حياة الماعز.. وغرائبية الواقع
الأربعاء / 28 / شوال / 1445 هـ - 20:18 - الأربعاء 8 مايو 2024 20:18
«كلُّ الحيوات التي نعيشها هي قصص خياليّة» بهذه الجملة التي تشير إلى غرائبية الواقع وعجائبيته، لدرجة تفوق الخيال، ينتهي الفيلم الهندي «حياة الماعز» للمخرج باليسي، المستوحى من قصة حقيقية جرت في أواخر التسعينيات، لرجل هندي بسيط وقع فريسة لشخص فاقد الضمير احتال عليه، وظلّ أسير معاناته مع قسوة الحياة، وسوء معاملته حتى نجح في الفرار منها بعد عامين.
لعب النجم (بريثفيراج سوكوماران) دور (نجيب) الهندي الذي وفد إلى دولة خليجيّة للعمل، دون أن يعرف وسيلة للتواصل مع أهل المكان، ولا يجيد التحدّث بلغة غير لغته، فوجد نفسه في مكان معزول عن العالم في صحراء مترامية الأطراف، ليعمل راعيًا للأغنام في الصحراء، وهو لم يوعد بهذا العمل، بعد أن تمّ اختطافه من المطار، مع زميل له، وهي الحلقة الثانية من الابتزاز، أما الحلقة الأولى، فقد كانت في الهند، من قبل مقاولين جشعين يوفّرون فرص عمل في الخليج لقاء مبالغ كبيرة جعلت بطل الفيلم، يبيع بيته، لتسكن عائلته العراء، من أجل أن يحصل على فرصة العمل هذه، على أمل تعويض ما خسر بعد أن يعمل في الخليج، وهو عمل، كما يتهيأ له، كفيل بتحسين وضعه المعيشي، لكنّ تلك الآمال تتبدّد بمجرّد وصوله الصحراء، ويكون شغله الشاغل الخروج من تلك المتاهة التي وجد نفسه فيها وسط ظروف قاسية، فيفقد تدريجيًا شعوره بإنسانيّته، رغم أنه يظلّ متشبثًا بها، ولو برشفة من شراب (المانجو) الذي أعدّته له والدته، ليستعيد شعوره بآدميّته، متذكّرًا زوجته التي تركها حاملًا بولده البكر(نبيل)، ولقسوة الظروف لم يكن أمام (نجيب) سوى الهروب من هذه المتاهة، خصوصًا بعد أن شاهد مواطنه الهندي الذي سبقه للمكان قد نسي اسمه، حين سأله عنه، بل ولغته، وتراجعت قواه العقلية شيئًا، فشيئًا، وحين مات وأكلت الطيور الجارحة جثّته، وقد جعل مخرج الفيلم النصف الثاني منه لمحاولات هروبه من الصحراء، وتوقه للحرية، مع زميله الذي رافقه في الرحلة من الهند، ورجل إفريقي، كان خبيرًا بطرق الصحراء، بشكل ذكّرني بفيلم (الفراشة) للمخرج فرانكلين شافنر وبطولة ستيف ماكوين وداستين هوفمان محاولات بطله (هنري بابليون) للهروب من السجن في مكان ناء، بعد أن حكم ظلمًا بالسجن مدى الحياة عن جريمة قتل لم يرتكبها، وهو أيضًا مقتبس من رواية بالاسم نفسه لهنري شاريير.
وهناك مشاهد تحتاج إلى مزيد من الإقناع، فهروب ثلاثة في الصحراء من بينهم إفريقي محترف يفتح سؤالا: لماذا لم يحملوا معهم قربة ماء، تعينهم على عطش الصحراء، حتى الوصول إلى الطريق؟ ولماذا لم يهربوا على ظهور الهجن، وكانت تحت تصرّفهم؟ لقد ترك صنّاع الفيلم الرجال الثلاثة هائمين في الصحراء، لتزيد معاناتهم، وترتفع وتيرة التراجيديا خصوصا بعد فقدان رفيقي (نجيب) خلال الرحلة، ليواجه مصيره بمفرده.
قصّة الفيلم معدّة عن رواية ترجمت إلى العديد من اللغات وفي عام 2008 حقّقت نجاحًا وعدّت الكتاب الأكثر مبيعًا في الهند، (بلغ عدد طبعاتها 250 طبعة)، وكيف لا يحقق هذا النجاح في السوق، وهو يتكلم عن العمل في الخليج الذي يشكّل هدفًا للكثير من الجنسيات الآسيوية، ولتحقيق هذا الهدف يتعرّضون لابتزاز الوسطاء من أبناء جلدتهم الذين يستغلون حاجتهم للعمل، وتحسين أوضاعهم المتردية، وصعوبات العيش في مناطق لا يجيدون فيها التحدّث بلغتها، وسوء الفهم الذي يحصل بسبب الحاجز اللغوي.
وأرى أنّ مخرج الفيلم قد بالغ في إظهار مشاهد القسوة، كما اعتدنا في الأفلام الهنديّة، رغم التراجيديا العامة للقصّة الأصليّة، فقد أخبرني الفنان طالب البلوشي، الذي أدّى بتمكّن دورًا رئيسًا في الفيلم، أن (نبيل) ابن بطل الحكاية الأصلية، يعمل حاليا في الوادي الكبير بمسقط، فقد كبر، وورث عن والده التوق للعمل في الخليج، فالأحداث التي تعرّض لها الوالد لم تشكّل حاجزًا نفسيًّا يحول بين الطفل والمنطقة، بل أنّ البطل الحقيقي بعد هروبه، وتسفيره، عاد مرة أخرى إلى الخليج وعمل في البحرين لمدة ثلاث سنوات.
من الناحية الفنية، نجح الفيلم في شدّ الجمهور منذ مشاهده الأولى، وتضافرت جماليات الصورة السينمائية، ومشاهد الصحراء التي جرى تصويرها بصحراء وادي رم وصحراء الجزائر، إضافة إلى المشاهد التي صوّرت في كيرلا بالهند، والمشاهد الأخيرة استرجاعية مثّلت فرصة للجمهور لكي يلتقط أنفاسه، وزادت المؤثرات الصوتية وأداء فريق العمل في ذلك، فجعلت المتلقي مشدودًا إلى الشاشة، ليتابع هذا الفيلم الذي عكس واقعًا يفوق الخيال.
لعب النجم (بريثفيراج سوكوماران) دور (نجيب) الهندي الذي وفد إلى دولة خليجيّة للعمل، دون أن يعرف وسيلة للتواصل مع أهل المكان، ولا يجيد التحدّث بلغة غير لغته، فوجد نفسه في مكان معزول عن العالم في صحراء مترامية الأطراف، ليعمل راعيًا للأغنام في الصحراء، وهو لم يوعد بهذا العمل، بعد أن تمّ اختطافه من المطار، مع زميل له، وهي الحلقة الثانية من الابتزاز، أما الحلقة الأولى، فقد كانت في الهند، من قبل مقاولين جشعين يوفّرون فرص عمل في الخليج لقاء مبالغ كبيرة جعلت بطل الفيلم، يبيع بيته، لتسكن عائلته العراء، من أجل أن يحصل على فرصة العمل هذه، على أمل تعويض ما خسر بعد أن يعمل في الخليج، وهو عمل، كما يتهيأ له، كفيل بتحسين وضعه المعيشي، لكنّ تلك الآمال تتبدّد بمجرّد وصوله الصحراء، ويكون شغله الشاغل الخروج من تلك المتاهة التي وجد نفسه فيها وسط ظروف قاسية، فيفقد تدريجيًا شعوره بإنسانيّته، رغم أنه يظلّ متشبثًا بها، ولو برشفة من شراب (المانجو) الذي أعدّته له والدته، ليستعيد شعوره بآدميّته، متذكّرًا زوجته التي تركها حاملًا بولده البكر(نبيل)، ولقسوة الظروف لم يكن أمام (نجيب) سوى الهروب من هذه المتاهة، خصوصًا بعد أن شاهد مواطنه الهندي الذي سبقه للمكان قد نسي اسمه، حين سأله عنه، بل ولغته، وتراجعت قواه العقلية شيئًا، فشيئًا، وحين مات وأكلت الطيور الجارحة جثّته، وقد جعل مخرج الفيلم النصف الثاني منه لمحاولات هروبه من الصحراء، وتوقه للحرية، مع زميله الذي رافقه في الرحلة من الهند، ورجل إفريقي، كان خبيرًا بطرق الصحراء، بشكل ذكّرني بفيلم (الفراشة) للمخرج فرانكلين شافنر وبطولة ستيف ماكوين وداستين هوفمان محاولات بطله (هنري بابليون) للهروب من السجن في مكان ناء، بعد أن حكم ظلمًا بالسجن مدى الحياة عن جريمة قتل لم يرتكبها، وهو أيضًا مقتبس من رواية بالاسم نفسه لهنري شاريير.
وهناك مشاهد تحتاج إلى مزيد من الإقناع، فهروب ثلاثة في الصحراء من بينهم إفريقي محترف يفتح سؤالا: لماذا لم يحملوا معهم قربة ماء، تعينهم على عطش الصحراء، حتى الوصول إلى الطريق؟ ولماذا لم يهربوا على ظهور الهجن، وكانت تحت تصرّفهم؟ لقد ترك صنّاع الفيلم الرجال الثلاثة هائمين في الصحراء، لتزيد معاناتهم، وترتفع وتيرة التراجيديا خصوصا بعد فقدان رفيقي (نجيب) خلال الرحلة، ليواجه مصيره بمفرده.
قصّة الفيلم معدّة عن رواية ترجمت إلى العديد من اللغات وفي عام 2008 حقّقت نجاحًا وعدّت الكتاب الأكثر مبيعًا في الهند، (بلغ عدد طبعاتها 250 طبعة)، وكيف لا يحقق هذا النجاح في السوق، وهو يتكلم عن العمل في الخليج الذي يشكّل هدفًا للكثير من الجنسيات الآسيوية، ولتحقيق هذا الهدف يتعرّضون لابتزاز الوسطاء من أبناء جلدتهم الذين يستغلون حاجتهم للعمل، وتحسين أوضاعهم المتردية، وصعوبات العيش في مناطق لا يجيدون فيها التحدّث بلغتها، وسوء الفهم الذي يحصل بسبب الحاجز اللغوي.
وأرى أنّ مخرج الفيلم قد بالغ في إظهار مشاهد القسوة، كما اعتدنا في الأفلام الهنديّة، رغم التراجيديا العامة للقصّة الأصليّة، فقد أخبرني الفنان طالب البلوشي، الذي أدّى بتمكّن دورًا رئيسًا في الفيلم، أن (نبيل) ابن بطل الحكاية الأصلية، يعمل حاليا في الوادي الكبير بمسقط، فقد كبر، وورث عن والده التوق للعمل في الخليج، فالأحداث التي تعرّض لها الوالد لم تشكّل حاجزًا نفسيًّا يحول بين الطفل والمنطقة، بل أنّ البطل الحقيقي بعد هروبه، وتسفيره، عاد مرة أخرى إلى الخليج وعمل في البحرين لمدة ثلاث سنوات.
من الناحية الفنية، نجح الفيلم في شدّ الجمهور منذ مشاهده الأولى، وتضافرت جماليات الصورة السينمائية، ومشاهد الصحراء التي جرى تصويرها بصحراء وادي رم وصحراء الجزائر، إضافة إلى المشاهد التي صوّرت في كيرلا بالهند، والمشاهد الأخيرة استرجاعية مثّلت فرصة للجمهور لكي يلتقط أنفاسه، وزادت المؤثرات الصوتية وأداء فريق العمل في ذلك، فجعلت المتلقي مشدودًا إلى الشاشة، ليتابع هذا الفيلم الذي عكس واقعًا يفوق الخيال.