أعمدة

«عندما لا توثق الزوجة حقها»

في الغالب لا تحظى رغبة المرأة بتوثيق حقها في المشروعات الزوجية المشتركة عبر الجهات الرسمية بأدنى حد من القَبول طمعا في استحواذ الزوج عليها أو اعتقادًا منه أنها تمثل تهديدًا لهيبته، وانتقاصًا من قدرِه وتشويهًا لصورة الرجل الذهنية التقليدية.

يزبد الرجل ويرعد ويرتفع سُكره وضغطُه إذا ما تجرأت زوجته ففتحت معه باب النقاش حول موضوع توثيق الشراكة الذي يعده «خطًا أحمر» رغم عدم قبوله الحال نفسه لأخته أو ابنته.. وليمنع ذلك يتفنن في أساليب التنكيل بها فيُسمم حياتها ويهددها بالطلاق ويساوم على رعاية الأطفال.

صورة مشوهة لعلاقة سامية يُفترض أن تكون سوية مبنية على الثقة بين الطرفين وقبل ذلك مراعاة شرع الله سبحانه الذي يأمر بالتعامل الودود والرحمة والسعي لتوفير أجواء من الطمأنينة على النفس والمال والممتلكات.

لا تعبأ كثير من النساء في بداية حياتهن الزوجية بوضع الأُطر والمحدِدات الواضحة والمُتفق عليها لمسار هذه الحياة مع الشريك لأسباب من بينها قلة الوعي والخبرة وكذلك الثقة المُفرطة والانشغال بتربية الأطفال.. لا يأخذن في الاعتبار نوازل الأيام وما قد يطرأ على أحوال الزوج من تحولات نفسية أو مادية أو نزغات عاطفية.. يستبعدن الطلاق أو الزواج بأخرى أو الاستغلال.

فإن عدم وضع النقاط على الحروف منذ الأيام الأولى يجعل الحديث عن توثيق الحقوق غاية في الصعوبة والتقبل خاصة إذا لم تأتِ المبادرة من طرف الزوج سواء أكان غير قاصد ذلك أم متعمِدًا بل ستكون أقل محاولة للقيام بها بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع حرب طويلة قد تأتي على استقرار الحياة الزوجية.

لن أستغرب أن يعارض زوج مطالبة زوجته له بضم اسمها إلى سند ملكية المنزل أو الأرض المشتركة أو إرجاع المبلغ الذي اقترضه منها؛ لأن مثل هذه الحالات أصبحت مألوفة في زمن مادي لا يعترف بسوى المال إنما أعجب أن يطلب منها تحويل سند ملكية منزل تدفع له قسطا شهريا ليكون باسمه أو أن تقوم بتمليكه ميراثها من والديها بحجة إدارته أو تنميته أو بيعه لإقامة مشروع ما.

هذه التصرفات التي تفتقر إلى مخافة الله سبحانه وتعالى والمروءة ستؤدي لا محالة إلى نتائج كارثية أهمها أنَّ الرجل إذا ما توفاه الله ستحصل زوجته الأرملة التي سقط حقها الأصيل بسبب عدم التوثيق على النزر القليل وهو «الثُمن» هذا إذا كان لديها منه أبناء وكان يفترض أن تحصل على النصف كاملًا أولًا ثم الثمن من النصف الآخر.. وهي كارثية أيضًا لأنه «لا ضمان» لبر الأبناء الذين تحصلوا على نصيب والدتهم غير الموثق ظلمًا فقد يخذلونها بجحودهم وتعيش بعيدًا عنهم معيشة ذُلٍ وفقرٍ وحاجةٍ لاحتمال عدم تقبل زوجته لوجودها في بيت ابنها.

أما في حال عدم إنجابهما لأطفال فلا تحصل الزوجة سوى على «الربع» من ميراثه فيما يُقّسم الباقي على أهله وكأن جهد عمرها ذهب سدى، زد على ذلك حرمان أهل الزوجة من ميراث ابنتهم إذا ما تُوفيت متقدمة على زوجها وأبنائها.

حالات كهذه تعيش بيننا في المجتمع وكان المخرج الأخير لكثير منها ردهات المحاكم تبِع ذلك تقطيع في الأواصر، وتشتيت للأسر، وتأزيم للعلاقات بين الأرحام والأنساب.

النقطة الأخيرة..

الحقيقة التي لا تقبل الشك أن الإنسان لا يرثُ المال، بل المال هو الذي يرث الإنسان، مات الخلق وذهبوا إلى بارئهم، أما أموالهم فتتداولها أيادي الأحياء.

عُمر العبري كاتب عماني