أعمدة

التقاعد والعزلة الاجتماعية

 
دعيت لإدارة إحدى جلسات الملتقى الثالث لحملة (نحن معك للتوعية بالصحة النفسية) التي تناولت قضية في غاية الأهمية ألا وهي الشعور بالانتماء، موضوع قريب جدا من نفسي، ذلك أنني صادفت الكثيرين في السنوات الأخيرة من المقربين عانوا من الشعور بالانفصال الذي ولد لديهم القلق والاكتئاب ومشاكل نفسية أخرى، وأقصد بالذات فئة من المتقاعدين، الذين كانت الوظيفة هي التي تغذي فيهم شعور الانتماء الذي هو في الواقع أكثر من مجرد شعور، إنه حاجة إنسانية أساسية، يمكن لنقص الشعور به كما ذكرت أن يؤدي إلى تحديات صحية ونفسية عميقة، وهو ما أكد عليه المتحدثون في الملتقى.

لقد سبق لي الحديث عن موضوع الوظيفة والهوية عند المتقاعدين في مقال سابق، أكدت فيه على ضرورة التمسك بهواياتنا وعدم التخلي عنها بانغماسنا في الوظيفة؛ لأن الوظيفة ليست دائمة، بينما تبقى الهوايات هي الملجأ، وقد سبق أن شاهدت فيلما وثائقيا على نتفليكس بعنوان (المناطق الزرقاء) يتحدث عن أسباب طول العمر في مناطق بعينها من الكرة الأرضية، وقد كان أحد الأسباب هو ارتباط هذه الفئة من البشر بهواية ظلوا يمارسونها حتى آخر لحظة في حياتهم، عززت فيهم الشعور بالإنجاز والانتماء.

ذلك أن الهوايات ومن خلال ربطك بأفراد يشاركونك ميولك واهتمامك، بإمكانها توفير الشعور بالهوية، وتعزيز التفاعل الاجتماعي، والحد من العزلة، ويمكن لهؤلاء الأفراد تأدية دور حيوي في بناء شبكة اجتماعية داعمة والتي هي ضرورية جدا لصحة نفسية سليمة بعد التقاعد بالذات، وتعزز شعورك بالهوية الذاتية، فعندما تحدد هويتك ككاتب أو رسام أو مزارع قد تشعر بارتباط أقوى بالآخرين الذين يشاركونك تلك الهوية، وبالتالي تعزز الشعور بالانتماء، إذ إن ممارسة الهوايات قد يتضمن الانضمام إلى فريق أو جمعية، أو حضور الأحداث المتعلقة بتلك الهوايات، كما أن العمل على تطوير هوايتك يمكن أن يعزز احترامك لذاتك وثقتك بنفسك ورفع معنوياتك بشكل عام، وهذا التصور الإيجابي لذاتك يمكن أن يجعلك تشعر بأنك أكثر ارتباطًا بالآخرين وبأنك جزء من مجتمع أكبر، توفر الهوايات أيضا طريقة بناءة لقضاء الوقت، مما يقلل من مشاعر العزلة والوحدة.