أعمدة

المرأة المدخنة

 
التقيت بامرأة أعرفها، لكنني كنت أتجنبها بسبب عادة أجدها شخصيًا لا تليق بالنساء وهي التدخين، وبسبب هذه العادة كونت عنها صورة في ذهني كانت هذه الصورة دائمًا ما تقف حاجزًا بيني وبينها، خاصة وأنني في الفترة التي تعرفت عليها كانت تمر بظروف مالية سيئة جدًا، رأيتها وهي تنفق مالها على التدخين في الوقت الذي كانت وأبناؤها أحق بهذا المال كان يزيدني نفورًا منها.

شاءت الأقدار أن تجمعني بها مناسبة لم أستطع أن أتجنب اللقاء بها، أتاحت لي الاستماع لها، العجيب أنني رأيت إنسانة مختلفة تمامًا عن تلك الصورة التي نسجتها حولها، بسبب عادتها السيئة تلك، واختزلت شخصيتها وهويتها في (المرأة المدخنة)، اكتشفت امرأة طحنتها الحياة بقسوة، أعترف بأنني لو مررت بتلك الظروف فقد أختار لنفسي طريقًا غير الطريق الذي اتخذته، أدركت أنه من السهل جدًا إصدار الأحكام على الآخرين، وتفصيل حياة مثالية لهم في أذهاننا، لكن من يرى غير من يجرب.

حدثتني المرأة عن تجربتها مع التدخين رغم أنني لم أسأل، ولعلها قرأت هي أيضا سلوكي تجاهها، عرفت أنها تركت التدخين منذ سنوات بعد عشرة ما يزيد على ثلاثة عقود، فقد بدأتها في سن المراهقة، من خلال والدتها التي كانت تطلب منها إعداد (القدو) لها وضيفاتها أحيانا، تركتها بعد أن فتكت بصحتها، فقد أصيبت بمرض مزمن كان يتطلب منها المبيت في المستشفى، لكن لكون المستشفى يعني حرمانها من التدخين فقد اختارت المرض على ترك عادتها السيئة.

ثم سبحان الله وفي لحظة إدراك أثناء جائحة كورونا لم تتمكن خلالها من شراء التبغ، فجن جنونها، في تلك اللحظة وهي ترى نفسها كالمجنونة، وأولادها حولها ينظرون إليها بألم أدركت إلى أي حد أصبحت هي الإنسانة أسيرة لعادة سيئة تستنزف أموالها التي هي وأولادها أولى بها، وتستنزف قبل ذلك حياتها وكرامتها وهي تحتال بشتى الطرق لإخفاء عادتها تلك عن الآخرين خجلا منها، اتخذت القرار المصيري.

تعلمت من هذه القصة أن لا حقيقة للإدمان، فكل عادة نتعود عليها، يمكننا أن نتعود على العيش دونها أيضا، باستخدام إرادتنا الحرة التي وضعها المولى فينا، كل من ترك التدخين ممن أعرف تركه فجأة وبقرار واحد حاسم، ولأسباب عدة كانت هي الحافز إذ لا بد من أي رحلة تغيير من دافع قوي، أيًّا كان هذا التغيير.

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية