رأي عُمان

عن التطور التاريخي في الحرب الروسية الأوكرانية

 
من الممكن أن تغير الخطوة التاريخية التي اتخذها الرئيس الأمريكي بايدن بإعطاء أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة الأمريكية ضد أهداف داخل روسيا مسار الحرب على أكثر من صعيد. جاء هذا القرار بعد مناقشات طويلة حول ضرورة تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها بشكل فعال، خاصة بعد توجيه روسيا لأسلحة نحو خاركيف من مواقع عبر الحدود. وهذه المرة الأولى التي يسمح فيها رئيس أمريكي باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب دولة نووية.

ومن المؤكد أن يغير هذا القرار الذي تبعته 11 دولة أوروبية وكندا من ديناميات الصراع الروسي الأوكراني؛ فتمكين أوكرانيا من ضرب أهداف داخل روسيا باستخدام أسلحة أمريكية يمكن أن يوفر لها ميزة تكتيكية مهمة تمكنها من استهداف حاميات القوات الروسية والمراكز اللوجستية لمستودعات الأسلحة والذخائر إلى عمق يصل إلى ٢٤ ميلا داخل الأراضي الروسية. ورغم أن هذه الخطوة «المقيدة» لن تمكن أوكرانيا من ضرب العمق الروسي أو ضرب مهابط الطائرات التي تكون في عمق يزيد على ٢٤ ميلا إلا أنها ستقلل من قدرة روسيا على تنفيذ هجمات منسقة ضد الأراضي الأوكرانية، مما يضعف موقفها العسكري في المنطقة.

وتأمل كييف أن يكون هذا التوجه لدى دول حلف الناتو محوريا وداعما لاستعادة مكانتها في المعركة التي خسرت فيها أوكرانيا الكثير من أراضيها وقدراتها العسكرية. واعتبر زيلينسكي الأمر «خطوة إلى الأمام». لكن مسؤولون روس قالوا إن دول الناتو تخاطر بالتصعيد إذا منحت أوكرانيا قدرا أكبر من الحرية لإطلاق النار على روسيا.

ومن المتوقع أن تثير هذه الخطوة ردود فعل غاضبة من موسكو، وقد تلجأ إلى تصعيد الموقف عسكريًا من خلال استهداف حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا أو حتى الولايات المتحدة نفسها. هذا التصعيد المحتمل يثير مخاوف من اندلاع مواجهة أوسع تشمل استخدام أسلحة نووية، مما يعقد الأوضاع بشكل خطير ويزيد من التوترات الدولية.

وبالإضافة إلى المخاوف من تصعيد النزاع إلى مواجهة نووية، هناك قلق دولي بشأن تزايد العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية في أوكرانيا. يرى بعض المحللين أن هذه الخطوة قد تدفع بالصراع إلى مرحلة أكثر دموية وتعقيدًا، مما يفاقم معاناة المدنيين ويزيد من حالات النزوح.

وتشير التقارير إلى أن بعض حلفاء الولايات المتحدة، مثل المملكة المتحدة، قد رفعوا بالفعل القيود على استخدام الأسلحة الغربية ضد أهداف داخل روسيا. هذا الدعم يعزز من موقف أوكرانيا، لكنه في الوقت نفسه يضع حلف «الناتو» في مواجهة مباشرة مع روسيا، مما يزيد من احتمالات نشوب صراع أوسع نطاقًا.

ومن المتوقع أن تتعامل روسيا مع هذا القرار بالتصعيد العسكري والدبلوماسي. قد تلجأ روسيا إلى توجيه تهديدات أو تنفيذ عمليات هجومية مضادة واستخدام استراتيجيات الحروب الهجينة التي تشمل الهجمات السيبرانية، وحملات التضليل الإعلامي، وزيادة الدعم للجماعات الموالية لها في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري في المناطق الحساسة، وزيادة التعاون مع حلفائها مثل الصين وإيران، بهدف تشكيل تكتلات سياسية وعسكرية تعزز من موقفها في مواجهة النفوذ الأمريكي.

ودفعت عدة عوامل الولايات المتحدة إلى الخروج عن حذرها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية وفي مقدمة ذلك

ازدياد وتيرة الهجمات الروسية على مناطق مدنية وعسكرية في أوكرانيا، خصوصًا تلك التي تستهدف مناطق قريبة من الحدود الروسية، مما يضعف قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها بشكل فعال، كما شكلت بعض الدول ضغوطا على أمريكا حينما عمدت قبلها إلى رفع القيود عن استخدام أسلحتها ضد روسيا، مثل بريطانيا.

وأدت المصالح الاستراتيجية الأمريكية دورا مهما في السير نحو هذا القرار حيث ترغب أمريكا في الحفاظ على توازن القوى في أوروبا ومنع روسيا من تحقيق مكاسب استراتيجية يمكن أن تضعف موقف الناتو وتزيد من التهديدات الأمنية على الحلفاء الأوروبيين.

وأرسل القرار التاريخي الأمريكي رسالة واضحة إلى موسكو مفادها أن استمرار الهجمات وتوسيع نطاقها سيكون لهما عواقب وخيمة، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لاتخاذ خطوات أكثر حزمًا للدفاع عن أوكرانيا.

رغم ذلك، على أمريكا وحلفائها توقع أي شيء من روسيا التي ستعتبر دول الناتو جميعها منخرطة في الحرب المباشرة ضدها الأمر الذي قد يعيد خطر الحرب النووية إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن تراجعت خلال العام الماضي.