العرب ومعرض فرانكفورت للكتاب
الاثنين / 14 / ربيع الثاني / 1445 هـ - 21:25 - الاثنين 30 أكتوبر 2023 21:25
تكشف القضية الفلسطينية القناع عن حقيقة المحافل الدولية السياسية والثقافية، حتى غدت فلسطين هي المحك ومعيار القيم الإنسانية والحقوق والقوانين والضمائر الحية، فخلال خمسة وسبعين عاما وُئِدت حقوق الشعب الفلسطيني، وقُبِرت مأساتهم في وسائل الإعلام المؤثرة على الرأي العام الدولي، ولكن بعد السابع من أكتوبر عادت تلك المؤسسات الموالية للكيان الصهيوني في كل مكان لتشن هجمة على الفلسطينيين وعلى حركة حماس تحديدا -إحدى الفصائل الفلسطينية المدافعة عن حق الإنسان الفلسطيني في الحياة على أرضه بعزة وكرامة- ولكن ناكري الحقيقية والمتصهينين لا يريدون الاعتراف للفلسطيني بحقه، أو حتى التعريف بالمأساة الفلسطينية؛ فغير مقبول ذكره أو ذكرها والتطرق إليها في محافل ثقافية يفترض أنها مساحات حرة للاستماع للآراء المخالفة وإتاحة الفرصة أمام الآخر للتعبير عن آرائه بكل صدق وشفافية، وهذا ما حدث مع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك (74 عاما)، أثناء كلمته في معرض فرانكفورت للكتاب 2023م، فبعد إقراره بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أشار جيجك إلى جوهر الصراع الذي يتجاهله البعض إما تعصبا أو خوفا من الاتهام بمعاداة السامية المُفصلة على القياس الصهيوني، فمعاداة السامية سهم يُسدد لكل من ينتقد إسرائيل، مثلما حصل مع الكاتب الألماني جونتر جراس (1927-2015) الحائز على نوبل للآداب سنة 1999م، بعد انتقاده الغرب بسبب التغاضي عن برنامج إسرائيل النووي والتركيز على إيران، فشنّت وسائل الإعلام حربا على صاحب (الطبل والصفيح). أما الفيلسوف السلوفيني سلافوي فقد قال بصريح العبارة: «لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية»، ثم تحدث صراحة عن صدمته بعد حرمان الروائية الفلسطينية عدنية شبلي (49 عاما) من تكريمها في معرض فرانكفورت. طبعا لم يُستقبل حديث جيجك بالتصفيق ولا بالإعجاب فقد انسحب العديد من المسؤولين من القاعة وقاطعه أوفي بيكر مفوض معاداة السامية في ولاية هيسن (فرانكفورت تقع في ولاية هيسن).
قدم سلافوي جيجك كلمة بلده سلوفينيا، ضيف شرف المعرض، وهي عادة اتبعها معرض فرانكفورت منذ سنة 1979م لتقديم رؤية شاملة عن الثقافة والفنون والآداب في البلد المستضاف. قبل كلمة جيجك أعلنت عدة دول عربية وإسلامية (منها هيئة الشارقة للكتاب، جمعية الناشرين العرب، ماليزيا، وإندونيسيا) انسحابها من المعرض احتجاجا على تأجيل منح جائزة الكتاب للكاتبة عدنية شبلي، مما يعني أن المعرض يخضع لأجندة سياسية تمظهرت في منع دور النشر الروسية من المشاركة في المعرض منذ الحرب الروسية الأوكرانية وتخصيص منصات للكتّاب الأوكرانيين، بل منح الكاتب الأوكراني سيرجي جادان (47 عاما) جائزة السلام لعام 2022م، وهذا دليل على خضوع المعرض لإدارة السياسة الألمانية، وأن المعرض الذي يقام منذ سنة 1949 ليس مكانا للنشر ولا منصة لحرية الرأي والتعبير، وهذا يقودنا إلى عدة تساؤلات عن القوانين الدولية وحق الرأي والتعبير، فهذه المصطلحات والقيم شاخت ولم تُعد صالحة لراهننا ولا لزماننا بعد انتهاكها من قبل واضعيها والمبشرين بها، مما يعني أن العالم بأسره بحاجة إلى صياغة نظم وقوانين وتشريعات على أسس العدالة والمساواة والشراكة تضع الإنسان وحياته وكرامته وحقوقه فوق أي سياسة وأيديولوجيا.
***
فيما مضى، كانت لي تجربة زيارة لمعرض فرانكفورت للكتاب لا سيما في دورتي (2016- 2017)، واستغربت من الحضور الباهت للدول العربية، إذ يقام المعرض لمدة أربعة أيام -يومان مخصصان للمشاركين ويومان للعامة- ويستقطب حوالي ثلاثمائة ألف زائر، وتصل قيمة تذكرة الدخول للفرد إلى حوالي 30 يورو، أي ما يقارب (13 ريالا عمانيا)، فيصدم الزائر للجناح العربي بقلة الإقبال وكذلك مواد العرض، إذ إن جل المشاركات عبارة عن كتب لدوائر حكومية وصور طبيعية. وبعض الجهات المشاركة تحضر معها ناقشات الحناء ليرسمن على أيادي الزائرات ويقدمن المشغولات اليدوية كالسعفيات والحرف في مكان مخصص للكتاب والعمليات المرتبطة به من الكتابة إلى التسويق إلى الترجمة والتوزيع وغيرها، وحين سألت صديقًا عربيًّا/ ألمانيًّا عن المشاركة العربية في المعرض سنة 2004م (يومها حل العالم العربي ضيف شرف على معرض الكتاب)، قال: «كانت فضيحة بمعنى الكلمة، إذ لم يُقدم العالم الذي اخترع الكتابة والتدوين ما يليق بالثقافة العربية»، بينما يضج المكان المخصص للإيطاليين أو الإيرانيين بالزوار والإصدارات الحديثة.
إن التكاليف التي تتحمّلها الجهات العربية المشاركة في معرض فرانكفورت للكتاب باهظة الثمن ولا تخدم الثقافة العربية؛ لأن المحتوى الثقافي المُقدم لا يُخاطب الزائر الألماني ولا الأوروبي، خاصة أن جل الإصدارات باللغة العربية، وبعض العارضين لا يتحدثون باللغة الألمانية مما يوجِد حاجزا بين المرسل والجمهور، لذا نأمل أن تشهد السنوات القادمة حضورا عربيا قويا في معرض فرانكفورت للكتاب، وأن تتوقف إدارة المعرض عن الاصطفاف السياسي خلف الكيان الصهيوني، وأن تحصل الكلمة الحرة على مساحتها في معارض الكتب.
قدم سلافوي جيجك كلمة بلده سلوفينيا، ضيف شرف المعرض، وهي عادة اتبعها معرض فرانكفورت منذ سنة 1979م لتقديم رؤية شاملة عن الثقافة والفنون والآداب في البلد المستضاف. قبل كلمة جيجك أعلنت عدة دول عربية وإسلامية (منها هيئة الشارقة للكتاب، جمعية الناشرين العرب، ماليزيا، وإندونيسيا) انسحابها من المعرض احتجاجا على تأجيل منح جائزة الكتاب للكاتبة عدنية شبلي، مما يعني أن المعرض يخضع لأجندة سياسية تمظهرت في منع دور النشر الروسية من المشاركة في المعرض منذ الحرب الروسية الأوكرانية وتخصيص منصات للكتّاب الأوكرانيين، بل منح الكاتب الأوكراني سيرجي جادان (47 عاما) جائزة السلام لعام 2022م، وهذا دليل على خضوع المعرض لإدارة السياسة الألمانية، وأن المعرض الذي يقام منذ سنة 1949 ليس مكانا للنشر ولا منصة لحرية الرأي والتعبير، وهذا يقودنا إلى عدة تساؤلات عن القوانين الدولية وحق الرأي والتعبير، فهذه المصطلحات والقيم شاخت ولم تُعد صالحة لراهننا ولا لزماننا بعد انتهاكها من قبل واضعيها والمبشرين بها، مما يعني أن العالم بأسره بحاجة إلى صياغة نظم وقوانين وتشريعات على أسس العدالة والمساواة والشراكة تضع الإنسان وحياته وكرامته وحقوقه فوق أي سياسة وأيديولوجيا.
***
فيما مضى، كانت لي تجربة زيارة لمعرض فرانكفورت للكتاب لا سيما في دورتي (2016- 2017)، واستغربت من الحضور الباهت للدول العربية، إذ يقام المعرض لمدة أربعة أيام -يومان مخصصان للمشاركين ويومان للعامة- ويستقطب حوالي ثلاثمائة ألف زائر، وتصل قيمة تذكرة الدخول للفرد إلى حوالي 30 يورو، أي ما يقارب (13 ريالا عمانيا)، فيصدم الزائر للجناح العربي بقلة الإقبال وكذلك مواد العرض، إذ إن جل المشاركات عبارة عن كتب لدوائر حكومية وصور طبيعية. وبعض الجهات المشاركة تحضر معها ناقشات الحناء ليرسمن على أيادي الزائرات ويقدمن المشغولات اليدوية كالسعفيات والحرف في مكان مخصص للكتاب والعمليات المرتبطة به من الكتابة إلى التسويق إلى الترجمة والتوزيع وغيرها، وحين سألت صديقًا عربيًّا/ ألمانيًّا عن المشاركة العربية في المعرض سنة 2004م (يومها حل العالم العربي ضيف شرف على معرض الكتاب)، قال: «كانت فضيحة بمعنى الكلمة، إذ لم يُقدم العالم الذي اخترع الكتابة والتدوين ما يليق بالثقافة العربية»، بينما يضج المكان المخصص للإيطاليين أو الإيرانيين بالزوار والإصدارات الحديثة.
إن التكاليف التي تتحمّلها الجهات العربية المشاركة في معرض فرانكفورت للكتاب باهظة الثمن ولا تخدم الثقافة العربية؛ لأن المحتوى الثقافي المُقدم لا يُخاطب الزائر الألماني ولا الأوروبي، خاصة أن جل الإصدارات باللغة العربية، وبعض العارضين لا يتحدثون باللغة الألمانية مما يوجِد حاجزا بين المرسل والجمهور، لذا نأمل أن تشهد السنوات القادمة حضورا عربيا قويا في معرض فرانكفورت للكتاب، وأن تتوقف إدارة المعرض عن الاصطفاف السياسي خلف الكيان الصهيوني، وأن تحصل الكلمة الحرة على مساحتها في معارض الكتب.