أفكار وآراء

ماذا يمكننا أن نفعل حيال انعدام الأمن الغذائي؟

ديفيد ميليباند -

كيت هامبتون -

تستضيف المملكة المتحدة قمة الأمن الغذائي العالمي، كما تعتزم إطلاق استراتيجية جديدة للتنمية الدولية. على الرغم من الأزمات الـمُـلِـحَّـة مثل الحرب على غزة، يتعين علينا أن نُـبقي تركيزنا على أجزاء أخرى من النظام العالمي، حيث تتطلب أزمات الجوع وسوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي المتنامية استجابة عاجلة. في مواجهة المعاناة الهائلة في مختلف أنحاء العالم، نحتاج إلى حكومة بريطانية راغبة وقادرة على تقديم الحلول.

الواقع أن المنظمتين اللتين نتولى قيادتهما -مؤسسة صندوق استثمار الأطفال ولجنة الإنقاذ الدولية- ملتزمتان بعزم وثبات بحماية الأطفال والأسر المستضعفة أينما كانت.

في غزة، أعلنت لجنة الإنقاذ الدولية عن مقترحات تفصيلية لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية لإنقاذ حياة المدنيين الفلسطينيين وزيادة قدرتهم على الوصول إلى الغذاء على وجه السرعة، في حين تساعد مؤسسة صندوق استثمار الأطفال في قيادة الجهود الرامية إلى معالجة مشكلات مثل هزال الأطفال. كل من المنظمتين لديها مصلحة واضحة في نجاح القمة (التي ساعدت مؤسسة صندوق استثمار الأطفال في تنظيمها) والاستراتيجية الجديدة للتنمية الدولية التي اعتمدتها الحكومة. لقد بلغت أزمة الجوع العالمية مستويات حرجة. إذ يواجه نحو 345 مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي هذا العام ــ أكثر من ضعف العدد في عام 2020 ــ ويعاني 45 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد. في كل عام، يموت ما يصل إلى مليونين من هؤلاء الأطفال، ويؤدي تغير المناخ والصراعات العنيفة إلى تفاقم المشكلة.

على مدار السنوات العشر الأخيرة، استثمرت مؤسسة صندوق استثمار الأطفال أكثر من نصف مليار دولار في علاج هزال الأطفال والوقاية منه، وفهم ما قد ينجح من جهود لتحسين التغذية. وتُـعَـد المؤسسة شريكا أساسيا لصندوق تغذية الأطفال، وهو أكبر استجابة عالمية لأزمة هزال الأطفال، والتي ستكون محور تركيز أساسيا في القمة. من جانبها، تساعد لجنة الإنقاذ الدولية الناس في أكثر من خمسين دولة والذين تحطمت حياتهم بسبب الصراعات والأزمات مثل تغير المناخ. وهي تعمل بلا انقطاع على اختبار وتوسيع نطاق الأفكار المبدعة لمعالجة مشكلات مثل سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، على سبيل المثال من خلال تزويد المزارعين والأسر في بلدان مثل: النيجر وباكستان وجنوب السودان وسوريا ببذور قادرة على تحمل ظروف المناخ القاسية فضلا عن سبل العيش الآمنة. والحلول المثبتة قائمة بالفعل. ولكن يتعين علينا جميعا أن نبذل قدرا أعظم من الجهد. لتحقيق النجاح، يجب أن تقدم القمة نتائج ملموسة على أربع جبهات.

أولا، ينبغي للمشاركين أن يلتزموا بتوسيع نطاق الحلول والابتكارات الثابتة الجدوى والموفرة للتكاليف. بين الأمثلة الجيدة على هذا «الغذاء العلاجي الجاهز للاستخدام» (RUTF)، الذي يتألف من عجينة الفول السوداني المدعومة التي تساعد 92% من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد على التعافي، لكن أغلب الأطفال في المناطق المتأثرة بالصراع لا يستطيعون الوصول إليها في الوقت الحاضر. يُـظـهِـر العمل البحثي الذي أجرته لجنة الإنقاذ الدولية لأكثر من عشر سنوات أن عددا أكبر من الأطفال، باستخدام بروتوكولات مبسطة ومجمعة، يمكن الوصول إليهم بالاستعانة بذات القدر من الموارد. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت في مالي توفيرا في التكلفة بنسبة 30%.

من المنتظر أيضا أن تستخدم منظمة الصحة العالمية القمة لتقديم مبادئ توجيهية جديدة بشأن العلاج والوقاية من الهزال، لتتخذ بذلك خطوة إيجابية نحو اللامركزية وتوسيع نطاق العلاج على مستوى العالم.

ثانيا، قد تجمع القمة بين استجابات متباينة لأزمات المناخ والأمن الغذائي المترابطة بشكل وثيق. يُـظـهِـر تحليل جديد أجرته لجنة الإنقاذ الدولية أن الاحتياجات الإنسانية تتركز بشكل خاص في 16 دولة متأثرة بالصراعات ومعرضة لمخاطر تغير المناخ. نظرا لأهمية تمويل العمل المناخي، يتعين علينا أن نربط نتائج القمة بمؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28) واستراتيجية التنمية الجديدة التي تتبناها حكومة المملكة المتحدة. إن ضمان وصول التمويل المناخي إلى المجتمعات الأكثر عُـرضة للخطر يتطلب تحسين عملية رسم خرائط المخاطر المناخية على المستويات المحلية والوصول إلى الـمِـنَـح، فضلا عن تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تأسس في إطار مؤتمر الأطراف 27. يجب أن يأتي دعم الخسائر والأضرار إلى جانب تعهدات تمويل العمل المناخي القائمة وأن يكون متناسبا مع احتياجات المجتمعات المعرضة للخطر. إن معالجة تمويل العمل المناخي تعني أيضا التصدي لأزمة الديون العالمية والاستجابة للاحتياج إلى نظام ديون أكثر استدامة. من المعروف تماما أن البلدان التي تواجه تقلص الحيز المالي تفتقر على نحو متزايد إلى القدرة على الاستثمار في رأس المال البشري ومنع انعدام الأمن الغذائي.

ثالثا، من الممكن أن تمهد القمة الساحة لسد فجوة تمويل التغذية العالمية في عام 2024. يتعين على الحكومات المانحة أن تتطلع بطموح إلى قمة التغذية من أجل النمو المرتقبة في العام المقبل، من خلال زيادة دعمها المالي الثنائي للأمن الغذائي والبدء في حشد مزيد من الأموال المجمعة الفعالة والشاملة.

أخيرا، يجب أن تعمل القمة على حشد الإرادة السياسية، عن طريق توحيد قادة العالم والحكومات الشريكة حول خطة عالمية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي وإنهائه إلى الأبد. ويجب أن يترجم الخطاب النبيل من جانب زعماء العالم إلى تنفيذ السياسات التي تشمل الدعم العملي للخطط الوطنية للتغذية والأمن الغذائي.

من خلال جهود متضافرة ومنسقة، يمكننا تحويل المد ضد انعدام الأمن الغذائي العالمي، والمملكة المتحدة قادرة على إثبات قدرتها على تولي زمام القيادة في هذا الصدد.

الواقع أن قمة الأمن الغذائي العالمي -واستراتيجية التنمية المصاحبة لها - من الممكن أن تشكل حافزًا قويًا. قبل عشرة أعوام، ساعد أندرو ميتشل، الذي يشغل حاليا منصب وزير الدولة للتنمية وأفريقيا في المملكة المتحدة، وديفيد كاميرون، رئيس الوزراء السابق الذي عاد للتو إلى العمل كوزير للخارجية، في تخصيص مئات الملايين من الدولارات لمساعدات التغذية في قمة التغذية من أجل النمو التي استضافتها المملكة المتحدة عام 2013. الآن، بات لزاما على المملكة المتحدة وشركائها العمل على تحقيق الوعود مرة أخرى.