الحَلُّ والإِصابة.. أشهر شروح كتاب الدعائم
الاثنين / 7 / رمضان / 1445 هـ - 17:12 - الاثنين 18 مارس 2024 17:12
عرجنا في مقالة سابقة على كتاب (الدعائم) لأبي بكر أحمد بن النظر السمائلي (ق5هـ) مع إشارة إلى شروحه وتعددها عند أهل عمان وبلاد المغرب، وها هنا نلفت النظر إلى أسبق شروح كتاب الدعائم وأشهرها وهو كتاب (الحَلّ والإصابة) لمحمد بن وصاف النزوي (ق6هـ). والحق أن هذا الشرح من القيمة اللغوية والتاريخية والحضارية بمكان يجعله في طليعة الآثار الجديرة بالعناية، ولم تصدر لهذا الكتاب سوى نشرة واحدة عن وزارة التراث القومي والثقافة سنة 1982م بتحقيق عبدالمنعم عامر، وهي نشرة كثيرة الأخطاء والتصحيف والتحريف والحذف، وقد وصفها الباحث سلطان بن مبارك الشيباني بأنها لا تمثل النص الأصلي الذي كتبه المؤلف، وقد سبق للباحث نفسه أن كشف عن نسخة عتيقة للكتاب نُسِخت سنة 600هـ تحتفظ بها دار المخطوطات العمانية، وفي علمنا أن وزارة الثقافة والرياضة والشباب تزمع إصدار نشرة جديدة محققة للكتاب.
قرَّظ ابن وصاف في مقدمته كتاب الدعائم ومما جاء فيها: «إني نظرت فيما ألَّفه أهل العلم من الكتب وصنفوه من العلوم والأدب، ودونوه من الرجز والشعر، وأثروه من النظم والنثر، فوجدت كتاب الدعائم المضاف إلى أبي بكر أحمد بن النظر العماني من أحسن الكتب نظمًا وتأليفًا، وأجلها معنى وتصنيفًا، وقد سمعت بعض الرواة عن أهل الأدب أنه قال: إن أبا بكر أحمد بن النظر كان أشعر العلماء وأعلم الشعراء، غير أني لم أجد لكتابه هذا تفسيرًا مع علوّ درجته وسمو مرتبته من العلم ومنزلته، وغفول أهل العلم من الأولين عن شرحه وتبيينه، ليفهم ذلك عنهم المتأخرون».
استشهد ابن وصاف في شرحه اللغوي الفقهي بشواهد كثيرة ورجع إلى مصادر عديدة تنبئ عن علو كعبه ورسوخه في العلم، وتُخبرنا كذلك عن مكتبة زاخرة كان يرجع إليها، فإلى جانب استشهاده بالتنزيل وبالأحاديث النبوية، نقل كذلك جملة مما أُثر عن بعض الصحابة مثل عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وعن بعض التابعين مثل مجاهد، وجابر بن زيد، وعن بعض أتباع جابر بن زيد وتلامذتهم مثل ضمام بن السائب، وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، والربيع بن حبيب. وقد نقل عن جملة من أسلافه العلماء العمانيين منهم: منير بن النير، وموسى بن أبي جابر، ومحمد بن محبوب، وابنه بشير، وأبو المؤثر الصلت بن خميس، وموسى بن علي، وأبو زياد الوضاح بن عقبة، وأبو الحواري محمد بن الحواري، وأبو مالك الصلاني، وأبو سعيد الكدمي، وأبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة.
ولما كان الشرح لغويًا كذلك نراه نقل عن جملة من أهل اللغة مثل الزجّاج، وأبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وابن السكيت، والسجستاني، كما شاعت الشواهد الشعرية في شرحه بين شعر جاهلي وإسلامي، فهو يستشهد بشعر عنترة، وامرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وزهير، والنابغة الذبياني، والأعشى، وتأبط شرا، وكعب بن زهير، وجرير، وأبي ذؤيب الهذلي، والمتنبي، وينقل عن بعض الرواة مثل: الكلبي، والأصمعي، ونراه قد سمى بعض الكتب التي أخذ عنها مثل: كتاب المنطق لابن السكّيت، وكتاب العين للخليل بن أحمد.
أما عن الشعراء العمانيين فقد نقل أكثر ما نقل في استشهاداته عن الشاعر أبي بكر أحمد بن سعيد الستالي، بل صرح في نص من كتابه أنه جرى بينهما حوار حول بيت لأبي تمام، وفي ذلك دليل على أنه من معاصريه، ويقود ذلك أيضًا إلى تحديد زمان كل منهما، ويذكر الباحث سلطان بن مبارك الشيباني أن للستالي أشعارًا غير موجودة في ديوانه المعروف نقلها ابن وصاف في شرحه. وقد نقل ابن وصاف عن مصادر كثيرة أشار إليها ولم يُسَمِّها نحو قوله: «وجدت في بعض التفسير»، «وفي بعض الكتب»، «قال بعض أصحابنا».
ونود أن نشير هنا إلى التفات ابن وصاف في شرحه إلى لغة أهل عمان، سواء بالتصريح بنسبة شواهده إلى لغتهم أو بغير تصريح، ومن أمثلة ذلك شرحه لمعنى: (تقشع): تزيل وتُذهِب وتكشف. (المدر): قِطَع الطين اليابس، واحدتها مدرة. قليت البسر وقولته: إذا طبخته بالنار، وهو المبسل. وفي مواضع أخرى سمى فيها لغة أهل عمان نحو قوله في معنى أجدل: «نوع من الصقور وجمعه أجادل، وعند أهل عمان: الأجدل: الذي يخرج في الليل يرعى ويأكل نبق السدر»، ومثل تعريفه للوزغ بقوله: «والوزغ بلغة أهل عمان: اللغّ، وهو دويبة تمشي على أربع، وفي ظهرها خطوط، وظهرها أغبر. وصنف منها أوحش من هذا الجنس، أحمر صاحب له عينان ثابتتان، وله غراغر في حلقه»، ومثل ما جاء في تعريفه للقنية: «وفي لغة أهل عمان وما يتعارفون بينهم أن يُعطيَ الرجلُ الرجلَ بقرة أو شاة أو نخلة أو حمارة أو غير ذلك يعلفها، فسهم بنصف أو ثلث أو ربع وما يتفقان عليه من السهم، ويكون بينهما أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل الذي اتفقا عليه فأخذ كل واحد سهمه، فهذه القنية والقنوة عندهم» وقوله في الميزاب: «يعني ميزاب الكعبة، وفي لغة أهل عمان: الميزاب: المرزاب». ومن طريف شواهده ما جاء في تعريف اللبان إذ قال: «اللبان: معروف، وهو صمغ شجرة تنبت بالشِّحر. وقال رجل من أهل عمان:
عليك بالشِّحر ودَعْ عمانا
إن لم تجد تمرًا فَكُلْ لُبانا»
وقد كشف ابن وصاف سر أبيات في الرثاء قالها ابن النظر في آخر منظومة له في كتاب الدعائم موضوعها في النكاح، فقال: «أخبرني بعض أهل الحديث أن أبا بكر أحمد بن النظر كان له أخ في الله، كان يسكن قرية نخل، فأتاه نعيه وهو في عمل هذه القصيدة، فرثاه في آخرها بأبيات، وكان يسمى عبدالله ويكنى أبا عمر»، وأول أبيات ابن النظر تلك قوله:
أقول لعبدالله لما تغيَّبَتْ
محاسنه في الأرض فالعين تسفحُ
أبا عمر من للمكارم والعُلى
ومن لذوي الإسلام يأوي وينصحُ
ثم قال بعد أبيات:
فلله قبر ضَمَّن البر والتقى
بِنَخلٍ وبحرًا بالمواهب يَطفَحُ
وكدأب ابن النظر في منظوماته إذ يجمع بين الفقه والأغراض الشعرية حتى حُقَّ له ما حكاه عنه ابن وصاف من تسميته بشاعر العلماء وعالم الشعراء.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني.
قرَّظ ابن وصاف في مقدمته كتاب الدعائم ومما جاء فيها: «إني نظرت فيما ألَّفه أهل العلم من الكتب وصنفوه من العلوم والأدب، ودونوه من الرجز والشعر، وأثروه من النظم والنثر، فوجدت كتاب الدعائم المضاف إلى أبي بكر أحمد بن النظر العماني من أحسن الكتب نظمًا وتأليفًا، وأجلها معنى وتصنيفًا، وقد سمعت بعض الرواة عن أهل الأدب أنه قال: إن أبا بكر أحمد بن النظر كان أشعر العلماء وأعلم الشعراء، غير أني لم أجد لكتابه هذا تفسيرًا مع علوّ درجته وسمو مرتبته من العلم ومنزلته، وغفول أهل العلم من الأولين عن شرحه وتبيينه، ليفهم ذلك عنهم المتأخرون».
استشهد ابن وصاف في شرحه اللغوي الفقهي بشواهد كثيرة ورجع إلى مصادر عديدة تنبئ عن علو كعبه ورسوخه في العلم، وتُخبرنا كذلك عن مكتبة زاخرة كان يرجع إليها، فإلى جانب استشهاده بالتنزيل وبالأحاديث النبوية، نقل كذلك جملة مما أُثر عن بعض الصحابة مثل عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وعن بعض التابعين مثل مجاهد، وجابر بن زيد، وعن بعض أتباع جابر بن زيد وتلامذتهم مثل ضمام بن السائب، وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، والربيع بن حبيب. وقد نقل عن جملة من أسلافه العلماء العمانيين منهم: منير بن النير، وموسى بن أبي جابر، ومحمد بن محبوب، وابنه بشير، وأبو المؤثر الصلت بن خميس، وموسى بن علي، وأبو زياد الوضاح بن عقبة، وأبو الحواري محمد بن الحواري، وأبو مالك الصلاني، وأبو سعيد الكدمي، وأبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة.
ولما كان الشرح لغويًا كذلك نراه نقل عن جملة من أهل اللغة مثل الزجّاج، وأبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وابن السكيت، والسجستاني، كما شاعت الشواهد الشعرية في شرحه بين شعر جاهلي وإسلامي، فهو يستشهد بشعر عنترة، وامرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وزهير، والنابغة الذبياني، والأعشى، وتأبط شرا، وكعب بن زهير، وجرير، وأبي ذؤيب الهذلي، والمتنبي، وينقل عن بعض الرواة مثل: الكلبي، والأصمعي، ونراه قد سمى بعض الكتب التي أخذ عنها مثل: كتاب المنطق لابن السكّيت، وكتاب العين للخليل بن أحمد.
أما عن الشعراء العمانيين فقد نقل أكثر ما نقل في استشهاداته عن الشاعر أبي بكر أحمد بن سعيد الستالي، بل صرح في نص من كتابه أنه جرى بينهما حوار حول بيت لأبي تمام، وفي ذلك دليل على أنه من معاصريه، ويقود ذلك أيضًا إلى تحديد زمان كل منهما، ويذكر الباحث سلطان بن مبارك الشيباني أن للستالي أشعارًا غير موجودة في ديوانه المعروف نقلها ابن وصاف في شرحه. وقد نقل ابن وصاف عن مصادر كثيرة أشار إليها ولم يُسَمِّها نحو قوله: «وجدت في بعض التفسير»، «وفي بعض الكتب»، «قال بعض أصحابنا».
ونود أن نشير هنا إلى التفات ابن وصاف في شرحه إلى لغة أهل عمان، سواء بالتصريح بنسبة شواهده إلى لغتهم أو بغير تصريح، ومن أمثلة ذلك شرحه لمعنى: (تقشع): تزيل وتُذهِب وتكشف. (المدر): قِطَع الطين اليابس، واحدتها مدرة. قليت البسر وقولته: إذا طبخته بالنار، وهو المبسل. وفي مواضع أخرى سمى فيها لغة أهل عمان نحو قوله في معنى أجدل: «نوع من الصقور وجمعه أجادل، وعند أهل عمان: الأجدل: الذي يخرج في الليل يرعى ويأكل نبق السدر»، ومثل تعريفه للوزغ بقوله: «والوزغ بلغة أهل عمان: اللغّ، وهو دويبة تمشي على أربع، وفي ظهرها خطوط، وظهرها أغبر. وصنف منها أوحش من هذا الجنس، أحمر صاحب له عينان ثابتتان، وله غراغر في حلقه»، ومثل ما جاء في تعريفه للقنية: «وفي لغة أهل عمان وما يتعارفون بينهم أن يُعطيَ الرجلُ الرجلَ بقرة أو شاة أو نخلة أو حمارة أو غير ذلك يعلفها، فسهم بنصف أو ثلث أو ربع وما يتفقان عليه من السهم، ويكون بينهما أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل الذي اتفقا عليه فأخذ كل واحد سهمه، فهذه القنية والقنوة عندهم» وقوله في الميزاب: «يعني ميزاب الكعبة، وفي لغة أهل عمان: الميزاب: المرزاب». ومن طريف شواهده ما جاء في تعريف اللبان إذ قال: «اللبان: معروف، وهو صمغ شجرة تنبت بالشِّحر. وقال رجل من أهل عمان:
عليك بالشِّحر ودَعْ عمانا
إن لم تجد تمرًا فَكُلْ لُبانا»
وقد كشف ابن وصاف سر أبيات في الرثاء قالها ابن النظر في آخر منظومة له في كتاب الدعائم موضوعها في النكاح، فقال: «أخبرني بعض أهل الحديث أن أبا بكر أحمد بن النظر كان له أخ في الله، كان يسكن قرية نخل، فأتاه نعيه وهو في عمل هذه القصيدة، فرثاه في آخرها بأبيات، وكان يسمى عبدالله ويكنى أبا عمر»، وأول أبيات ابن النظر تلك قوله:
أقول لعبدالله لما تغيَّبَتْ
محاسنه في الأرض فالعين تسفحُ
أبا عمر من للمكارم والعُلى
ومن لذوي الإسلام يأوي وينصحُ
ثم قال بعد أبيات:
فلله قبر ضَمَّن البر والتقى
بِنَخلٍ وبحرًا بالمواهب يَطفَحُ
وكدأب ابن النظر في منظوماته إذ يجمع بين الفقه والأغراض الشعرية حتى حُقَّ له ما حكاه عنه ابن وصاف من تسميته بشاعر العلماء وعالم الشعراء.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني.