ثقافة

فيلم تحذير الزناد: رحلة مليئة بالعنف والصراعات ما بين صحراء الشام وأمريكا

 
صورة المرأة على الشاشة وخاصة في أفلام الحركة والعنف شكّلت ظاهرة في حد ذاتها، فبموازاة الهيمنة الذكورية على هذا النوع الفيلمي وجدنا أن تقديم المرأة (السوبر) القادرة على قهر الرجال، والتي تحاول الظهور في مظهر مفتولة العضلات والقادرة على القتال الفردي والركل والضرب واستخدام السلاح بمهارة، وهو نمط من أفلام الحركة اجتذب جمهورا واسعا، وقدّم العديد من المُمثلات في مثل هذه الأدوار.

على أن الخروج عن الأدوار المعتادة والتقليدية والصورة النمطية للمرأة ظلت حاضرة في الأذهان وصولا إلى ذلك النوع من الأفلام الرومانسية والواقعية في مواجهة الخشونة الأنثوية التي صرنا نشاهدها في أفلام الحركة والعنف، وسبق أن شاهدنا مثل هذه الأدوار في أفلام مثل قوة الرعد 2021، وفيلم المرأة الخارقة 1984، وفيلم اليكيترا 2005، وفيلم اكس مين 2006، وفيلم الخالدون 2021، وفيلم فرقة القتل 2022، وفيلم الرجل النملة واليعسوب 2018، وفيلم الدكتور سترينج 2022، وفيلم الأرملة السوداء 2021، وفيلم كابتن مارفيل 2019، وفيلم امرأة مميزة 2017، وفيلم لعبة الجوع 2012، وفيلم حافة الغد 2014، وفيلم الحارسة القديمة 2020، وغيرها.

وفي هذا الفيلم للمخرج مولي سوريا الذي شارك في كتابة السيناريو له فريق من ثلاثة كتاب، سوف نعود إلى شخصية تلك المرأة الاستثنائية من خلال الجندية الشرسة باركر - الممثلة جيسيكا البا، رغم أنها لا تنتمي إلى فصيلة الشخصيات الخارقة المسلحة بأسلحة الفضاء، بل إلى تلك المرأة التي استفادت من تطور قدراتها القتالية إبان خدمتها في الجيش.

ها نحن معها في أولى معاركها وفي صحراء الشام بسوريا في مشاهد مطاردة لها إلى جانب مجموعة من الجنود الأمريكان الذين يلاحقهم مسلحون ملثمون لا نعلم عنهم شيئا، من يكونون وفي أي زمن ولماذا يطاردون الأمريكان في تلك الأرض المقفرة المترامية.

من هنا سوف ينطلق المخرج ومعه فريق كتاب السيناريو في رسم وترشيح شخصية باركر، إذ سرعان ما ستعود إلى أمريكا بعد وصول استدعاء لها بسبب موت والدها منتحرا وهو تحول درامي في البناء الفيلمي وفي رسم الخطوط السردية.

وها هي باركر تعود إلى صديقها جيسي - الممثل مارك ويبر الذي صار هو عمدة تلك المدينة الصغيرة المنسيّة، والتي تحتوي على مكانين اثنين يعيدان لباركر ذكرياتها، وهما المنجم الذي تهدّم جزء منه على والدها بعد إقدامه على الانتحار، والمقهى الذي تركه لها.

لكن تحولا دراماتيكيا آخر ما يلبث أن يقودنا إلى منطقة أخرى في البناء الفيلمي وتحديدا إلى التحري والمطاردات والأجواء البوليسية التي يختلط فيها العنف بالفساد، وذلك من منطلق الشكوك التي تساور باركر بأن والدها قد تم اغتياله، وهكذا يتكشف مجتمع آخر مخفي، وهو مجتمع الجريمة القائم على تهريب السلاح من ثكنات الجيش الأمريكي يتولاه شقيق صديقها ويرعاه سيناتور حالي ومرشح للانتخابات المقبلة.

هذه الصورة القاتمة لواقع مضطرب ومشوش سوف تغير حياة باركر كليا، فلم تعد سوى امرأة انتقامية تسعى للانتقام ممن قتلوا والدها واستخدموا المنجم الذي يمتلكه مكانا لتهريب السلاح، لكن ما هو أكثر عمقا في هذه الدراما الفيلمية وما عزز الحبكات الثانوية المبثوثة خلال السرد الفيلمي هو انكشاف الصديق المقرّب جيسي، وهو العمدة ورجل القانون، وإذا به ليس إلا امتداد لجرائم شقيقه في تهريب السلاح، وتحت رعاية والدهم السيناتور.

وبصدد أحداث هذا الفيلم يتحدث الناقد السينمائي في موقع سينما اكسبريس قائلا: ربما تكون المشكلة الأكبر هي الصورة التي قدمت بها شخصية باركر على أنها تلك الشخصية التي لا تقهر إلي درجة أنها حتى لو كانت غير مسلحة ومقيدة بالأصفاد فلا يمكن لأي عدو أن يهيمن عليها أو يقهرها. وهذا يعني أنه عندما تنزلق من المواقف الصعبة، فلابد أن تنجو وتنتصر. وذلك ما كنا قد اشرنا إليه بصدد شخصية المرأة ذات القدرات الاستثنائية وقاهرة الرجال.

أما الناقد روبرت دانييلز في موقع روجر ايبرت الشهير، فيقول: إن هذا الفيلم جاد ومثير للاهتمام، ولكنه في ذات الوقت لا يمتلك كثيرا من عناصر القوة والتشويق وما يستلزم من خبرة للوصول إلى مستوى فيلم متميز وناجح، فمثلا ألبا ليست نجمة أكشن بالأساس، بل إنها تتقمص دورا مختلفا أجده في بعض الأحيان مخيبا للآمال؛ لأنه لا يتمتع بالدقة في بناء شخصية ليست متكررة ولا تُنسى.

في موازاة ذلك هنالك إشكالية أخرى تتعلق بنوع الأسئلة والرسائل التي يحملها هذا الفيلم، فها نحن إزاء جندية قادمة من مهام أمريكا العابرة للحدود وقادمة من الأماكن الأكثر سخونة وخطورة، وإذا بها في وسط بيئة اجتماعية خطيرة قائمة على الابتزاز والنهب والتعدي على القانون واستخدامه غطاءا للإيذاء، وبهذا تصبح الفتاة باركر وسط مربع قوامه أمريكا وحروبها والمجتمع المحلي وكوارثه.

واقعيا نحن أمام شخصية يتضح أنها لا تستطيع أن تعيش وسط غابة من المنتقمين الذين يمارسون أعمالهم في سلك الشرطة والسياسة والتجارة، وكله شرعي في الظاهر بينما الواقع يقول خلاف ذلك، ولهذا كانت البؤرة الواقعية المكانية السائدة في الفيلم كركن أساس في بنائه الحسي والجمالي، هي تلك المدينة المقفرة المهجورة التي يريد السيناتور وأولاده وضع اليد عليها أو سرقتها بالقوة.

هذا الخراب القِيمي يقدّم شخصية المرأة الشجاعة، ولكن المعرضة للخديعة وهو ركن أخر من أركان بناء الشخصية الدرامية في هذا الفيلم، لكن كل ما أوردناه لم يكن كافيا لانتشال الفيلم من الوقوع في نوع من النمطية والتكرار أو لنقل أنه ليس مختلفا كثيرا عن أفلام أخرى من هذا النوع، لكن ميزته أنه يقدم صورة المرأة المستلبة الوفية لمهام وطنها بينما يكون ظهرها مكشوفا وهي تؤدي مهماتها القتالية في الخارج بقتل والدها ومحاولة السطو على ممتلكاته.

وأكبت أحداث الفيلم استخدامات مقنعة ومميزة لعناصر الصورة سواء التصوير أو الحركة أو إخراج العديد من المشاهد القتالية فضلا عن المونتاج والمؤثرات بينما ظلت الموسيقى تسير على نمطية تصاعدية تعالت في بعض الأحيان بشكل مبالغ فيه، واقتربت من الضجيج والتصعيد الذي لا مبرر دراميا له.

............

إخراج: مولي سوريا

سيناريو: جون رانكاتو، جوش اولسن، هالي كروس

مدير التصوير: زوي وايت

موسيقى م اينس روثوف

تمثيل: جيسيكا البا – باركر، مارك ويبر – جيسي، انطوني هال – السيناتور ايزكيل، جاك ويري – الفيس