الاقتصادية

أسعار النفط المواتية تعزز الاستقرار المالي والإنفاق على مشروعات التنويع

توقع ارتفاع الطلب مع تحسن آفاق النمو العالمي

 
قوة أداء القطاعات غير النفطية يمتص جانب كبير من ضغوط تراجع النشاط النفطي

انخفضت مساهمة النفط الخام في الناتج المحلي من 14.8 مليار ريال في 2022 إلى 12.7 مليار ريال بنهاية العام الماضي

تشير التوقعات إلى معاودة الاقتصاد للنمو خلال العام المقبل بمستويات مقاربة للمعدل المرتفع الذي تحقق خلال 2022

مع المساهمة الكبيرة لأنشطة النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان، وكون القطاع مصدرًا رئيسًا للإيرادات العامة، تعد التطورات التي تشهدها سوق النفط العالمية من أهم العوامل المؤثرة على الوضعين المالي والاقتصادي في سلطنة عمان، ويعتبر أهم هذه التطورات خلال الفترة الحالية استمرار مجموعة أوبك بلس في سياستها لخفض الإنتاج حفاظًا على توازن السوق النفطية من حيث حجم العرض والطلب، وفي ظل هذه السياسة الحكيمة لاوبك بلس، استمرت مستويات أسعار النفط مرتفعة خلال العامين الأخيرين، وأدت إلى زيادة في حجم الايرادات العامة لسلطنة عمان، وتعزيز الاستقرار المالي بخفض كبير في حجم الدين العام، ودعم الانفاق الانمائي على المشروعات التي تعزز أداء قطاعات التنويع الاقتصادي.

وعلى الرغم من أن تراجع انتاج النفط أدى إلى تعديل بالخفض لتوقعات النمو للعام الجاري لتكون نحو واحد بالمائة، لكن دعم الإنفاق الإنمائي ساهم في قوة أداء القطاعات غير النفطية وتسجيلها معدلات نمو جيدة، ولذلك تشير التوقعات الى معاودة الاقتصاد للنمو خلال العام المقبل بمستويات مقاربة للمعدل المرتفع الذي تحقق خلال عام 2022، كما من المرجح أن تشهد الفترة المقبلة تعافي القطاع النفطي مع بدء أوبك بلس تخفيف القيود على إنتاج النفط.

ووفقًا للتوجهات الاستراتيجية لدعم التنويع الاقتصادي وتقليص اعتماد النمو على الأنشطة النفطية، ساهمت هذه التوجهات في امتصاص جانب كبير من ضغوط تراجع النشاط النفطي، وحققت القطاعات غير النفطية خلال العام الماضي نموًا جيدًا، ومن المتوقع أن يتواصل نفس الأداء الجيد خلال العامين الحالي والمقبل.

ومع تراجع إنتاج النفط، انخفضت مساهمة أنشطة النفط الخام في الناتج المحلي الإجمالي من 14.8 مليار ريال عماني في عام 2022 إلى 12.7 مليار ريال عماني بنهاية العام الماضي، بنسبة تراجع 14 بالمائة، وقاد ذلك لتراجع إجمالي مساهمة أنشطة النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11.9 بالمائة، وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي مقوما بالأسعار الثابتة الى 1.3 بالمائة مقارنة مع معدل تجاوز 4 بالمائة خلال 2022.

وفي جانب الوضع المالي، جاءت التطورات في سوق النفط بالعديد من النتائج الإيجابية؛ نظرًا لزيادة حجم الايرادات العامة، وتبنى خطط ضبط المالية العامة وترشيد الانفاق، وقد سجل متوسط سعر النفط خلال العام الماضي 80 دولار للبرميل، ومازالت أسعار النفط عند مستويات جيدة خلال العام الجاري، وساهمت الإيرادات النفطية الإضافية خلال عامي 2022 و2023، في خفض متواصل لحجم الدين العام وأعبائه، كما شهد الربع الأول من هذا العام تراجع حجم الدين إلى 15.1 مليار ريال عماني، وتجاوز حجم القروض التي تم سدادها خلال الربع الأول 600 مليون ريال منها 360 مليون من القروض الخارجية، حسبما أعلنته وزارة المالية مؤخرًا.

وخلال السنوات الثلاثة الماضية، كان خفض الدين وتحقيق الاستقرار المالي أهم الأولويات، واستغلت سلطنة عمان عائدات النفط الإضافية في دعم الانفاق على المشروعات الانمائية، ووجهت الجانب الأكبر من هذه العائدات لسداد الدين وقلصت حجمه بشكل ملموس، وإضافة إلى ما حققه ذلك من تحسن في الوضع المالي والتصنيف الائتماني، فقد أسهم أيضا في تعزيز آفاق الاستدامة المالية بخفض كبير في كلفة خدمة الدين العام والتي تراجعت إلى 861 مليون ريال عماني خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر من عام 2023، مقارنة مع 1.076 مليار ريال عماني خلال ذات الفترة من 2022، وقد أشاد صندوق النقد الدولي في ختام زيارته الأخيرة لسلطنة عمان، ضمن مشاورات المادة الرابعة، بما حققته سلطنة عمان من انخفاض في مستوى الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أشار إلى استقرار مستوى دين الشركات الحكومية عند حوالي 31 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي اجتماعها الأخير في مارس الماضي، مددت مجموعة أوبك بلس خفض الإنتاج لدول المجموعة حتى نهاية هذا العام، ومن المتوقع أن تبقي على نفس التوجه خلال اجتماعها المقبل في بداية شهر يونيو المقبل، وتواصل العديد من دول المجموعة سياسة الخفض الطوعي لانتاج النفط التي تم تبنيها لأكثر من عام وحققت نجاحًا في الحد من تبعات تباطؤ الطلب على النفط، وقيام بعض المنتجين من خارج المجموعة بزيادة الانتاج بهدف دفع الأسعار للتراجع، وفي نهاية العام الماضي، أقرت بعض دول المجموعة، ومنها سلطنة عمان، تنفيذ خفض طوعي للإنتاج بإجمالي 2.2 مليون برميل يوميًا، ومدت هذه الدول هذا العام الخفض الطوعي حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي.

وخلال الفترة المقبلة، ترجح التوقعات أن تخفف أوبك بلس من توجهها نحو خفض الإنتاج مواكبة لما تشهده مستويات الأسعار حاليًا من استقرار، وتحسن آفاق نمو الاقتصاد العالمي بما يعزز زيادة الطلب على النفط، حيث تحقق جهود احتواء التضخم عالميا تقدمًا جيدًا يتيح قيام البنوك المركزية خلال الفترة المقبلة ببدء خفض أسعار الفائدة والتي كان لمستوياتها المرتفعة للغاية خلال 2022 و2023 تأثير سلبي على معدلات النمو خاصة في الدول المتقدمة. وفي أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، توقع صندوق النقد الدولي استمرار نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 بالمائة خلال العامين الحالي والمقبل، قريبا من نفس معدلات النمو في عام 2023، مشيرًا إلى أن الاقتصادات المتقدمة ستشهد تسارعًا طفيفًا في النمو ليزيد من 1.6 بالمائة في 2023 إلى 1.7 بالمائة في عام 2024 و1.8 بالمائة في عام 2025، كما توقع استمرار تراجع معدل التضخم العالمي من 6.8 بالمائة في 2023 إلى 5.9 بالمائة في 2024 و4.5 بالمائة في 2025.