أفكار وآراء

المنطقة على حافة الهاوية.. والانفجار ليس حتميا!!

ليس من المبالغة في شيء القول بأن المرحلة التي تمر بها المنطقة، بعد أكثر من تسعين يوما من حرب السابع من أكتوبر الماضي، تمثل مرحلة خطرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهذه المرحلة تحمل معها مقومات عملية تختلف في الواقع نوعيا في بعض جوانبها عما كانت عليه في المرحلة أو المراحل السابقة، وقد ظهر ذلك بوضوح ليس فقط منذ انطلاق شرارة الحرب من جانب أبطال حماس والهجوم والدراية الكاملة بالمواقع الإسرائيلية المستهدفة في خطط وتكتيكات العملية، والجسارة التامة في عمليات الهجوم والتحرك السريع لإنجاز المهام مما زاد من حجم ووقع المفاجأة وكان له أثره الملموس في التأثير على الروح المعنوية لأفراد من عناصر الجيش الإسرائيلي، وهو ما اضطر رئيس الأركان الإسرائيلي إلى سحب أربعة ألوية من القوات الإسرائيلية وإعادتهم إلى اسرهم تمهيدا لإعادة تشكيل تلك الألوية واستكمال عديدها ومعداتها التي خسرتها في القتال في غزة التي بلغت نسبة الخسائر في بعضها إلى نحو عشرين في المائة وأكثر، فضلا عن الخلافات التي ظهرت وتتفاقم في الآونة الأخيرة بين أعضاء حكومة الحرب المصغرة وذلك سبب الخلافات مع نتانياهو حول إدارة الحرب وهو ما أدى تغيب بيني جانتس وبن غفير وآخرين عن اجتماع الحكومة المصغرة برئاسة نتانياهو يوم أمس الأول الأحد فضلا عما تسرب من خلافات حادة في الأيام السابقة وترافق معه من تلويح أكثر من وزير بالاستقالة والخروج من الحكومة والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة وتشكيل حكومة عادية وليس مجلس للحرب يشعر بعض أعضائه بعدم الكفاءة، وقد أثر ذلك كله وغيره في صورة إسرائيل وخاصة صورة الجيش وما يقوم به من قتل وعنف بالغين ضد المدنيين والتخريب المتعمد من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، فالآن وبعد تسعين يوما من القتال يقوم الجيش بشن هجمات ضد المدنيين العزل لزيادة الخسائر بين المدنيين وتخريب المدن والقرى والمرافق والخدمات إلى حد لم تعد تصلح للحياة خاصة وأنه تم اتباع سياسة الأرض المحروقة لإجبار السكان على تركها والهجرة إلى جنوب قطاع غزة لأنها ببساطة لم تعد تصلح للحياة فيها على حد قول بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة نتانياهو والذي يرى في ذلك فرصة لإسرائيل في تهجير الفلسطينيين طوعيا، كما صرح بذلك أكثر من مرة وذلك عكس ما كان يدعو إليه سابقا. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

*أولا: إنه مع الوضع في الاعتبار أن إسرائيل وما يقوم به نتانياهو ضد الفلسطينيين في غزة يحركه الرغبة في الانتقام والحاجة إلى رد الاعتبار واستعادة الهيبة -التي كانت- ليس فقط لأن الحرب في هذه الحالة ليست كأي حرب سابقة مع حماس والفلسطينيين، كما أن خسائر إسرائيل لا تقارن بالخسائر السابقة رغم ما يتردد من أن الخسائر الإسرائيلية المعلنة هي ثلث الخسائر الحقيقية، وهو أمر بالغ الخطورة بالنسبة للإسرائيليين، ولكن الأمر يتعلق في الواقع بالمستقبل، مستقبل الدولة الإسرائيلية والذي جسده بيني جانتس زعيم المعارضة الإسرائيلية قبل أيام بقوله: «إذا لم ننتصر على حماس فإنه لن نستطيع العيش في الشرق الأوسط» وهذا التفكير هو ما يشترك فيه كل القادة الإسرائيليين ويلتقون عنده ولذا يرون أنه يجب من وجهة نظرهم «القضاء على حماس وتفكيك بنيتها العسكرية وقتل قادتها حتى لا تتمكن من القيام بما قامت به في السابع من أكتوبر الماضي، وأن الأمن في غزة يجب أن يكون في يد إسرائيل «ويعتبر ذلك كله مجرد غطاء أو مبرر لتغطية أطماع إسرائيل أو تبرير محاولات إعادة احتلال غزة مرة أخرى، وإذا كان نتانياهو والقيادة الإسرائيلية قد وقعوا ضحية غرورهم أو عدم تقديرهم الصحيح للموقف، وتسرع نتانياهو في إعلان شروطه وأهدافه من الحرب التي لم يحدد هدفه الاستراتيجي منها حتى الآن، فإنه يواجه تبعات ذلك في الواقع من خلال محاولة إطالة أمد الحرب وزيادة خسائر الفلسطينيين من ناحية، والتأكيد في كل مناسبة على أنه لن يوقف الحرب إلا إذا حقق أهدافه كلها ومنها تفكيك حماس واستعادة الأسرى الإسرائيليين وعدم مشاركة حماس في حكم غزة بعد الحرب، وإذا كانت هذه الأفكار أو المواقف يمكن الاستماع إليها في بداية الحرب، إلا أنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من بدء القتال وتأثر القوات الإسرائيلية من العمليات العسكرية بشكل ملحوظ فإنه يصعب أخذ هذه المواقف مأخذ الجد والتعامل على أساسها، لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية يراهن على الدمار والقتل في غزة وتأثيره على الفلسطينيين وهى مراهنة ومناورة خاسرة في النهاية.

*ثانيا: إنه في ظل استمرار همجية الحرب الإسرائيلية واسعة النطاق في غزة وما أحدثته الإدانة الإقليمية والدولية ومن جانب مختلف الهيئات والمنظمات الدولية ورفع جنوب أفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية لمحاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة وغير ذلك الممارسات، التي استنكرها ويستنكرها المجتمع الدولي قد أفقدت إسرائيل جانبا كبيرا مما كانت تتمتع به بين مجتمع الدول وهو ما حذرها منه الرئيس الأمريكي بايدن، فإن من المفارقات أن الإدارة الأمريكية نفسها تدفع ثمنا كبيرا للوقوف إلى جانب إسرائيل منذ بداية الحرب وعلى نحو استنكرته دول كثيرة لما اتسم به من مساندة مفرطة ولذا عندما قررت واشنطن سحب حاملة الطائرات الأمريكية من بحر العرب وإعادتها إلى قاعدتها في الولايات المتحدة غضبت إسرائيل وتسعى الآن بالوسائل الدبلوماسية إلى إلغاء هذا القرار الذي يمكن أن تفسره دول كثيرة في العالم إلى أنه بمثابة ضغط على إسرائيل لكي تضع نهاية قريبة للحرب في غزة، وكان رفض نتانياهو الاستجابة لملاحظات ومقترحات بايدن سببا لخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم يتمكنا من الإبقاء عليها تحت الطاولة، ولكنهما يحاولان إخفاء تدهورها بشكل أو بآخر من خلال الجولات المتعددة لوزير الخارجية الأمريكي في المنطقة على فترات متقاربة للحفاظ على قوة ضغط على إسرائيل والأطراف الأخرى بحيث تظل قادرة على التأثير والحيلولة دون انفجار التوتر المتصاعد والذي تحذر منه الإدارة الأمريكية بشكل مستمر في الآونة الأخيرة.

*ثالثا: إن الجولة الأخيرة التي قام بها بلينكن في المنطقة هذا الأسبوع شهدت في الواقع تباعدا نسبيا بين أمريكا وإسرائيل اتخذ شكل تسجيل مواقف علنية يمارس من خلالها كل طرف ضغوطه على صديقه الآخر، ففي حين كرر نتانياهو تأكيده على عدم وقف الحرب في غزة إلا بعد تحقيق كل أهدافه وهو ما يعني أنه هو من سيحدد موعد وقف الحرب وهو ما سيتم بالتأكيد بالتشاور مع بايدن، إلا أن صفقة دانات الدبابات (1500 دانة بقيمة نحو 145 مليون دولار فقط) التي تم إقرارها مؤخرا كانت بالغة الدلالة بالنسبة لحجم الخلافات بين الجانبين، كما كانت تصريحات بلينكن حول الترابط بين الضفة الغربية وقطاع غزة والالتزام الأمريكي بالسلام لإسرائيل وفلسطين في دولة واحدة ومستقلة واضح الدلالة كذلك لأنه يختلف مع الموقف الإسرائيلي وتصوره للحل هذا فضلا عن وجود خلافات حول صيغة الحكم في غزة بعد انتهاء الحرب. وفي حين تشعر واشنطن بمزيد من القلق خشية اتساع نطاق الحرب في المنطقة بسبب ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج تثير مخاوف وخلط أوراق غير محسوبة خاصة وأن واشنطن لا تريد حربا بين إسرائيل وحزب الله لأن نتائج تلك الحرب يمكن أن تغطي على هزيمة حماس لإسرائيل واعتقاد نتانياهو في ذلك قد يدفع إسرائيل إلى فتح جبهة مع حزب الله خاصة وأن حزب الله يستشعر قيودا على فتح جبهة لا يعلم كيف ولا متى يمكن إسكاتها. ومع ظهور بوادر لتحرشات محسوبة بين إسرائيل وحزب الله إلا فتح جبهة بينهما ليس حتميا إلا في حالة الحسابات الخاطئة.