الحركة المسرحية في السعودية «2-2»
الثلاثاء / 17 / ربيع الأول / 1445 هـ - 22:31 - الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 22:31
على هامش ضيافة هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة العربية السعودية لسلطنة عمان كضيف شرف للدورة من 28 سبتمبر - 7 أكتوبر 2023م لمعرض الرياض الدولي للكتاب، وتأتي مشاركة سلطنة عمان في المعرض في إطار الروابط التاريخيّة والعلاقات الأخويّة المتينة الّتي تربط بين الشعبين الشقيقين، ما يعكس ذلك التبادل والتعاون الثقافيّ بين المملكة وسلطنة عمان، أستعيد هنا -بشيء من التصرّف لمواكبة التطوّرات الثقافيّة في الشأن المسرحي الحاصل بالمملكة- مبحثًا من مباحث كتابي (الرؤية السياسيّة في المسرح الخليجي دراسة نصّية)، حول ظهور المسرح في المملكة ونشأة الفرق المسرحيّة، وهنا، الجزء المتمّم والأخير.
إنّ الحركة المسرحية في السعودية هي جزء مكمّل للحركة المسرحيّة في مجتمعات الخليج العربيّ. فتطوّر المسرح في السعوديّة لم يحصل من فراغ، بل مرّ بظروف سياسيّة ومكوّنات سوسيوثقافيّة وديموغرافيّة متباينة. والناظر إلى القرار السياسيّ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي قضى بتأسيس هيئة للمسرح والفنون الأدائيّة، يكشف لنا قوّة استجابة القرار السياسيّ للتطوّر الحاصل بالفنون في العالم. وتعني الهيئة كما هو مكتوب على موقعها https://performingarts.moc.gov.sa/ar: «بكافّة أنواع الفنون الأدائية: المسرح، والرقص، وعروض السيرك، والكوميديا الارتجاليّة، وعروض الشارع، والعروض الحركيّة، والباليه، والأوبرا. ويتضمّن عمل الهيئة اضطلاعها بتفعيل المسارح، وضمان جودة المحتوى المقدم عليه، وتشجيع غزارة الإنتاج، ونشر ثقافة العروض الأدائيّة لتصبح مكوّنًا أساسيًّا في الثقافة الوطنيّة.»
بلا جدال، إن الّذي يقف وراء ذلك القرار التاريخيّ هو تاريخ نضاليّ مجتمعيّ خليجيّ طويل واكب نشأة المسرح في مجتمعات الخليج بوجه عامّ، وفي السعوديّة بشكل خاصّ، تخلّله الكثير من الاجتماعات والنقاش وتبادل الآراء والأفكار بين النخب المثقّفة والسياسيّات الجديدة الداعمة لاستراتيجيّات الثقافة والرؤى الوطنيّة. وفي خلفيّة هذا القرار بتأسيس هيئة للمسرح والفنون الأدائيّة، أستذكر بعض الأفكار التقليدية المتكرّرة الّتي انتشرت على نطاق واسع في مهرجانات الفرق الأهليّة المسرحية لدول مجلس التعاون، من ذلك على سبيل المثال، ما يطلق عليه بخصوصيّة المسرح السعوديّ. وهي مقولة انطلقت حسب تقديري من بعض المهرجانات المسرحيّة العربيّة، وجرى تكريسها كمقولة ثابتة تفيد أنّ خصوصيّة الحياة المجتمعيّة في السعوديّة وغياب ظهور المرأة كممثّلة فوق الرُّكح، يفرض التعامل مع المسرح في المملكة بخصوصيّة وحساسيّة شديدة. إنّه على الرغم من الصعوبات الّتي واجهها المسرحيّون في السعوديّة، سواء ككتاب أو مخرجين أو فنّانين، جعل بعض العروض حصرًا على النخبة المثقّفة في المجتمع، أو في المهرجانات المسرحيّة، فإنّ التطوّر الحاصل اليوم يرفعه خطوات عدّة منها تأسيس مبادرة المسرح الوطنيّ الّتي يترأّسها المسرحيّ عبدالعزيز السماعيل، وبرامجها، من ذلك مثلًا: «الإنتاج المسرحيّ بأنواعه الغنائيّ والملحميّ والأوبرالي، والإنتاج بالتعاون مع الفرق المحلّيّة القائمة للمساهمة في استفادتها من المبادرات المسرحيّة، ومسرح الطفل، إضافة إلى مسار التدريب، ومسار تعليم الدراما، وتنظيم المهرجانات المسرحيّة، ومسار المسرح التثقيفيّ»، بالإضافة إلى ذلك في مسار الهيئة نفسها، العمل على استهداف «تأسيس أكاديميّات فنّيّة تتناول المسرح، ووجود استقلال مالي للهيئة، إضافة إلى الجمهور الّذي ينتظر المحتوى اللائق». كما أعلن عن ذلك سلطان البازعي، رئيس هيئة المسرح والفنون الأدائيّة. أمام تعدّد مراحل تطوّر المسرح في السعوديّة وتشعّبها، وجدت أن تتّبع التراكم الحاصل في العقود الماضية لمهرجانات الفرق المسرحيّة الأهليّة الخليجيّة، وصولًا إلى تأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائيّة يمكن الاستفادة منه والبناء عليه في مجتمعات الخليج الأخرى. وسأقف هنا، عند ما يمكن أن يضفي طابع الموضوعيّة على الواقع المسرحيّ المتطوّر.
إن تطوّر المسرح في مجتمعات الخليج، (الكويت والبحرين وعمان والإمارات وقطر والسعوديّة)، مع حصول التذبذب بسبب بعض التأثيرات العالميّة والقرارات السياسيّة قد أسهم في تطوّره النخب المثقّفة في مجتمعاتها، ومن أشكال ذلك التطوّر الّتي تنطبق على مجتمعات الخليج كافّة يمكن الإشارة إلى المسارات الّتي غدت بارزة في المشهد الثقافيّ المسرحيّ: -
أوّلًا: اتّجاه الفرق المسرحيّة الحكوميّة والأهليّة إلى المشاركات العربيّة والعالميّة. وفي هذا المقام لا نتجاهل دور المحاضرات وحركة التثقيف والمناقشات الفنّيّة والثقافيّة الخاصّة بالفنون المسرحيّة، الّتي تلقّتها الفرق في بلدانها، أو في البلاد الّتي سافرت إليها، وشاركت فيها بعروضها المسرحيّة، الأمر الّذي أدّى بطبيعة الحال إلى حدوث التأثير المتبادل للطلبة الدارسين والمبتعثين للدول العربيّة والأجنبيّة، وتعرّفهم على التجارب المسرحيّة العالميّة وبخاصّة الاتّجاهات الواقعيّة والفكريّة والوجوديّة والطليعيّة.
ثانيًا: الدعوات إلى استقدام الخبرات العربيّة لإلقاء المحاضرات، والاستفادة من خبراتها في لغة العرض وتأليف النصّ المسرحيّ، إضافة إلى توجيه الدعوات للطاقات الشابّة للتوجّه إلى المسرح، ودراسته دراسة أكاديميّة، حيث يمنح على أثرها الدارس من الجنسين شهادة رسميّة موثّقة.
ثالثًا: الاهتمام بالبنية التحتيّة عبر بناء صالات العرض الحديثة، وتكوين المعاهد، ومراكز الدراسات المسرحيّة، إضافة إلى الجهد الأكاديميّ الّذي تؤدّيه جامعات الخليج ومعاهدها المتخصّصة لدراسة الفنون المسرحيّة كالتمثيل والإخراج والسينوغرافيا والنصّ والنقد المسرحيّ، ولا نستطيع أن نتغافل عن فعاليّة مشاركات وزارات التربية والتعليم العالي، ومشاركات المسرح الجامعيّ والكلّيّات، والهيئات العامّة لرعاية الشباب والرياضة، المنتشرة في كلّ دول مجلس التعاون الخليجيّ في إثراء الحراك كلّ حسب العقليّة الاستيعابيّة، والطاقة الإداريّة والتمويليّة. ويتماثل مع الاهتمام بمنشآت البنى التحتيّة للمسرح أيضًا، تكوين الفرق المسرحيّة الّتي خضعت لقانون جمعيّات النفع العامّ أو وزارات الثقافة والتراث والشؤون الاجتماعيّة والإعلام في مجتمعات الخليج، ظهور مسرح الفرق الأهليّة أو القطاع الخاصّ، وبروز شركات الإنتاج الفنّيّ الراعية للفنّ.
رابعًا: المتابعة النقديّة، وظهور سلسلة الكتب المسرحيّة العالميّة المترجمة على مستوى النصوص أو الدراسات الّتي تسهّل للمبدع الخليجيّ والعربيّ الانفتاح على منجزات المسرح العالميّ ومدارسه الفنّيّة. وفي هذا الوضع يسجّل الجانب الإعلاميّ للتلفزيون دورًا إيجابيًّا في تفعيل الثقافة المسرحيّة، حيث يسلّط الضوء على العروض المقدّمة في المهرجانات الحكوميّة والأهليّة. كما يسجّل الدور للصحافة ملاحقتها النقديّة المتواصلة للحدث المسرحيّ (نصًّا وعرضًا) بالنقد الصحفيّ، وتغطيته بانتظام في الصحف الرسميّة والمعارضة.
خامسًا: لقد وجدت المسرحيّة الخليجيّة فرصة جيّدة في افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحيّة في الكويت، الّذي عزّز وجوده بالإضافة إلى عمل الدارسين الأكاديميّين المسرحيّين به من تطوّر في النقد المسرحيّ الصحفيّ، وفي المجلّات والدوريّات المتخصّصة على مستوى دول مجلس التعاون كالبيان في الكويت الّتي تصدر عن رابطة الأدباء، وكواليس الّتي تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة.
سادسًا: الاتّجاه إلى التجريب في صياغة العروض المسرحيّة. وكان للمخرجين العرب المتميّزين دور كبير في ترسيخ الأساليب الإخراجيّة الجديدة، وإعداد جيل متحمّس من المسرحيّين الخليجيّين الشباب، فتطوّرت لدى عدد غير يسير منهم مواهب ورؤى إخراجيّة جيّدة. ولا شكّ في أنّ التطوّر في أساليب الإخراج المسرحيّ من شأنه أن يطوّر في تلقائيّة تلقّي المعلومة والانفتاح على التجربة.
سابعًا: الاتّصال بالخارج والانفتاح على المهرجانات المسرحيّة العربيّة المعروفة، والحرص على المشاركة السنويّة فيها.
ثامنًا: الانتقال من مرحلة الهُواية إلى مرحلة الاحتراف، وتعدّ هذه النقطة، الشغل الشاغل في المسرح السعوديّ.
تاسعًا: الانتقال بالنصوص من معالجة مضامين ذات أبعاد إرشاديّة وعظيّة، أو تاريخيّة ووطنيّة، إلى المعالجات المتجدّدة ذات المضامين الاجتماعيّة والأخلاقيّة، والفرديّة.
عاشرًا: ظهور المرأة في السعودية كممثلة وكاتبة وناقدة. ويمكن أن نسجّل من بعض الأسماء مع حفظ الألقاب: ملحّة عبداللّه، ولطيفة عايض البقمي، وسامي الجمعان، وعبّاس الحايك، وناصر محمّد العمري، وسامي الزهراني.
وتأسيسًا إلى ما سبق نجد أنّ اختبار الخصوصيّة المحلّيّة لمجتمعات الخليج قد فرض على المسرح بعض التحدّيات والإشكاليّات المحددة المتكرّرة، ومنها المسرح في السعوديّة، من تلك التحدّيات نذكر مثلًا: المسرح وإشكاليّة الجمهور، والمسرح وتقنيّات تكوين الممثّل المسرحيّ. وكيفيّة تعامل المسرح الخليجيّ مع القضايا المصيرية وحرية التعبير والرقابة! وإشكاليّة مدى تأثّر المسرح الخليجيّ بالتيّارات المسرحيّة العربية والعالميّة. وقضيّة سؤال المستقبل بالنسبة للثقافة والمسرح العربيّ على اعتبار أنّ سؤال الثقافة في المجتمعات الخليجيّة والعربية لا ينطلق من الواقع، وإنّما ينطلق من الطموح والحلم.
إنّ الحركة المسرحية في السعودية هي جزء مكمّل للحركة المسرحيّة في مجتمعات الخليج العربيّ. فتطوّر المسرح في السعوديّة لم يحصل من فراغ، بل مرّ بظروف سياسيّة ومكوّنات سوسيوثقافيّة وديموغرافيّة متباينة. والناظر إلى القرار السياسيّ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي قضى بتأسيس هيئة للمسرح والفنون الأدائيّة، يكشف لنا قوّة استجابة القرار السياسيّ للتطوّر الحاصل بالفنون في العالم. وتعني الهيئة كما هو مكتوب على موقعها https://performingarts.moc.gov.sa/ar: «بكافّة أنواع الفنون الأدائية: المسرح، والرقص، وعروض السيرك، والكوميديا الارتجاليّة، وعروض الشارع، والعروض الحركيّة، والباليه، والأوبرا. ويتضمّن عمل الهيئة اضطلاعها بتفعيل المسارح، وضمان جودة المحتوى المقدم عليه، وتشجيع غزارة الإنتاج، ونشر ثقافة العروض الأدائيّة لتصبح مكوّنًا أساسيًّا في الثقافة الوطنيّة.»
بلا جدال، إن الّذي يقف وراء ذلك القرار التاريخيّ هو تاريخ نضاليّ مجتمعيّ خليجيّ طويل واكب نشأة المسرح في مجتمعات الخليج بوجه عامّ، وفي السعوديّة بشكل خاصّ، تخلّله الكثير من الاجتماعات والنقاش وتبادل الآراء والأفكار بين النخب المثقّفة والسياسيّات الجديدة الداعمة لاستراتيجيّات الثقافة والرؤى الوطنيّة. وفي خلفيّة هذا القرار بتأسيس هيئة للمسرح والفنون الأدائيّة، أستذكر بعض الأفكار التقليدية المتكرّرة الّتي انتشرت على نطاق واسع في مهرجانات الفرق الأهليّة المسرحية لدول مجلس التعاون، من ذلك على سبيل المثال، ما يطلق عليه بخصوصيّة المسرح السعوديّ. وهي مقولة انطلقت حسب تقديري من بعض المهرجانات المسرحيّة العربيّة، وجرى تكريسها كمقولة ثابتة تفيد أنّ خصوصيّة الحياة المجتمعيّة في السعوديّة وغياب ظهور المرأة كممثّلة فوق الرُّكح، يفرض التعامل مع المسرح في المملكة بخصوصيّة وحساسيّة شديدة. إنّه على الرغم من الصعوبات الّتي واجهها المسرحيّون في السعوديّة، سواء ككتاب أو مخرجين أو فنّانين، جعل بعض العروض حصرًا على النخبة المثقّفة في المجتمع، أو في المهرجانات المسرحيّة، فإنّ التطوّر الحاصل اليوم يرفعه خطوات عدّة منها تأسيس مبادرة المسرح الوطنيّ الّتي يترأّسها المسرحيّ عبدالعزيز السماعيل، وبرامجها، من ذلك مثلًا: «الإنتاج المسرحيّ بأنواعه الغنائيّ والملحميّ والأوبرالي، والإنتاج بالتعاون مع الفرق المحلّيّة القائمة للمساهمة في استفادتها من المبادرات المسرحيّة، ومسرح الطفل، إضافة إلى مسار التدريب، ومسار تعليم الدراما، وتنظيم المهرجانات المسرحيّة، ومسار المسرح التثقيفيّ»، بالإضافة إلى ذلك في مسار الهيئة نفسها، العمل على استهداف «تأسيس أكاديميّات فنّيّة تتناول المسرح، ووجود استقلال مالي للهيئة، إضافة إلى الجمهور الّذي ينتظر المحتوى اللائق». كما أعلن عن ذلك سلطان البازعي، رئيس هيئة المسرح والفنون الأدائيّة. أمام تعدّد مراحل تطوّر المسرح في السعوديّة وتشعّبها، وجدت أن تتّبع التراكم الحاصل في العقود الماضية لمهرجانات الفرق المسرحيّة الأهليّة الخليجيّة، وصولًا إلى تأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائيّة يمكن الاستفادة منه والبناء عليه في مجتمعات الخليج الأخرى. وسأقف هنا، عند ما يمكن أن يضفي طابع الموضوعيّة على الواقع المسرحيّ المتطوّر.
إن تطوّر المسرح في مجتمعات الخليج، (الكويت والبحرين وعمان والإمارات وقطر والسعوديّة)، مع حصول التذبذب بسبب بعض التأثيرات العالميّة والقرارات السياسيّة قد أسهم في تطوّره النخب المثقّفة في مجتمعاتها، ومن أشكال ذلك التطوّر الّتي تنطبق على مجتمعات الخليج كافّة يمكن الإشارة إلى المسارات الّتي غدت بارزة في المشهد الثقافيّ المسرحيّ: -
أوّلًا: اتّجاه الفرق المسرحيّة الحكوميّة والأهليّة إلى المشاركات العربيّة والعالميّة. وفي هذا المقام لا نتجاهل دور المحاضرات وحركة التثقيف والمناقشات الفنّيّة والثقافيّة الخاصّة بالفنون المسرحيّة، الّتي تلقّتها الفرق في بلدانها، أو في البلاد الّتي سافرت إليها، وشاركت فيها بعروضها المسرحيّة، الأمر الّذي أدّى بطبيعة الحال إلى حدوث التأثير المتبادل للطلبة الدارسين والمبتعثين للدول العربيّة والأجنبيّة، وتعرّفهم على التجارب المسرحيّة العالميّة وبخاصّة الاتّجاهات الواقعيّة والفكريّة والوجوديّة والطليعيّة.
ثانيًا: الدعوات إلى استقدام الخبرات العربيّة لإلقاء المحاضرات، والاستفادة من خبراتها في لغة العرض وتأليف النصّ المسرحيّ، إضافة إلى توجيه الدعوات للطاقات الشابّة للتوجّه إلى المسرح، ودراسته دراسة أكاديميّة، حيث يمنح على أثرها الدارس من الجنسين شهادة رسميّة موثّقة.
ثالثًا: الاهتمام بالبنية التحتيّة عبر بناء صالات العرض الحديثة، وتكوين المعاهد، ومراكز الدراسات المسرحيّة، إضافة إلى الجهد الأكاديميّ الّذي تؤدّيه جامعات الخليج ومعاهدها المتخصّصة لدراسة الفنون المسرحيّة كالتمثيل والإخراج والسينوغرافيا والنصّ والنقد المسرحيّ، ولا نستطيع أن نتغافل عن فعاليّة مشاركات وزارات التربية والتعليم العالي، ومشاركات المسرح الجامعيّ والكلّيّات، والهيئات العامّة لرعاية الشباب والرياضة، المنتشرة في كلّ دول مجلس التعاون الخليجيّ في إثراء الحراك كلّ حسب العقليّة الاستيعابيّة، والطاقة الإداريّة والتمويليّة. ويتماثل مع الاهتمام بمنشآت البنى التحتيّة للمسرح أيضًا، تكوين الفرق المسرحيّة الّتي خضعت لقانون جمعيّات النفع العامّ أو وزارات الثقافة والتراث والشؤون الاجتماعيّة والإعلام في مجتمعات الخليج، ظهور مسرح الفرق الأهليّة أو القطاع الخاصّ، وبروز شركات الإنتاج الفنّيّ الراعية للفنّ.
رابعًا: المتابعة النقديّة، وظهور سلسلة الكتب المسرحيّة العالميّة المترجمة على مستوى النصوص أو الدراسات الّتي تسهّل للمبدع الخليجيّ والعربيّ الانفتاح على منجزات المسرح العالميّ ومدارسه الفنّيّة. وفي هذا الوضع يسجّل الجانب الإعلاميّ للتلفزيون دورًا إيجابيًّا في تفعيل الثقافة المسرحيّة، حيث يسلّط الضوء على العروض المقدّمة في المهرجانات الحكوميّة والأهليّة. كما يسجّل الدور للصحافة ملاحقتها النقديّة المتواصلة للحدث المسرحيّ (نصًّا وعرضًا) بالنقد الصحفيّ، وتغطيته بانتظام في الصحف الرسميّة والمعارضة.
خامسًا: لقد وجدت المسرحيّة الخليجيّة فرصة جيّدة في افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحيّة في الكويت، الّذي عزّز وجوده بالإضافة إلى عمل الدارسين الأكاديميّين المسرحيّين به من تطوّر في النقد المسرحيّ الصحفيّ، وفي المجلّات والدوريّات المتخصّصة على مستوى دول مجلس التعاون كالبيان في الكويت الّتي تصدر عن رابطة الأدباء، وكواليس الّتي تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة.
سادسًا: الاتّجاه إلى التجريب في صياغة العروض المسرحيّة. وكان للمخرجين العرب المتميّزين دور كبير في ترسيخ الأساليب الإخراجيّة الجديدة، وإعداد جيل متحمّس من المسرحيّين الخليجيّين الشباب، فتطوّرت لدى عدد غير يسير منهم مواهب ورؤى إخراجيّة جيّدة. ولا شكّ في أنّ التطوّر في أساليب الإخراج المسرحيّ من شأنه أن يطوّر في تلقائيّة تلقّي المعلومة والانفتاح على التجربة.
سابعًا: الاتّصال بالخارج والانفتاح على المهرجانات المسرحيّة العربيّة المعروفة، والحرص على المشاركة السنويّة فيها.
ثامنًا: الانتقال من مرحلة الهُواية إلى مرحلة الاحتراف، وتعدّ هذه النقطة، الشغل الشاغل في المسرح السعوديّ.
تاسعًا: الانتقال بالنصوص من معالجة مضامين ذات أبعاد إرشاديّة وعظيّة، أو تاريخيّة ووطنيّة، إلى المعالجات المتجدّدة ذات المضامين الاجتماعيّة والأخلاقيّة، والفرديّة.
عاشرًا: ظهور المرأة في السعودية كممثلة وكاتبة وناقدة. ويمكن أن نسجّل من بعض الأسماء مع حفظ الألقاب: ملحّة عبداللّه، ولطيفة عايض البقمي، وسامي الجمعان، وعبّاس الحايك، وناصر محمّد العمري، وسامي الزهراني.
وتأسيسًا إلى ما سبق نجد أنّ اختبار الخصوصيّة المحلّيّة لمجتمعات الخليج قد فرض على المسرح بعض التحدّيات والإشكاليّات المحددة المتكرّرة، ومنها المسرح في السعوديّة، من تلك التحدّيات نذكر مثلًا: المسرح وإشكاليّة الجمهور، والمسرح وتقنيّات تكوين الممثّل المسرحيّ. وكيفيّة تعامل المسرح الخليجيّ مع القضايا المصيرية وحرية التعبير والرقابة! وإشكاليّة مدى تأثّر المسرح الخليجيّ بالتيّارات المسرحيّة العربية والعالميّة. وقضيّة سؤال المستقبل بالنسبة للثقافة والمسرح العربيّ على اعتبار أنّ سؤال الثقافة في المجتمعات الخليجيّة والعربية لا ينطلق من الواقع، وإنّما ينطلق من الطموح والحلم.