رأي عُمان

معرض الكتاب.. وأسئلة اللحظة الراهنة

 
احتفلت سلطنة عمان اليوم بافتتاح الحدث الثقافي السنوي الأبرز حينما دَشنت الدورة الثامنة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب، لتبدأ مع أيامه حالة ثقافية استثنائية في عُمان قل نظيرها في غيره من الأيام خاصة مع الفعاليات الثقافية الواسعة التي أعلنت عنها اللجنة المنظمة للمعرض.

ورغم أن معارض الكتب في العالم العربي هي بمثابة سوق كبير لبيع الكتب الحديثة والقديمة المطبوعة في مختلف دول العالم إلا أنها في الوقت نفسه يمكن النظر إليها باعتبارها سوقا أدبيا وفكريا ومعرفيا حيث يلتقي المؤلفون والناشرون والنقاد بالقراء في مكان واحد، وحيث تتحول قاعات المعرض وأروقته إلى ساحة حوار ثقافي ومعرفي لا حدود لها.

وإذا كانت معارض الكتب قد بدأت حصرا على النخب الثقافية إلا أن انتشار الوعي بأهمية الكتاب في مختلف المجتمعات جعل المشهد يتغير الآن فأصبح المعرض مكانا يرتاده الجميع كبارا وصغارا، حتى أن علاقته تحولت من علاقة فردية إلى علاقة أسرية مجتمعية، فتجد كل أسرة تسير في المعرض إلى جوار بعضها البعض وتنتقي الكتب التي تريد الأسرة اقتناءها دون إهمال للتوجهات والتفضيلات الفردية.

ومع الوقت اكتسبت معارض الكتب الكثير من الأدوار إضافة إلى دورها الأساسي في بيع الكتب، فأصبحت مساحة للتبادل الثقافي والعلمي، حيث يطلع كل مجتمع على تجارب المجتمعات الأخرى والثقافات الأخرى في مختلف المجالات الفكرية التي تعزز الوعي المجتمعي، وتبني الروابط بين الماضي والحاضر وبين الشرق والغرب.

ولذلك يمكن أن يشار إلى معارض الكتب باعتبارها مركز إشعاع فكريا يعزز كل مسارات البناء التنموي بما في ذلك الجانب الاقتصادي.

ولا تخرج تجربة معرض مسقط الدولي عن هذا المسار، بل يمكن النظر إليها باعتبارها أحد النماذج الرائدة في تطوير التجربة التي مرت بها معارض الكتب.. من مكان صغير ومحدود لبيع الكتب إلى محطة مهمة وأساسية لمعارض الكتب في العالم العربي والعالمي. ولا عجب أن يكون معرض مسقط الدولي للكتاب من بين أهم المعارض العربية سواء من حيث التنظيم أو من حيث القدرة الشرائية الفردية التي تسهم كثيرا في إنجاح المعرض.. وهذا في حد ذاته نجاح للتنظيم حيث استطاعت تجربة المعرض ترسيخ أهمية الكتاب في وعي الجميع كبارا وصغارا.

كما أن الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب تعطيه زخما كبيرا وتحوله فعليا إلى مساحة حوار ثقافي وفكري استثنائي.

ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى معرض مسقط الدولي للكتاب باعتباره مجرد حدث لتسويق الكتب، إنه بحق ظاهرة ثقافية تعكس المستوى الذي وصل له المجتمع العماني في الجانب الفكري والثقافي.

رغم هذه النظرة إلا أنه من الطبيعي والضروري أن يفرز معرض بحجم معرض مسقط للكتاب أسئلة معرفية وجوهرية حول صناعة الكتاب في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي وسؤال جدوى الكتاب الورقي في ظل تقنيات القراءة الإلكترونية وسؤال الفعاليات الثقافية وصناعة النشر والتوزيع.. وهي أسئلة تلازم معارض الكتب وتزيد في إثراء المشهد وفتح آفاق للحوار وتجديد المعرفة.