أنساغ: يجزع الجميع أمام الشَّجرة
الاحد / 25 / جمادى الأولى / 1445 هـ - 21:25 - الاحد 10 ديسمبر 2023 21:25
(1)
يموتون في النَّسيج، في حنُوِّ الإبرة على الجرح، في الثَّكلى على الحصى، في الجَدَّة على العُذريَّة، وفي الدِّماء على السُّحب.
(2)
لا تذهب إلى البحر قبل الَّلون (لم نَمْسُسْكَ بشيء، ولا نَتَطَهَّر فيك من شيء).
(3)
بمناسبة مشاهدة فيلم روبير بريسون «الشَّيطان، على الأرجح» بنسخة حديثة التَّرميم (ولا أعتقد أن هذا الفيلم أكثر أعمال بريسون «روحانيَّة»، وإن كنت أظن أنه أكثرها «يساريَّة»، وكلا التَّصنيفين ينبغي أن يكون بين علامات تنصيص لأسباب يعلمها بريسون قبل غيره): أيادٍ بطيئة، أصابع مُسَرْنَمة، عيونٌ مُمَغْنَطةٌ، أكُفٌّ في الغيبوبة، هواءٌ مُتَنَمِّلٌ، كهرباء لَدِنَةٌ، إلى المطلق.
(4)
سيموت المرء في أسوأ الأبراج، والذِّكريات، والجسور، والأنفاق، والأوقات، والعهود، والعائلة، والنُّجوم، وأسعد ما قالته لك بصَّارة غجريَّة وهي تقرأ كفَّك في الأردن في شتاء1981.
(5)
تتعثَّر المدينة في الطريق إلى الإسكافي (وتُكمل دربها حافيةً بعد تلميع وجهها).
(6)
بين أحايين متباعدة تأتي بالمصادفة السَّعيدة، لا ضير أبدا في أن يكون المرء لئيما وبغيضا.
(7)
لم أعد أستطيع أن أحتملك (ضعي قُبَّعتك البحريَّة الزّرقاء على كلماتي، أو على أطلال آخر الاندثارات).
(8)
بعد سنوات، كان مسافرا في طائرة تمر بسماء عاصمة بلاده ليلا. ألصق وجهه بالنَّافذة وحاول استعادة ما أمكن من تفاصيل باهتة تضيئها الأنوار البعيدة. لا شك أن ذلك هو الحي الذي كان يقيم فيه على طرف المدينة.
نهض من مقعده وتوسَّط الممر. مدَّ ذراعيه إلى جانبيه وأخذ يعليهما وينزلهما قبل أن يتقدم سائرا ببطء نحو مَخرج الطَّوارئ.
(9)
تحترق أشجار أندريه تاركوفسكي في الرِّمش، والقلب، والعين، والذَّاكرة (وليس في أول الفيلم، أو منتصفه، أو آخره).
(10)
انتبه: وجوههم قبالتك، عيونهم خلفك، البحر وراءك، العائلة أمامك، الشَّمس على يمينك، والقمر على يسارك (لا قلوبهم، ولا سيوف بني أميَّة).
(11)
الطَّريق عودة (لماذا تذهب إلى النِّهاية حين ترشدك الخطوات الأولى)؟
(12)
كلما تقدَّمت سيرة الوفاء تكتشف أنها كل ما يمكن أن تقدِّمه لنفسك (فقط).
(13)
ليس في مقدورك أن تُغَرْبل كل شيء حين ستنفجر بكل شيء (لا تبخل على عِلم الإحصاء وفِقه العائلة بشيء).
(14)
النُّكران ينفع (الارتداءات محض مسألة شخصيَّة، على وجه العموم).
(15)
يغرقون في صفيحٍ، ويستغيثون من زَبَد (لا نحتاج إلى مزيد من الكؤوس في هذه البلاد).
(16)
شجرتان في حوصلة، في شهقة، في الصَّدى، تحت نافذة، في «سيريناد» شوبرت، وفي المخَّاط (أيضا).
(17)
أن أحبك كما تريدين فهذا يعني أن أعيد هيكلة حياتي بصورة جذريَّة في كل تفاصيلها تقريبا. وقد تأخر الأمر على ذلك، وأنا لا أريده ولا أستطيعه أصلا.
أن تحب، فهذا معناه أن تحب محبوبك كما هو، وليس كما تريد أنت أن يكون (وقد تأخَّر الأمر على ذلك أيضا).
فلنعترف إذًا: هو فقدٌ آخر. ليس الأمر جديدا عليَّ في أية حال، ولنترك هذا السرير لغيرنا في أول الصباح، فهذا خير من أن نتركه في آخر الليل.
(18)
لم يشترك البحر في دراما الحرب الثَّوريَّة، ولم يُسهم في مسرحيَّة الانقلاب. لكن هناك معضلة: لم يعد البحر قادرا على تطهير أي أحد.
(19)
ما أصعب وأنبل ألا تكون طرفا في أي معادلة (بينما تعتبرك إحدى المعادلات، على الأقل، طرفا لديها من باب البداهة والمفروغ منه).
(20)
ليس في تلك الحرب أخيار وأشرار، بل منهزمون، ومنتصرون، ومصابون بجراحٍ وديدان.
(21)
الغباء حلبة صراع، ومنافسة مَلَكات ومواهب (كراهةً: نحن من ينتظر الأبطال).
(22)
الكذب شيء سيئ (بالطبع). لكن ما هو أسوأ منه تعذُّره في المواقف والحالات الوجيهة.
(23)
لم ينتصر الجندي ولم ينهزم (علَّق الضابط على صدره وساما آخر).
(24)
الكتابة شريعة («قد تخطئ الفلسفة أحيانا، لكن الفلاسفة لا يخطئون أبدا»، ألتوسير).
(25)
الخسارة بلاد أخرى (أيضا).
(26)
ما من ضوء في نهاية النَّفق (حَفَرَ الضوء نَفَقَا آخر).
(27)
الموت اضطرار (مثل الحياة، وكما الحب).
(28)
الواثقون من أنفسهم يفعلون ذلك لأجل خاطر الآخرين (فقط).
(29)
يأتيك الشَّر في المأدبة.
(30)
لا تخلط بين الثُّوار والثَّورات (كمن لا يدرك الفرق بين الشِّعر والقصائد، ولا يفقه المسافة بين الرَّصاصة والرَّغيف).
(31)
تجافيك الخمرة في النِّسيان، وفي المَنِّ، والسَّلوى، وأبناء السَّبيل.
(32)
يتزيَّن الوقت بالجثث.
(33)
ابتلع البحرُ المهاجر «غير الشَّرعي» (لم يكن في وسع أيٍّ منهما حيلة من أجل إنقاذ السُّمعة).
(34)
لا يصدِّقك الكذَّابون (ولا يمنحونك القدرة على قول الحقيقة).
(35)
آها! لقد قبضوا أخيرا على اللصوص (في بداية الألفيَّة الجديدة والمجاعة العاشرة).
(36)
في كل هدأة تستيقظ الذَّاكرة (وليس اللغة، ليس بالضَّرورة).
(37)
رتيبٌ ودقيق هذا الاحتضار (كأنَّه درسٌ في الميكانيكا، أو الميتافيزيقيا).
(38)
يحمل البندقيَّة (ولا يثأر).
(39)
يعود بك الموت إلى السَّاقية.
(40)
بعض النِّضال منفعة (كما في قولنا عن وسائل الرَّاحة الباذخة في السَّيارات الحديثة).
(41)
لا يذهب الشَّيطان إلى دورة المياه بعد إبرام كل صفقة.
(42)
السِّر ضرب من ضروب الأنانيَّة.
(43)
المُضْغَة تَقتُل (والليل طويل).
(44)
الضُّحى أعذب الأوقات (مثل كل الأغاني الحزينة).
(45)
اللغة أفضل تطوير ممكن لفكرة اللهو.
(46)
لا تعاتب أحدا في غرفة نصف مُضاءة.
(47)
هنا، حتى المصائب تصير صغيرة.
(48)
موته يشبه الأفعى.
(49)
انتبه: لن يقتلوك، سيشون بك كي يقتلك غيرهم من أجل إصدار حق المشي، والتَّرحُّم، والتثاؤب في جنازتك، وأكل تمرات مع حسوات من القهوة في آخر يوم من العزاء (أحدهم أراه من الآن في صحن المجلس وقد حطَّت على رأسه الطُّيور).
(50)
يجزع الجميع أمام الشَّجرة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
يموتون في النَّسيج، في حنُوِّ الإبرة على الجرح، في الثَّكلى على الحصى، في الجَدَّة على العُذريَّة، وفي الدِّماء على السُّحب.
(2)
لا تذهب إلى البحر قبل الَّلون (لم نَمْسُسْكَ بشيء، ولا نَتَطَهَّر فيك من شيء).
(3)
بمناسبة مشاهدة فيلم روبير بريسون «الشَّيطان، على الأرجح» بنسخة حديثة التَّرميم (ولا أعتقد أن هذا الفيلم أكثر أعمال بريسون «روحانيَّة»، وإن كنت أظن أنه أكثرها «يساريَّة»، وكلا التَّصنيفين ينبغي أن يكون بين علامات تنصيص لأسباب يعلمها بريسون قبل غيره): أيادٍ بطيئة، أصابع مُسَرْنَمة، عيونٌ مُمَغْنَطةٌ، أكُفٌّ في الغيبوبة، هواءٌ مُتَنَمِّلٌ، كهرباء لَدِنَةٌ، إلى المطلق.
(4)
سيموت المرء في أسوأ الأبراج، والذِّكريات، والجسور، والأنفاق، والأوقات، والعهود، والعائلة، والنُّجوم، وأسعد ما قالته لك بصَّارة غجريَّة وهي تقرأ كفَّك في الأردن في شتاء1981.
(5)
تتعثَّر المدينة في الطريق إلى الإسكافي (وتُكمل دربها حافيةً بعد تلميع وجهها).
(6)
بين أحايين متباعدة تأتي بالمصادفة السَّعيدة، لا ضير أبدا في أن يكون المرء لئيما وبغيضا.
(7)
لم أعد أستطيع أن أحتملك (ضعي قُبَّعتك البحريَّة الزّرقاء على كلماتي، أو على أطلال آخر الاندثارات).
(8)
بعد سنوات، كان مسافرا في طائرة تمر بسماء عاصمة بلاده ليلا. ألصق وجهه بالنَّافذة وحاول استعادة ما أمكن من تفاصيل باهتة تضيئها الأنوار البعيدة. لا شك أن ذلك هو الحي الذي كان يقيم فيه على طرف المدينة.
نهض من مقعده وتوسَّط الممر. مدَّ ذراعيه إلى جانبيه وأخذ يعليهما وينزلهما قبل أن يتقدم سائرا ببطء نحو مَخرج الطَّوارئ.
(9)
تحترق أشجار أندريه تاركوفسكي في الرِّمش، والقلب، والعين، والذَّاكرة (وليس في أول الفيلم، أو منتصفه، أو آخره).
(10)
انتبه: وجوههم قبالتك، عيونهم خلفك، البحر وراءك، العائلة أمامك، الشَّمس على يمينك، والقمر على يسارك (لا قلوبهم، ولا سيوف بني أميَّة).
(11)
الطَّريق عودة (لماذا تذهب إلى النِّهاية حين ترشدك الخطوات الأولى)؟
(12)
كلما تقدَّمت سيرة الوفاء تكتشف أنها كل ما يمكن أن تقدِّمه لنفسك (فقط).
(13)
ليس في مقدورك أن تُغَرْبل كل شيء حين ستنفجر بكل شيء (لا تبخل على عِلم الإحصاء وفِقه العائلة بشيء).
(14)
النُّكران ينفع (الارتداءات محض مسألة شخصيَّة، على وجه العموم).
(15)
يغرقون في صفيحٍ، ويستغيثون من زَبَد (لا نحتاج إلى مزيد من الكؤوس في هذه البلاد).
(16)
شجرتان في حوصلة، في شهقة، في الصَّدى، تحت نافذة، في «سيريناد» شوبرت، وفي المخَّاط (أيضا).
(17)
أن أحبك كما تريدين فهذا يعني أن أعيد هيكلة حياتي بصورة جذريَّة في كل تفاصيلها تقريبا. وقد تأخر الأمر على ذلك، وأنا لا أريده ولا أستطيعه أصلا.
أن تحب، فهذا معناه أن تحب محبوبك كما هو، وليس كما تريد أنت أن يكون (وقد تأخَّر الأمر على ذلك أيضا).
فلنعترف إذًا: هو فقدٌ آخر. ليس الأمر جديدا عليَّ في أية حال، ولنترك هذا السرير لغيرنا في أول الصباح، فهذا خير من أن نتركه في آخر الليل.
(18)
لم يشترك البحر في دراما الحرب الثَّوريَّة، ولم يُسهم في مسرحيَّة الانقلاب. لكن هناك معضلة: لم يعد البحر قادرا على تطهير أي أحد.
(19)
ما أصعب وأنبل ألا تكون طرفا في أي معادلة (بينما تعتبرك إحدى المعادلات، على الأقل، طرفا لديها من باب البداهة والمفروغ منه).
(20)
ليس في تلك الحرب أخيار وأشرار، بل منهزمون، ومنتصرون، ومصابون بجراحٍ وديدان.
(21)
الغباء حلبة صراع، ومنافسة مَلَكات ومواهب (كراهةً: نحن من ينتظر الأبطال).
(22)
الكذب شيء سيئ (بالطبع). لكن ما هو أسوأ منه تعذُّره في المواقف والحالات الوجيهة.
(23)
لم ينتصر الجندي ولم ينهزم (علَّق الضابط على صدره وساما آخر).
(24)
الكتابة شريعة («قد تخطئ الفلسفة أحيانا، لكن الفلاسفة لا يخطئون أبدا»، ألتوسير).
(25)
الخسارة بلاد أخرى (أيضا).
(26)
ما من ضوء في نهاية النَّفق (حَفَرَ الضوء نَفَقَا آخر).
(27)
الموت اضطرار (مثل الحياة، وكما الحب).
(28)
الواثقون من أنفسهم يفعلون ذلك لأجل خاطر الآخرين (فقط).
(29)
يأتيك الشَّر في المأدبة.
(30)
لا تخلط بين الثُّوار والثَّورات (كمن لا يدرك الفرق بين الشِّعر والقصائد، ولا يفقه المسافة بين الرَّصاصة والرَّغيف).
(31)
تجافيك الخمرة في النِّسيان، وفي المَنِّ، والسَّلوى، وأبناء السَّبيل.
(32)
يتزيَّن الوقت بالجثث.
(33)
ابتلع البحرُ المهاجر «غير الشَّرعي» (لم يكن في وسع أيٍّ منهما حيلة من أجل إنقاذ السُّمعة).
(34)
لا يصدِّقك الكذَّابون (ولا يمنحونك القدرة على قول الحقيقة).
(35)
آها! لقد قبضوا أخيرا على اللصوص (في بداية الألفيَّة الجديدة والمجاعة العاشرة).
(36)
في كل هدأة تستيقظ الذَّاكرة (وليس اللغة، ليس بالضَّرورة).
(37)
رتيبٌ ودقيق هذا الاحتضار (كأنَّه درسٌ في الميكانيكا، أو الميتافيزيقيا).
(38)
يحمل البندقيَّة (ولا يثأر).
(39)
يعود بك الموت إلى السَّاقية.
(40)
بعض النِّضال منفعة (كما في قولنا عن وسائل الرَّاحة الباذخة في السَّيارات الحديثة).
(41)
لا يذهب الشَّيطان إلى دورة المياه بعد إبرام كل صفقة.
(42)
السِّر ضرب من ضروب الأنانيَّة.
(43)
المُضْغَة تَقتُل (والليل طويل).
(44)
الضُّحى أعذب الأوقات (مثل كل الأغاني الحزينة).
(45)
اللغة أفضل تطوير ممكن لفكرة اللهو.
(46)
لا تعاتب أحدا في غرفة نصف مُضاءة.
(47)
هنا، حتى المصائب تصير صغيرة.
(48)
موته يشبه الأفعى.
(49)
انتبه: لن يقتلوك، سيشون بك كي يقتلك غيرهم من أجل إصدار حق المشي، والتَّرحُّم، والتثاؤب في جنازتك، وأكل تمرات مع حسوات من القهوة في آخر يوم من العزاء (أحدهم أراه من الآن في صحن المجلس وقد حطَّت على رأسه الطُّيور).
(50)
يجزع الجميع أمام الشَّجرة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني