عن حرية الرأي في العصر الرقمي
الثلاثاء / 2 / محرم / 1446 هـ - 22:18 - الثلاثاء 9 يوليو 2024 22:18
يتبنى البعض في العالم العربي، وفي الكثير من بقاع العالم، أطروحة مفادها أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في كسر القيود التي كانت مفروضة في الكثير من الدول على «حرية الرأي».. لكنّ هذا الرأي رغم أنه يبدو للوهلة الأولى يحمل بعض الوجاهة إلا أنه بكثير من التدقيق يتضح أنه يستند، في عمومه، على لبس واضح في فهم معنى الحرية ومعرفة حدودها؛ ولذلك تختل النتيجة التي يقود لها بشكل واضح.
لا يمكن اليوم ونحن نقترب من منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أن نختلف حول حق الإنسان في التعبير عن رأيه، فهو حق إنساني قبل أن يكون حقا سياسيا على الدولة أن تكفله وترعاه وتُسيّج به مجتمعاتها. فحرية الرأي والتفكير شرط أساسي من شروط التقدم البشري والنهضة التكنولوجية التي تعيشها البشرية، يقول جون ستيوارت ميل في كتابه «عن الحرية» إن حرية التعبير هي «شرط ضروري للتقدم الفكري» فهي تشجع على الحوار المفتوح والنقد البناء وتبادل الأفكار وفتح آفاق جديدة قد لا تكون ظاهرة في بيئة يسودها الحصار الفكري.
لكنّ دلالة مصطلح «الحرية» الذي شغل البشرية وشغل مفكريها وفلاسفتها وأدباءها على مرِّ التاريخ ليست هي الدلالة التي يمارسها «البعض» على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام؛ فحرية التعبير لم تكن في يوم من الأيام تعني الإساءة وانتهاك الحياة الخاصة والتشهير أو التضليل أو حتى سلب حق الآخرين في طرح وجهات نظرهم أو أفكارهم التي قد لا تتوافق بالضرورة مع الجميع.. أو حتى التنمر على بعض الأطروحات الفكرية.
لا يمكن أن تكون الحرية حرية إذا كانت تسيء إلى الآخرين، ولا يمكن أن تكون حرية التعبير كذلك إذا لم تستطع أن تحترم كرامة الناس وتحفظ حقوقهم، فلا يقوم حق على أنقاض حق آخر.
كان اللبس في فهم حقيقة الحرية وحدودها موجودا من قبل ولكنه أصبح أكثر وضوحا وأكثر تعقيدا في العصر الرقمي الذي نعيشه. ولا بدّ من التأكيد أن تشكل دلالة مصطلح «الحرية» يختلف من مجتمع إلى آخر ومن حاضنة ثقافية وأيديولوجية إلى أخرى.. فما يمكن أن يكون حرية في مجتمع لا يمكن أن يكون كذلك في مجتمع آخر، وهذا طبيعي ومفهوم.
تشير بعض الدراسات المنشورة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة تعتبر نفسها الرائدة في الديمقراطية والحرية في العالم إلى أن 41% من الأمريكيين البالغين تعرضوا إلى نوع من أنواع الإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام.. وهذه الإحصائية خطيرة جدا وتبرز حجم المشكلة الحاصلة حتى في الدول التي تبلور لديها فهم واضح لحرية التعبير عن الرأي ولا يعانون في المجمل من تضييقه.
على أن الأمر أخذ بعدا آخر أكثر خطورة وهو تحول وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتبرها البعض مساحة ذهبية للحرية إلى أداة لقمع الحرية نفسها، ناهيك عن أنها مساحة تكثر فيها الإساءة للأفراد والجماعات ونشر بعض خطابات الكراهية والاستقطاب. لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة الصوت الواحد وقولبة الناس على رأي واحد، بل إنها جعلت الكثيرين يعيشون فيما يمكن تسميته بـ «غرف الصدى» التي لا يسمع فيها إلا صوت واحد وآلاف الأصوات الأخرى التي هي صدى ذلك الصوت.
ووسط هذا المشهد انزوت الكثير من الأصوات الأخرى التي كان يمكن أن تثري المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي إما طلبا للسلامة من سيل الإساءات والتسفيه أو بعدا عن الدخول في حوارات سطحية وعقيمة. ورغم أن هذا الأمر يحتاج إلى نقاش أوسع إلا أنه يكشف كيف تحولت مساحة الحرية في وسائل التواصل الاجتماعي إلى مساحة لوأدها وتكريس رأي واحد ليس هو الحقيقة بالضرورة.
إن حرية الرأي والتعبير ليست ترفا بل هي حق أصيل للجميع لكن على الأفراد أن يفرقوا بينها وبين الإساءة حتى لا يقعوا في المحظور، والمحظور هنا إنساني قبل أن يكون سياسيا أو قانونيا، فليس للإنسان الذي يطالب بحرية الرأي والتعبير أن يستخدم ذلك الحق في انتهاك حق إنساني آخر.
وفي هذا السياق من المهم الحديث عن أهمية وجود ميثاق أخلاقي ينظم الكتابة والتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي ويتضمن أهم المبادئ المعروفة التي تعتمدها وسائل الإعلام التقليدية وفي مقدمتها المصداقية واحترام الكرامة الإنسانية وتجنب اللغة المهينة وتشجيع النقاش القائم على تعدد الأصوات وليس على صوت واحد.
لا يمكن فصل حرية الرأي عن المسؤولية، ولا بديل عن الموازنة بين حرية التعبير والاحترام المتبادل في العصر الرقمي وهذا كله يحتاج إلى معايير ومواثيق.. ولكن قبل ذلك يحتاج إلى تربية حقيقية على المفهوم الحقيقي لمعنى الحرية التي نريدها.
لا يمكن اليوم ونحن نقترب من منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أن نختلف حول حق الإنسان في التعبير عن رأيه، فهو حق إنساني قبل أن يكون حقا سياسيا على الدولة أن تكفله وترعاه وتُسيّج به مجتمعاتها. فحرية الرأي والتفكير شرط أساسي من شروط التقدم البشري والنهضة التكنولوجية التي تعيشها البشرية، يقول جون ستيوارت ميل في كتابه «عن الحرية» إن حرية التعبير هي «شرط ضروري للتقدم الفكري» فهي تشجع على الحوار المفتوح والنقد البناء وتبادل الأفكار وفتح آفاق جديدة قد لا تكون ظاهرة في بيئة يسودها الحصار الفكري.
لكنّ دلالة مصطلح «الحرية» الذي شغل البشرية وشغل مفكريها وفلاسفتها وأدباءها على مرِّ التاريخ ليست هي الدلالة التي يمارسها «البعض» على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام؛ فحرية التعبير لم تكن في يوم من الأيام تعني الإساءة وانتهاك الحياة الخاصة والتشهير أو التضليل أو حتى سلب حق الآخرين في طرح وجهات نظرهم أو أفكارهم التي قد لا تتوافق بالضرورة مع الجميع.. أو حتى التنمر على بعض الأطروحات الفكرية.
لا يمكن أن تكون الحرية حرية إذا كانت تسيء إلى الآخرين، ولا يمكن أن تكون حرية التعبير كذلك إذا لم تستطع أن تحترم كرامة الناس وتحفظ حقوقهم، فلا يقوم حق على أنقاض حق آخر.
كان اللبس في فهم حقيقة الحرية وحدودها موجودا من قبل ولكنه أصبح أكثر وضوحا وأكثر تعقيدا في العصر الرقمي الذي نعيشه. ولا بدّ من التأكيد أن تشكل دلالة مصطلح «الحرية» يختلف من مجتمع إلى آخر ومن حاضنة ثقافية وأيديولوجية إلى أخرى.. فما يمكن أن يكون حرية في مجتمع لا يمكن أن يكون كذلك في مجتمع آخر، وهذا طبيعي ومفهوم.
تشير بعض الدراسات المنشورة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة تعتبر نفسها الرائدة في الديمقراطية والحرية في العالم إلى أن 41% من الأمريكيين البالغين تعرضوا إلى نوع من أنواع الإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام.. وهذه الإحصائية خطيرة جدا وتبرز حجم المشكلة الحاصلة حتى في الدول التي تبلور لديها فهم واضح لحرية التعبير عن الرأي ولا يعانون في المجمل من تضييقه.
على أن الأمر أخذ بعدا آخر أكثر خطورة وهو تحول وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتبرها البعض مساحة ذهبية للحرية إلى أداة لقمع الحرية نفسها، ناهيك عن أنها مساحة تكثر فيها الإساءة للأفراد والجماعات ونشر بعض خطابات الكراهية والاستقطاب. لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة الصوت الواحد وقولبة الناس على رأي واحد، بل إنها جعلت الكثيرين يعيشون فيما يمكن تسميته بـ «غرف الصدى» التي لا يسمع فيها إلا صوت واحد وآلاف الأصوات الأخرى التي هي صدى ذلك الصوت.
ووسط هذا المشهد انزوت الكثير من الأصوات الأخرى التي كان يمكن أن تثري المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي إما طلبا للسلامة من سيل الإساءات والتسفيه أو بعدا عن الدخول في حوارات سطحية وعقيمة. ورغم أن هذا الأمر يحتاج إلى نقاش أوسع إلا أنه يكشف كيف تحولت مساحة الحرية في وسائل التواصل الاجتماعي إلى مساحة لوأدها وتكريس رأي واحد ليس هو الحقيقة بالضرورة.
إن حرية الرأي والتعبير ليست ترفا بل هي حق أصيل للجميع لكن على الأفراد أن يفرقوا بينها وبين الإساءة حتى لا يقعوا في المحظور، والمحظور هنا إنساني قبل أن يكون سياسيا أو قانونيا، فليس للإنسان الذي يطالب بحرية الرأي والتعبير أن يستخدم ذلك الحق في انتهاك حق إنساني آخر.
وفي هذا السياق من المهم الحديث عن أهمية وجود ميثاق أخلاقي ينظم الكتابة والتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي ويتضمن أهم المبادئ المعروفة التي تعتمدها وسائل الإعلام التقليدية وفي مقدمتها المصداقية واحترام الكرامة الإنسانية وتجنب اللغة المهينة وتشجيع النقاش القائم على تعدد الأصوات وليس على صوت واحد.
لا يمكن فصل حرية الرأي عن المسؤولية، ولا بديل عن الموازنة بين حرية التعبير والاحترام المتبادل في العصر الرقمي وهذا كله يحتاج إلى معايير ومواثيق.. ولكن قبل ذلك يحتاج إلى تربية حقيقية على المفهوم الحقيقي لمعنى الحرية التي نريدها.