ثقافة

رسائل من المثقفين في ذكرى ميلاده: عزيزي نجيب محفوظ

 
تمرُّ يوم 11 ديسمبر ذكرى ميلاد الكاتب المصري الحاصل على نوبل نجيب محفوظ، حيث وُلد في اليوم نفسه من عام 1911، يظل نجيب محفوظ واحدا من الكتَّاب الكبار الذين ألهموا أجيالا بعالمه وشخصياته.

استطاع أن يجسد هموم الإنسان المصري لكنه قدَّم أبطاله في قالب فني أكسب أدبه قيمة إنسانية رفيعة، فتأثر به الناس من كل مكان. هنا رسائل إلى الأستاذ من الكتَّاب والنقاد والمترجمين في عيد ميلاده:


  • منحتني حصانة ما






خليل صويلح روائي سوري يقول: 'تمرُّ يوم 11 ديسمبر ذكري ميلاد الكاتب المصري الحاصل على نوبل نجيب محفوظ، حيث وُلد في نفس اليوم من عام 1911. يظل نجيب محفوظ واحداً من الكتَّاب الكبار الذين ألهموا أجيالاً بعالمه وشخصياته. استطاع أن يجسد هموم الإنسان المصري لكنه قدَّم أبطاله في قالب فني أكسب أدبه قيمة إنسانية رفيعة، فتأثر به الناس من كل مكان. هنا رسائل إلى الأستاذ من الكتَّاب والنقاد والمترجمين في عيد ميلاده.

لا أعلم كيف ربطتنا المصائر بجديلة واحدة، منذ أن اقتنيتُ روايتك «القاهرة 30» من مكتبة في مدينتي النائية، وصولا إلى تتويجي بجائزتك عن روايتي «ورَّاق الحب». لقد منحتني حصانة من نوع ما، وأنا أضع ميداليتك فوق أحد رفوف مكتبتي، لكنك في المقابل تثير رعبي كلما هممتُ بكتابة رواية جديدة. ما تعلمته منك أن أهدم عمارتك كي أبني عالمي الخاص، وسأغبطك على مكرك السردي في تدوين سيرتك الذاتية بذهابك إلى الصدى لا الصوت الداخلي. ما سأسعى لأن أفعله أن أكتب سيرتي يوما ما باللحم الحي لا المجاز والتورية.


  • أتذكرك كلما أعيتني الصعاب






بسمة الخطيب روائية وقاصة لبنانية تقول: 'معلِّمي الأستاذ نجيب محفوظ، ممتنَّة لأنك علَّمتني أن الملاحم تبقى ممكنة، وما دامت كذلك فكل كتابة ممكنة. كلما أعيتني الصعاب، أتذكَّر هذا الأمر، وأتابع الكتابة، وإن كنت أرى أنها قد تهزمني، فغالبا لن يحدث شيء كما نراه تماما، هناك هوامش للسراب والخطأ والغفلة والدهشة خطَّها قلمك حول مجمل أدبك.. وأنت طالما أدهشتني. وهذا ليس مديحا لك فقط، بل إرضاء لتعطشي للدهشة التي تتقد كلما قرأت الحرافيش والثلاثية وأولاد حارتنا.. لأني أدرك أن الكاتب لن يمضي في عالم الكتابة إذا فقد القدرة على الدهشة. أخيرا ممتنة لقدرتك العميقة والحثيثة على حفر التجربة الإنسانية عميقا في الأدب العربي'.


  • أقتدي بأحمد عبد الجواد






عماد عبد اللطيف أكاديمي مصري يقول: 'عزيزي نجيب، أكتب إليك هذه الرسالة لأشكرك على ما قدمته لي خلال العقود الثلاثة الماضية. لم يحدث أن التقينا، لكنك كنت حاضرًا معي في الكثير من مواقف حياتي. لن أتحدث إليك عن الأيام المتواصلة التي قضيتُها متجولا في عوالم رواياتك وقصصك، ولا عن دش الماء البارد الذي ما زلتُ آخذه كل صباح اقتداءً بأحمد عبد الجواد صنيعة يدك. سأحدثك عن أثر قاهرتك الجديدة التي حولتني حرفيًا من ضيق السمع والطاعة إلى رحابة النقد والمساءلة، وعن محبة العمل المنظم الدؤوب الذي أُثِر عنك، وعن الثقة بأن المبدع الحق هو الذي يتجاوز دومًا نفسه، قبل أن يتجاوز الآخرين'.


  • الآخر الدنماركي






منعم الفقير كاتب عراقي مقيم في الدنمارك يقول: 'بادرتْ دون توجيه أو تكليف جون ضاحي أستاذة الأدب العربي في جامعة كوبنهاجن إلى ترجمة رواية «خان الخليلي» للكاتب نجيب محفوظ إلى الدنماركية في وقت كانت فيه الترجمات من العربية إلى تلك اللغة نادرة، وإن تمَّت فلا تعدو كونها مبادرة شخصية دون توجيه من جهة نشر أومؤسسة أكاديمية، على الرغم من تصاعد الطلب الأكاديمي لتقديم الأدب العربي إلى الملتقى الدنماركي ولدارسي اللغة العربية.. دور النشر الكبرى لم ترحب بنشر أدب نجيب محفوظ معللة ذلك بأن أدبه لا يخلو من دعوة دينية قد تتسبب بالحض على الكراهية وتعزز سوء الفهم المتبادل بين العرب والغرب. فالعربي اللاجئ أو المهاجر يقدم دينه كهوية ويغفل قوميته العربية. صدرت رواية «خان الخليلي» عن دار النشر «الوقت» المعروفة بميولها الاشتراكية عام 1989. قوبلت الرواية بترحيب نقدي واهتمام عام. قبل الإعلان عن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل بعام كثر الحديث عن إمكانية فوز كتاب عرب بجائزة نوبل، والأبرز كان الكاتب يوسف إدريس. لكن المفاجأة كانت بفوز نجيب محفوظ بالجائزة، حدث ذلك دون مقدمات إعلامية دنماركية أو سجالات بشأن نجيب محفوظ وأدبه، ما أربك الوسط الثقافي في الدنمارك الذي عرفه ولم يدرك أهميته. وفي حديثي إلى راديو الدنمارك إثر فوزه: نجيب محفوظ كاتب حوَّل الأحياء القاهرية إلى مساحات بشرية كونية منخرطة في الشرط الزمني القائم على الشك والسؤال. تلك الأحياء التي أثارت فضولا لمعرفتها وتطلعا إلى زيارتها. فقد غدت أحياء خان الخليلي والجمالية وقصر الشوق تنافس تلك المدن التي كانت محور روايات عالمية مثل أهالي دبلن، بين مدينتين، نوتردام وأحدبها.. وقد تواصلت مع الكاتب نجيب محفوظ ودعوته إلى الكتابة في العدد الأول من مجلة «السنونو»، وذلك عبر الكاتب الكبير الراحل جمال الغيطاني الذي جعل من جريدة «أخبار الأدب» مشغلا ومحركا عالميا للبحث عن الأدب والثقافة والعربية'.


  • تعلمت العربية لأقرأك




'دراغانا دوروديفيتش 'مترجمة وأستاذ مساعد اللغة العربية في جامعة بلجراد تقول: 'عزيزي نجيب محفوظ. سامحني على مخاطبتك بحرية قد تبدو غير لائقة ولكنني أخاطبك بصفتك أعز أستاذ لي في قراءة الأدب العربي والاستمتاع به. ما لا تعرفه أنني عندما شعرت بأن قراءة الأدب العربي المترجم لا تكفيني وأن الوقت قد حان أن أقرأه باللغة العربية قد صنعت برنامجًا للقراءة المطولة والمكثفة، كان هدفه الأول والوحيد هو أن أتمكن من قراءة ثلاثيتك أولا. وما بدأ برغبتي بأن أعرف ماذا حدث لأبطال الثلاثية في النهاية قد تحول إلى قصة حب طويلة نقلتني إلى العالم العجيب، عالم ترجمة الأدب العربي، لكني لم أجرؤ حتى الآن أن أترجم عملا لك، فلك محبتي وامتناني إلى الأبد'.


  • حديث خاص






حمدي الجزار روائي وقاص مصري يقول: 'الأستاذ الُمعلِّم نجيب محفوظ. تحية طيبة، وامتنان عميق لشخصكم الكريم، وإبداعكم الأصيل. أما بعد.. تعرف يا أستاذنا أنكم قد أخذتم على كاهلكم عبء تأسيس فن الرواية الحديثة في اللغة العربية، وقد خطوتم في ذلك خطوات واسعة، وقدَّمتم ما عجز كل معاصريكم عن تقديمه في هذا الفن الرفيع. كنت أدرك مع كل رواية جديدة أقرؤها لكم أنكم كنتم تخصونني، وأقراني من الكتَّاب المعاصرين، بحديث خاص. ولعلي أدركت بعضا مما كنت ترمي إليه. أنت لم تحدث القرَّاء لتمتعهم وتفتح عيونهم وعقولهم وقلوبهم، على عوالم، وأفكار، وقيم إنسانية رفيعة فحسب، بل كنتَ تحدثنا نحن أيضًا، كتَّاب الرواية المعاصرين، الذين سيمضون في الطريق نفسه البهي.. لقد قدمت لنا نماذج رائعة في كل شكل، ومن كل مدرسة فنية، وبكل لغة ممكنة، أنت لنا الرائد، والمرشد والهادي في الطريق الصعب، نعترف لك بالريادة، وبتأسيس فن الرواية المعاصرة، ولا أظنك تنكر علينا أن تكون لنا بصمة شخصية، وطرق خاصة في معالجة هذا الفن العظيم الذين أرسيت دعائمه. إننا قد انتفعنا بك، وبما قدمت وأبدعت، وعلى خطاك سائرون، ندرك أن طرق الفن لا محدودة، ولا متناهية، ونطمح إلى فن معاصر وراسخ في نفس الوقت. وأنا عن نفسي، ما زلت أرى أن قضية الحرية والعدالة الاجتماعية التي أسست عليها مشروعك الفني الكبير لا تزال قضية يومنا هذا، لم يحلها تيار فكري، ولا ممارسة سياسية، وما زالت قضية الإنسان الكبرى في هذا الزمان.

كل محبتي لك'.


  • صديقي القديم






ريم داود مترجمة عمانية تقول: 'اسمح لي بمخاطبتك دون ألقاب، لأنني لا أراك إلّا صديقًا قديمًا، أعرفه منذ زمن طويل؛ منذ وقوفي على عتبات مرحلة المراهقة، تحديدًا.. في تلك الأيّام، كان «طارق» أخي يقرأ «الثلاثية». كلّ صباح، ونحن نتناول إفطارنا على عجالة، قبل توجُّهنا للمدرسة، يقصُّ عليَّ شيئًا ممّا قرأه. في بعض الأحيان، يقرأ عليَّ شيئًا من تعليقات «خديجة» اللاذعة، فنغرق في الضحك معًا. انتظرتُ انتهاءه من أجزاء العمل، لألتهمها بشغفٍ بالغٍ، بدوري.. غادر إخوتي البيت، تباعًا، للدراسة الجامعية والزواج، وبقيتُ فيه وحدي مع والديَّ، وكنتَ أنتَ الرفيق الذي أستأنس به، لحين التحاقي ـ بدوري ـ بالجامعة، والسفر إليها.. ذات إجازة، عادت أختي من جامعتها في قطر، لتقصَّ عليَّ أحداث رواية «خان الخليلي». تعلّقتُ بها، قبل قراءتها. أختلسُ دقائق سريعة لقراءة صفحات قليلة، كل ليلة، قبل النوم، عقب يوم طويل من استذكار دروس المرحلة الثانوية. تألّمتُ كثيرًا، وبكيتُ قليلًا، وأنا أتابع أحداثها.

لن أطيل عليك يا نجيب. أردتُ فقط توجيه شُكري وامتناني لك، لصداقتك الرائعة، التي دامت أعوامًا ممتعة، مع الكثير من الكتب.. تحيّاتي..'.


  • حين رافقتُ عيسى الدباغ






زهير كريم كاتب عراقي مقيم في بلجيكا يقول: 'حكايتي معك بسيطة لكنها قديمة، هل تبدو هذه الجملة مناسبة لاستذكارك؟ حسنا. في منتصف السبعينات، عندما كنت في الحادية عشرة، أهداني صاحب مكتبة صغيرة كتابا. هذه هي لحظة معرفتي بك. طالعتُ العنوان على الغلاف «السمان والخريف». الأيام الخمسة التالية منذ تلك اللحظة قضيتها مع مشاهد حريق القاهرة، تابعت أحزان عيسى الدباغ، رافقته أيام قيام الثورة في شوارع القاهرة. ثم وضعتني في رحلة رافقت فيها عيسى إلى الإسكندرية، تعرفت من خلالك على «ريري» زوجته. رافقته في الصالات، في النهاية جلست معه تحت تمثال سعد زغلول في الظلام، ثم مشيت معه خلف الشاب الذي يحمل وردة، شكرا لك'.


  • المسافة بين بيتينا






أشرف العشماوي كاتب مصري يقول: 'أستاذي العزيز.. في ذكرى مولدك لا تزال تعيش بيننا بكل ما خطَّته يداك، بأعمالك التي قرأتُها كلها، وبعضها أكثر من مرة، تأثرت واندهشت وأُعجبت، وفي كل إعادة للقراءة أكتشفُ طبقة جديدة لم أدركها من قبل فتتعاظمُ دهشتي وأدرك أن الأستاذية لم تكن من فراغ، أيضًا لا تزال تعيش في وجداني، أتذكرك عندما كنتُ أمرُّ على بيتك كل صباح، تفصل بيننا بضع مئات من الأمتار، على مدار سنين كنت أراك آتيا على قدميك تشترى الجرائد من بائع عجوز أسفل بيتي بينما أنا في طريقي للمدرسة الابتدائية، وبعد سنوات طوال سِرتُ أنا في الطريق نفسه ذاهبًا إلى المستشفى الذي يفصل بين بيتينا لسماع أقوالك عندما امتدت يد الجهل وتجرأت فطعنتك، أرادوا قتلك فُكتب لك الخلودُ.. تحية عطرة لسيرة أطول من العمر، سيرة الأستاذ النجيب'.


  • جعلت من القاهرة حكاية






سعيد خطيبي كاتب جزائري يقول: 'العزيز نجيب.. لا زلت أعود إلى رواياتك، فأتلصّص على شخصيّاتك التي تطوف أزقة القاهرة. تلك المدينة التي جعلت منك كاتباً، فجعلت منها حكاية. أستعيد درسك: علينا مجابهة أنفسنا، قبل مجابهة خصمنا. أن ننقد أنفسنا في النّور، قبل أن نذمّ خصمنا في العتمة. أنت ابن الشّعب العتيق الذي كتب عن مصر في لحظة الشكّ العظمى، عقب ثورة 1919. عندما صعدت مصر إلى مسرح الأمم. أنت استلهمت نصوصك من وقائع تاريخية، جعلت من التّاريخ منزلة من منازل المخيّلة، وننتظر واحداً من أحفادك كي يكتب عن مصر، مثلما كتبت عنها'.