رأي عُمان

عُمان.. في يوم مجدها وسؤددها

 
لا تستذكر سلطنة عمان اليوم وهي تحتفل بعيدها الوطني المجيد الماضيَ العريق والتاريخ العظيم فقط، رغم أنه تاريخ مشرّف ومليء بالبناء والمنجزات الحضارية في السياق العماني والسياق الإنساني، ولكنها ترنو إلى المستقبل الذي تسير نحوه بكثير من الاطمئنان أنه سيكون مستقبلا مشرقا بعد أن بذل الآباء والأجداد وكل الأجيال الماضية جهودا كبيرة في تمهيد الطُرُق نحوه. ورغم التحديات التي تفرضها طبيعة سيرورة التاريخ للأمام وتفاعلاته مع كل ما حوله إلا أن العمانيين بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على يقين تام أنهم يسيرون نحو مستقبل مشرق، وقد علمتهم التجارب كيف يعبرون بنجاح المراحل الصعبة والمعقدة نحو غايتهم التي ينشدونها حيث المجد والمساهمة في البناء الإنساني.

إن ذلك ليس مجرد حلم يبالغ به شعب في يوم عيده الوطني، رغم أن الأحلام مشروعة، ولكنه يقين وإيمان حتى قبل أن يكون طموحا.. وعندما تؤمن الشعوب بأحلامها وبقدرتها على تحقيقها تبدع إبداعات خالدة تصبح ضمن أمجاد الدول ومفاخر الشعوب.

ومن يعُد إلى تاريخ عُمان يجد الكثير من النماذج التي يمكن القياس عليها، كيف استطاع العمانيون في الكثير من مراحل التاريخ الحالكة أن يعبروا بشجاعة وصلابة المسافة الفاصلة بين الخوف والرجاء، وأن ينتصروا على التحديات مهما بدت مستحيلة.. وآخر التحديات الصعبة التي عبرها العمانيون كانت بقيادة سلطان البلاد المفدى ـ أعزّه الله ـ عندما مرت عُمان، والكثير من بلاد العالم، بأزمة مالية ناتجة عن الجائحة الصحية الأخطر التي عاشتها البشرية. لقد شارك العمانيون جميعا بقيادة جلالة السلطان في عبور ذلك التحدي الصعب إلى المرحلة الآمنة التي نعيشها اليوم.. وخرجت عُمان مثل كل مرة أكثر قوة وأكثر خبرة وأكثر يقينا بقيادتها وقوة أبنائها. وسيأتي اليوم الذي ننظر أو تنظر فيه أجيال عُمان القادمة إلى تلك المرحلة باعتبارها مرحلة فاصلة في تاريخ عُمان عبرها العمانيون بالعزيمة نفسها التي عبر فيها أجدادهم مراحل تاريخية مماثلة.

واليوم الذي تحتفل فيه سلطنة عمان بعيدها الوطني، الذي هو رمز عزتها ومبعث من مباعث فخرها، تجد نفسها تسير وفق رؤية واضحة صاغتها القيادة، بتوافق شعبي، لتكون خارطة طريق نحو المستقبل. وفي خطابه أمام مجلس عُمان هذا الأسبوع قال جلالته ـ حفظه الله: «لن نتوانى عن بذل كل ما هو متاح لتحقيق ما رسمناه من أهداف وتطلعات رؤية عمان 2040» وقد أسهمت هذه الخطة بعد قرابة ثلاث سنوات على بدء تطبيقها في تعزيز المكانة المالية لسلطنة عمان وتقدمها في الكثير من المؤشرات العالمية وتحقيق درجات من الحماية الاجتماعية للفئات التي تحتاجها. رغم أنها كانت سنوات صعبة جدا نظرا لما أحاط بها من ظروف اقتصادية ومالية وصحية ومتغيرات سياسة عالمية.

لكنّ هذه اللحظة التاريخية التي نمتلئ فيها يقينا وإيمانا بمستقبلنا كما نمتلئ فيها فخرا واعتزازا بتاريخنا وحاضرنا عليها أن لا تنسينا كل التضحيات التي بذلت من أجل ما نحن فيه طوال التاريخ، وأن علينا أن نعمل بجد مضاعف، كما عمل من قبلنا، حتى نحافظ على كل ما تحقق في مسيرة بناء هذا الوطن.. والمستقبل الذي نريده وننشده يحتاج منّا إلى عمل مقرون بعلم ومعرفة وبوعي كبير « فالعالم لا يتغير بذاته.. إنما الوعي هو الذي يغير العالم» كما يقول الفيلسوف هيجل.. ولذلك فإن الوعي شرط أساسي من شروط التغيير.

إن دعوة جلالة السلطان المفدى خلال خطابه أمام مجلس عُمان إلى أهمية الحفاظ على منظومة المجتمع الأخلاقية والثقافية والتمسك بالسمت العماني دليل واضح على أهمية بناء الوعي بكل ما يحيط بنا من قضايا وتحديات كبرى؛ فالعالم يمر بتحولات تفقده الكثير من مبادئه وقيمه لصالح اعتناق أفكار جديدة لا تتناسب مع قيم الدين الإسلامي الحنيف التي يعتنقها المجتمع العماني ويؤمن بها. وقد ارتبطت قوة العمانيين وصلابتهم عبر التاريخ بقوة تمسكهم بمبادئهم وقيمهم وأخلاقهم.. ولذلك فإننا لا نستطيع في عُمان أن نتقدم نحو المستقبل دون قيم ومبادئ سواء كانت قيما اجتماعية أو سياسية، وقد عرف العالم عنّا ذلك واحترمنا على أساسه وسنبقى على مبادئنا وسمتنا الرفيع.

وكل عام وعُمان كيانا حضاريا عظيما وخالدا.