نطحة زيدان التي أيقظتني
الأربعاء / 14 / شوال / 1445 هـ - 10:05 - الأربعاء 24 أبريل 2024 10:05
منذ بداية هذا العام وأنا أجد موضوع علاقة الكتابة بالرياضة ماثلا أمامي، فخلال اجتماعات مجلس إدارة النادي الثقافي لوضع برنامج فعاليات ٢٠٢٤، اقترح معاوية الرواحي عضو مجلس الإدارة فعالية عن الأدب الرياضي، اعتمدناها على الفور وتقررت جلسة حوارية بعنوان «الأدب الرياضي» شارك فيها سليمان المعمري وسالم الغيلاني وأدارها الدكتور يونس الأخزمي وكانت من أجمل فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب لعام ٢٠٢٤. كان قبل ذلك بعدة أشهر قد صدر للكاتب سليمان المعمري كتاب بعنوان «بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسي» ولفتني تداخل سليمان بالرياضة حتى علمت لاحقا أن بينه وبين كرة القدم علاقة طويلة الأمد.
أثناء بطولة كأس العالم ٢٠٢٢ التي أقيمت في الدوحة وضج بها العالم، ضجت حياتنا أيضا، كان كل شيء يتمحور حول البطولة وميسي ورونالدو وبنزيمة ومبابي وغيرهم، وبحفل الافتتاح العظيم وبالسلوك الأخلاقي الذي انتهجته قطر لهذه المناسبة وبالتنظيم الذي فاق الوصف، وبالناس الذين يتداولون فرص الاشتراك في القنوات التي تبث المباريات وبتذاكر الطيران والحجوزات. كل ذلك لم يكن يلفتني. شيء واحد أدخل في رأسي فكرة جديدة قررت أن أبدأ في تعلمها وممارستها لأن بها متعة لا تشبه متعة اللعب ولا الكتابة، وهي التعليق الرياضي. كنت أستمع بدهشة كبيرة للمعلق التونسي عصام الشوالي الذي كان يلهث مع كل كلمة، والمعلق العماني خليل البلوشي، وأتساءل هل الأمر سهل لهذه الدرجة؟ ما هي المهارة التي يتطلبها التعليق الرياضي، كيف يتمكن المعلقون من ذلك الانثيال في الكلمات وتناسق العبارات وعيونهم تلاحق أقدام اللاعبين وحركة كل من بالملعب وحوله. أذكر أيامها أنني قررت أن أصبح معلقة رياضية بعد خمس سنوات، وصرت أتدرب على حركة الناس من حولي، حتى مللت ونسيت الموضوع حتى أعادني إليه كتاب سليمان المعمري.
أعترف بأنني لا علاقة لي بكرة القدم بتاتا، ولا أفهم فيها شيئا ولا أعرف الفرق بين المنتخب والفريق والدوري والبطولة، ولا التسلل ولا ضربات الجزاء ولا معنى ألوان البطاقات ولا أبالغ في ذلك. بالنسبة لي كلها مجرد كلمات رغم أن ابني نزار شرحها لي عدة مرات، لكن العقل لا يستقبل ما لا يريده. أعتبر كرة القدم دائما أنها شيء شاق وممل رغم أن عيون العالم تتقافز أمام المباريات وتحدث العجائب والخصومات أيضا. لكنني في المقابل كنت أعرف مارادونا العظيم منذ أن كنت صغيرة وأعرف إنجازاته، ولا أعتقد أن أحدا لا يعرفه رغم قلة الوسائل الإعلامية وقتها مقارنة بشهرة ميسي ورونالدو الآن. وأعرف أيضا غلام خميس وعماد الحوسني الذي مثّل يوما ما لإحدى الصديقات العاشقات لكرة القدم أملا في وصول عمان إلى العالمية. وهنا تنتهي معرفتي رغم التجمعات التي أقرتها نساء العائلة في السنوات الأخيرة لمتابعة نهائي البطولات إذا كانت عمان فيها. وفوق كل هذا ولم أتوقع يوما أن أقرأ كتابين عن كرة القدم تحديدا في الشهر نفسه أولهما لمنى حبراس بعنوان «عشر نظريات في السرد»، والثاني لسليمان المعمري «بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسي». وربما بعد عدة أشهر سأتحول إلى «ميسية» في متابعة كرة القدم، وليس في إتقانها.
قبل ثلاث سنوات تم اختياري مع بعض الكتاب العمانيين في ورشة كتابة إبداعية لكتابة قصة عن تاريخ كرة القدم يمكن تحويلها لعمل بصري يستخدم لاحتفال رياضي كبير. وقفت أمام نفسي كثيرا، دون أن أعترف أنني لا أعرف شيئا عن كرة القدم ولم أفكر أنه يمكن الكتابة عنها، تحديت الفكرة والهدف وتسللت إلى زوايا عقلي الذي لم يعمل منذ مدة، وحركت المخيال الإبداعي والتاريخي البحت عوضا عن المعلومات الكروية. وكتبت قصة أعجبتني قدرتي فيها على إحراز هدف دون ركض مضن. وسواء تم اختيار القصة أم لا، إلا أنني دخلت في تجربة مختلفة دون أن أكررها خوفا من أن الموضوع يتطلب دروسا مكثفة في تاريخ كرة القدم.
كتاب سليمان المعمري، أدخلني في مزاج منعش جدا في صباح غائم ومزاج سيئ، بدءا من الفصل الأول بعنوان «تذكرة المباراة» وهو مدخل ممتع أضحكني -مثلما أضحكني غلاف الكتاب وفكرته الجريئة لحسين المحروس التي كانت مدخلا مناسبا لموضوعات الكتاب ونكهته- وأخرجني إلى ملعب كرة القدم بمقالين «قبل المباراة» و«صافرة البداية» يحكيان علاقة سليمان بكرة القدم منذ طفولته. إلى الفصل الثاني بعنوان «الشوط الأول: تأملات في الساحرة» يتحدث عن جدلية دور كرة القدم في أنها لعبة سلام أم حرب وكراهية، ودور الإعلام في تتويج لاعب ما ووضعه قبل كل أحد. ثم يأتي الفصل الثالث بعنوان «الشوط الثاني: نجوم لا تغيب» الذي يسرد أسماء أفضل اللاعبين -بالنسبة لسليمان- ومنجزاتهم وحياتهم بصخبها وهدوئها وتكتيكاتها وفنونهم الأدائية في اللعب، والمنتخبات وعدد الأهداف لكل لاعب والأعوام العديدة لفوز كل فريق. لحظتها تذكرت مذاكرتي الشاقة لمادة التاريخ في المدرسة والتواريخ التي كنا ملزمين بحفظها تسجيلا للأحداث التاريخية. بالنسبة لي هذا الفصل عاطفي جدا رغم أنه توثيقي. لكن أغرب ما فيه أن سليمان قال عن نطحة زيدان أنها «الحدث الذي ما زال العالم يتذكره إلى اليوم» وأنا لا أعرف عنها شيئا، والأغرب من ذلك كمية الكتب والمقالات التي ذكرها سليمان في مقال «زين الدين زيدان: لم تكن مجرد نطحة» التي حللت وذكرت تلك النطحة التي قد تصدر من أي إنسان في لحظة غضب. أعتذر إن لم تكن نطحة زيدان ضمن قاموسي المعرفي.
ثم الفصل الأخير بعنوان «الوقت، بدل الضائع: لحظات فرح، لحظات حزن» يسرد فيه لحظات فارقة في كرة القدم كانت سببا في حزن أو فرح.
وأخيرا فصل «الخروج من اللعب» وفيه فقرة واحدة: «يعتقد البعض أن كرة القدم هي مسألة حياة أو موت. يمكنني أن أؤكد لكم أن الأمر أخطر من ذلك بكثير» قالها بيل شانلي - لاعب كرة ومدرب أسكتلندي. وفعلا بعد قراءة هذا الكتاب تركت الملعب باكتشاف حقيقة جميلة حول التوافق الإبداعي بين الكتابة والرياضة وكرة القدم بالأخص، وكيف أن التعبير الأدبي عن كرة القدم واللاعبين لا يشبه قصة حب ولا رواية مأساوية، ولا مقال صحفي يناقش قضية عابرة، بل إنه كما وصف به ميسي «يخلق اللغة وينشطها ويوقظ فينا حس اللغة والإبداع والارتباطات الأقل وضوحا كالشعر»، إلهام كهذا لا يأتي من فراغ. العلاقة بين الرياضة والأدب لا ينقصها الأديب ولا الرياضي، ينقصها شخص شغوف مثل سليمان المعمري بلغته الساخرة الرائعة، أو إدواردو جاليانو. فتلك الروح الإبداعية التي تولد من لحظات تتدحرج فيها الكرة بين أقدام اللاعبين كفيلة بردع أي هجوم ضد الموهبة وخلق الإبداع.
أثناء بطولة كأس العالم ٢٠٢٢ التي أقيمت في الدوحة وضج بها العالم، ضجت حياتنا أيضا، كان كل شيء يتمحور حول البطولة وميسي ورونالدو وبنزيمة ومبابي وغيرهم، وبحفل الافتتاح العظيم وبالسلوك الأخلاقي الذي انتهجته قطر لهذه المناسبة وبالتنظيم الذي فاق الوصف، وبالناس الذين يتداولون فرص الاشتراك في القنوات التي تبث المباريات وبتذاكر الطيران والحجوزات. كل ذلك لم يكن يلفتني. شيء واحد أدخل في رأسي فكرة جديدة قررت أن أبدأ في تعلمها وممارستها لأن بها متعة لا تشبه متعة اللعب ولا الكتابة، وهي التعليق الرياضي. كنت أستمع بدهشة كبيرة للمعلق التونسي عصام الشوالي الذي كان يلهث مع كل كلمة، والمعلق العماني خليل البلوشي، وأتساءل هل الأمر سهل لهذه الدرجة؟ ما هي المهارة التي يتطلبها التعليق الرياضي، كيف يتمكن المعلقون من ذلك الانثيال في الكلمات وتناسق العبارات وعيونهم تلاحق أقدام اللاعبين وحركة كل من بالملعب وحوله. أذكر أيامها أنني قررت أن أصبح معلقة رياضية بعد خمس سنوات، وصرت أتدرب على حركة الناس من حولي، حتى مللت ونسيت الموضوع حتى أعادني إليه كتاب سليمان المعمري.
أعترف بأنني لا علاقة لي بكرة القدم بتاتا، ولا أفهم فيها شيئا ولا أعرف الفرق بين المنتخب والفريق والدوري والبطولة، ولا التسلل ولا ضربات الجزاء ولا معنى ألوان البطاقات ولا أبالغ في ذلك. بالنسبة لي كلها مجرد كلمات رغم أن ابني نزار شرحها لي عدة مرات، لكن العقل لا يستقبل ما لا يريده. أعتبر كرة القدم دائما أنها شيء شاق وممل رغم أن عيون العالم تتقافز أمام المباريات وتحدث العجائب والخصومات أيضا. لكنني في المقابل كنت أعرف مارادونا العظيم منذ أن كنت صغيرة وأعرف إنجازاته، ولا أعتقد أن أحدا لا يعرفه رغم قلة الوسائل الإعلامية وقتها مقارنة بشهرة ميسي ورونالدو الآن. وأعرف أيضا غلام خميس وعماد الحوسني الذي مثّل يوما ما لإحدى الصديقات العاشقات لكرة القدم أملا في وصول عمان إلى العالمية. وهنا تنتهي معرفتي رغم التجمعات التي أقرتها نساء العائلة في السنوات الأخيرة لمتابعة نهائي البطولات إذا كانت عمان فيها. وفوق كل هذا ولم أتوقع يوما أن أقرأ كتابين عن كرة القدم تحديدا في الشهر نفسه أولهما لمنى حبراس بعنوان «عشر نظريات في السرد»، والثاني لسليمان المعمري «بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسي». وربما بعد عدة أشهر سأتحول إلى «ميسية» في متابعة كرة القدم، وليس في إتقانها.
قبل ثلاث سنوات تم اختياري مع بعض الكتاب العمانيين في ورشة كتابة إبداعية لكتابة قصة عن تاريخ كرة القدم يمكن تحويلها لعمل بصري يستخدم لاحتفال رياضي كبير. وقفت أمام نفسي كثيرا، دون أن أعترف أنني لا أعرف شيئا عن كرة القدم ولم أفكر أنه يمكن الكتابة عنها، تحديت الفكرة والهدف وتسللت إلى زوايا عقلي الذي لم يعمل منذ مدة، وحركت المخيال الإبداعي والتاريخي البحت عوضا عن المعلومات الكروية. وكتبت قصة أعجبتني قدرتي فيها على إحراز هدف دون ركض مضن. وسواء تم اختيار القصة أم لا، إلا أنني دخلت في تجربة مختلفة دون أن أكررها خوفا من أن الموضوع يتطلب دروسا مكثفة في تاريخ كرة القدم.
كتاب سليمان المعمري، أدخلني في مزاج منعش جدا في صباح غائم ومزاج سيئ، بدءا من الفصل الأول بعنوان «تذكرة المباراة» وهو مدخل ممتع أضحكني -مثلما أضحكني غلاف الكتاب وفكرته الجريئة لحسين المحروس التي كانت مدخلا مناسبا لموضوعات الكتاب ونكهته- وأخرجني إلى ملعب كرة القدم بمقالين «قبل المباراة» و«صافرة البداية» يحكيان علاقة سليمان بكرة القدم منذ طفولته. إلى الفصل الثاني بعنوان «الشوط الأول: تأملات في الساحرة» يتحدث عن جدلية دور كرة القدم في أنها لعبة سلام أم حرب وكراهية، ودور الإعلام في تتويج لاعب ما ووضعه قبل كل أحد. ثم يأتي الفصل الثالث بعنوان «الشوط الثاني: نجوم لا تغيب» الذي يسرد أسماء أفضل اللاعبين -بالنسبة لسليمان- ومنجزاتهم وحياتهم بصخبها وهدوئها وتكتيكاتها وفنونهم الأدائية في اللعب، والمنتخبات وعدد الأهداف لكل لاعب والأعوام العديدة لفوز كل فريق. لحظتها تذكرت مذاكرتي الشاقة لمادة التاريخ في المدرسة والتواريخ التي كنا ملزمين بحفظها تسجيلا للأحداث التاريخية. بالنسبة لي هذا الفصل عاطفي جدا رغم أنه توثيقي. لكن أغرب ما فيه أن سليمان قال عن نطحة زيدان أنها «الحدث الذي ما زال العالم يتذكره إلى اليوم» وأنا لا أعرف عنها شيئا، والأغرب من ذلك كمية الكتب والمقالات التي ذكرها سليمان في مقال «زين الدين زيدان: لم تكن مجرد نطحة» التي حللت وذكرت تلك النطحة التي قد تصدر من أي إنسان في لحظة غضب. أعتذر إن لم تكن نطحة زيدان ضمن قاموسي المعرفي.
ثم الفصل الأخير بعنوان «الوقت، بدل الضائع: لحظات فرح، لحظات حزن» يسرد فيه لحظات فارقة في كرة القدم كانت سببا في حزن أو فرح.
وأخيرا فصل «الخروج من اللعب» وفيه فقرة واحدة: «يعتقد البعض أن كرة القدم هي مسألة حياة أو موت. يمكنني أن أؤكد لكم أن الأمر أخطر من ذلك بكثير» قالها بيل شانلي - لاعب كرة ومدرب أسكتلندي. وفعلا بعد قراءة هذا الكتاب تركت الملعب باكتشاف حقيقة جميلة حول التوافق الإبداعي بين الكتابة والرياضة وكرة القدم بالأخص، وكيف أن التعبير الأدبي عن كرة القدم واللاعبين لا يشبه قصة حب ولا رواية مأساوية، ولا مقال صحفي يناقش قضية عابرة، بل إنه كما وصف به ميسي «يخلق اللغة وينشطها ويوقظ فينا حس اللغة والإبداع والارتباطات الأقل وضوحا كالشعر»، إلهام كهذا لا يأتي من فراغ. العلاقة بين الرياضة والأدب لا ينقصها الأديب ولا الرياضي، ينقصها شخص شغوف مثل سليمان المعمري بلغته الساخرة الرائعة، أو إدواردو جاليانو. فتلك الروح الإبداعية التي تولد من لحظات تتدحرج فيها الكرة بين أقدام اللاعبين كفيلة بردع أي هجوم ضد الموهبة وخلق الإبداع.