لهذه الأسباب نحب تشومسكي
السبت / 15 / ذو الحجة / 1445 هـ - 21:49 - السبت 22 يونيو 2024 21:49
يمكن القول إن نوام تشومسكي، المفكر وعالم اللسانيات الأمريكي الشهير، كان نجم وسائل التواصل الاجتماعي في العالم خلال الأسبوع المنصرم، بعد شائعة وفاته التي سرت كالنار في الهشيم، وتلقفتها حتى بعض الصحف والمجلات العالمية الموثوق في صدقها، إلى أن نفت زوجته فاليريا الخبر مُطَمْئنةً محبيه أنه بخير، ومؤكدة أن تشومسكي البالغ من العمر 95 عاما، كان قد نقل إلى مستشفى في البرازيل أثناء تعافيه من جلطة دماغية تعرض لها قبل عام. صحيح أنها صرحت أيضا أنه فقد القدرة على الكلام، وهو خبر محزنُ بالتأكيد، ولكن يكفي أنه ما زال على قيد الحياة، وبعض الشر أهون من بعض.
ليس صعبًا استنتاج لماذا يحب العرب تشومسكي ولماذا تطغى شعبيته حتى على أكثر مثقفي الوطن العربي شعبية، فالرجل كرّس حياته لنصرة القضايا العادلة، وللنقد العنيف للسياسة الخارجية الأميركية والهيمنة الغربية وانتهاكات حقوق الإنسان في دول العالم الثالث، كما لم يكفّ يومًا عن انتقاد إسرائيل وجرائمها في حق الشعب الفلسطيني، ودفع ثمنًا باهظًا لذلك، في وقت رأينا فيه كيف أن كبار المثقفين في أوروبا والولايات المتحدة، وعدد غير قليل من المثقفين العرب، يتسابقون لإرضاء إسرائيل، وتتلعثم ألسنتهم ويتلجلجون في القول حين يُطلَب منهم تعليق حول سياساتها العنصرية.
كان المفكر وعالم اللغويات الأمريكي يؤمن، حتى قبل أن يكتب مقاله الشهير عن 'مسؤولية المثقفين' عام 1966، أن 'مسؤولية المثقفين أن يقولوا الحقيقة وأن يفضحوا الأكاذيب'، ذلك أنهم في موقع يتيح لهم كشف الأحداث وخباياها وأسبابها ودوافعها، وفضح ما تدبره الحكومات خلالها، يقول في ذلك المقال: 'في العالم الغربي، على الأقل، لدى المثقفين القوة التي تأتي من الحرية السياسية، ومن حرية التعبير والوصول إلى المعلومات. وتوفّر الديموقراطية الغربية للأقلية ذات الامتياز، الوقت والتسهيلات والتدريب كي تسعى إلى الحقيقة الكامنة تحت قناع من التشويه والتحريف والإيديولوجيا والمصلحة الطبقية، التي من خلالها قُدِّمت أحداث التاريخ الحالي لنا'. وقد يقول قائل: 'ما أسهل أن يتشدق مثقف بمثل هذا الكلام، في حين لا يجرؤ على تطبيقه في أرض الواقع'، والحقيقة أن تشومسكي مثال بارز على موافقة القول العمل. إن مواقفه المعارضة لسياسة حكومته الأمريكية، سواء احتلالها لفيتنام أو العراق، أو جرائمها في أفغانستان، أو حمايتها لإسرائيل وتوفيرها الغطاء السياسي والعسكري لجرائمها، كل هذه المواقف كانت شاهدًة على ذلك. ولم يكن يكتفي بما يشاهده أو يقرأه في وسائل الإعلام، بل يسعى بنفسه إلى الحقيقة مهما بَعُد المكان. يسرد مثلًا للصحفي الأمريكي الراحل أندريه فلتشيك في كتاب 'عن الإرهاب الغربي: من هيروشيما إلى حروب الطيارات المسيّرة' أنه خلال حرب فيتنام، وحين ألقى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون خطابًا عام 1970 ذكر فيه أن دبابات فيتنام الشمالية متجهة إلى مدينة فِنيتيان عاصمة لاوس، طار تشومسكي إلى هذه الدولة المجاورة لفيتنام وقضى فيها أسبوعًا، وهناك زار مخيمات اللاجئين، وكانت وكالة المخابرات الأمريكية قد دفعت بحوالي ثلاثين ألف مواطن من لاوس لمغادرة منطقة سهل الجرار وجمعتهم في معسكرات للاجئين أقيمت حول فِنيتيان. وقد سكن هؤلاء كهوفًا لمدة سنتين. هناك عرف تشومسكي ما لم يكن يظهر في وسائل الإعلام الأمريكية وهو أن الولايات المتحدة كانت تضرب تلك الكهوف بالصواريخ، وتسببت في قتل مئات وأحيانًا آلاف المدنيين الذين يختبئون فيها، وبعض تلك الكهوف صارت مقابر جماعية لضحايا القصف الصاروخي، وهو الأمر الذي ستكرره الولايات المتحدة بعد نحو عقدين من الزمان في ملجأ العامرية بالعراق، موقِعةً أكثر من أربعمائة شهيد، بينهم مئتان وإحدى وستون امرأة، واثنان وخمسون طفلًا، أصغرهم لم يتجاوز عمره سبعة أيام. وفي الكتاب نفسه يسرد تشومسكي لفلتشيك أنه خلال غزو الولايات المتحدة لأفغانستان بُعَيْد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ذهب إلى إسلام أباد؛ عاصمة باكستان التي كانت المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الصحفيون أو المراقبون الاقتراب من ساحات القتال.
أما عن نصرته لفلسطين فحدِّث ولا حرج، وقد سردتُ في مقال سابق في هذه الزاوية كيف أن السلطات الإسرائيلية اعتقلته عدة ساعات عام 2010، وكان عمره حينئذ اثنين وثمانين عامًا، قبل أن تقرر إعادته إلى بلاده الولايات المتحدة دون دخول الأراضي الفلسطينية التي حاول الدخول إليها عن طريق الأردن. وكان قد دُعِي لإلقاء محاضرة في جامعة بيرزيت الفلسطينية فقبِلها، وأعلن في طريقه إليها أنه لن يذهب إلى أي جامعة إسرائيلية خلال تلك الزيارة. وما زال محبّوه من العرب يتداولون اليوم عباراته ومقاطعة البليغة عن القضية الفلسطينية، منها مثلًا قوله متقمصًا شخصية فلسطيني يخاطب المحتلّ الإسرائيلي: 'أنت تسرق مائي، تحرق أشجار الزيتون، تهدم بيتي، تأخذ عملي، تصادر أرضي، تسجن أبي، تقتل أمي، تقصف بلدي، تجوّعنا جميعًا، تهيننا جميعًا لكنني أنا الملام: لقد أطلقت صاروخًا ردًّا على ذلك!'، وعبارتُه الأخرى: 'لم أُسَمِّ النظامَ الاسرائيلي قَط نظامَ فصل عنصري. فهو أسوأ من نظام الفصل العنصري لأنه يريد محو فلسطين'.
علاقة تشومسكي بالعرب وثيقة، ربما لأنهم أكبر ضحية لسياسات بلاده التي ينتقدها دومًا، وما منْحُه جائزة محمود درويش للثقافة عام 2020 إلا تعبير عن الامتنان العميق لمواقفه المشرّفة تجاه فلسطين والقضايا العربية، أو كما قالت حيثيات الجائزة: 'لشجاعته وعناده في الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته في وجه الظلم والاستبداد، وعلى الأخص موقفه المناهض للاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، ومواقفه المبدئية التقدميّة، ضد الاستبداد والعنصرية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من رسالته الإنسانية العامة'، ولكننا مع ذلك لن نعدم من العرب مَنْ لا يحبون تشومسكي، وأنا هنا لا أتحدث عن العرب 'المتصهينين' فهؤلاء لن يحبّوا حتى أمهاتهم ما دمن يلهجن بذكر فلسطين، وإنما أتحدث عن بعض العرب الذين لهم منطق فيما يذكرون. فعلى سبيل المثال، يرى الكاتب اليمني حسين الوادعي في مقالٍ له إن لتشومسكي أربع شخصيات، لا شخصية واحدة؛ شخصيتان يعرفهما العرب جيدًا، هما شخصية عالم اللسانيات الفذّ الذي يعود إليه تأسيس نظرية النحو التوليدي، والتي كثيرًا ما تُعَدُّ أهم إسهام في مجال اللغويات النظرية في القرن العشرين، وشخصية الناقد الشرِس لسياسات بلاده التي تحدثنا عنها، لكن هناك شخصيتين أخريين خارج دائرة الاهتمام العربي الذي ينتقي من تشومسكي ما يريد رؤيته وسماعه فقط وهما: 'شخصية الموظّف الذي يعمل في مؤسسة مموّلة من وزارة الدفاع الأميركية والمخابرات الأميركية، التي لا يكف عن نقد تدخّلاتها وانتهاكاتها'، وشخصية الفوضوي Anarchist الذي 'يؤمن بإلغاء كل أنواع السلطات والحكومات، وينادي بمجتمع محكوم ذاتيًّا عبر نقابات يشكّلها المواطنون وينادون بسيطرة العمّال على الشركات والمصانع والمؤسسات الاستثمارية وإدارتها من الأسفل'. ويخلُص الوادعي إلى أن 'العرب يقرأون تشومسكي لا ليسمعوا منه شيئاً جديدًا، بل ليسمعوا الأفكار ذاتها التي يؤمنون بها. يقرأ العرب تشومسكي ليبرّروا لأنفسهم صوابية إيمانهم الأعمى بنظرية المؤامرة العالمية التي تقودها الحكومة الخفية والشركات الكبرى'.
ورغم أن هذا الكلام المتحامل على تشومسكي ومشروعه الفكري لا يخلو في بعض نقاطه من وجاهة، إلا أن المؤكد عندي أن مظاهرة الحب الكبيرة التي قوبل بها بُعَيْدَ انتشار شائعة وفاته، في العالم أجمع، وليس فقط في عالمنا العربي، دليل على أن الضمائر الحية والأصوات الحرة التي تضع قيم الخير والحق والجمال والعدالة الإنسانية نصب عينيها قبل أي شيء آخر هي التي تحظى في النهاية بحب الناس واحترامهم.
ليس صعبًا استنتاج لماذا يحب العرب تشومسكي ولماذا تطغى شعبيته حتى على أكثر مثقفي الوطن العربي شعبية، فالرجل كرّس حياته لنصرة القضايا العادلة، وللنقد العنيف للسياسة الخارجية الأميركية والهيمنة الغربية وانتهاكات حقوق الإنسان في دول العالم الثالث، كما لم يكفّ يومًا عن انتقاد إسرائيل وجرائمها في حق الشعب الفلسطيني، ودفع ثمنًا باهظًا لذلك، في وقت رأينا فيه كيف أن كبار المثقفين في أوروبا والولايات المتحدة، وعدد غير قليل من المثقفين العرب، يتسابقون لإرضاء إسرائيل، وتتلعثم ألسنتهم ويتلجلجون في القول حين يُطلَب منهم تعليق حول سياساتها العنصرية.
كان المفكر وعالم اللغويات الأمريكي يؤمن، حتى قبل أن يكتب مقاله الشهير عن 'مسؤولية المثقفين' عام 1966، أن 'مسؤولية المثقفين أن يقولوا الحقيقة وأن يفضحوا الأكاذيب'، ذلك أنهم في موقع يتيح لهم كشف الأحداث وخباياها وأسبابها ودوافعها، وفضح ما تدبره الحكومات خلالها، يقول في ذلك المقال: 'في العالم الغربي، على الأقل، لدى المثقفين القوة التي تأتي من الحرية السياسية، ومن حرية التعبير والوصول إلى المعلومات. وتوفّر الديموقراطية الغربية للأقلية ذات الامتياز، الوقت والتسهيلات والتدريب كي تسعى إلى الحقيقة الكامنة تحت قناع من التشويه والتحريف والإيديولوجيا والمصلحة الطبقية، التي من خلالها قُدِّمت أحداث التاريخ الحالي لنا'. وقد يقول قائل: 'ما أسهل أن يتشدق مثقف بمثل هذا الكلام، في حين لا يجرؤ على تطبيقه في أرض الواقع'، والحقيقة أن تشومسكي مثال بارز على موافقة القول العمل. إن مواقفه المعارضة لسياسة حكومته الأمريكية، سواء احتلالها لفيتنام أو العراق، أو جرائمها في أفغانستان، أو حمايتها لإسرائيل وتوفيرها الغطاء السياسي والعسكري لجرائمها، كل هذه المواقف كانت شاهدًة على ذلك. ولم يكن يكتفي بما يشاهده أو يقرأه في وسائل الإعلام، بل يسعى بنفسه إلى الحقيقة مهما بَعُد المكان. يسرد مثلًا للصحفي الأمريكي الراحل أندريه فلتشيك في كتاب 'عن الإرهاب الغربي: من هيروشيما إلى حروب الطيارات المسيّرة' أنه خلال حرب فيتنام، وحين ألقى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون خطابًا عام 1970 ذكر فيه أن دبابات فيتنام الشمالية متجهة إلى مدينة فِنيتيان عاصمة لاوس، طار تشومسكي إلى هذه الدولة المجاورة لفيتنام وقضى فيها أسبوعًا، وهناك زار مخيمات اللاجئين، وكانت وكالة المخابرات الأمريكية قد دفعت بحوالي ثلاثين ألف مواطن من لاوس لمغادرة منطقة سهل الجرار وجمعتهم في معسكرات للاجئين أقيمت حول فِنيتيان. وقد سكن هؤلاء كهوفًا لمدة سنتين. هناك عرف تشومسكي ما لم يكن يظهر في وسائل الإعلام الأمريكية وهو أن الولايات المتحدة كانت تضرب تلك الكهوف بالصواريخ، وتسببت في قتل مئات وأحيانًا آلاف المدنيين الذين يختبئون فيها، وبعض تلك الكهوف صارت مقابر جماعية لضحايا القصف الصاروخي، وهو الأمر الذي ستكرره الولايات المتحدة بعد نحو عقدين من الزمان في ملجأ العامرية بالعراق، موقِعةً أكثر من أربعمائة شهيد، بينهم مئتان وإحدى وستون امرأة، واثنان وخمسون طفلًا، أصغرهم لم يتجاوز عمره سبعة أيام. وفي الكتاب نفسه يسرد تشومسكي لفلتشيك أنه خلال غزو الولايات المتحدة لأفغانستان بُعَيْد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ذهب إلى إسلام أباد؛ عاصمة باكستان التي كانت المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الصحفيون أو المراقبون الاقتراب من ساحات القتال.
أما عن نصرته لفلسطين فحدِّث ولا حرج، وقد سردتُ في مقال سابق في هذه الزاوية كيف أن السلطات الإسرائيلية اعتقلته عدة ساعات عام 2010، وكان عمره حينئذ اثنين وثمانين عامًا، قبل أن تقرر إعادته إلى بلاده الولايات المتحدة دون دخول الأراضي الفلسطينية التي حاول الدخول إليها عن طريق الأردن. وكان قد دُعِي لإلقاء محاضرة في جامعة بيرزيت الفلسطينية فقبِلها، وأعلن في طريقه إليها أنه لن يذهب إلى أي جامعة إسرائيلية خلال تلك الزيارة. وما زال محبّوه من العرب يتداولون اليوم عباراته ومقاطعة البليغة عن القضية الفلسطينية، منها مثلًا قوله متقمصًا شخصية فلسطيني يخاطب المحتلّ الإسرائيلي: 'أنت تسرق مائي، تحرق أشجار الزيتون، تهدم بيتي، تأخذ عملي، تصادر أرضي، تسجن أبي، تقتل أمي، تقصف بلدي، تجوّعنا جميعًا، تهيننا جميعًا لكنني أنا الملام: لقد أطلقت صاروخًا ردًّا على ذلك!'، وعبارتُه الأخرى: 'لم أُسَمِّ النظامَ الاسرائيلي قَط نظامَ فصل عنصري. فهو أسوأ من نظام الفصل العنصري لأنه يريد محو فلسطين'.
علاقة تشومسكي بالعرب وثيقة، ربما لأنهم أكبر ضحية لسياسات بلاده التي ينتقدها دومًا، وما منْحُه جائزة محمود درويش للثقافة عام 2020 إلا تعبير عن الامتنان العميق لمواقفه المشرّفة تجاه فلسطين والقضايا العربية، أو كما قالت حيثيات الجائزة: 'لشجاعته وعناده في الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته في وجه الظلم والاستبداد، وعلى الأخص موقفه المناهض للاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، ومواقفه المبدئية التقدميّة، ضد الاستبداد والعنصرية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من رسالته الإنسانية العامة'، ولكننا مع ذلك لن نعدم من العرب مَنْ لا يحبون تشومسكي، وأنا هنا لا أتحدث عن العرب 'المتصهينين' فهؤلاء لن يحبّوا حتى أمهاتهم ما دمن يلهجن بذكر فلسطين، وإنما أتحدث عن بعض العرب الذين لهم منطق فيما يذكرون. فعلى سبيل المثال، يرى الكاتب اليمني حسين الوادعي في مقالٍ له إن لتشومسكي أربع شخصيات، لا شخصية واحدة؛ شخصيتان يعرفهما العرب جيدًا، هما شخصية عالم اللسانيات الفذّ الذي يعود إليه تأسيس نظرية النحو التوليدي، والتي كثيرًا ما تُعَدُّ أهم إسهام في مجال اللغويات النظرية في القرن العشرين، وشخصية الناقد الشرِس لسياسات بلاده التي تحدثنا عنها، لكن هناك شخصيتين أخريين خارج دائرة الاهتمام العربي الذي ينتقي من تشومسكي ما يريد رؤيته وسماعه فقط وهما: 'شخصية الموظّف الذي يعمل في مؤسسة مموّلة من وزارة الدفاع الأميركية والمخابرات الأميركية، التي لا يكف عن نقد تدخّلاتها وانتهاكاتها'، وشخصية الفوضوي Anarchist الذي 'يؤمن بإلغاء كل أنواع السلطات والحكومات، وينادي بمجتمع محكوم ذاتيًّا عبر نقابات يشكّلها المواطنون وينادون بسيطرة العمّال على الشركات والمصانع والمؤسسات الاستثمارية وإدارتها من الأسفل'. ويخلُص الوادعي إلى أن 'العرب يقرأون تشومسكي لا ليسمعوا منه شيئاً جديدًا، بل ليسمعوا الأفكار ذاتها التي يؤمنون بها. يقرأ العرب تشومسكي ليبرّروا لأنفسهم صوابية إيمانهم الأعمى بنظرية المؤامرة العالمية التي تقودها الحكومة الخفية والشركات الكبرى'.
ورغم أن هذا الكلام المتحامل على تشومسكي ومشروعه الفكري لا يخلو في بعض نقاطه من وجاهة، إلا أن المؤكد عندي أن مظاهرة الحب الكبيرة التي قوبل بها بُعَيْدَ انتشار شائعة وفاته، في العالم أجمع، وليس فقط في عالمنا العربي، دليل على أن الضمائر الحية والأصوات الحرة التي تضع قيم الخير والحق والجمال والعدالة الإنسانية نصب عينيها قبل أي شيء آخر هي التي تحظى في النهاية بحب الناس واحترامهم.