«مفاهيم»
السبت / 30 / صفر / 1445 هـ - 20:49 - السبت 16 سبتمبر 2023 20:49
١ ـ السعادة
عندما يأتي ذِكر مفهوم «السعادة» في وقتنا الحاضر يتبادر إلى الذهن مباشرة أن مفهومها يقتصر على تحقيق أهداف مادية صِرفة وأنها فقط الحد الأمثل من الرفاهية التي توفرها القدرة المالية والنفوذ والسلطة وربما الوضع الاجتماعي.
وقد توصلت الفلسفات بكل مشاربها إلى تعريفات متعددة لمفهوم السعادة فهي «العدالة» عند أفلاطون و«الازدهار البشري» لدى أرسطو «ورأى الفارابي أنها مرهونة «باستخدام العقل والمنطق الذي من خلاله يتحقق الخير بعيدًا عن المنافع الحسية ولذة التملك».
نلاحظ أن كل هذه المفاهيم نأت عن ربط مفهوم السعادة بالمنفعة المادية وارتبطت بكل ما يسمو بالنفس البشرية ويرتقي بها إلى عالم الأخلاق والصفات النبيلة، وهذا برأيي ما يناسب عصرنا الغارق إنسانهُ في أزمات أخلاقية ومادية ونفسية معقدة ولهذا لا يجب أن يخرج مفهوم السعادة في القرن الحادي والعشرين -الذي توسعت فيه الهُوة بين البشر- عن كونه «العطاء غير المحدود بوجهيه المادي والمعنوي».
ورغم أن العطاء المادي مطلوب في عالم مأزوم تسود فيه النزعة الفردية والجشع والأنانية والتي أدت إلى تكريس الفقر وتكوين طبقة من المهمشين والمُعدومين في المجتمعات، إلا أن له أيضًا وجها معنويا يعدُ الوسيلة المُثلى لجعل شرائح هذه المجتمعات مُتحابة يتصف مقتدروها بالمسؤولية الاجتماعية بمختلف تصنيفاتها.
السعادة إذن، أن نصل إلى مرحلة من الرضا عن النفس ووسيلة ذلك الإيمان بأن المحبة قادرة على إذابة جبال الأحقاد وأن ما لدينا من نعمٍ هي مُلك لله سبحانه وتعالى وُهبت لنا لحكمة ما وقد تُسلب من بين أيدينا أو تُنزع بركتها إذا ما ساورنا شعور بالفوقية والاصطفاء والأحقية.
2 - «الموت»
خلال الأسبوع الفائت قضى الموت في أيام معدودات على آلاف البشر بمختلف أصقاع الأرض عبر الزلازل والفيضانات المدمرة مثلما حصل في المغرب وليبيا كما أتى على آلاف آخرين بصمت بواسطة الحروب الطاحنة المستمرة التي يُراد لها ألا تتوقف والكوارث الطبيعية والأزمات الغذائية والفقر والأمراض الفتاكة.
يخطف الموت هؤلاء البشر دون إشعار مُسبق ولم يميز بين ضحاياه، ومؤكد أن أحدًا منهم لم يكن ليتصور أنها لحظته الأخيرة في الدنيا، ربما عبدها واستعبدته أو نبذها فأقصته لكنها كانت الأخيرة فعلًا وقف فيها عاجزًا لا يقدر على شيء.
في تلك اللحظات لا شك أن جميع من هلكوا استشعروا ولأول مرة مهابة الموت وسطوته ونفوذه وتعرفوا على ملامحه التي كان يلفها الغموض لأن إنسانًا لم يرجع إليهم من عالم الأموات ليحدثهم عن أسراره وما يحدث فيه.. فاجأهم هذا الزائر غير المرحب به والذي كانوا يخشون لقاءه من قبل.
نعم نخشى جميعنا الموت ونخافه لأن حضوره يعني التلاشي والسقوط في عالم النسيان -كما حصل لمن ذهبوا قبلنا- إنه يهدم مبنى المجد والإنجازات والتعظيم ومفارقة ما أحببنا ومن أحببنا والدخول في عالم آخر «مجهول» لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ما يحصل بداخله.
لكن وعندما يأتي ذكر هذه الحقيقة المُسلم بها ولا جدال في وقوعها -الموت- ألا تدور في أذهانكم أسئلة بعينها؟ ألم تتساءلوا يومًا: لماذا يخاف الإنسان من الموت؟ هل بيننا من البشر من لا يخافه حقًا؟ من هم هؤلاء؟ من هم الذين يخشونه فعلًا ويحرصون على أن يخرجوا من الدنيا خفيفين نظيفين من أدرانها؟
آخر نقطة..
من أجمل ما وصف به سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الدنيا قوله: «إن الدنيا لهي الكنود العنود، والصدود الجحود، والحيود الميود، حالها انتقال، وسكونها زلزال، وعزها ذل، وجدها هزل، وكثرتها قل، وعلوها سفل، أهلها على ساق وسياق ولحاق وفراق، وهي دار حرب وسلب ونهب وعطب».
عمر العبري كاتب عماني
عندما يأتي ذِكر مفهوم «السعادة» في وقتنا الحاضر يتبادر إلى الذهن مباشرة أن مفهومها يقتصر على تحقيق أهداف مادية صِرفة وأنها فقط الحد الأمثل من الرفاهية التي توفرها القدرة المالية والنفوذ والسلطة وربما الوضع الاجتماعي.
وقد توصلت الفلسفات بكل مشاربها إلى تعريفات متعددة لمفهوم السعادة فهي «العدالة» عند أفلاطون و«الازدهار البشري» لدى أرسطو «ورأى الفارابي أنها مرهونة «باستخدام العقل والمنطق الذي من خلاله يتحقق الخير بعيدًا عن المنافع الحسية ولذة التملك».
نلاحظ أن كل هذه المفاهيم نأت عن ربط مفهوم السعادة بالمنفعة المادية وارتبطت بكل ما يسمو بالنفس البشرية ويرتقي بها إلى عالم الأخلاق والصفات النبيلة، وهذا برأيي ما يناسب عصرنا الغارق إنسانهُ في أزمات أخلاقية ومادية ونفسية معقدة ولهذا لا يجب أن يخرج مفهوم السعادة في القرن الحادي والعشرين -الذي توسعت فيه الهُوة بين البشر- عن كونه «العطاء غير المحدود بوجهيه المادي والمعنوي».
ورغم أن العطاء المادي مطلوب في عالم مأزوم تسود فيه النزعة الفردية والجشع والأنانية والتي أدت إلى تكريس الفقر وتكوين طبقة من المهمشين والمُعدومين في المجتمعات، إلا أن له أيضًا وجها معنويا يعدُ الوسيلة المُثلى لجعل شرائح هذه المجتمعات مُتحابة يتصف مقتدروها بالمسؤولية الاجتماعية بمختلف تصنيفاتها.
السعادة إذن، أن نصل إلى مرحلة من الرضا عن النفس ووسيلة ذلك الإيمان بأن المحبة قادرة على إذابة جبال الأحقاد وأن ما لدينا من نعمٍ هي مُلك لله سبحانه وتعالى وُهبت لنا لحكمة ما وقد تُسلب من بين أيدينا أو تُنزع بركتها إذا ما ساورنا شعور بالفوقية والاصطفاء والأحقية.
2 - «الموت»
خلال الأسبوع الفائت قضى الموت في أيام معدودات على آلاف البشر بمختلف أصقاع الأرض عبر الزلازل والفيضانات المدمرة مثلما حصل في المغرب وليبيا كما أتى على آلاف آخرين بصمت بواسطة الحروب الطاحنة المستمرة التي يُراد لها ألا تتوقف والكوارث الطبيعية والأزمات الغذائية والفقر والأمراض الفتاكة.
يخطف الموت هؤلاء البشر دون إشعار مُسبق ولم يميز بين ضحاياه، ومؤكد أن أحدًا منهم لم يكن ليتصور أنها لحظته الأخيرة في الدنيا، ربما عبدها واستعبدته أو نبذها فأقصته لكنها كانت الأخيرة فعلًا وقف فيها عاجزًا لا يقدر على شيء.
في تلك اللحظات لا شك أن جميع من هلكوا استشعروا ولأول مرة مهابة الموت وسطوته ونفوذه وتعرفوا على ملامحه التي كان يلفها الغموض لأن إنسانًا لم يرجع إليهم من عالم الأموات ليحدثهم عن أسراره وما يحدث فيه.. فاجأهم هذا الزائر غير المرحب به والذي كانوا يخشون لقاءه من قبل.
نعم نخشى جميعنا الموت ونخافه لأن حضوره يعني التلاشي والسقوط في عالم النسيان -كما حصل لمن ذهبوا قبلنا- إنه يهدم مبنى المجد والإنجازات والتعظيم ومفارقة ما أحببنا ومن أحببنا والدخول في عالم آخر «مجهول» لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ما يحصل بداخله.
لكن وعندما يأتي ذكر هذه الحقيقة المُسلم بها ولا جدال في وقوعها -الموت- ألا تدور في أذهانكم أسئلة بعينها؟ ألم تتساءلوا يومًا: لماذا يخاف الإنسان من الموت؟ هل بيننا من البشر من لا يخافه حقًا؟ من هم هؤلاء؟ من هم الذين يخشونه فعلًا ويحرصون على أن يخرجوا من الدنيا خفيفين نظيفين من أدرانها؟
آخر نقطة..
من أجمل ما وصف به سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الدنيا قوله: «إن الدنيا لهي الكنود العنود، والصدود الجحود، والحيود الميود، حالها انتقال، وسكونها زلزال، وعزها ذل، وجدها هزل، وكثرتها قل، وعلوها سفل، أهلها على ساق وسياق ولحاق وفراق، وهي دار حرب وسلب ونهب وعطب».
عمر العبري كاتب عماني