العاطفة ليست نقيصة، والعقل ليس كافيا
الأربعاء / 19 / ذو الحجة / 1445 هـ - 23:05 - الأربعاء 26 يونيو 2024 23:05
لأنه يجد أن المقاربات التي تُعلي شأن العقلانية غير كافية للتعاطي مع صراعات واضطرابات العالم، يسعى أويكان أديولو أولواسيي Oyekan Adeolu Oluwaseyi في ورقته «عندما لا يكفي العقل للتماسك الاجتماعي: إعادة التفكير في مكانة العاطفة والفنّ في السياسة» إلى التأسيس لمقاربة إبداعية تجمع المنطق مع العاطفة، لتعزيز التعاطف والتماسك الاجتماعي، الذي يرى أنه العلاج الأنجع في مواجهة السياسات «غير الفعَّالة والعدائيَّة».
سأبدأ من نقطة هامشية. لـ «التماسك الاجتماعي» -علي الاعتراف- وقع سلبي في نفسي، وأشك في أنني وحدي في هذا. فلطالما استُخدم هذا التعبير -في منطقتنا- لإنكار حقوق الفئات المهمشة. ويُجادل ليل نهار أن الأفكار الجديدة تُهدد «لُحمة» المجتمع، وأن الحرب ضد ما يُرى ويُقرر أنه السلوك النموذجي، يكاد يرقى ليكون واجبا أخلاقيا، ووطنيا. غالبا ما تُستخدم فكرة التماسك الاجتماعي كحجة للإقصاء، لا للتسامح والقبول كما يجدر بها أن تكون. ومن هنا يأتي واجب استعادة القيم (كما يُستعاد التاريخ عبر تقديم قراءات بديلة عن تلك الرسمية)، عبر فتح معانٍ جديدة لمصطلح شُوّه واستُغل.
شُغل الفلاسفة طويلا بمحاولة ابتكار نظام يُدير المصالح المتباينة، والقيم المتنوعة، لأفراد المجتمع. ثمة عقد اجتماعي بين الأفراد يحتوي التزامات أخلاقية وسياسية، يُتوقع من الجميع الامتثال لها. من شأن هذا العقد أن يُوفِق بين المصالح المتضاربة لأطرافه -الأطراف المتباينة ثقافيا واجتماعيا ودينيا، والتي لكل منها فكرته عما هو صائب وخيّر. وفيما يبدو أن مواءمة الاختلافات مشكلة غير قابلة للتسوية، تبزغ العقلانية كأداة تحمل إمكانية معالجة الصراعات. لكن تزايد الصراعات حول العالم، يُخبرنا عن فشل العقلانية البشرية وحدها في أن تضمن للمجتمع تناغمه. من هنا يأتي البحث عن أدوات أخرى تُتمم دور المنطق في تنظيم المجتمع وسياسته.
يقترح أويكان أديولو أولواسيي أن «اهتماماتنا وﻣﻌﺗﻘداﺗﻧﺎ وقيمنا ﻻ ﺗﺗﺷﻛّل ﻓﻘط ﻣن ﺧﻼل الطريقة العقلانية اﻟﺗﻲ نفهم بها ﺗﺟﺎرﺑﻧﺎ، وﻟﻛن أيضًا ﻣن ﺧﻼل ميلنا اﻟﻌﺎطﻔﻲ». من هنا فوضع العقل في مواجهة العاطفة (وكنقيض لها) لا يُفيدنا في إدارة التعقيدات الاجتماعية.
التفكير الشائع عن العاطفة هو كونها باطنية، ذاتية، غير واضحة، ولا يُمكن معايرتها. ما يجعلها -على عكس العقل- غير قادرة على النجاح في خلق التسويات. وحتى لو تم تقديم «التعاطف» باعتباره قادرا على فهم الأطراف الأخرى وتفهمها، إلا أنها كأداة -هكذا يذهب الجدال- منحازة لمن هم أشبه بنا، ما يُقوض مبادئ المساواة والعدالة الأساسية والضرورية. تأطير التعاطف على هذا النحو، يقف -وقد وقف طويلا- عقبة أمام استثمار إمكانياته الهائلة. وهو يُكرس -عن قصد أو غير قصد- تقديمه كشيء إن لم يكن أنانيا فهو هوائي ومتهور على أقل تقدير.
ما يُدافع أويكان أديولو أولواسيي عنه، هو إعادة تقديم العواطف على نحو إيجابي؛ باعتبارها حاضنة لمعارف معقدة، ووسيلة للتبصر والفهم الأخلاقي، ومُكملة لعملية التفكير. وينقد المنظور الذي يعتبر العاطفة نقيصة، والمغالطة الشائعة عن كون العواطف نقيض العقل، وكونها عائقا في اتخاذ القرارات السليمة وحل المشكلات.
لنتأمل أنفسنا عندما توضع قضية ما أمامنا. إننا نميل إلى محاولة تفهم الطرف الآخر عبر وضعنا أنفسنا في مكانه. من مكانه نُدرك أن مصالحه هي أيضا تستحق الدعم ما أمكن، وهذه المكنة تجعلنا منصفين أكثر، واعين بسياقية الأمور، تقدير الاختلافات، متحمّلين للمسؤولية الاجتماعية ولدورنا في المجتمع ومُدافعين أشرس عن حقوق الغير حتى ولو لم يأت علينا ذلك بمنفعة مباشرة، وذلك من خلال التماهي، الحساسية للاضطهاد وعدم المساواة. وبهذا تكون العواطف أداة تنظيم فاعلة بل وعادلة.
سأبدأ من نقطة هامشية. لـ «التماسك الاجتماعي» -علي الاعتراف- وقع سلبي في نفسي، وأشك في أنني وحدي في هذا. فلطالما استُخدم هذا التعبير -في منطقتنا- لإنكار حقوق الفئات المهمشة. ويُجادل ليل نهار أن الأفكار الجديدة تُهدد «لُحمة» المجتمع، وأن الحرب ضد ما يُرى ويُقرر أنه السلوك النموذجي، يكاد يرقى ليكون واجبا أخلاقيا، ووطنيا. غالبا ما تُستخدم فكرة التماسك الاجتماعي كحجة للإقصاء، لا للتسامح والقبول كما يجدر بها أن تكون. ومن هنا يأتي واجب استعادة القيم (كما يُستعاد التاريخ عبر تقديم قراءات بديلة عن تلك الرسمية)، عبر فتح معانٍ جديدة لمصطلح شُوّه واستُغل.
شُغل الفلاسفة طويلا بمحاولة ابتكار نظام يُدير المصالح المتباينة، والقيم المتنوعة، لأفراد المجتمع. ثمة عقد اجتماعي بين الأفراد يحتوي التزامات أخلاقية وسياسية، يُتوقع من الجميع الامتثال لها. من شأن هذا العقد أن يُوفِق بين المصالح المتضاربة لأطرافه -الأطراف المتباينة ثقافيا واجتماعيا ودينيا، والتي لكل منها فكرته عما هو صائب وخيّر. وفيما يبدو أن مواءمة الاختلافات مشكلة غير قابلة للتسوية، تبزغ العقلانية كأداة تحمل إمكانية معالجة الصراعات. لكن تزايد الصراعات حول العالم، يُخبرنا عن فشل العقلانية البشرية وحدها في أن تضمن للمجتمع تناغمه. من هنا يأتي البحث عن أدوات أخرى تُتمم دور المنطق في تنظيم المجتمع وسياسته.
يقترح أويكان أديولو أولواسيي أن «اهتماماتنا وﻣﻌﺗﻘداﺗﻧﺎ وقيمنا ﻻ ﺗﺗﺷﻛّل ﻓﻘط ﻣن ﺧﻼل الطريقة العقلانية اﻟﺗﻲ نفهم بها ﺗﺟﺎرﺑﻧﺎ، وﻟﻛن أيضًا ﻣن ﺧﻼل ميلنا اﻟﻌﺎطﻔﻲ». من هنا فوضع العقل في مواجهة العاطفة (وكنقيض لها) لا يُفيدنا في إدارة التعقيدات الاجتماعية.
التفكير الشائع عن العاطفة هو كونها باطنية، ذاتية، غير واضحة، ولا يُمكن معايرتها. ما يجعلها -على عكس العقل- غير قادرة على النجاح في خلق التسويات. وحتى لو تم تقديم «التعاطف» باعتباره قادرا على فهم الأطراف الأخرى وتفهمها، إلا أنها كأداة -هكذا يذهب الجدال- منحازة لمن هم أشبه بنا، ما يُقوض مبادئ المساواة والعدالة الأساسية والضرورية. تأطير التعاطف على هذا النحو، يقف -وقد وقف طويلا- عقبة أمام استثمار إمكانياته الهائلة. وهو يُكرس -عن قصد أو غير قصد- تقديمه كشيء إن لم يكن أنانيا فهو هوائي ومتهور على أقل تقدير.
ما يُدافع أويكان أديولو أولواسيي عنه، هو إعادة تقديم العواطف على نحو إيجابي؛ باعتبارها حاضنة لمعارف معقدة، ووسيلة للتبصر والفهم الأخلاقي، ومُكملة لعملية التفكير. وينقد المنظور الذي يعتبر العاطفة نقيصة، والمغالطة الشائعة عن كون العواطف نقيض العقل، وكونها عائقا في اتخاذ القرارات السليمة وحل المشكلات.
لنتأمل أنفسنا عندما توضع قضية ما أمامنا. إننا نميل إلى محاولة تفهم الطرف الآخر عبر وضعنا أنفسنا في مكانه. من مكانه نُدرك أن مصالحه هي أيضا تستحق الدعم ما أمكن، وهذه المكنة تجعلنا منصفين أكثر، واعين بسياقية الأمور، تقدير الاختلافات، متحمّلين للمسؤولية الاجتماعية ولدورنا في المجتمع ومُدافعين أشرس عن حقوق الغير حتى ولو لم يأت علينا ذلك بمنفعة مباشرة، وذلك من خلال التماهي، الحساسية للاضطهاد وعدم المساواة. وبهذا تكون العواطف أداة تنظيم فاعلة بل وعادلة.