هل نحن بصدد نظام عالمي جديد ؟
الاثنين / 25 / ذو القعدة / 1445 هـ - 20:54 - الاثنين 3 يونيو 2024 20:54
يتحدث السياسيون والفلاسفة منذ سنوات عن «النظام العالمي الجديد»، ويضعون الكثير من التصورات له ولمسارات ظهوره.. ومنذ بدأت الحرب الروسية الأوكرانية عاد ذلك الحديث إلى الواجهة، وعندما فشل النظام العالمي «الحالي» في حماية أطفال غزة من الإبادة الجماعية البشعة التي يتعرض لها سمع صوت الحديث عن نظام عالمي جديد على منصات الأمم المتحدة نفسها. ومع التغيرات والتحولات التي يشهدها العالم منذ عدة سنوات من المهم إعادة النظر في وجهات نظر ثلاثة مفكرين نظروا لموضوع النظام العالمي الحالي أو النظام العالمي الجديد أو أنهم فككوا النظام العالمي الحالي وبينوا مواطن الضعف فيه.. وهؤلاء المفكرون الثلاثة هم فرانسيس فوكوياما وهنري كيسنجر وألكسندر دوجين وذلك بهدف فهم ما إذا كنا نشهد بالفعل ولادة نظام عالمي جديد.
في كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ والرجل الأخير»، الذي نشر في أعقاب الحرب الباردة، ذهب للقول إن انتشار الديمقراطية الليبرالية ورأسمالية السوق الحرة كان بمثابة نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية. افترض فوكوياما أنه مع الانتصار الواضح لليبرالية الغربية، فإن الصراعات المستقبلية لن تتعلق بالمعارك الأيديولوجية الكبرى بقدر ما تتعلق بالنزاعات المحلية والثقافية.
لكنّ أحداث السنوات الماضية شكلت تحديًا لأطروحة فوكوياما.. ويشير صعود الأنظمة الاستبدادية، وعودة القومية، والتوترات المتزايدة بين الدول الديمقراطية والاستبدادية، إلى أن التاريخ لم ينته بعد. وفي هذه اللحظة التاريخية المهمة يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن النظام الديمقراطي الليبرالي الذي تصوره فوكوياما باعتباره الحالة النهائية للحكم البشري يتعرض الآن لضغوط كبيرة، ويواجه تحديات من الداخل والخارج، بل إن البعض قد ذهب إلى حد القول إن نظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ قد سقطت تمامًا.
أما السياسي الأمريكي المعروف هينري كيسنجر فيذهب في كتابه «النظام العالمي» إلى التأكيد على أهمية وجود نظام دولي مستقر يقوم على توازن القوى والاحترام المتبادل بين الدول ذات السيادة. ويرى أن العالم تأرجح تاريخيًا بين فترات الاستقرار، التي تم الحفاظ عليها من خلال توازن القوى، وفترات الفوضى، التي فقدت ميزة التوازن. ويشدد على الحاجة إلى إطار دولي تعاوني لمواجهة التحديات المعاصرة، ويدعو إلى الدبلوماسية والمشاركة الاستراتيجية بين القوى الكبرى لمنع الصراعات والحفاظ على الاستقرار العالمي.
وتسلط رؤية كيسنجر الضوء على هشاشة النظام العالمي الحالي، ويرى أن التحولات الكبيرة ـ مثل صعود الصين، وعودة روسيا إلى الظهور، والانحدار النسبي للنفوذ الغربي ـ تشكل مخاطر على التوازن القائم. ووفقًا لكيسنجر في كتابه، فإن سر وجود نظام عالمي مستدام يكمن في قدرة القوى العالمية على التكيف مع هذه التغييرات من خلال الحوار البناء والتعاون.
وفي مقابل الرؤيتين السابقتين يقدم الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين وجهة نظر مختلفة جذريًا في كتاباته حول النظام العالمي الجديد. ودوغين، المعروف أنه من أنصار الأوراسية، يدعو إلى عالم متعدد الأقطاب يرفض الليبرالية الغربية ويدعو إلى تبني القيم التقليدية والتنوع الثقافي، وهو يتصور هيكلًا جيوسياسيًا تلعب فيه القوى الإقليمية، وخاصة روسيا والصين، أدوارًا مهيمنةً في مناطق نفوذها، مما يتحدى الهيمنة الأحادية القطب للولايات المتحدة وحلفائها.
ويرتكز منظور دوجين على نقد العولمة والنظام العالمي المتمركز حول الغرب، والذي يعتبره قمعيًا ومتجانسًا. ويدعو إلى إعادة تأكيد السيادة الوطنية والهوية الثقافية، ويقترح نظامًا عالميًا جديدًا لامركزيًا ويحترم تميز الحضارات المختلفة. وتتوافق هذه الرؤية مع الاتجاهات الجيوسياسية الحالية، حيث تؤكد دول مثل روسيا والصين نفوذها بشكل متزايد، وتدعو إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.
إذن هل نشهد نظامًا عالميًا جديدًا؟
يشير المشهد العالمي المعاصر إلى أننا قد نكون بالفعل على أعتاب نظام عالمي جديد، يتسم بالكثير من التطورات التي تأتي في مقدمتها التعددية القطبية. ويشير صعود الصين وإعادة تأكيد النفوذ الجيوسياسي الروسي إلى التحول نحو عالم متعدد الأقطاب، مما يتحدى الهيمنة الأحادية القطب للولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك يمكن رصد تزايد الاتجاه العالمي نحو القومية وإعادة تأكيد السيادة الوطنية، كما يتضح من سياسات مختلف البلدان الرافضة للعولمة على سبيل المثال.
كما تعمل التطورات التكنولوجية والتحولات الاقتصادية على إعادة تعريف ديناميكيات القوة، حيث أصبحت الاقتصادات الرقمية والبراعة التكنولوجية من العوامل الرئيسية المحددة للنفوذ العالمي. وتتوافق هذه التغييرات مع رؤى دوجين، وإلى حد ما كيسنجر، اللذين توقعا حدوث تحولات كبيرة في هياكل القوة العالمية.
وفي الوقت الذي يواجه النظام الديمقراطي الليبرالي وفق رؤية فوكوياما تحديات كبيرة، فإن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ما زالت تؤثر على الخطاب العالمي، لكنها يقينا لم تعد تقنع الكثير من الدول ومئات الملايين من الناس حول العالم.
وفي المجمل فإن كل هذه التحولات تشير إلى أننا نتحرك نحو نظام عالمي جديد، يبنى على فكرة التعددية القطبية، وإعادة تعريف السيادة، والتطور التكنولوجي. ولا شك أن التفاعل بين هذه العوامل سوف يحدد استقرار وطبيعة النظام العالمي الناشئ، مما يجعل من الأهمية بمكان بالنسبة للساسة في العالم أن يقرؤوا هذه المعطيات ببصيرة ودبلوماسية حقيقية.
في كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ والرجل الأخير»، الذي نشر في أعقاب الحرب الباردة، ذهب للقول إن انتشار الديمقراطية الليبرالية ورأسمالية السوق الحرة كان بمثابة نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية. افترض فوكوياما أنه مع الانتصار الواضح لليبرالية الغربية، فإن الصراعات المستقبلية لن تتعلق بالمعارك الأيديولوجية الكبرى بقدر ما تتعلق بالنزاعات المحلية والثقافية.
لكنّ أحداث السنوات الماضية شكلت تحديًا لأطروحة فوكوياما.. ويشير صعود الأنظمة الاستبدادية، وعودة القومية، والتوترات المتزايدة بين الدول الديمقراطية والاستبدادية، إلى أن التاريخ لم ينته بعد. وفي هذه اللحظة التاريخية المهمة يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن النظام الديمقراطي الليبرالي الذي تصوره فوكوياما باعتباره الحالة النهائية للحكم البشري يتعرض الآن لضغوط كبيرة، ويواجه تحديات من الداخل والخارج، بل إن البعض قد ذهب إلى حد القول إن نظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ قد سقطت تمامًا.
أما السياسي الأمريكي المعروف هينري كيسنجر فيذهب في كتابه «النظام العالمي» إلى التأكيد على أهمية وجود نظام دولي مستقر يقوم على توازن القوى والاحترام المتبادل بين الدول ذات السيادة. ويرى أن العالم تأرجح تاريخيًا بين فترات الاستقرار، التي تم الحفاظ عليها من خلال توازن القوى، وفترات الفوضى، التي فقدت ميزة التوازن. ويشدد على الحاجة إلى إطار دولي تعاوني لمواجهة التحديات المعاصرة، ويدعو إلى الدبلوماسية والمشاركة الاستراتيجية بين القوى الكبرى لمنع الصراعات والحفاظ على الاستقرار العالمي.
وتسلط رؤية كيسنجر الضوء على هشاشة النظام العالمي الحالي، ويرى أن التحولات الكبيرة ـ مثل صعود الصين، وعودة روسيا إلى الظهور، والانحدار النسبي للنفوذ الغربي ـ تشكل مخاطر على التوازن القائم. ووفقًا لكيسنجر في كتابه، فإن سر وجود نظام عالمي مستدام يكمن في قدرة القوى العالمية على التكيف مع هذه التغييرات من خلال الحوار البناء والتعاون.
وفي مقابل الرؤيتين السابقتين يقدم الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين وجهة نظر مختلفة جذريًا في كتاباته حول النظام العالمي الجديد. ودوغين، المعروف أنه من أنصار الأوراسية، يدعو إلى عالم متعدد الأقطاب يرفض الليبرالية الغربية ويدعو إلى تبني القيم التقليدية والتنوع الثقافي، وهو يتصور هيكلًا جيوسياسيًا تلعب فيه القوى الإقليمية، وخاصة روسيا والصين، أدوارًا مهيمنةً في مناطق نفوذها، مما يتحدى الهيمنة الأحادية القطب للولايات المتحدة وحلفائها.
ويرتكز منظور دوجين على نقد العولمة والنظام العالمي المتمركز حول الغرب، والذي يعتبره قمعيًا ومتجانسًا. ويدعو إلى إعادة تأكيد السيادة الوطنية والهوية الثقافية، ويقترح نظامًا عالميًا جديدًا لامركزيًا ويحترم تميز الحضارات المختلفة. وتتوافق هذه الرؤية مع الاتجاهات الجيوسياسية الحالية، حيث تؤكد دول مثل روسيا والصين نفوذها بشكل متزايد، وتدعو إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.
إذن هل نشهد نظامًا عالميًا جديدًا؟
يشير المشهد العالمي المعاصر إلى أننا قد نكون بالفعل على أعتاب نظام عالمي جديد، يتسم بالكثير من التطورات التي تأتي في مقدمتها التعددية القطبية. ويشير صعود الصين وإعادة تأكيد النفوذ الجيوسياسي الروسي إلى التحول نحو عالم متعدد الأقطاب، مما يتحدى الهيمنة الأحادية القطب للولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك يمكن رصد تزايد الاتجاه العالمي نحو القومية وإعادة تأكيد السيادة الوطنية، كما يتضح من سياسات مختلف البلدان الرافضة للعولمة على سبيل المثال.
كما تعمل التطورات التكنولوجية والتحولات الاقتصادية على إعادة تعريف ديناميكيات القوة، حيث أصبحت الاقتصادات الرقمية والبراعة التكنولوجية من العوامل الرئيسية المحددة للنفوذ العالمي. وتتوافق هذه التغييرات مع رؤى دوجين، وإلى حد ما كيسنجر، اللذين توقعا حدوث تحولات كبيرة في هياكل القوة العالمية.
وفي الوقت الذي يواجه النظام الديمقراطي الليبرالي وفق رؤية فوكوياما تحديات كبيرة، فإن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ما زالت تؤثر على الخطاب العالمي، لكنها يقينا لم تعد تقنع الكثير من الدول ومئات الملايين من الناس حول العالم.
وفي المجمل فإن كل هذه التحولات تشير إلى أننا نتحرك نحو نظام عالمي جديد، يبنى على فكرة التعددية القطبية، وإعادة تعريف السيادة، والتطور التكنولوجي. ولا شك أن التفاعل بين هذه العوامل سوف يحدد استقرار وطبيعة النظام العالمي الناشئ، مما يجعل من الأهمية بمكان بالنسبة للساسة في العالم أن يقرؤوا هذه المعطيات ببصيرة ودبلوماسية حقيقية.