«الغبار الأصفر» .. ظاهرة متعددة المخاطر على الإنسان والتنمية «1»
السبت / 17 / جمادى الأولى / 1445 هـ - 18:16 - السبت 2 ديسمبر 2023 18:16
تتعرض سلطنة عمان كغيرها من دول شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط للعواصف الرملية والترابية وموجات الغبار التي تؤدي أحيانا إلى توقف الحركة في العديد من القطاعات، وتخلف وراءها حوادث وأضرارا واسعة النطاق، وتحديات صحية، وبيئية، واقتصادية، تدفع الدول للبقاء في حالة تأهب قصوى لاحتواء تأثيراتها الخطيرة على مرافق التنمية والخدمات العامة وصحة المجتمع.
ووفقا للخبراء فإن التغير المناخي يعد عاملا أساسيا في ازدياد العواصف الرملية والترابية، حيث أصبحنا نشهد تلاحقا غير مسبوق لموجات الغبار الشديدة العابرة للحدود، وتسارعا في وتيرة حدوثها، ما يستدعي على نحو خاص توعية المجتمع بالمخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية التي قد تنجم عن هذه العواصف وسبل تجنبها، عبر اتخاذ إجراءات استباقية على جميع المستويات.
وإسهاما في تحقيق هذه الغاية، تنشر جريدة «عمان» ملفا في حلقتين عن العواصف الترابية.. أسباب نشوئها.. ومناطق تأثيرها.. وتداعياتها على الإنسان والتنمية.. وسبل تجنبها.. والمبادرات الوطنية والدولية للتصدي لها والحد من أضرارها.
كيف تنشأ عواصف الغبار؟
تعمل التيارات الهوائية الهابطة على المناطق الرملية والصحراوية، على إثارة الأتربة والرمال وحملها في طبقات الغلاف الجوي لتشكل غبارا متطايرا تسوقه الرياح إلى أماكن بعيدة أحيانا.
وفي العقود الأخيرة أسهمت ظاهرة التصحر واتساع رقعة الأراضي المتدهورة وحركة الرمال في مناطق تدهور الغطاء النباتي، في تأجيج العواصف الترابية وشدتها وتواتر حدوثها.
وتسود ظاهرة العواصف الغبارية في الأقاليم الصحراوية الحارة، حيث يعرّف الباحثون هذه الظاهرة على أنها عبارة عن رياح شديدة السرعة محملة بذرات ترابية منقولة من قشرة الأرض السطحية المفككة، ويرتفع فيها الغبار إلى عدة كيلومترات فوق سطح الأرض، وتتدنى خلالها الرؤية الأفقية أو تكاد تنعدم.
العواصف الغبارية
ويقول الدكتور علي بن سعيد البلوشي، أستاذ مشارك بقسم الجغرافيا بجامعة السلطان قابوس: الرياح تنقل حمولتها من الرمال بثلاث طرق: الأولى تعلق المواد الدقيقة جدا بالهواء فتنشأ العواصف الغبارية، والطريقة الثانية القفز، وهذه تؤدي إلى حركة الرمال من مكان إلى آخر وبالتالي تكوين الكثبان الرملية، أما الطريقة الثالثة فهي جر الحصى الصغير من مكان إلى آخر.. مشيرا إلى أن أسبابا عديدة وراء حدوث العواصف الرملية أبرزها الجفاف الشديد وخلو المنطقة من الغطاء النباتي والأنشطة البشرية التي تتسبب في تدهور التربة وإثارة الأتربة والغبار في المناطق المكشوفة.
أنواعها ونطاق تأثيرها
لا تؤثر العواصف الغبارية على بلد المنشأ فحسب بل قد يتعدى تأثيرها إلى الأقاليم المجاورة، حيث إن الغبار ينتقل أحيانا لمسافات بعيدة حسب قوة الرياح وقد يقطع آلاف الكيلومترات.
وهنا يفرّق عبدالله بن سيف الهاشمي أستاذ الجغرافيا في جامعة السلطان قابوس بين العواصف الغبارية والعواصف الترابية والرملية، فالعواصف الغبارية تتمثل في حمل الرياح والتيارات الهوائية الصاعدة لذرات الغبار الدقيقة إلى طبقات الجو العليا وتكون أقل خفة ووزنا من الجزيئات الأخرى، فتسوقها الرياح إلى مسافات بعيدة تصل أحيانا إلى آلاف الكيلومترات، أما العواصف الترابية والرملية فجزيئاتها أكبر وأكثر وزنا، وبالتالي أقل ارتفاعا وعلوا عن سطح الأرض وتسوقها الرياح زحفا أحيانا، مشكّلة جدارا ترابيا عابرا لمسافات قصيرة قد تصل لبضعة كيلومترات.
وأوضح الهاشمي أن أسباب حدوث الظاهرة طبيعية ومنها بشرية، فطبيعيا مفهوم العواصف الغبارية والترابية مبني على شدة الرياح والتيارات الهوائية الهابطة على المصادر الرملية والصحراوية التي تعمل على إثارة الأتربة والرمال وحملها على علو من سطح الأرض، وتنشأ غالبا في المناطق الجافة وشبه الجافة ويساهم ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار مع الانخفاض الشديد في رطوبة الجو في زيادة نشاط انبعاث الأتربة والغبار، كما تنشط العواصف الغبارية والترابية عند وفرة الرمال والأتربة المنتشرة على مساحات كبيرة وزيادة ظاهرة الجفاف.. مشيرا إلى دور العامل البشري في تهيئة البيئة الملائمة لانبعاثات الأتربة والغبار، وذلك باستنزاف المياه والتعدي على الأراضي الزراعية للاستغلال السكني والصناعي وغيرها من الإنشاءات.
ووفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإنّ العواصف الرملية والغبارية تعتبر من المخاطر الجوية الشائعة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وتنجم عادة عن الرياح الهابطة من العواصف الرعدية أو التفاوت الشديد في الضغط المسبب للرياح عالية السرعة فوق منطقة شاسعة، وقد صنفت المنظمة هذه العواصف الغبارية من الكوارث الطبيعية التي ينتج عنها الكثير من الحوادث على كافة مستويات النشاط البشري، وربطت هذه العواصف بالعناصر المناخية الأخرى مثل الحرارة والأمطار والرياح والرطوبة الجوية، وهي عناصر تسهم في زيادة شدة العواصف الغبارية أو انخفاض وتيرتها، وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر غبارا في العالم حيث يتواتر حدوث العواصف الرملية، وبحسب البنك الدولي تكلف العواصف الرملية أكثر من 150 مليار دولار سنويا، وهو ما يعادل أكثر من 2.5% من إجمالي الناتج المحلي لمعظم بلدان المنطقة.
تأثيرها على سلطنة عمان
تتعرض سلطنة عمان للعواصف الترابية وموجات الغبار بحكم موقعها الجغرافي في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، الذي جعلها مجاورة للعديد من مصادر هذه العواصف ومحطة عبور لها، بالإضافة إلى وجود مصادر داخلية للعواصف الغبارية مثل رمال الشرقية ورمال الربع الخالي.
ووفقا لـ «هيئة البيئة» فإن تأثر سلطنة عمان بالعواصف الغبارية والرملية، يظل محدودا، وليست له أية آثار كارثية ولا يتسبب في تعطيل الحياة اليومية للسكان، وهناك أسماء محلية متعددة للعواصف الغبارية والرملية منها رياح الخماسين، أو الهبوب، أو الغبار الأصفر، أو العواصف البيضاء، أو رياح الهرمتان.
إثارة الأتربة
وقال الدكتور سالم بن مبارك الحتروشي، أستاذ مشارك وعميد سابق في جامعة السلطان قابوس: تحدث العواصف الغبارية نتيجة شدة الرياح والتيارات الهوائية الهابطة على المصادر الرملية والصحراوية من العالم، حيث تعمل الرياح على إثارة الأتربة والرمال وحملها في طبقات الغلاف الجوي لتشكل غبارا متطايرا في الأجواء تسوقه الرياح إلى أماكن بعيدة أحيانا وتتأثر به في الغالب المناطق المحيطة بالمصادر، وفي العقود الأخيرة أسهمت ظاهرة التصحر واتساع رقعة الأراضي المتدهورة وتدهور الغطاء النباتي وحركة الرمال في المناطق التي تدهور فيها الغطاء النباتي، أسهم في تأجيج العواصف الترابية وشدة تواتر حدوثها.
النواحي الصحية
وأشار إلى أن العواصف الغبارية تشكل خطرا شديدا على حياة الإنسان من الناحية الصحية، فهي تسبب الكثير من الأمراض مثل أمراض الربو وضيق التنفس والحساسية وأمرض العين بالإضافة إلى أضرارها على البيئة والنشاط الاقتصادي بصفة عامة، وقد اهتم علماء المناخ التطبيقي وعلماء الأرصاد الجوية كثيرا بظاهرة العواصف الغبارية وصنفوها كظاهرة مناخية سائدة في الكثير من مناطق العالم وبالأخص في المناطق الواقعة في الأقاليم الصحراوية الحارة.. مشيرا إلى أن الباحثين عرفوا ظاهرة العواصف الغبارية بأنها عبارة عن رياح شديدة السرعة محملة بذرات ترابية منقولة من قشرة الأرض السطحية المفككة، ويرتفع فيها الغبار إلى عدة كيلومترات فوق سطح الأرض، ويصل مستوى الرؤية في العاصفة الغبارية إلى أقل من كيلومتر واحد، وقد صنفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية العواصف الغبارية كواحدة من الظواهر المناخية المتكررة، ويتم رصدها بواسطة محطات الأرصاد الجوية وذلك لتعلق الظاهرة بما يحدث من تقلبات في الغلاف الجوي، كما اعتبرتها المنظمة من الكوارث الطبيعية التي نتج عنها الكثير من الحوادث والتلفيات على كافة مستويات النشاط البشري.. كما اعتبرت دراسة العواصف الغبارية جزءا من منهج المناخ التطبيقي التفصيلي وذلك لارتباطها بالعناصر المناخية الأخرى مثل الحرارة والأمطار والرياح والرطوبة الجوية وهو ما يساهم في تفاقم ظاهرة العواصف الغبارية أو انخفاض وتيرتها.
مصادر العواصف
أما عن مصادر العواصف الغبارية، فقال إن صحاري العالم تسهم بالكمية الأكبر من الغبار العالق في طبقة التروبوسفير الملاصقة لسطح الأرض، ولا تؤثر العواصف الغبارية على بلد المنشأ فحسب بل يتعدى تأثيرها على الأقاليم المجاورة، حيث إن الغبار ينتقل أحيانا لمسافات بعيدة عبر الرياح ويقطع آلاف الكيلومترات، ومن هنا جاء تأثير العواصف الغبارية على الكثير من المجتمعات والبيئات، وبحكم الموقع الجغرافي لسلطنة عمان في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، جعلها مجاورة للعديد من مصادر العواصف الغبارية كما جعلها محطة عبور لهذه العواصف، حيث إن سلطنة عمان محاطة من الجانب الشمالي والشمال الشرقي بإقليم السستان الإيراني وصحراء لوط الإيرانية وصحراء ثار الهندية وإقليم لاهور الباكستاني الجاف، وعلى الجانب الغربي تحيط بها صحراء الربع الخالي وصحراء النفوذ وكثبان الدهناء، بالإضافة إلى وجود مصادر داخلية للعواصف الغبارية في سلطنة عمان مثل رمال الشرقية ورمال الربع الخالي.
نظم التنبؤ
وأضاف: باتت التقنيات المكانية، مثل الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، ونظم رادارات الطقس، تشكل أداة فاعلة وقوية في إدارة الكوارث والأزمات بشكل عام ولا يمكن الاستغناء عنها في كثير من الأحوال، بل إنها باتت تعد الأداة الحصرية الوحيدة في إدارة بعض أنواع الكوارث والأزمات يصعب على صانعي القرار النجاح في إدارة الأزمات دونها، كما أن علوم الطقس والمناخ بشكل عام والاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية بشكل خاص أصبحت المحرك الأمثل للتعامل مع كل مراحل الأزمات الناتجة عن الظواهر المناخية والكوارث الطبيعية مثل الحالات المدارية والفيضانات وكذلك العواصف الترابية، بدءا بتوقعها قبل حدوثها من خلال أنظمة الإنذار المبكر التي ترصد احتمالية حدوث الكارثة أو الأزمة قبل حدوثها للعمل على تلافيها أو الاستعداد لها إن لم يكن تلافيها ممكنا.. مضيفا: وعليه فإن إنشاء مركز متكامل بكل الإمكانيات والقدرات والتقنيات والقوة البشرية معني بإدارة الطوارئ في البلد، من الأمور ذات الأهمية القصوى، وقد قامت معظم دول العالم اليوم خاصة المتطورة منها بإنشاء مراكز مختصة بإدارة الطوارئ، مجهزة بأحدث التقنيات، ويوظف فيها كادر وطني مؤهل في كل التخصصات، ومربوط مباشر بقواعد البيانات المختلفة في جميع المؤسسات الحكومية، وتديره قيادات بفكر مستنير، وفي سلطنة عمان تم افتتاح المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة في عام 2015م، وتديره كوادر عمانية مؤهلة، إذ إن تعرض سلطنة عمان لتكرار العواصف الغبارية يعزز من دور وأهمية الأرصاد الجوية في متابعة ورصد الحالات الغبارية التي تتعرض لها سلطنة عمان خلال الفترات القادمة، وذلك لرسم خطة عمل متكاملة للتكيف والتخفيف من أخطار العواصف الغبارية.. كما أن إنشاء وتطوير نظام إقليمي متعدد الأبعاد للإنذار المبكر بالعواصف الغبارية، يغطي دول الخليج العربي يعد من المطالب الملحة.
الدراسات البحثية
وقال: هناك العديد من الدراسات التي تناولت موضوع العواصف الغبارية سواء كان على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي أو المستوى المحلي، يصعب حصرها، وعليه سنكتفي بذكر بعض الدراسات التي تناولت ظاهرة العواصف الغبارية على المستويين الإقليمي والمحلي، مثل كتاب ظاهرة الغبار للدكتور علي محمد الدوسري (2018) من الكويت الذي يقدم دراسة مستفيضة عن الغبار، محليا وإقليميا وعالميا، من حيث مكوناته ومصادره وآثاره وخصائصه ودوره في النظام الإيكولوجي الذي يمثل الغبار جزءا منه ويؤدي فيه دورا رئيسا، وقد خلص إلى أن ظاهرة الغبار مشكلة بيئية تهم المجتمع الخليجي بشكل عام والمجتمع الكويتي بشكل خاص، وبالتالي فإن تسليط الضوء على هذه الظاهرة يسهم في التصدي لها وإيجاد الحلول للآثار السلبية التي تترتب عليها، كما أن حميد الجنابي من العراق (2010) درس تكرار العواصف الغبارية وآثارها البيئية والصحية في مدينة الرمادي العراقية، ركز فيها على العواصف الغبارية وتأثيراتها البيئية على شمال غرب الخليج العربي. ومن الدراسات التي تناولت العواصف الغبارية دراسة (Notaro et al., 2012) التي اعتمدت على تحليل صور الأقمار الصناعية لتحديد مسارات العواصف الغبارية في المملكة العربية السعودية وتتبع مصادرها الداخلية والخارجية على دول شبه الجزيرة العربية. وأضاف: أما الدراسات التي تناولت موضوع العواصف الغبارية في سلطنة عمان، فإنها قليلة جدا، نذكر منها دراسة (Charabi & Gastli, 2012) والتي كانت حول تقييم مخاطر الغبار على الطاقة الشمسية في سلطنة عمان، باستخدام بيانات الأقمار الصناعية (NASA)، ودراسة (Al-Jahwari, 2012)، الذي تناول دراسة حالتين من العواصف الغبارية التي تعرضت لها سلطنة عمان، الأولى بتاريخ 19 مارس 2012م والأخرى بتاريخ 12 أكتوبر 2011م، واستخدم فيهما نموذج التنبؤات العددية والمرئيات الفضائية. أما الدراسة الثالثة فكانت لـ (AL-Yahyai & Charabi, 2014) وتناولت تقدير وتنبؤ مسارات العواصف الغبارية على سلطنة عمان في شهر مارس عام 2012م باستخدام تنبؤات الطقس العالمية ونموذج التنبؤات العددية، وكذلك دراسة عبدالله بن سيف الهاشمي، وسالم الحتروشي، وياسين الشرعبي (2020) التي تناولت العواصف الغبارية من حيث مصادرها ومساراتها وتكرار حدوثها وانتشارها على سلطنة عمان خلال الفترة من (2000م إلى 2014م)، والتي خلصت إلى أن سلطنة عمان تعرضت لحوالي 70 عاصفة غبارية خلال الفترة من 2000 إلى 2014م، وقد صنفت الدراسة هذه العواصف الغبارية حسب مصدرها إلى عواصف مصدرها الشمال والشمال الشرقي بما يقارب 18 عاصفة غبارية، بينما استقبلت أجواء سلطنة عمان ما يقارب 52 عاصفة غبارية من جهة الغرب والشمال الغربي وكانت أغلب هذه العواصف الغبارية في شهر مارس، بينما لم تسجل أي عواصف غبارية في شهر نوفمبر.. كما أظهرت الدراسة أن المصادر الخارجية للغبار القادم، على سلطنة عمان من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية، هي صحراء ثار الهندية وصحراء راجستان الأفغانية وإقليم بلوشستان الباكستاني وإقليم السستان الإيراني، أما من الجهة الغربية والشمالية الغربية فإن مصدرها السهل الفيضي الجاف في جنوب العراق، والسهل الفيضي الجاف وبادية الشام في سوريا، وصحراء النفوذ وكثبان الدهناء في السعودية، وصحراء الربع الخالي.
التكيف والتخفيف
وأشار إلى أن الدراسات التطبيقية في مجال دراسة العواصف الغبارية لها دور كبير في التعريف بالعواصف الغبارية والآثار الناتجة عنها، وذلك لمواكبة خطرها، وعمل الاحتياطات للتكيف والتخفيف من أخطارها. وعليه فقد أوصت الدراسة بتوسيع النطاق المعرفي والبحث العلمي وذلك من خلال إجراء أبحاث حول المصادر الرئيسية للعواصف الغبارية وتولدها وانتقالها وترسبها وتأثيراتها على البيئة والصحة والاقتصاد، وكذلك وضع برامج للتبادل العلمي من خلال الندوات والاجتماعات والمؤتمرات، وتطوير نظام معلومات متكامل لجمع وتقديم بيانات حول العواصف الغبارية والربط الشبكي مع نظم المعلومات الوطنية في دول المنطقة، إضافة إلى بناء القدرات البشرية والتقنية وذلك من خلال العمل على إذكاء الوعي العام للجمهور عن كيفية التعامل مع خطر العواصف الغبارية، مع ضرورة أن يبدأ العمل بأطفال المدارس وطلاب الجامعات ثم يتوسع بعد ذلك ليشمل وسائل الإعلام ، كما أوصت بتطوير برامج العمل الوطنية للتخفيف من تأثيرات العواصف الغبارية، كما أن تعرض سلطنة عمان لتكرار العواصف الغبارية خلال فترة الخمسة عشر عاما الماضية، يعزز من دور وأهمية الأرصاد الجوية في متابعة ورصد الحالات الغبارية التي تتعرض لها البلاد خلال الفترة القادمة، وذلك لرسم خطة عمل متكاملة للتكيف والتخفيف من أخطار العواصف الغبارية.
قدرات التنبؤ والرصد
وحول قدرة سلطنة عمان على إطلاق الإنذارات المبكرة قبل حدوث العواصف الرملية والغبارية يقول الدكتور حميد بن علي البادي مدير دائرة البحوث وتطوير الأرصاد بهيئة الطيران المدني: يتم الإنذار المبكر من العواصف الغبارية عبر مراقبتها بالأقمار الاصطناعية مما يعطي وقتا كافيا للتحذير منها إن كان مصدرها بعيدا، أما إن كانت قريبة المصدر فنستخدم نماذج الغلاف الجوي الحاسوبية (التنبؤات العددية) للتنبؤ بالرياح الشديدة المسببة للغبار، كما نستطيع من خلال بعض العوامل التي ترصدها محطات الطقس التنبؤ مسبقا باحتمالية حدوث عواصف رملية أو غبارية، وأبرز هذه العوامل درجة الحرارة، والضغط، والرطوبة، والرياح، والرؤية الأفقية، ونوعية الغيوم. ويضيف البادي: من المهم في التنبؤ معرفة خصائص التربة وحجم الغطاء النباتي للمنطقة المتعرضة للرياح لتقدير كمية ونوعية الغبار المنبعث ومساحته واتجاهاته.. مشيرا إلى أن هناك مواقع نشطة تكون مصدرا أو مسببا لانبعاثات معظم الغبار المؤثر على شبه الجزيرة العربية وهي حوض دجلة والفرات، وحوض سيستان وبلوشستان، ومناطق أخرى في شرق جبال الحجاز، وجنوب غرب جبال الحجر، ونعمل حاليا على تحديث دليل الإجراءات للتحذير من العواصف الرملية والترابية.
حلول ومبادرات وطنية
ويؤكد الدكتور حميد البادي أهمية العمل على تقوية نظام الإنذار المبكر من العواصف الغبارية عبر تسهيل تبادل بيانات الغبار في المنطقة وتحديث شبكة محطات الرصد للتمكن من رصد الغبار آليا، ويرى أن التشجير عبر النباتات المحلية المقاومة للجفاف وحمايتها هي أنجع الطرق لتقليل تطاير الغبار، ومن الأولويات تشجير المناطق المعروف عنها أنها مصدر نشط للغبار في الجزيرة العربية.
الكثبان الرملية
وأشار الباحث عبدالله الهاشمي إلى أهمية السعي لتوسيع رقعة الأراضي الزراعية وعمل ما يسمى بالأحزمة الخضراء على المناطق المحاذية للمصادر الرئيسة للأتربة والغبار «الكثبان الرملية والصحاري»، بالإضافة إلى توعية الجمهور بكيفية التعامل مع الموارد البيئية والحفاظ عليها.
وفي هذا المسعى، تعمل هيئة البيئة على تعزيز التعاون على المستوى الدولي والإقليمي والوطني للحد من تأثير التغيرات المناخية والأنشطة البشرية غير المرشدة وإدارة الأراضي والمياه بصورة مستدامة، عبر تنفيذ المبادرة الوطنية لزراعة 10 ملايين شجرة في مختلف المحافظات للتقليل من التأثيرات المناخية ومكافحة التصحر، ولا شك أن تغير المناخ بفعل الإنسان والتصحر وتدهور الأراضي عوامل تلعب دورا في حدوث العواصف الغبارية والرملية، وتمثل الأخطار المرتبطة بالعواصف الرملية والغبارية تحديا هائلا أمام تحقيق التنمية المستدامة، ولذلك تدعو الهيئة جميع الجهات المعنية إلى أهمية اتخاذ استجابات عالمية وإقليمية موحدة ومنسقة في مجال السياسات لا سيما لمعالجة مسألة تخفيف المصادر ونظم الإنذار المبكر والرصد.
ووفقا للخبراء فإن التغير المناخي يعد عاملا أساسيا في ازدياد العواصف الرملية والترابية، حيث أصبحنا نشهد تلاحقا غير مسبوق لموجات الغبار الشديدة العابرة للحدود، وتسارعا في وتيرة حدوثها، ما يستدعي على نحو خاص توعية المجتمع بالمخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية التي قد تنجم عن هذه العواصف وسبل تجنبها، عبر اتخاذ إجراءات استباقية على جميع المستويات.
وإسهاما في تحقيق هذه الغاية، تنشر جريدة «عمان» ملفا في حلقتين عن العواصف الترابية.. أسباب نشوئها.. ومناطق تأثيرها.. وتداعياتها على الإنسان والتنمية.. وسبل تجنبها.. والمبادرات الوطنية والدولية للتصدي لها والحد من أضرارها.
كيف تنشأ عواصف الغبار؟
تعمل التيارات الهوائية الهابطة على المناطق الرملية والصحراوية، على إثارة الأتربة والرمال وحملها في طبقات الغلاف الجوي لتشكل غبارا متطايرا تسوقه الرياح إلى أماكن بعيدة أحيانا.
وفي العقود الأخيرة أسهمت ظاهرة التصحر واتساع رقعة الأراضي المتدهورة وحركة الرمال في مناطق تدهور الغطاء النباتي، في تأجيج العواصف الترابية وشدتها وتواتر حدوثها.
وتسود ظاهرة العواصف الغبارية في الأقاليم الصحراوية الحارة، حيث يعرّف الباحثون هذه الظاهرة على أنها عبارة عن رياح شديدة السرعة محملة بذرات ترابية منقولة من قشرة الأرض السطحية المفككة، ويرتفع فيها الغبار إلى عدة كيلومترات فوق سطح الأرض، وتتدنى خلالها الرؤية الأفقية أو تكاد تنعدم.
العواصف الغبارية
ويقول الدكتور علي بن سعيد البلوشي، أستاذ مشارك بقسم الجغرافيا بجامعة السلطان قابوس: الرياح تنقل حمولتها من الرمال بثلاث طرق: الأولى تعلق المواد الدقيقة جدا بالهواء فتنشأ العواصف الغبارية، والطريقة الثانية القفز، وهذه تؤدي إلى حركة الرمال من مكان إلى آخر وبالتالي تكوين الكثبان الرملية، أما الطريقة الثالثة فهي جر الحصى الصغير من مكان إلى آخر.. مشيرا إلى أن أسبابا عديدة وراء حدوث العواصف الرملية أبرزها الجفاف الشديد وخلو المنطقة من الغطاء النباتي والأنشطة البشرية التي تتسبب في تدهور التربة وإثارة الأتربة والغبار في المناطق المكشوفة.
أنواعها ونطاق تأثيرها
لا تؤثر العواصف الغبارية على بلد المنشأ فحسب بل قد يتعدى تأثيرها إلى الأقاليم المجاورة، حيث إن الغبار ينتقل أحيانا لمسافات بعيدة حسب قوة الرياح وقد يقطع آلاف الكيلومترات.
وهنا يفرّق عبدالله بن سيف الهاشمي أستاذ الجغرافيا في جامعة السلطان قابوس بين العواصف الغبارية والعواصف الترابية والرملية، فالعواصف الغبارية تتمثل في حمل الرياح والتيارات الهوائية الصاعدة لذرات الغبار الدقيقة إلى طبقات الجو العليا وتكون أقل خفة ووزنا من الجزيئات الأخرى، فتسوقها الرياح إلى مسافات بعيدة تصل أحيانا إلى آلاف الكيلومترات، أما العواصف الترابية والرملية فجزيئاتها أكبر وأكثر وزنا، وبالتالي أقل ارتفاعا وعلوا عن سطح الأرض وتسوقها الرياح زحفا أحيانا، مشكّلة جدارا ترابيا عابرا لمسافات قصيرة قد تصل لبضعة كيلومترات.
وأوضح الهاشمي أن أسباب حدوث الظاهرة طبيعية ومنها بشرية، فطبيعيا مفهوم العواصف الغبارية والترابية مبني على شدة الرياح والتيارات الهوائية الهابطة على المصادر الرملية والصحراوية التي تعمل على إثارة الأتربة والرمال وحملها على علو من سطح الأرض، وتنشأ غالبا في المناطق الجافة وشبه الجافة ويساهم ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار مع الانخفاض الشديد في رطوبة الجو في زيادة نشاط انبعاث الأتربة والغبار، كما تنشط العواصف الغبارية والترابية عند وفرة الرمال والأتربة المنتشرة على مساحات كبيرة وزيادة ظاهرة الجفاف.. مشيرا إلى دور العامل البشري في تهيئة البيئة الملائمة لانبعاثات الأتربة والغبار، وذلك باستنزاف المياه والتعدي على الأراضي الزراعية للاستغلال السكني والصناعي وغيرها من الإنشاءات.
ووفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإنّ العواصف الرملية والغبارية تعتبر من المخاطر الجوية الشائعة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وتنجم عادة عن الرياح الهابطة من العواصف الرعدية أو التفاوت الشديد في الضغط المسبب للرياح عالية السرعة فوق منطقة شاسعة، وقد صنفت المنظمة هذه العواصف الغبارية من الكوارث الطبيعية التي ينتج عنها الكثير من الحوادث على كافة مستويات النشاط البشري، وربطت هذه العواصف بالعناصر المناخية الأخرى مثل الحرارة والأمطار والرياح والرطوبة الجوية، وهي عناصر تسهم في زيادة شدة العواصف الغبارية أو انخفاض وتيرتها، وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر غبارا في العالم حيث يتواتر حدوث العواصف الرملية، وبحسب البنك الدولي تكلف العواصف الرملية أكثر من 150 مليار دولار سنويا، وهو ما يعادل أكثر من 2.5% من إجمالي الناتج المحلي لمعظم بلدان المنطقة.
تأثيرها على سلطنة عمان
تتعرض سلطنة عمان للعواصف الترابية وموجات الغبار بحكم موقعها الجغرافي في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، الذي جعلها مجاورة للعديد من مصادر هذه العواصف ومحطة عبور لها، بالإضافة إلى وجود مصادر داخلية للعواصف الغبارية مثل رمال الشرقية ورمال الربع الخالي.
ووفقا لـ «هيئة البيئة» فإن تأثر سلطنة عمان بالعواصف الغبارية والرملية، يظل محدودا، وليست له أية آثار كارثية ولا يتسبب في تعطيل الحياة اليومية للسكان، وهناك أسماء محلية متعددة للعواصف الغبارية والرملية منها رياح الخماسين، أو الهبوب، أو الغبار الأصفر، أو العواصف البيضاء، أو رياح الهرمتان.
إثارة الأتربة
وقال الدكتور سالم بن مبارك الحتروشي، أستاذ مشارك وعميد سابق في جامعة السلطان قابوس: تحدث العواصف الغبارية نتيجة شدة الرياح والتيارات الهوائية الهابطة على المصادر الرملية والصحراوية من العالم، حيث تعمل الرياح على إثارة الأتربة والرمال وحملها في طبقات الغلاف الجوي لتشكل غبارا متطايرا في الأجواء تسوقه الرياح إلى أماكن بعيدة أحيانا وتتأثر به في الغالب المناطق المحيطة بالمصادر، وفي العقود الأخيرة أسهمت ظاهرة التصحر واتساع رقعة الأراضي المتدهورة وتدهور الغطاء النباتي وحركة الرمال في المناطق التي تدهور فيها الغطاء النباتي، أسهم في تأجيج العواصف الترابية وشدة تواتر حدوثها.
النواحي الصحية
وأشار إلى أن العواصف الغبارية تشكل خطرا شديدا على حياة الإنسان من الناحية الصحية، فهي تسبب الكثير من الأمراض مثل أمراض الربو وضيق التنفس والحساسية وأمرض العين بالإضافة إلى أضرارها على البيئة والنشاط الاقتصادي بصفة عامة، وقد اهتم علماء المناخ التطبيقي وعلماء الأرصاد الجوية كثيرا بظاهرة العواصف الغبارية وصنفوها كظاهرة مناخية سائدة في الكثير من مناطق العالم وبالأخص في المناطق الواقعة في الأقاليم الصحراوية الحارة.. مشيرا إلى أن الباحثين عرفوا ظاهرة العواصف الغبارية بأنها عبارة عن رياح شديدة السرعة محملة بذرات ترابية منقولة من قشرة الأرض السطحية المفككة، ويرتفع فيها الغبار إلى عدة كيلومترات فوق سطح الأرض، ويصل مستوى الرؤية في العاصفة الغبارية إلى أقل من كيلومتر واحد، وقد صنفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية العواصف الغبارية كواحدة من الظواهر المناخية المتكررة، ويتم رصدها بواسطة محطات الأرصاد الجوية وذلك لتعلق الظاهرة بما يحدث من تقلبات في الغلاف الجوي، كما اعتبرتها المنظمة من الكوارث الطبيعية التي نتج عنها الكثير من الحوادث والتلفيات على كافة مستويات النشاط البشري.. كما اعتبرت دراسة العواصف الغبارية جزءا من منهج المناخ التطبيقي التفصيلي وذلك لارتباطها بالعناصر المناخية الأخرى مثل الحرارة والأمطار والرياح والرطوبة الجوية وهو ما يساهم في تفاقم ظاهرة العواصف الغبارية أو انخفاض وتيرتها.
مصادر العواصف
أما عن مصادر العواصف الغبارية، فقال إن صحاري العالم تسهم بالكمية الأكبر من الغبار العالق في طبقة التروبوسفير الملاصقة لسطح الأرض، ولا تؤثر العواصف الغبارية على بلد المنشأ فحسب بل يتعدى تأثيرها على الأقاليم المجاورة، حيث إن الغبار ينتقل أحيانا لمسافات بعيدة عبر الرياح ويقطع آلاف الكيلومترات، ومن هنا جاء تأثير العواصف الغبارية على الكثير من المجتمعات والبيئات، وبحكم الموقع الجغرافي لسلطنة عمان في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، جعلها مجاورة للعديد من مصادر العواصف الغبارية كما جعلها محطة عبور لهذه العواصف، حيث إن سلطنة عمان محاطة من الجانب الشمالي والشمال الشرقي بإقليم السستان الإيراني وصحراء لوط الإيرانية وصحراء ثار الهندية وإقليم لاهور الباكستاني الجاف، وعلى الجانب الغربي تحيط بها صحراء الربع الخالي وصحراء النفوذ وكثبان الدهناء، بالإضافة إلى وجود مصادر داخلية للعواصف الغبارية في سلطنة عمان مثل رمال الشرقية ورمال الربع الخالي.
نظم التنبؤ
وأضاف: باتت التقنيات المكانية، مثل الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، ونظم رادارات الطقس، تشكل أداة فاعلة وقوية في إدارة الكوارث والأزمات بشكل عام ولا يمكن الاستغناء عنها في كثير من الأحوال، بل إنها باتت تعد الأداة الحصرية الوحيدة في إدارة بعض أنواع الكوارث والأزمات يصعب على صانعي القرار النجاح في إدارة الأزمات دونها، كما أن علوم الطقس والمناخ بشكل عام والاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية بشكل خاص أصبحت المحرك الأمثل للتعامل مع كل مراحل الأزمات الناتجة عن الظواهر المناخية والكوارث الطبيعية مثل الحالات المدارية والفيضانات وكذلك العواصف الترابية، بدءا بتوقعها قبل حدوثها من خلال أنظمة الإنذار المبكر التي ترصد احتمالية حدوث الكارثة أو الأزمة قبل حدوثها للعمل على تلافيها أو الاستعداد لها إن لم يكن تلافيها ممكنا.. مضيفا: وعليه فإن إنشاء مركز متكامل بكل الإمكانيات والقدرات والتقنيات والقوة البشرية معني بإدارة الطوارئ في البلد، من الأمور ذات الأهمية القصوى، وقد قامت معظم دول العالم اليوم خاصة المتطورة منها بإنشاء مراكز مختصة بإدارة الطوارئ، مجهزة بأحدث التقنيات، ويوظف فيها كادر وطني مؤهل في كل التخصصات، ومربوط مباشر بقواعد البيانات المختلفة في جميع المؤسسات الحكومية، وتديره قيادات بفكر مستنير، وفي سلطنة عمان تم افتتاح المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة في عام 2015م، وتديره كوادر عمانية مؤهلة، إذ إن تعرض سلطنة عمان لتكرار العواصف الغبارية يعزز من دور وأهمية الأرصاد الجوية في متابعة ورصد الحالات الغبارية التي تتعرض لها سلطنة عمان خلال الفترات القادمة، وذلك لرسم خطة عمل متكاملة للتكيف والتخفيف من أخطار العواصف الغبارية.. كما أن إنشاء وتطوير نظام إقليمي متعدد الأبعاد للإنذار المبكر بالعواصف الغبارية، يغطي دول الخليج العربي يعد من المطالب الملحة.
الدراسات البحثية
وقال: هناك العديد من الدراسات التي تناولت موضوع العواصف الغبارية سواء كان على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي أو المستوى المحلي، يصعب حصرها، وعليه سنكتفي بذكر بعض الدراسات التي تناولت ظاهرة العواصف الغبارية على المستويين الإقليمي والمحلي، مثل كتاب ظاهرة الغبار للدكتور علي محمد الدوسري (2018) من الكويت الذي يقدم دراسة مستفيضة عن الغبار، محليا وإقليميا وعالميا، من حيث مكوناته ومصادره وآثاره وخصائصه ودوره في النظام الإيكولوجي الذي يمثل الغبار جزءا منه ويؤدي فيه دورا رئيسا، وقد خلص إلى أن ظاهرة الغبار مشكلة بيئية تهم المجتمع الخليجي بشكل عام والمجتمع الكويتي بشكل خاص، وبالتالي فإن تسليط الضوء على هذه الظاهرة يسهم في التصدي لها وإيجاد الحلول للآثار السلبية التي تترتب عليها، كما أن حميد الجنابي من العراق (2010) درس تكرار العواصف الغبارية وآثارها البيئية والصحية في مدينة الرمادي العراقية، ركز فيها على العواصف الغبارية وتأثيراتها البيئية على شمال غرب الخليج العربي. ومن الدراسات التي تناولت العواصف الغبارية دراسة (Notaro et al., 2012) التي اعتمدت على تحليل صور الأقمار الصناعية لتحديد مسارات العواصف الغبارية في المملكة العربية السعودية وتتبع مصادرها الداخلية والخارجية على دول شبه الجزيرة العربية. وأضاف: أما الدراسات التي تناولت موضوع العواصف الغبارية في سلطنة عمان، فإنها قليلة جدا، نذكر منها دراسة (Charabi & Gastli, 2012) والتي كانت حول تقييم مخاطر الغبار على الطاقة الشمسية في سلطنة عمان، باستخدام بيانات الأقمار الصناعية (NASA)، ودراسة (Al-Jahwari, 2012)، الذي تناول دراسة حالتين من العواصف الغبارية التي تعرضت لها سلطنة عمان، الأولى بتاريخ 19 مارس 2012م والأخرى بتاريخ 12 أكتوبر 2011م، واستخدم فيهما نموذج التنبؤات العددية والمرئيات الفضائية. أما الدراسة الثالثة فكانت لـ (AL-Yahyai & Charabi, 2014) وتناولت تقدير وتنبؤ مسارات العواصف الغبارية على سلطنة عمان في شهر مارس عام 2012م باستخدام تنبؤات الطقس العالمية ونموذج التنبؤات العددية، وكذلك دراسة عبدالله بن سيف الهاشمي، وسالم الحتروشي، وياسين الشرعبي (2020) التي تناولت العواصف الغبارية من حيث مصادرها ومساراتها وتكرار حدوثها وانتشارها على سلطنة عمان خلال الفترة من (2000م إلى 2014م)، والتي خلصت إلى أن سلطنة عمان تعرضت لحوالي 70 عاصفة غبارية خلال الفترة من 2000 إلى 2014م، وقد صنفت الدراسة هذه العواصف الغبارية حسب مصدرها إلى عواصف مصدرها الشمال والشمال الشرقي بما يقارب 18 عاصفة غبارية، بينما استقبلت أجواء سلطنة عمان ما يقارب 52 عاصفة غبارية من جهة الغرب والشمال الغربي وكانت أغلب هذه العواصف الغبارية في شهر مارس، بينما لم تسجل أي عواصف غبارية في شهر نوفمبر.. كما أظهرت الدراسة أن المصادر الخارجية للغبار القادم، على سلطنة عمان من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية، هي صحراء ثار الهندية وصحراء راجستان الأفغانية وإقليم بلوشستان الباكستاني وإقليم السستان الإيراني، أما من الجهة الغربية والشمالية الغربية فإن مصدرها السهل الفيضي الجاف في جنوب العراق، والسهل الفيضي الجاف وبادية الشام في سوريا، وصحراء النفوذ وكثبان الدهناء في السعودية، وصحراء الربع الخالي.
التكيف والتخفيف
وأشار إلى أن الدراسات التطبيقية في مجال دراسة العواصف الغبارية لها دور كبير في التعريف بالعواصف الغبارية والآثار الناتجة عنها، وذلك لمواكبة خطرها، وعمل الاحتياطات للتكيف والتخفيف من أخطارها. وعليه فقد أوصت الدراسة بتوسيع النطاق المعرفي والبحث العلمي وذلك من خلال إجراء أبحاث حول المصادر الرئيسية للعواصف الغبارية وتولدها وانتقالها وترسبها وتأثيراتها على البيئة والصحة والاقتصاد، وكذلك وضع برامج للتبادل العلمي من خلال الندوات والاجتماعات والمؤتمرات، وتطوير نظام معلومات متكامل لجمع وتقديم بيانات حول العواصف الغبارية والربط الشبكي مع نظم المعلومات الوطنية في دول المنطقة، إضافة إلى بناء القدرات البشرية والتقنية وذلك من خلال العمل على إذكاء الوعي العام للجمهور عن كيفية التعامل مع خطر العواصف الغبارية، مع ضرورة أن يبدأ العمل بأطفال المدارس وطلاب الجامعات ثم يتوسع بعد ذلك ليشمل وسائل الإعلام ، كما أوصت بتطوير برامج العمل الوطنية للتخفيف من تأثيرات العواصف الغبارية، كما أن تعرض سلطنة عمان لتكرار العواصف الغبارية خلال فترة الخمسة عشر عاما الماضية، يعزز من دور وأهمية الأرصاد الجوية في متابعة ورصد الحالات الغبارية التي تتعرض لها البلاد خلال الفترة القادمة، وذلك لرسم خطة عمل متكاملة للتكيف والتخفيف من أخطار العواصف الغبارية.
قدرات التنبؤ والرصد
وحول قدرة سلطنة عمان على إطلاق الإنذارات المبكرة قبل حدوث العواصف الرملية والغبارية يقول الدكتور حميد بن علي البادي مدير دائرة البحوث وتطوير الأرصاد بهيئة الطيران المدني: يتم الإنذار المبكر من العواصف الغبارية عبر مراقبتها بالأقمار الاصطناعية مما يعطي وقتا كافيا للتحذير منها إن كان مصدرها بعيدا، أما إن كانت قريبة المصدر فنستخدم نماذج الغلاف الجوي الحاسوبية (التنبؤات العددية) للتنبؤ بالرياح الشديدة المسببة للغبار، كما نستطيع من خلال بعض العوامل التي ترصدها محطات الطقس التنبؤ مسبقا باحتمالية حدوث عواصف رملية أو غبارية، وأبرز هذه العوامل درجة الحرارة، والضغط، والرطوبة، والرياح، والرؤية الأفقية، ونوعية الغيوم. ويضيف البادي: من المهم في التنبؤ معرفة خصائص التربة وحجم الغطاء النباتي للمنطقة المتعرضة للرياح لتقدير كمية ونوعية الغبار المنبعث ومساحته واتجاهاته.. مشيرا إلى أن هناك مواقع نشطة تكون مصدرا أو مسببا لانبعاثات معظم الغبار المؤثر على شبه الجزيرة العربية وهي حوض دجلة والفرات، وحوض سيستان وبلوشستان، ومناطق أخرى في شرق جبال الحجاز، وجنوب غرب جبال الحجر، ونعمل حاليا على تحديث دليل الإجراءات للتحذير من العواصف الرملية والترابية.
حلول ومبادرات وطنية
ويؤكد الدكتور حميد البادي أهمية العمل على تقوية نظام الإنذار المبكر من العواصف الغبارية عبر تسهيل تبادل بيانات الغبار في المنطقة وتحديث شبكة محطات الرصد للتمكن من رصد الغبار آليا، ويرى أن التشجير عبر النباتات المحلية المقاومة للجفاف وحمايتها هي أنجع الطرق لتقليل تطاير الغبار، ومن الأولويات تشجير المناطق المعروف عنها أنها مصدر نشط للغبار في الجزيرة العربية.
الكثبان الرملية
وأشار الباحث عبدالله الهاشمي إلى أهمية السعي لتوسيع رقعة الأراضي الزراعية وعمل ما يسمى بالأحزمة الخضراء على المناطق المحاذية للمصادر الرئيسة للأتربة والغبار «الكثبان الرملية والصحاري»، بالإضافة إلى توعية الجمهور بكيفية التعامل مع الموارد البيئية والحفاظ عليها.
وفي هذا المسعى، تعمل هيئة البيئة على تعزيز التعاون على المستوى الدولي والإقليمي والوطني للحد من تأثير التغيرات المناخية والأنشطة البشرية غير المرشدة وإدارة الأراضي والمياه بصورة مستدامة، عبر تنفيذ المبادرة الوطنية لزراعة 10 ملايين شجرة في مختلف المحافظات للتقليل من التأثيرات المناخية ومكافحة التصحر، ولا شك أن تغير المناخ بفعل الإنسان والتصحر وتدهور الأراضي عوامل تلعب دورا في حدوث العواصف الغبارية والرملية، وتمثل الأخطار المرتبطة بالعواصف الرملية والغبارية تحديا هائلا أمام تحقيق التنمية المستدامة، ولذلك تدعو الهيئة جميع الجهات المعنية إلى أهمية اتخاذ استجابات عالمية وإقليمية موحدة ومنسقة في مجال السياسات لا سيما لمعالجة مسألة تخفيف المصادر ونظم الإنذار المبكر والرصد.