أعمدة

أسطورة الشاي..

 
فتحنا أعيننا على شرب الشاي سواء بالحليب أو الأحمر، كنا نعده ركنًا أساسيًا في حياتنا، ولربما الكافيين الموجود فيه وتأثيره المهدئ كان يجعله الخيار الأمثل لدى الناس دون أن يدروا، أو لربما الدعاية القوية والموجهة للشاي منذ عقود طويلة.

أذكر عندما عملت أخصائية اجتماعية في المدارس، كانت تكثر حالات الإغماء في الصباح الباكر بسبب شرب الكثير من الطالبات الصغار الشاي الأحمر بدون تناول أي فطور، فقد عدته بعض الأسر غذاء كاملًا، فإذا تناوله الطفل وكأنه تناول وجبة مهمة.

وصرنا مغرمين بكل أنواع الشاي، الأبيض والأخضر والأسود، مع الكافيين أو دون كافيين، مع الياسمين، أو الورد أو مع زهورات، ايرل غراي، وفضي ومثلج وغير مثلج، وشاي اثنين في واحد، وثلاثة في واحد، وشاي علي بابا وغير علي بابا، فقد كثرت وتعددت الأسماء إلى درجة التخمة، وكأن هناك يدا خفية تريد أن تجعل الشاي المشروب الأول في العالم، ويبدو أنه أصبح كذلك، فهو المشروب المهم والأكثر أهمية لدى الناس في كل المناسبات، وصرنا نعقد الجلسات والاجتماعات المهمة على شاي العصر أو شاي الساعة الثامنة.

وصارت هدايانا الشاي بأنواعه للأهل إذا سافرنا إلى جنوب شرق آسيا أو الصين أو اليابان، مع الأيام صرنا نكتشف عالمًا آخر من المشروبات الشعبية والعربية والأسيوية، كلها أصبحت في زاوية النسيان والإهمال منذ عقود طويلة، وصرنا نعيد اكتشافها عندما بدأ اهتمامنا بالطعام والشراب الصحي، وبعد أن تعبنا من عوارض الحرقان المتلازم والحموضة الزائدة ونقص الحديد، والآثار الانسحابية للكافيين وأولها الصداع في شهر رمضان لدى تغيير عادات الطعام والشراب.

لو فتحنا أي موقع يتحدث عن الأطعمة والأشربة الصحية لوجدنا الشاي في ذيل القائمة، فهو غير قادر على المنافسة الصحية مع شراب العرقسوس أو الكركديه أو البابونج أو النعناع أو الزعفران أو الزنحبيل أو غيره من الأعشاب.

بالنسبة للكثير لا يزال الشاي الخيار الأهم، رغم كل العوارض الصحية التي يسببها له الشاي، فقد أصبح الشاي عادة صباحية وفي العصرية، وما أصعب التخلي عن العادات وإن كان على حساب الصحة.

نتفاجأ عندما نرى طفلا صغيرا يعطى الشاي كوجبة من الوجبات المهمة، سواء مع رخال أو بسكويت أو بقسم، ولا أزال أتذكر إحدى الأمهات المتعلمات التي استفاق طفلها ذو العام الواحد عصرا، فألقمته أمه ببقسم مغمس بالشاي الأحمر، وثم عرفت منها أنها وجبة العصرية لطفلها الصغير.