عمان الثقافي

الغابة الفاضلة جرأة الشكل وجرأة المضمون

 
بعض الكتب تُنهيها لأنه يجب أن تنتهي منها، وبعض الكتب تنتهي من قراءتها لكنها تبتدئ في فكرك وروحك، وتحرض فيك الأشجان والكوامن والتساؤلات والرغبة في النقاش، وتدخلك في حالة من الحنين ومن استعادة الثقة بالمنتج الأدبي- الفني الإنساني، أليس الفن هو التعبير السامي والراقي عن الجوانب المضيئة في ذلك الكائن المدهش الذي يدعى مجازًا (إنسان)؟

ما الإنسان إذًا؟ سؤال بالغ الأهمية تثيره بعض الأعمال الأدبية بحيلة بسيطة لكنها بديعة في الوقت ذاته، هو ذلك الشطر الشعري البديع الذي يُنسب لدوقلة المنبجي:

ضدان لما استجمعا حسنا

والضد يظهر حسنه الضد

إذًا لكي نلقي الضوء على سلوكيات وصفات الإنسان، فلنتناول ضده المعنوي (الحيوان)، وفي العمق لنوزع كل الصفات الإنسانية من أقصى الخير والغيرية والسمو إلى أقصى الشر والجشع والضعة والسفالة، وما يأتي بين هذين الحدين من صفات وسلوكيات أخرى تتسم بها النفس البشرية، لنوزع على ذلك على نماذج حيوانية، ولنرى أنفسنا من خلال مرآة غير مشوشة تظهر الحالة إما على فتنتها وجمالها أو على بشاعتها وقباحتها. هذا بعضٌ مما فعله الأديب العُماني عادل المعولي في نصه الروائي (الغابة الفاضلة)، والبعض الآخر كثير كثير.

بداية ومنذ أن عرفت عنوان الرواية شعرت أنني أمام عمل عميق، على مبدأ (المكتوب باين من عنوانه) غابة! وفاضلة! ونحن في أقصى تشابيهنا عن الفوضى والعشوائية والانتهاكات نطلق التشبيه البليغ إياه (كأننا نعيش في غابة)، بما يتضمن من إحالات معنوية حيث فيها القوي يأكل الضعيف، وحيث البقاء للأقوى وحيث يسود قانون الغابة، أين إذًا نجد مفردة الفاضلة؟ أليس في ذلك ضربة استباقية تعني فيما تعني أنه رغم كل الموروث الثقافي عن الغابة وقوانينها الجائرة، فإنها تبقى فاضلة نسبة إلى ما يحدث في العالم المتمدن المعاصر الحديث الذي يزخر بالقوانين؟ لكن أين منها قانون الغابة... الفاضلة؟ فكأن في ذلك صرخة مضمرة: ما أرحم قوانين الغابة مقارنة بواقعنا المؤسف كبشر!

الإحالة الأخرى: تأتي مباشرة من استحضار كتاب إفلاطون (المدينة الفاضلة)، وكتاب الفارابي (آراء أهل المدينة الفاضلة)، فهل هذه بتلك؟ وهل لدينا كتاب يمكن اعتباره معارضة للكتابين، متبنيًا فلسفة خاصة بما يخص المدينة المثالية، وبناءها وتنظيمها المجتمعي والسياسي؟ أو أن في الأمر رؤية أخرى؟

الإحالة الثالثة: تأتي من كون الكتاب ناطق بلسان الحيوانات، فيتجه ذهن القارئ إلى رواية شهيرة أبطالها حيوانات هي (مزرعة الحيوان) للإنجليزي (إريك آرثر بلير) المعروف بـجورج أورويل، وتحضرني رواية أخرى -وقعت بيدي مؤخرًا- بعنوان (ثورة البهائم) للكاتب الروسي (نيكولاي كوستوماروف)، ويتجه الذهن بالتأكيد إلى الكتاب الشهير كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي بيدبا، الذي ترجمه ابن المقفع.

الإحالة الرابعة: التي تبدو غير مباشرة لكن القارئ سوف يستحضرها بعد قراءة عدة صفحات من الغابة الفاضلة هي موضوع الكتاب الذي بشكل ما يذكرنا بكتاب (الأمير) لـ(مكيافيللي)، وكذلك بكتاب فن السياسة لـ(ولف ووجنر)، ويمكنني أن أوغل أكثر في القول: إن في كتاب الغابة الفاضلة أيضًا بعضا من روح ألف ليلة وليلة رغم التباعد الظاهري في أسلوب السرد.

كل ذلك يجعل القارئ يستذكر مطلع معلقة عنترة الشهير: هل غادر الشعراء من متردّم؟ ما الذي سيضيفه عادل المعولي بعد كل تلك الإحالات على كتب فلسفية، وكتب سياسية، وكتب ثوروية، وكتب وعظية... إلخ، بما قد تتضمن تلك النصوص الرفيعة من معانٍ ومدلولات مباشرة أو غير مباشرة، أو بالطريقة السردية الفنية التي قُدمت فيها؟ في الحقيقة، ومنذ أن بدأت أستكشف الصفحات انتابتني تلك الأسئلة بشدة، لكنها لم تلبث أن تراجعت بالتدريج لأدخل في حالة انسجام مع نص طريف سلس القياد عميق الغور، نص أصيل قائم بذاته وليس إحالة، ولا تناص، ولا حتى معارضة لنصوص أخرى.

الشكل:

على مستوى الشكل اختار الكاتب ما يشبه الصيغة المسرحية، وجاء معظم السرد حواريًا غير متكلف في بنية سردية غير شائعة للأعمال المصنفة روائية، ويلحظ القارئ أن في اختيار هذا الشكل جرأة الخروج عن الموضة! وفيه أيضًا وللإنصاف تذكير بأنواع كهذه أوشكت على الانقراض بعد طغيان أساليب السرد الحديثة، وما بعد الحديثة، وبهذا التذكير تحضرنا فكرة أنه لا يمكن لجنس أدبي أو لنوع سردي أن ينقرض، والمطلوب فقط هو فارس يمتلك تلك الموهبة ويخوض غمار التجربة، ويعيد إلى ساحة القص والنقد التذكير بتلك الأنماط التي أصبحت نادرة في العصر الحالي، لكنه يفاجئنا بأنه حين تحضر الموهبة فإن النص يغدو صالحًا بل وفاتنًا ومنافسًا حتى على مستوى الذاكرة الروائية.

البيئة الروائية وشخوصها:

كما هو واضح من العنوان فإن البيئة الافتراضية للرواية هي الغابة، وهي هنا ليست الغابة بمفهومها المجرد بل بما حمِّلت عبر تاريخ السرد من معانٍ وحمولات، فهي تلك الغابة المملكة التي فيها ملك للغابة هو في الغالب الأسد، وفيها رعية هم بقية الحيوانات، وفيها التقسيمات الشائعة للحيوانات (لاحمة- عاشبة- طيور- زواحف ..)، وفي هذا الكتاب لم يخرج الكاتب عن ذلك الموروث، لكنه أضفى عليه لمسة جديدة تجلت في توصيف الشخصيات وتقسيم الأدوار، ويبدو لي أن الكاتب بذل جهدًا كبيرًا حتى أتى توصيف الشخصيات وسلوكها بهذه التعبيرية العميقة، وهذه المطابقة المدهشة بين صفات الحيوان، والدور الدرامي الذي يتقمصه في الرواية، فأتت شخوص الرواية في مكانها الدرامي المناسب، وحتى اختيار الصفات والأسماء والألقاب جاء طريفًا ومعبرًا.

الموضوع:

قد يبدو الصراع بين الخير والشر أو الثورة على الظلم أو المطالبة بحقوق من الموضوعات التقليدية، لكنني أجزم أن للرواية غايات أعمق بكثير، وهي إنما اتخذت من المظلومية التي يعاني منها أصحاب الظلف والحافر أمام أصحاب الناب والمخلب مطية للعبور إلى فضاءاتها المعنوية الرحبة؛ من البداية يصدّر الكاتب موضوع العريضة التي رفعتها الحيوانات العاشبة إلى ملك الغابة، ويتضح من خلال الوصف والحوارات دور كل حيوان في القصة، فهناك المستشار، وهناك الوزير، وهناك القاضي، وهناك الحكيم، وهناك زوجة الحاكم، وهناك مهرج الحاكم وجاسوس الحاكم، ورسول الحاكم، وهناك أيضًا مجلس من الوجهاء لتداول الرأي، وهو غالبًا المتسبب بالظلم الذي حاق بالطرف الآخر. مقابل ذلك نجد في المعارضة زعيم الثائرين، والرؤوس الحامية، والمساكين، والمنتفعين، والطموحين نتأمل كل ذلك ونلحظ مدى رمزيته، وإسقاطاته على واقع البشر.

تكون العريضة إذًا نذيرًا لطبقة السادة، فيما تكون كالمستجير من الرمضاء بالنار بالنسبة لطبقة المظلومين فيما يبقى الضباع على التأهب للتعامل مع المواقف المستجدة وميزان القوى، وعلى اللعب بين المتاح والمباح تمضي الرواية في حوارات بالغة الروعة من حيث مضمونها وشواهدها وغرضها الدرامي بما يتناسب مع أدوار الشخصيات، وموقفها النفسي والأخلاقي من لأحداث، ومن بعضها البعض في إطار لا يخلو من التنافس والحسد لأفراد الجنس الواحد، وكذلك الصراع بين الأطراف كافة، أو حتى التحالفات.

يمضي الحوار ولكن ليس أي حوار، إن حوارات الثعلب مع بقية الأطراف تمثل وحدها دروسًا بالغة الأهمية في فن السياسة، وفي براعة الحجة، وبراعة الدفاع عن المبدأ لكن في المقابل سوف نجد أن حجج الآخرين ومنطقهم في الدفاع عما تبنوه من أفكار وسياسات لا تقل حجة وإفحامًا عن منطق الثعلب، لدرجة أن العقل يحار، ويجد أن لكل منطق أدوات إقناعه، ويبدو ظاهريًا جديرًا بالأخذ بعين الاعتبار، إذ المحور الأعمق في الرواية لا يكمن في فرضيات انتصار الخير على الشر بقدر ما يعترف بوجود كليهما لكنه يبحث في فن سياستهما، ومن هذا المنظور تبدو الرواية مدرسة في فن السياسة، إنها حديقة غنية بالأفكار، بل وبالاقتراحات أيضًا، ولعدم الإطالة سأكتفي بإيراد نماذج من بعض الحوارات:

الثعلب (القاضي) مخاطبًا الملك:

«مولاي، لا مفسدة مع الحلم، ولا منقصة مع التغابي، فسيد القوم المتغابي. الحلمُ مِكيالٌ ثُلثاه التَّغابي. والحُكم يُساس بالشدة واللين، والحكم يَكسِب احترامه من تقدير الحاكم لرعيته، خاصتهم وعامتهم، كبيرهم وصغيرهم، وعداوة العاقل خير من صداقة الجاهل، واحترام عقول الغابة خير من احترام رغباتها، فالعقول لها حدود منطقية تقف عندها، أما النوازع والرغبات بلا حدود.

مولاي، لا عقل كالتدبير. والربان الحكيم إذا غشي سفينته الموج ثم خشي عليها الغرق، أخفَّها مما أثقلها من متاع، حين يرمي الثقيل في عرض البحر. مولاي، أصبحت عين الناقد فاحصة حين اكتشفت مفارقة ازدواج التدين وتقديمه طقسيًا وشعائريًا في مقابل تأخّرهِ قيميًا وروحيًا. أيضًا، انتبهت العامة حين أدركت أننا نحن من يُطلق الخوف، والفزع، والجوع ثم بعد ذلك نفرض عليهم أن يلوذوا بنا فرارًا مما أطلقناه، وبهذا نصبح نحن الداء والدواء والمعضلة والحل».

في المقابل لنلاحظ وجهة نظر الضبع الضاري:

«مولاي، التعامل لغة وفن، ولسان حال، ولكلٍّ لغته وحالهِ وفنه، وقد نتسلح بأسلحة الشر لا للشر، إنما لمواجهته أو لتوقّيه، فإن كان الرياء، والنفاق، والرشوة، والخداع، والكذب من أسلحة الشر فبأسلحته نصانعه. وقليلًا من النفاق مع قليل من الترياق لمواجهة الخطر ليس بالأمر الجلل. والمكر يجابه بمكر، والشعوذة تجابه بالشَعبَذة، ومصانعة الضعيف للقوي سياسة -والشيطان الناضج المجرب خير من الحيوان القاعد الساذج- وتلون الحرباء وفق مقتضيات الخطر إسعافٌ لحياتها. وطيّب القلب خائبُ الحيلة أمام خبيث القلب، وقول الحق في كل مكان ومحفل لن يبقي لنا صديقًا حميمًا».

ولنلاحظ كذلك بلاغة القرد (رذيلة) بهلول العرين في دفاعه ورؤيته السياسية:

«أرى أن تشغلوا سكان الغابة باللهو والمجون، وبالغفلة المسمومة، وبالحفلات والمهرجانات واليانصيب، وبأيام الزينة وساعات التسلية، واللعب، وإشهار المسابقات المرصودة بالجوائز، وبعبادة العادة والتقليد والرمز. كل ذلك يكون تحت مظلة المصلحة العامة، وبخدعة الرفاهية الكاذبة، وبحجة، إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة، وتفاخر، وتكاثر في الأموال والأولاد؛ اللعب واللهو يكون من نصيب العامة، والتفاخر الجاد، والتكاثر في الأموال والأولاد يكون من نصيب مولاي وخاصته ثم نسوُّق لهم القدرية الحاكمة. فعلى سبيل المثال، من مات من الجوع، فقد مات تحت حكم القضاء والقدر، ومن تولى الأمر، تولاه بإذن من لدن الحكيم الخبير. بهذا تُصبح القدرية عزاء العامة والخاصة».

ولنلاحظ أيضًا حوار النسر الحكيم مع الملك:

«مَثلُ هذه الشرذمة، كمثل الذبابة التي تحط على الجرح، فما أن ينتبه الجريح لها حتى يستفزه وجودها مسارعًا باليد هاويًا عليها، لكن وقع الضربة قد يصيب الجرح ولا يصيبها. والنحلة في ساعة الخطر تُرجي لسعتها ما وسعها من سبيل، فإن لم تجد السبيل دفعت الخطر باللسع ثم تموت، هي تعلم أن اللسع يعقبه الموت، والسلامةُ في تجنّب اللسع، لذلك تؤخر لسعتها حتى نفاذ الحيلة».

ولنلاحظ أيضًا حوار ميمون القردوح مع الثائرين:

«لم نُخلق ضعفاء، وخلقوا أقوياء، إنما الضعف فينا حالة طارئة، مثلما القوة فيهم حالة طارئة، فإن لم نكن أكفاء لهم في الناب والمخلب كنا أكفاء لهم في الحيلة وحسن التدبير. وجملتهم وهم مجتمعين بين الرهط والزمرة، بضع أعشار، ونحن مجتمعين بين السرب والقطيع، جيش جرار. يظن العامة أن سلاح الناب والمخلب هما الحارسين، ولكن الحقيقة التاريخية تقول: خداع العامة باللهو والأكاذيب هما حُرَّاس الطغاة، وما حُرَّاس العرين وخَدَمِه، إلا حُجَّاب ينظمون الداخل والخارج بفظاظة المتكبر المتعالي، وما تلك الحِراسة وأسوار الصياصي والقلاع، ومراسم الاستقبال إلا مظهر من مظاهر الرهبة والخوف، فكم أخبرنا التاريخ حين رأينا أولئك الحراس أول الفارين من أمام موج الجحافل، تاركين سيدهم يواجه مصيره الشرس في أحسن الأحوال. أما في أسوئها، يقدم الخادم سيده لعدوه تقربًا له وتزلفًا منه؛ لأنه سوف يصبح عما قليل سيده الجديد».

ولنلاحظ كذلك حديث ميمون مع النسر رسول الأسد:

«أيه يا صديقي القديم، خذها مني صادقة منخولة، لا تغرنّك شجرة المُلك الضخمة ذات الظلال الزائلة، فما هي إلا كشجرة عظيمة من أشجار الغِراء يهوي إليها ما دب وخف. أما العابر الكريم يستظل تحت ظلها ساعة ثم يمضي إلى حال سبيله. يا لقمان، إن الحظوظ والأقدار كالرياح المتقلبة بقدر ما تبعث فينا الأمل، تبعث فينا اليأس والملل، ومثلما أنت تحط ثم تستقر على فرع الشجرة الأدنى لمتانته متجنبًا فرع الشجرة الأعلى لطراوته، كذلك تجنَّبْ فرع شجرة السلطان الأعلى فإنه واهن غض، لا يقوى على حملك طويلًا. إلا إن الأمن والسلامة في الركن الأدنى، وخطل الانكسار يكمن في الفرع الأعلى».

طبعًا هذه بعض الأمثلة، وغيض من فيض الحوارات المتقنة التي حفلت بها الرواية، إضافة إلى توزيع أدوار متوازنة بين الشخصيات، وبين مفعولها المادي والمعنوي في الأحداث.

نحن إذن أمام عمل أقل ما يقال فيه أنه جاء مختلفًا شكلًا ومضمونًا عن الدارج والسائد، وأنه أعاد إلى الاعتبار فنًّا من فنون السرد كاد أن ينقرض، وموضوعًا جديرًا بالنظر والتأمّل، ربما يخطر لي أن أسميه: كيف نسوس؟ أو فن السياسة، أو رؤية شاملة في البنية السياسية السليمة وفي دور المؤسسات. والنص في ذلك لا يجامل ولا يراوغ إنه يضيء بقوة أحيانًا، وبلطف أحيانًا، ويقدم نظرته للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الحاكم والمعارضة، وبين الحلفاء المتنافسين، وبين الخصوم الافتراضيين، وفي السياق لا يخلو النص من جماليات التهكّم في بعض المواضع، وهو تهكّم ساعد في بروزه، أن أبطال الرواية هم من الحيوانات، فجاء اللعب على المفارقات الشكلانية أو السلوكية لطيفًا داعمًا للفكرة، مبرزًا جانبًا ولو قليلًا من كوميديا مبطنة لكنها هادفة، أو ذات ملاحظة دقيقة، وفي أحيان كثيرة فلسفية وعميقة.

أيضًا لم يفت النص شمولية العرض، التي تعني فيما تعني شمولية الرؤية فهو وإن ركّز على المحور الأساس إلا أن بعض الخيوط الفرعية أكسبته نضجًا حيث إنه لم يغفل عن وجود الزوجة ولا عن وجود المهرج، ولا عن وجود الصداقات القديمة، ولا عن صفات الثائر الحقيقي، ولا العبور السريع على صفات التاجر والمتاجر بالقضايا الكبيرة، ولا عن وجود الأجهزة السرية التي تعمل من خلف الستار، ولا حتى عن العلاقات مع الدول الأخرى.

ختامًا أقول: لئن كانت كتب مثل: كليلة ودمنة، والف ليلة وليلة من الكتب المؤسسة في الثقافة العربية، فإن رواية (عادل المعولي) قد استطاعت أن تضيف الكثير، وقد تمتعت بالجرأة الكافية، والعمق الكافي، والبلاغة، وفنيات السرد ما يجعلها من الكتب المهمة في المكتبة العربية، والتي تستحق دراسات ودراسات، ومن الأمثلة الناصعة على أن الفن الجميل لا ينقرض، وليست الموضة هي الحاكمة وهي المعيار بل المعيار الحقيقي هو جودة النص، وهذا النص ملهم وواسع الثقافة، وواسع الصبر في إيصال سيل من الأفكار في موضوعه، ومن المجدي والمفيد ربما إخراجه للمسرح، أو للدراما بأنواعها وهو الشكل الذي ارتآه الكاتب لنصه المُضيء، وهو أيضًا وجه من وجوه الإنتاج الأدبي العُماني، ما يدفعنا للمطالبة بأن يتبوّأ هذا الأدب مكانته السامية في مكتبة الأدب العربي بشكل خاص والعالمي بشكل عام.