هدنة من أجل المتعة
الأربعاء / 20 / ذو القعدة / 1445 هـ - 21:23 - الأربعاء 29 مايو 2024 21:23
في قصيدته التي حملت عنوان (في ملعب كرة القدم) قدّم الشاعر معروف الرصافي (1877-1945) وصفا دقيقا للعبة كرة القدم، وقوانينها وحركة اللاعبين، بشكل يؤكّد أنّ الرصافي كان من محبّي هذه اللعبة الشعبية التي أغرمنا كلنا بها في طفولتنا لاعبين، وفي شبابنا متابعين، ومشجعين، يقول الرصافي في الأبيات الأولى من قصيدته المؤلّفة من عشرين بيتا من البحر الكامل:
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
كرة تُراضُ بلعبها الأجسامُ
وقفوا لها متشمِّرين فألقيت
فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في ساحةٍ
للسُّوق مُعترك بها وصِدام
رَفسًا بأرجلهم تساق وضرْبُها
بالكفّ عند اللاعبين حَرام
ولا توجد معلومة تؤكّد أن هذا الشغف تقف خلفه ممارسة لهذه اللعبة، لكننا على يقين كامل من أنّ الشاعر المصري محمود أبو الوفا (1901-1979م) لم يكن من ممارسيها، فقد بُترت ساقه اليسرى عندما كان في العاشرة من عمره، فخسر قدمه، وهي الأداة الفاعلة في هذه اللعبة، غير أن خسارته لساقه، لم تمنعه من أن يكتب نشيدا عندما تأهّلت مصر لمونديال كأس العالم عام 1934 م، يقول في المقطع الأول منه:
كرة القدمِ كرة القدمِ
هي لعبتنا منذ القِدَمِ
للكرة نداء يشجينا
ويطير بنا صوب الهدفِ
وللآنّ صداه ينادينا
سيروا سيروا نحو الشرف
ووجد الشاعر محمود درويش متعة في متابعة كرة القدم، ومتنفّسا، ويذكر في كتابه (ذاكرة النسيان) أنه عام 1982م أيام حصار بيروت ووسط وحشية القصف الإسرائيلي، كان يتابع مباريات كأس العالم لكرة القدم التي أقيمت في إسبانيا، وتساءل في كتابه: «ما هذا الجنون الساحر، القادر على إعلان هدنة من أجل المتعة البريئة؟ ما هذا الجنون القادر على تخفيف بطش الحرب وتحويل الصواريخ إلى ذباب مزعج! وما هذا الجنون الذي يعطل الخوف ساعة ونصف الساعة، ويسري في الجسد والنفس كما لا تسري حماسة الشعر».
وكان البرازيلي بيليه الذي سجّل هدفه الألف في مرمى (فاسكو دي جاما) يوم 19 نوفمبر 1969م، يكتب الشعر، ومع أننا لم نقرأ شيئا من شعره، لكننا على يقين من أن شعره الذي كتبه بأقدامه أكثر بلاغة وجمالا من الشعر الذي خطه قلمه، ويبدو أنه كان يكتب الشعر، كهواية إلى جانب هوايات أخرى من بينها العزف على الجيتار.
وتبقى كرة القدم الرياضة الأكثر شعبيّة في العالم، وقبل ثلاثة أسابيع أحرزت كرة القدم هدفا في مقرّ المنظمة الدولية العامة للأمم المتحدة حين أقرّت يوم 25 مايو من كل عام ليكون اليوم العالمي لكرة القدم، وقد اعتمدت الجمعية العامة القرار الدولي الذي جاء بمبادرة من البحرين وليبيا وطاجيكستان، وحضر ممثلو الدول الأعضاء، والسفراء، فعالية أقامتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للاحتفال باليوم العالمي لكرة القدم وهم يرتدون قمصان منتخبات بلدانهم لكرة القدم، ووجد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، دينيس فرانسيس في كرة القدم «قوّة استثنائية لتحقيق السلام، والتقدّم، والرخاء، والاستدامة بشكل هادف» كما قال، مضيفا «فعندما تدمّر الحرب، والصراع حياة الناس في أوكرانيا، وفي قطاع غزة، وفي السودان، وفي هايتي وأماكن أخرى تبرز الحاجة إلى أيّ أداة لديها القدرة على مداواة الجروح، وتجسير الفجوات».
ولم يكن اختيار المنظّمة لهذا اليوم عن فراغ، قبل مائة عام، وتحديدا في 25 مايو 1924 أقيمت أول بطولة دولية لكرة القدم في التاريخ خلال الألعاب الأولمبية الصيفية التي أقيمت في باريس.
ولكن في خضمّ حماسنا لكرة القدم تأتي هجمة مرتدّة من أهلها، فالمدرب يوركن كلوب قال في كلمة ألقاها بمناسبة تتويجه كأحسن مدرب في العالم «كرة القدم مجرد لعبة ولن تحل مشاكل الفقراء واللاجئين، لن توقف حروبا ولن تأت بالديمقراطية، نتلقّى أموالا كثيرة لننسي الناس تعاستهم لتسعين دقيقة، فالحياة لا تتوقف على جلد مدوّر».
وبين هذا وذاك يقفز سؤال محمود درويش «نحن أيضا يحقّ لنا أن نحبّ كرة القدم لم لا نخرج قليلا من روتين الموت؟»
صحيح أن «الحياة لا تتوقّف على جلد مدوّر»، لكن بالمقابل يمكن لهذه الكرة الجلديّة، أن تقارب بين الشعوب، وتعيد لقلوبنا الأمل وتجدّد شعورنا بالحياة.
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
كرة تُراضُ بلعبها الأجسامُ
وقفوا لها متشمِّرين فألقيت
فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في ساحةٍ
للسُّوق مُعترك بها وصِدام
رَفسًا بأرجلهم تساق وضرْبُها
بالكفّ عند اللاعبين حَرام
ولا توجد معلومة تؤكّد أن هذا الشغف تقف خلفه ممارسة لهذه اللعبة، لكننا على يقين كامل من أنّ الشاعر المصري محمود أبو الوفا (1901-1979م) لم يكن من ممارسيها، فقد بُترت ساقه اليسرى عندما كان في العاشرة من عمره، فخسر قدمه، وهي الأداة الفاعلة في هذه اللعبة، غير أن خسارته لساقه، لم تمنعه من أن يكتب نشيدا عندما تأهّلت مصر لمونديال كأس العالم عام 1934 م، يقول في المقطع الأول منه:
كرة القدمِ كرة القدمِ
هي لعبتنا منذ القِدَمِ
للكرة نداء يشجينا
ويطير بنا صوب الهدفِ
وللآنّ صداه ينادينا
سيروا سيروا نحو الشرف
ووجد الشاعر محمود درويش متعة في متابعة كرة القدم، ومتنفّسا، ويذكر في كتابه (ذاكرة النسيان) أنه عام 1982م أيام حصار بيروت ووسط وحشية القصف الإسرائيلي، كان يتابع مباريات كأس العالم لكرة القدم التي أقيمت في إسبانيا، وتساءل في كتابه: «ما هذا الجنون الساحر، القادر على إعلان هدنة من أجل المتعة البريئة؟ ما هذا الجنون القادر على تخفيف بطش الحرب وتحويل الصواريخ إلى ذباب مزعج! وما هذا الجنون الذي يعطل الخوف ساعة ونصف الساعة، ويسري في الجسد والنفس كما لا تسري حماسة الشعر».
وكان البرازيلي بيليه الذي سجّل هدفه الألف في مرمى (فاسكو دي جاما) يوم 19 نوفمبر 1969م، يكتب الشعر، ومع أننا لم نقرأ شيئا من شعره، لكننا على يقين من أن شعره الذي كتبه بأقدامه أكثر بلاغة وجمالا من الشعر الذي خطه قلمه، ويبدو أنه كان يكتب الشعر، كهواية إلى جانب هوايات أخرى من بينها العزف على الجيتار.
وتبقى كرة القدم الرياضة الأكثر شعبيّة في العالم، وقبل ثلاثة أسابيع أحرزت كرة القدم هدفا في مقرّ المنظمة الدولية العامة للأمم المتحدة حين أقرّت يوم 25 مايو من كل عام ليكون اليوم العالمي لكرة القدم، وقد اعتمدت الجمعية العامة القرار الدولي الذي جاء بمبادرة من البحرين وليبيا وطاجيكستان، وحضر ممثلو الدول الأعضاء، والسفراء، فعالية أقامتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للاحتفال باليوم العالمي لكرة القدم وهم يرتدون قمصان منتخبات بلدانهم لكرة القدم، ووجد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، دينيس فرانسيس في كرة القدم «قوّة استثنائية لتحقيق السلام، والتقدّم، والرخاء، والاستدامة بشكل هادف» كما قال، مضيفا «فعندما تدمّر الحرب، والصراع حياة الناس في أوكرانيا، وفي قطاع غزة، وفي السودان، وفي هايتي وأماكن أخرى تبرز الحاجة إلى أيّ أداة لديها القدرة على مداواة الجروح، وتجسير الفجوات».
ولم يكن اختيار المنظّمة لهذا اليوم عن فراغ، قبل مائة عام، وتحديدا في 25 مايو 1924 أقيمت أول بطولة دولية لكرة القدم في التاريخ خلال الألعاب الأولمبية الصيفية التي أقيمت في باريس.
ولكن في خضمّ حماسنا لكرة القدم تأتي هجمة مرتدّة من أهلها، فالمدرب يوركن كلوب قال في كلمة ألقاها بمناسبة تتويجه كأحسن مدرب في العالم «كرة القدم مجرد لعبة ولن تحل مشاكل الفقراء واللاجئين، لن توقف حروبا ولن تأت بالديمقراطية، نتلقّى أموالا كثيرة لننسي الناس تعاستهم لتسعين دقيقة، فالحياة لا تتوقف على جلد مدوّر».
وبين هذا وذاك يقفز سؤال محمود درويش «نحن أيضا يحقّ لنا أن نحبّ كرة القدم لم لا نخرج قليلا من روتين الموت؟»
صحيح أن «الحياة لا تتوقّف على جلد مدوّر»، لكن بالمقابل يمكن لهذه الكرة الجلديّة، أن تقارب بين الشعوب، وتعيد لقلوبنا الأمل وتجدّد شعورنا بالحياة.