخشون أيضا من أن بوتين الذي يعلم إلى أي حد يمكن أن يضر التضخم بحملة إعادة انتخاب بايدن قد يوقف الإمدادات عن قصد.
بعض أسئلة السياسة الخارجية ليست لها أجوبة سهلة والمقايضة بين عقوبات الطاقة والتضخم المحتمل مثال رئيسي لذلك. ستكون النتيجة الأفضل ضخ أوبك المزيد من الإمدادات حتى لا تُحدث العقوباتُ الجديدة ضد أسطول روسيا الخفي اضطرابا في سوق النفط.
بايدن محاصر بين مساعدة أوكرانيا ومساعدة نفسه. وهذا ليس خيارًا سهلًا. بل حتى الأوكرانيين قد يوافقون على أن هذه اللحظة، مع ترقّب ترامب العودة إلى سدَّة الحكم، ليست ملائمة لبايدن؛ كي يفعل أي شيء يخاطر بإعادة إشعال التضخم.
لكن فيما يخص تشديد العقوبات على الشبكة الخفية لتجار نفط روسيا والذين يزودون الكرملين بكميات وفيرة من الأموال النقدية تبدو إدارة بايدن حقًا حذرة جدًا. فالبيت الأبيض تقاعس عن تنفيذ توصية قوية من وزارة المالية في الشهر الماضي، حسبما ذكر لي المسؤولون، بفرض عقوباتٍ على ما أسماه المحققون «الأسطول الخفي» للناقلات التي تنتهك العقوبات.
ما الذي يفسر حذر الإدارة الأمريكية ؟ الإجابة تنطوي على القضية الأكثر حساسية في سنة الحملة الانتخابية الحالية. إنها التضخم. فمسؤولو البيت الأبيض يخشون من أن تطلق العقوباتُ ضد التجارة الخفية لنفط روسيا ضغوطاتٍ تضخمية في سوق النفط وترفع أسعار البنزين في محطات الوقود.
يشرح ذلك داليب سينغ نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاقتصادية في حديث له بمعهد بروكنجز مؤخرًا بقوله: «منذ البداية ظل هذا أحد أصعب التحديات التي وجب علينا مواجهتها. ففي سوق عالمية يضيق فيها الفارق بين العرض والطلب يمكن أن تقود القيود على كمية النفط الى زياداتٍ في الأسعار.. تدفع بالتضخم العالمي إلى أعلى».
يعتقد مسؤولو وزارة الخزانة أن البيت الأبيض يبالغ في الحذر. فهم يحاجُّون بأن العقوبات الأمريكية التي فرضت في فبراير على 14 ناقلة نفط تملكها شركة النقل البحري الروسية الكبيرة «سوفكومفلوت» لم تنشأ عنها ضغوطات تضخمية. لقد اضطرت روسيا إلى عرض تخفيضات حادة على سعر نفطها الخاضع لسقف سعري في الأسواق الغربية. لكن سعر برنت وهو المعيار العالمي لم يرتفع.
وعند إعلانه عقوبات فبراير، قال والي ادييميو نائب وزيرة الخزانة: «سقف السعر المفروض على النفط الروسي لا يزال يخدم هدفيه وهما الحد من أرباح الكرملين وفي ذات الوقت تعزيز استقرار أسواق الطاقة». واستطرد موضحًا أن الإدارة الأمريكية «بتوجيهها ضربة هائلة لعمليات تصدير النفط الخفية تعاقب روسيا بطريقة مسؤولة لتقليل المخاطر».
والآن، يقول لي المسؤولون، تريد وزارة الخزانة معاقبة المزيد من ناقلات شركة سوفكومفلوت الإضافية التي يبلغ عددها 80 ناقلةً تقريبًا.
كما تدرس الوزارة أيضًا ما يمكن أن يكون هدفًا أكثر أهمية وهو شبكة يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنها تتكون من حوالي 100 سفينة تتولى نقل نفط تنتجه الشركة الروسية العملاقة «روسنفت» والتي يرأسها أيغور سيتشين أحد أقرب مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين.
هذه الشبكة التي تسمى أحيانًا «أسطول روسنفت الخفي» يديرها ثلاثة أذريون يعملون بشكل وثيق مع الشركة النفطية، وفقًا لشخص له صلة بالتحقيق الذي تجريه الوزارة. وأكد مسؤولون بوزارة الخزانة والبيت الأبيض طلبوا عدم ذكر أسمائهم؛ لكي يتحدثوا عن مسائل حساسة أن فريقا مشتركا من المحققين يتحرى عن الشبكة ويدرس العقوبات الممكنة.
شركة روسنفت لاعب كبير. وزعم أحد المحققين أنها مسؤولة عن حوالي 40% من صادرات روسيا النفطية وأن الشبكة الخفية تنقل حوالي نصفها. لكنّ المسؤولين نفوا اتخاذ إجراء بدون موافقة البيت الأبيض.
هذه العمليات التجارية الخفية وصفت بواسطة صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير نشرته في شهر فبراير تحت عنوان «حلقة تجارة النفط السرية التي تمول حرب روسيا». وزعم التقرير أن التنفيذيين الأذريين عملوا في السابق مع شركة اسمها «كورال انيرجي».
وأصدرت الشركة بيانًا بعد نشر تقرير وول ستريت جورنال ذكرت فيه أنها أغلقت مكتبها في موسكو ولم تعد لها صلة بموظفيها المقيمين في موسكو بعد غزو روسيا الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022. بل حتى قبل إعلان الولايات المتحدة عن السقوفات السعرية على نفط روسيا في ديسمبر 2022 توقفت الشركة «تمامًا عن التجارة في النفط الروسي وأنهت كل عقوداتها مع جهات امدادها الروسية»، حسب البيان.
وقادت بريطانيا حملتها الخاصة بها للحد من مبيعات النفط الروسية. ففي أوائل الشهر الماضي أعلنت أنها ستفرض عقوبات على ثلاث ناقلات نفط خام وناقلة واحدة لمنتجات النفط. وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك: «بوتين يجب أن يخسر. والحد من قدرته على تمويل صراع طويل الأمد أمر بالغ الأهمية تمامًا».
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لا يزال مترددًا في الضغط على سوق النفط التي يضيق فيها الفارق بين العرض والطلب إلا أن إدارة بايدن اتخذت خطوات متشددة أخرى لدعم أوكرانيا بداية بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 61 بليون دولار كسبها بايدن في أبريل بعد شهور من تلكؤ النواب الجمهوريين بالكونجرس في إجازتها.
كما فرضت الإدارة الأمريكية أيضًا عقوبات مصرفية جديدة في الشهر الماضي منعت بموجبها أي بنوك عالمية تمول المجهود الحربي لروسيا من التعامل مع البنوك الأمريكية. كذلك فرضت قيود تصدير جديدة للحد من المشتريات الروسية لأية تقنية أمريكية.
ويدرك مسؤولو البيت الأبيض أن صادرات النفط الروسية التي يبلغ إجماليها 8 ملايين برميل في اليوم حاسمة في أهميتها لتمويل آلة حرب الكرملين. لكن يخشى هؤلاء المسؤولون من أن أي اضطراب حاد في الإمدادات قد يرفع الأسعار مع هشاشة التوازن الحالي في سوق النفط العالمية حيث يساوي العرض تقريبا الإمداداتِ التي تبلغ حوالي 100 مليون برميل في اليوم. كما يخشون أيضا من أن بوتين الذي يعلم إلى أي حد يمكن أن يضر التضخم بحملة إعادة انتخاب بايدن قد يوقف الإمدادات عن قصد.
بعض أسئلة السياسة الخارجية ليست لها أجوبة سهلة والمقايضة بين عقوبات الطاقة والتضخم المحتمل مثال رئيسي لذلك. ستكون النتيجة الأفضل ضخ أوبك المزيد من الإمدادات حتى لا تُحدث العقوباتُ الجديدة ضد أسطول روسيا الخفي اضطرابا في سوق النفط.
بايدن محاصر بين مساعدة أوكرانيا ومساعدة نفسه. وهذا ليس خيارًا سهلًا. بل حتى الأوكرانيين قد يوافقون على أن هذه اللحظة، مع ترقّب ترامب العودة إلى سدَّة الحكم، ليست ملائمة لبايدن؛ كي يفعل أي شيء يخاطر بإعادة إشعال التضخم.