المسافر راح .. في وداع البدر
الاثنين / 4 / ذو القعدة / 1445 هـ - 21:50 - الاثنين 13 مايو 2024 21:50
(1)
لا يختلف اثنان على أنّ الشاعر بدر بن عبدالمحسن من أهم رواد التحديث في القصيدة الشعبية الخليجية، ومن أهم شعرائها الذين انتقلوا بالقصيدة الكلاسيكية الشعبية إلى القصيدة الجديدة بمفهومها التجديدي مستخدما لغة حية وصورا مبتكرة ودلالات ورموزا متقنة الاستخدام، وذلك واضح في اللغة التي اشتغل عليها، إضافة إلى التطوير الحاصل في القصيدة الشعبية الحديثة شكلا ومضمونا.
لقد قدّم بدر عبدالمحسن طوال حياته الشعرية نموذجا مهما للقصيدة الشعبية حين أخرج القصيدة من ألفاظها التقليدية ودلالاتها إلى التعبير الشعري الخلاق الناتج عن ثقافة محمّلةٍ بالفن والأحاسيس المرهفة والصور التي تتوالد من قصيدة إلى أخرى. إنه بدر عبدالمحسن الشاعر، مهندس الكلمة، وضابط إيقاعها الشعري، والفنان الذي اقتطف الصورة من أعاليها. سأله الإعلامي عبدالله المديفر في البرنامج التلفزيوني «الليوان»: «...الشيء الثابت الذي لا يتغير، وكان موجودا في كل لقاءاتنا السابقة هو قلق الابتكار، إنك تبتكر شيئا جديدا، وهذا موجود في كل حديث». فأجاب: «مع العمر هذا كله كيف يتحول الإنسان إلى قصيدته؟ أتناول القصيدة بشكل مختلف، لأن هذا هو مفهومي للشعر، وهذا المفترض وهذا الابتكار، بذلك أحس أني شخص غير مفهوم، لا نكتب شيئا مختلفا إلا في القصيدة فقط، مثلا عند كتابة الرسالة إذا أردت كتابتها تكتبها بوضوح...». إذن إن الابتكار عند البدر أسلوب يشتغل عليه الشاعر، ويقدم القصيدة من خلالها وهذا ما لمسناه في غير نص من نصوصه الشعرية التي جاءت تنهل من معين الابتكار.
(2)
تأخذك قصيدة بدر عبدالمحسن إلى عوالم مختلفة من الدهشة، ومستويات من الإبداع، فتحس وأنت تقرأ نصوصه الشعرية أنك أمام نحّات ينحت لوحة فنية، يُجسد فيها معاني الفن والجمال البصري.
في قصيدته (المسافر) التي كتبت في تسعينيات القرن الماضي يأخذك البدر إلى هذه العوالم الجميلة مستحضرا لحظات الوداع والفراق والسفر والشوق، بل إنه يستحضر الدلالات الصوتية والبصرية كفنين يتداخلان مع عمق التبادل الشعوري والعاطفي. تقوم القصيدة في (20) سطرا شعريا قصيرا يبدؤها بـ:
لا تلوّح للمسافر
المسافر راح
ولا تنادي للمسافر
المسافر راح
هنا يمزج الشاعر بين فعل (الحركة التلويح وفعل الصوت) المناداة معتمدا على دلالة الألف في كلمة (راح) التي استخدمها صوتيا للمدّ في الوصول إلى أبعد نقطة في النداء إلى البعيد.
مع ذلك لا يزال اختلاط الأصوات المتداخلة مع غيرها يقدّم نصا شعريا مائزا، فازدحمت الدلالات في مدينة الشعر التي يعمّها الوداع والفراق، فنرى ازدحام الأصوات في المدى، والقطار يفوت والمسافر راح، أنوار الشوارع ذبلت والحروف انطفأت. هكذا التقاطات البدر في قصائده الشعرية الحديثة؛ فالتقاطة القطار مثلا برغم أنه يعيش في منطقة لا تكثر بها القطارات تحمل دلالاتها من عمق النص الشعري للتعبير عن السفر والوداع والفراق والشوق استطاع استغلال دلالاته وتوظيفها جيدا. والتقاطة وجه المسافر وتشبيهه بالمدينة والنهار والورد الأصفر والغصون كلها دالة على مرحلة الفراق الذي تنطفئ معه الأشياء:
لا تلوح للمسافر ..
المسافر راح ..
ولا تنادي للمسافر
المسافر راح ..
يا ضياع أصواتنا .. في المدى والريح
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح ..
يالله يا قلبي تعبنا من الوقوف ..
ما بقى بالليل نجمة ولا طيوف ..
ذبلت أنوار الشوارع .. وانطفى ضيّ الحروف
يالله يا قلبي سرينا .. ضاقت الدنيا علينا
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح ..
مادري باكر هالمدينة وشتكون ..
النهار والورد الأصفر والغصون ..
هذا وجهك يالمسافر لما كانت لي عيون ..
وينها عيوني حبيبي ..
سافرت مثلك حبيبي ..
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح.
(3)
مما أشار إليه بدر عبدالمحسن في برنامج «الليوان» عن تجربته الشعرية الذي طل يكتب صفحاتها شعرا طوال خمسين عاما، أنه مرّ فيها بثلاث مراحل:
الأولى: ويعدها أجمل المراحل الثلاث، وهي مرحلة الرومانسية استمرت لعشر سنين، يقول عنها: «إنني كنت أكتب لنفسي، وكنت أصفق لنفسي، وكانت الأغاني في تلك المرحلة قد اشتهرت برغم أني لم أكن شخصا معروفا».
الثانية: مرحلة الشهرة والنجومية واستمرت 20 عاما، قال عنها: «بدأت أكتب لنفسي ولغيري ، إنما هنا فيها كان هناك صراع بين الشعر والشاعر».
أما الثالثة: المرحلة الأخيرة إلى ما قبل 3 سنوات من الآن، فيها ابتدأت الرغبة في الكتابة تخفت، وبدأ الشعر يظهر على فترات متباعدة.
هذه المراحل بما فيها شكّلت لحظات الكتابة الشعرية عند البدر بكل ما تجسده معاني الشعر وتحولاته، وبكل ما تجسدها الحياة في عين الشاعر، لذا فإننا نرى في نصوصه ميلا إلى الكتابة عن الذات، نجد مثلا في قصيدة (الأربعين) أنه كان يتحدث فيها عن مضي العمر برغم أنه ما زال في حيوية الشباب:
أدري أن الوقت يذهب ما يعود..
اربعينٍ فارقتني يالعنود
ماطر الايام من غيم الزمان..
ما يبل الريق لو مهما يجود
كم شربته صافيٍ بارد قراح..
ما دريت ان الظما سر الوجود
كل شمسٍ تلمس اشجار العمر..
تحرق الاوراق وتجف الفنود
وكل ريحٍ تدفع شراع العمر..
ينقطع به حبل ويميل العمود
دار بعين مرت وتوني صغير..
انتظر لعل تصدق لي الوعود
والغريب اني على هذا مغَبُوط..
ادري اني بخير لا شفت الحسود
الزمن يا بنيتي كله زوال..
ما تخلد كود لحظات السجود
وفي آخر قصيدة يبعثها لأخيه في مرضه الأخير كان يتحدث فيها عن السنين والنهايات في نص مؤثر يودّع فيه العالم في نظرة عميقة إلى الحياة، يظهر فيها دلالات التعب والسفر الطويل الذي يصل معه إلى نهايته وانتهاء مسيرة المسافر الذي تكون آخر محطاته عند توقف القطار:
صوتي تجرح ما بقى غير همسي
وعسى حروفي اليوم توفي بغرضها
كن السنين استكثرت طول عرسي
سبعين غيري ما حصله بعضها
ولابدها يا سعود بتغيب شمسي
ذي سنة رب الخلايق فرضها
ولاعلها حريتي بعد حبسي
ولا علي ألقى عند ربي عوضها
لولاي أحبك ما تذكرت نفسي
ولا انتبهت لعجزها أو مرضها
ومادام أشوفك طاب حزني وأنسي
وما همني حلو الحياة و مضضها
لعل قبل سعود لحدي و رمسي
أخوي من أثرى حياتي و نهضها
ويا من ذكرني ما تذكرت منسي
ذكرت من عد النجوم و قبضها
أنا الذي لو تلمس الريح خمسي
كان السحاب أرخى العباة ونفضها
هذا الشجن حرثي والأيام غرسي
قصيدتي يبطي الزمن ما نقضها
(4)
من الملامح التجديدية التي نجدها في قصيدة البدر (بس أحلم) البناء السردي الذي يقوم على الوصف والحركة والانتقال البطيء من مشهد لآخر. لقد قدّمت سردية هنا نصا يمزج بين الشعر والسرد في دلالاته.
ويحاول البدر أن يفتتح نصه بدلالتين متضادتين: (البوح/ السر، الوضوح/ الغموض) ثم تتحرك القصيدة بعد ذلك إلى حركة درامية تقدّم من خلالها الشخصية:
اعبر الشارع
في الرصيف الثاني قهوة فيها اربع طاولات
وحده اجلس فيها وحد يوحده للي بيجي بعد يوحده لأغلى حرف عند ياما آخر وحده دايم للي فات من هموم وذكريات زحمة لكن كل من في القهوة ربعي
كلهم دمي و دمعي ليه ما تجلس مكاني وهذا شوفي وهذا سمعي اطلب أقلام ودفاتر وحاول أكتب عن شعور لاهو ظلما و لا هو نور قلب ما بين السطور وأنا اكتب أغنية مثل الرسايل كنت اكذب
والخيال العذب كذب كنت لازم اخفي سري و ما أقول ان هالمرة قصيدي هو خيالات الحقول
أسراب الطيور عن حقيقه عن شعور ما هو في ذهب السنابل انما تحت الجذور كسروا العشاق بابي
قطعوا لحمي ثيابي.. وخلعوا الادراج ..طاحت مزهرياتي الجميلة شققوا جفني كتابي وسألوا وين الجديل هو دمعة العين الكحيلة مالقوا في بيتي الاوما لقوا في صدري الاوما لقوا في قلبي الامنياتي المستحيلة واني احلم بس احلم
لعل القصيدة قدّمت ملمحا تجديديا ولو بسيطا عن القصيدة الجديدة التي يكتبها البدر، فيها الصور والانتقال المكاني، وتداخل الشخصيات مع غيرها.
لا يختلف اثنان على أنّ الشاعر بدر بن عبدالمحسن من أهم رواد التحديث في القصيدة الشعبية الخليجية، ومن أهم شعرائها الذين انتقلوا بالقصيدة الكلاسيكية الشعبية إلى القصيدة الجديدة بمفهومها التجديدي مستخدما لغة حية وصورا مبتكرة ودلالات ورموزا متقنة الاستخدام، وذلك واضح في اللغة التي اشتغل عليها، إضافة إلى التطوير الحاصل في القصيدة الشعبية الحديثة شكلا ومضمونا.
لقد قدّم بدر عبدالمحسن طوال حياته الشعرية نموذجا مهما للقصيدة الشعبية حين أخرج القصيدة من ألفاظها التقليدية ودلالاتها إلى التعبير الشعري الخلاق الناتج عن ثقافة محمّلةٍ بالفن والأحاسيس المرهفة والصور التي تتوالد من قصيدة إلى أخرى. إنه بدر عبدالمحسن الشاعر، مهندس الكلمة، وضابط إيقاعها الشعري، والفنان الذي اقتطف الصورة من أعاليها. سأله الإعلامي عبدالله المديفر في البرنامج التلفزيوني «الليوان»: «...الشيء الثابت الذي لا يتغير، وكان موجودا في كل لقاءاتنا السابقة هو قلق الابتكار، إنك تبتكر شيئا جديدا، وهذا موجود في كل حديث». فأجاب: «مع العمر هذا كله كيف يتحول الإنسان إلى قصيدته؟ أتناول القصيدة بشكل مختلف، لأن هذا هو مفهومي للشعر، وهذا المفترض وهذا الابتكار، بذلك أحس أني شخص غير مفهوم، لا نكتب شيئا مختلفا إلا في القصيدة فقط، مثلا عند كتابة الرسالة إذا أردت كتابتها تكتبها بوضوح...». إذن إن الابتكار عند البدر أسلوب يشتغل عليه الشاعر، ويقدم القصيدة من خلالها وهذا ما لمسناه في غير نص من نصوصه الشعرية التي جاءت تنهل من معين الابتكار.
(2)
تأخذك قصيدة بدر عبدالمحسن إلى عوالم مختلفة من الدهشة، ومستويات من الإبداع، فتحس وأنت تقرأ نصوصه الشعرية أنك أمام نحّات ينحت لوحة فنية، يُجسد فيها معاني الفن والجمال البصري.
في قصيدته (المسافر) التي كتبت في تسعينيات القرن الماضي يأخذك البدر إلى هذه العوالم الجميلة مستحضرا لحظات الوداع والفراق والسفر والشوق، بل إنه يستحضر الدلالات الصوتية والبصرية كفنين يتداخلان مع عمق التبادل الشعوري والعاطفي. تقوم القصيدة في (20) سطرا شعريا قصيرا يبدؤها بـ:
لا تلوّح للمسافر
المسافر راح
ولا تنادي للمسافر
المسافر راح
هنا يمزج الشاعر بين فعل (الحركة التلويح وفعل الصوت) المناداة معتمدا على دلالة الألف في كلمة (راح) التي استخدمها صوتيا للمدّ في الوصول إلى أبعد نقطة في النداء إلى البعيد.
مع ذلك لا يزال اختلاط الأصوات المتداخلة مع غيرها يقدّم نصا شعريا مائزا، فازدحمت الدلالات في مدينة الشعر التي يعمّها الوداع والفراق، فنرى ازدحام الأصوات في المدى، والقطار يفوت والمسافر راح، أنوار الشوارع ذبلت والحروف انطفأت. هكذا التقاطات البدر في قصائده الشعرية الحديثة؛ فالتقاطة القطار مثلا برغم أنه يعيش في منطقة لا تكثر بها القطارات تحمل دلالاتها من عمق النص الشعري للتعبير عن السفر والوداع والفراق والشوق استطاع استغلال دلالاته وتوظيفها جيدا. والتقاطة وجه المسافر وتشبيهه بالمدينة والنهار والورد الأصفر والغصون كلها دالة على مرحلة الفراق الذي تنطفئ معه الأشياء:
لا تلوح للمسافر ..
المسافر راح ..
ولا تنادي للمسافر
المسافر راح ..
يا ضياع أصواتنا .. في المدى والريح
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح ..
يالله يا قلبي تعبنا من الوقوف ..
ما بقى بالليل نجمة ولا طيوف ..
ذبلت أنوار الشوارع .. وانطفى ضيّ الحروف
يالله يا قلبي سرينا .. ضاقت الدنيا علينا
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح ..
مادري باكر هالمدينة وشتكون ..
النهار والورد الأصفر والغصون ..
هذا وجهك يالمسافر لما كانت لي عيون ..
وينها عيوني حبيبي ..
سافرت مثلك حبيبي ..
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح.
(3)
مما أشار إليه بدر عبدالمحسن في برنامج «الليوان» عن تجربته الشعرية الذي طل يكتب صفحاتها شعرا طوال خمسين عاما، أنه مرّ فيها بثلاث مراحل:
الأولى: ويعدها أجمل المراحل الثلاث، وهي مرحلة الرومانسية استمرت لعشر سنين، يقول عنها: «إنني كنت أكتب لنفسي، وكنت أصفق لنفسي، وكانت الأغاني في تلك المرحلة قد اشتهرت برغم أني لم أكن شخصا معروفا».
الثانية: مرحلة الشهرة والنجومية واستمرت 20 عاما، قال عنها: «بدأت أكتب لنفسي ولغيري ، إنما هنا فيها كان هناك صراع بين الشعر والشاعر».
أما الثالثة: المرحلة الأخيرة إلى ما قبل 3 سنوات من الآن، فيها ابتدأت الرغبة في الكتابة تخفت، وبدأ الشعر يظهر على فترات متباعدة.
هذه المراحل بما فيها شكّلت لحظات الكتابة الشعرية عند البدر بكل ما تجسده معاني الشعر وتحولاته، وبكل ما تجسدها الحياة في عين الشاعر، لذا فإننا نرى في نصوصه ميلا إلى الكتابة عن الذات، نجد مثلا في قصيدة (الأربعين) أنه كان يتحدث فيها عن مضي العمر برغم أنه ما زال في حيوية الشباب:
أدري أن الوقت يذهب ما يعود..
اربعينٍ فارقتني يالعنود
ماطر الايام من غيم الزمان..
ما يبل الريق لو مهما يجود
كم شربته صافيٍ بارد قراح..
ما دريت ان الظما سر الوجود
كل شمسٍ تلمس اشجار العمر..
تحرق الاوراق وتجف الفنود
وكل ريحٍ تدفع شراع العمر..
ينقطع به حبل ويميل العمود
دار بعين مرت وتوني صغير..
انتظر لعل تصدق لي الوعود
والغريب اني على هذا مغَبُوط..
ادري اني بخير لا شفت الحسود
الزمن يا بنيتي كله زوال..
ما تخلد كود لحظات السجود
وفي آخر قصيدة يبعثها لأخيه في مرضه الأخير كان يتحدث فيها عن السنين والنهايات في نص مؤثر يودّع فيه العالم في نظرة عميقة إلى الحياة، يظهر فيها دلالات التعب والسفر الطويل الذي يصل معه إلى نهايته وانتهاء مسيرة المسافر الذي تكون آخر محطاته عند توقف القطار:
صوتي تجرح ما بقى غير همسي
وعسى حروفي اليوم توفي بغرضها
كن السنين استكثرت طول عرسي
سبعين غيري ما حصله بعضها
ولابدها يا سعود بتغيب شمسي
ذي سنة رب الخلايق فرضها
ولاعلها حريتي بعد حبسي
ولا علي ألقى عند ربي عوضها
لولاي أحبك ما تذكرت نفسي
ولا انتبهت لعجزها أو مرضها
ومادام أشوفك طاب حزني وأنسي
وما همني حلو الحياة و مضضها
لعل قبل سعود لحدي و رمسي
أخوي من أثرى حياتي و نهضها
ويا من ذكرني ما تذكرت منسي
ذكرت من عد النجوم و قبضها
أنا الذي لو تلمس الريح خمسي
كان السحاب أرخى العباة ونفضها
هذا الشجن حرثي والأيام غرسي
قصيدتي يبطي الزمن ما نقضها
(4)
من الملامح التجديدية التي نجدها في قصيدة البدر (بس أحلم) البناء السردي الذي يقوم على الوصف والحركة والانتقال البطيء من مشهد لآخر. لقد قدّمت سردية هنا نصا يمزج بين الشعر والسرد في دلالاته.
ويحاول البدر أن يفتتح نصه بدلالتين متضادتين: (البوح/ السر، الوضوح/ الغموض) ثم تتحرك القصيدة بعد ذلك إلى حركة درامية تقدّم من خلالها الشخصية:
اعبر الشارع
في الرصيف الثاني قهوة فيها اربع طاولات
وحده اجلس فيها وحد يوحده للي بيجي بعد يوحده لأغلى حرف عند ياما آخر وحده دايم للي فات من هموم وذكريات زحمة لكن كل من في القهوة ربعي
كلهم دمي و دمعي ليه ما تجلس مكاني وهذا شوفي وهذا سمعي اطلب أقلام ودفاتر وحاول أكتب عن شعور لاهو ظلما و لا هو نور قلب ما بين السطور وأنا اكتب أغنية مثل الرسايل كنت اكذب
والخيال العذب كذب كنت لازم اخفي سري و ما أقول ان هالمرة قصيدي هو خيالات الحقول
أسراب الطيور عن حقيقه عن شعور ما هو في ذهب السنابل انما تحت الجذور كسروا العشاق بابي
قطعوا لحمي ثيابي.. وخلعوا الادراج ..طاحت مزهرياتي الجميلة شققوا جفني كتابي وسألوا وين الجديل هو دمعة العين الكحيلة مالقوا في بيتي الاوما لقوا في صدري الاوما لقوا في قلبي الامنياتي المستحيلة واني احلم بس احلم
لعل القصيدة قدّمت ملمحا تجديديا ولو بسيطا عن القصيدة الجديدة التي يكتبها البدر، فيها الصور والانتقال المكاني، وتداخل الشخصيات مع غيرها.