الحج.. رمز الوحدة والمساواة الإنسانية
الاثنين / 3 / ذو الحجة / 1445 هـ - 23:33 - الاثنين 10 يونيو 2024 23:33
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام أعظم مواسمها الدينية، وهو موسم الحج الأكبر الذي يؤكد فيه المسلمون وحدانية الله سبحانه وتعالى عندما يقفون بين يديه في صعيد واحد على اختلاف أشكالهم وألوانهم وأعراقهم يلبون تلبية واحدة تخرج من أعماقهم «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك».. يقفون جميعا على قدم المساواة أمام خالقهم يطلبون الرحمة والمغفرة، ويسعون للتطهر من كل أوزارهم والعودة بصفاء الخلق الأول.. يقول أبو حامد الغزالي: «الحج هو تذكرة دائمة للمسلمين بوحدتهم وأخوّتهم، وتجديدٌ لميثاق الإيمان والتوحيد».
ورغم أن الحج أعظم المواسم الدينية عند المسلمين إلا أنه يتجاوز في دلالته الطقس الديني ليعبر بشكل واضح عن مفهوم الوحدة الإنسانية.. فعندما يلبس الحجاج لباس الإحرام، يتجردون من مظاهر الدنيا ومادياتها، ويلبسون لباساً واحداً لا يميز بين غني وفقير، بين قوي وضعيف، فتتجلى المساواة المطلقة بين البشر، والإحرام كما يراه العلماء هو تجسيد حي لمبدأ المساواة أمام الله، حيث يتجرد الإنسان من كل ما يملكه ليعود إلى أصله الفطري كإنسان.
إن اللحظة التي يقف فيها الملايين من المسلمين جنباً إلى جنب في عرفات، متضرعين إلى الله، هي رسالة قوية بأن الوحدة والسلام يمكن تحقيقهما إذا ما تجاوز الإنسان الفوارق المصطنعة ونظر إلى جوهره الإنساني.. وهذه النظرة للحج هي نظرة فهم حقيقتها الجميع من المسلمين ومن غير المسلمين يقول المهاتما غاندي: «الحج في الإسلام هو رسالة سلام ومحبة، فهو يذكر الناس بأنهم إخوة في الإنسانية، وأن السلام يبدأ من إدراك هذه الحقيقة». ومن هنا، يمكن للحج أن يكون مساحة لتوحيد الناس ونشر رسالة السلام والوئام بين جميع البشرية. إن لقاء المسلمين من مختلف الثقافات والخلفيات في هذه المناسبة يعزز التفاهم المتبادل والتعايش السلمي، ويؤكد أن الدين الاسلامي وسيلة للتقارب بين البشر وليس للتفرقة. وكما جاء في الحديث الشريف: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه».
إن في لحظة الوقوف بعرفات، وتلك الدعوات الصادقة التي تنطلق من أعماق القلوب، تكمن قوة روحية هائلة يمكن أن تلهم البشرية نحو السعي لتحقيق السلام والوئام. ففي هذه اللحظة، يدرك الإنسان ضآلة الفروقات التي يصنعها بنفسه، ويتوجه بقلبه وعقله نحو الله، طالباً الرحمة والمغفرة، ومتعهداً بنشر المحبة والسلام في كل مكان.
ويبقى موسم الحج شعيرة يرمز للوحدة الإنسانية والمساواة، وتجسيد حي للسلام الذي يحتاجه عالمنا اليوم بشدة.